فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب كينونة الجنب في البيت، إذا توضأ قبل أن يغتسل

(بابُُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز كينونة الْجنب فِي بَيته إِذا تَوَضَّأ قبل الِاغْتِسَال، والكينونة مصدر: كَانَ يُقَال: يكون كوناً وكينونة، أَيْضا شبهوه بالحيدودة والطيرورة من ذَوَات الْيَاء، وَلم يجىء من الْوَاو على هَذَا إلاَّ أحرف: كينونة وكيعوعة وديمومة وقيدودة وَأَصله: كينونة، بتَشْديد الْيَاء، فحذفوا كَمَا حذفوا من هَين وميت، وَلَوْلَا ذَلِك لقَوْل: كونونة.
قَوْله: (إِذا تَوَضَّأ الْجنب) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت وكريمة.
(إِذا تَوَضَّأ قبل أَن يغْتَسل) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: إِذا تَوَضَّأ، قبل أَن يغْتَسل.

وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهر.

[ قــ :282 ... غــ :286 ]
- حدّثنا أَبُو نَعِيمٍ قالَ حدّثنا هِشَامٌ وَشيبانُ عَنْ يِحْيى اعَنْ أبي سَلَمَةَ قالَ سألتُ عائِشَةَ أكانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبُ قالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَأُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، قيل: أَشَارَ المُصَنّف بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا [حم (إِن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة وَلَا جنب) [/ حم.
قلت: هَذَا بعيد، لِأَن المُرَاد من هَذَا الْجنب الَّذِي يتهاون بالاغتسال ويتخذه عَادَة حت تفوته صَلَاة أَو أَكثر، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ من يُؤَخِّرهُ ليفعله، أَو يكون المُرَاد مِنْهُ من لم يرفع حَدثهُ كُله أَو بعضه، لِأَنَّهُ إِذا تَوَضَّأ ارْتَفع بعض الْحَدث عَنهُ، والْحَدِيث الْمَذْكُور صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَالَّذِي ضعفه قَالَ: فِي إِسْنَاده نجي الْحَضْرَمِيّ، بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم، لم يرو عَنهُ غير ابْنه عبد الله، فَهُوَ مَجْهُول، لَكِن وَثَّقَهُ الْعجلِيّ.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وَهِشَام الدستوَائي، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ الْمُؤَدب صَاحب حُرُوف وقراآت، وَيحيى بن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، تقدمُوا بِهَذَا التَّرْتِيب فِي كتاب الْعلم إلاَّ هشاماً فَإِنَّهُ مر فِي بابُُ زِيَادَة الْإِيمَان.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: رِوَايَة ابْن أبي شيبَة بتحديث أبي سَلمَة وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن ابْن عمر، رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

ذكر إعرابه قَوْله: (أَكَانَ) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَيتَوَضَّأ) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره، نعم يرقد وَيتَوَضَّأ.
فَإِن قلت: هَل كَانَ يتَوَضَّأ بعد الرقاد؟ قلت: الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب، وَالْمعْنَى أَنه يجمع بَين الْوضُوء والرقاد، وَلمُسلم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة، كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، وَهَذَا وَاضح لما قَررنَا، فآل معنى رِوَايَة البُخَارِيّ نعم إِذا أَرَادَ النّوم يقوم وَيتَوَضَّأ ثمَّ يرقد، ويوضح هَذَا أَيْضا حَدِيث ابْن عمر الَّذِي ذكره البُخَارِيّ عقيب هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي عَن قريب.

وَالَّذِي يستنبط من هَذَا الحَدِيث أَن الْجنب إِذا أَرَادَ النّوم يتَوَضَّأ ثمَّ هَذَا الْوضُوء مُسْتَحبّ أَو وَاجِب؟ يَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.