فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله

( بابُُ مَا يَجوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتِبِ ومنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كتابِ الله تَعَالَى)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يجوز من شُرُوط الْمكَاتب، وَمن جملَة شُرُوط الْمكَاتب قبُوله العقد وَذكر مَال الْكِتَابَة، سَوَاء كَانَ حَالا أَو مُؤَجّلا أَو منجماً.
وَعند الشَّافِعِي: إِذا شَرط حَالا لَا يكون كِتَابَة، بل يكون عتقا، وَمن شُرُوطه: أَن يكون عَاقِلا بَالغا، وَيجوز عندنَا أَيْضا إِذا كَانَ صَغِيرا مُمَيّزا بِأَن يعرف أَن البيع سالب وَالشِّرَاء جالب.
وَفِي ( شرح الطَّحَاوِيّ) وَإِذا كَانَ لَا يعقل لَا يجوز إلاَّ إِذا قبل عَنهُ إِنْسَان فَإِنَّهُ يجوز ويتوقف على إِدْرَاكه، فَإِن أدّى هَذَا الْقَابِل عتق، وَعند زفر: لَهُ اسْتِرْدَاده وَهُوَ الْقيَاس، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبابُُ إلاَّ ذكر شَرط الْوَلَاء.
قَوْله: ( وَمن اشْترط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الله تَعَالَى) وَهُوَ الشَّرْط الَّذِي خَالف كتاب الله أَو سنة رَسُوله أَو إِجْمَاع الْأمة،.

     وَقَالَ  ابْن خُزَيْمَة: معنى ( لَيْسَ فِي كتاب الله تَعَالَى) لَيْسَ فِي حكم الله جَوَازه أَو وُجُوبه، لَا أَن كل من شَرط شرطا لم ينْطق بِهِ الْكتاب يبطل، لِأَنَّهُ قد يشْتَرط فِي البيع الْكَفِيل فَلَا يبطل الشَّرْط، وَيشْتَرط فِي الثّمن شُرُوطًا من أَوْصَافه أَو من نجومه وَنَحْو ذَلِك فَلَا يبطل.

وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: الشَّرْط فِي البيع أَقسَام: أَحدهَا: يَقْتَضِيهِ إِطْلَاق العقد، كَشَرط تَسْلِيمه.
الثَّانِي: شَرط فِيهِ مصلحَة كَالرَّهْنِ وهما جائزان اتِّفَاقًا.
الثَّالِث: اشْتِرَاط الْعتْق فِي العَبْد، وَهُوَ جَائِز عِنْد الْجُمْهُور لحَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة بَرِيرَة.
الرَّابِع: مَا يزِيد على مُقْتَضى العقد وَلَا مصلحَة فِيهِ للْمُشْتَرِي كاستثناء منفعَته فَهُوَ بَاطِل.

فِيه ابنُ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَعْنِي فِي هَذَا الْبابُُ عبد الله بن عمر يروي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر فِيهِ عَن ابْن عمر أَي: رُوِيَ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث ابْن عمر الَّذِي يَأْتِي فِي آخر الْبابُُ.



[ قــ :2449 ... غــ :2561 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخبرَتْهُ أنَّ بَرِيرَةَ جاءَتْ تَسْتَعِينُها فِي كِتابَتِها ولَمْ تَكُنْ قَضتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً قالَتْ لَهَا عائِشَةُ ارْجِعِي إلَى أهْلِك فإنْ أحَبُّوا أنْ أقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ ويكُونُ وَلاؤكِ لِي فعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذالِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فأبَوْا وَقَالُوا إنْ شَاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ علَيْكِ فَلْتَفْعَلْ ويكُونَ وَلاَؤُكِ لَنا فَذَكَرَتْ ذالِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْتَاعِي فأعْتِقي فإنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتقَ قَالَ ثُمَ قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا بالُ أُناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُروطاً لَيْسَتْ فِي كِتابِ الله مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتابِ الله فَلَيْسَ لَهُ وإنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ شَرْطُ الله أحقُّ وأوْثَقُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: من اشْترط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الله.
قَوْله: ( إِلَى أهلك) المُرَاد بِهِ هُنَا: السَّادة.
قَوْله: ( فعلت) جَوَاب.
قَوْله: ( فَإِن أَحبُّوا) .
قَوْله: ( فَأَبَوا) ، أَي: امْتَنعُوا عَن كَون الْوَلَاء لعَائِشَة.
قَوْله: ( أَن تحتسب) ، أَي: إِذا أَرَادَت الثَّوْب عِنْد الله وَأَن لَا يكون لَهَا الْوَلَاء.
قَوْله: ( مَا بَال أنَاس؟) ، أَي: مَا شَأْنهمْ؟ قَوْله: ( وَإِن شَرط مائَة مرّة) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مائَة شَرط، قَالَ النَّوَوِيّ: معنى: مائَة شَرط، أَنه لَو: شَرط مائَة مرّة توكيداً فَهُوَ بَاطِل.
قلت: مثل هَذَا يذكر للْمُبَالَغَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: وَلَو كَانَ مائَة شَرط، خرج مخرج التكثير، يَعْنِي: أَن الشُّرُوط الْغَيْر الْمَشْرُوعَة بَاطِلَة وَلَو كثرت.





[ قــ :450 ... غــ :56 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يوسُفَ قَالَ أخْبرنا مالكٌ عَن نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أرادَت عائشَةُ أُمُّ المُؤْمِنينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنْ تَشْتَرِيَ جارِيَةً لِتُعْتِقَها فَقَالَ أهْلُها على أنَّ ولاءَهَا لَنا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَمْنعُ ذالِك فإنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( على أَن ولاءها لنا) ، لِأَن هَذَا شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله عز وَجل، وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الْفَرَائِض عَن إِسْمَاعِيل وقتيبة فرقهما.
وَأخرجه مُسلم فِي الْعتْق عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض وَالنَّسَائِيّ فِي الْبيُوع جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: ( لَا يمنعك) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا نَمْنَعك بنُون، وَرِوَايَة مُسلم مثل الأول، وَالله أعلم.