فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا قال المكاتب: اشترني وأعتقني، فاشتراه لذلك

( بابٌُ إِذا قَالَ المُكاتِبُ اشْتَرِني وأعْتِقْنِي فاشْتَرَاهُ لِذالِكَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا قَالَ الْمكَاتب لأحد: اشترني من مولَايَ وأعتقني، فَاشْتَرَاهُ لتِلْك أَي: لِلْعِتْقِ وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، تَقْدِيره: جَازَ.



[ قــ :2453 ... غــ :2565 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ قَالَ حدَّثني أبي أيْمَنُ قَالَ دخلْتُ علَى عائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فقُلْتُ كُنْتُ لِعُتْبَةَ بنِ أبِي لَهَبٍ وماتَ ووَرِثَنِي بَنُوهُ وإنَّهُمْ باعُونِي مِنْ ابنِ أبِي عَمْرٍ وفأعْتَقَنِي ابنُ أبي عَمْرٍ وواشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الوَلاءَ فقالَتْ دَخَلَتْ بَريرَةُ وهْيَ مُكاتَبَةٌ فقالتْ اشْتَرِيني وأعْتِقِيني قالَتْ نَعَمْ قالَتْ لَا يَبِيعُونِي حتَّى يَشْتَرِطُوا ولائِي فقالَتْ لاَ حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ فَسَمِعَ بِذالِكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ بَلَغَهُ فذَكَرَ لِعائِشَةَ فَذَكَرَتْ عائِشَةُ مَا قالَتْ لَها فَقَالَ اشْتَرِيها وأعْتِقِيهَا ودَعِيهِمْ يَشْترِطُونَ مَا شَاؤُا فاشْتَرَتْها عائِشَةُ فأعْتَقَتْها واشْتَرَطَ أهلُها الوَلاءَ فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ وإنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اشتريني وأعتقيني) ، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الْوَاحِد ابْن أَيمن ضد الْأَيْسَر المَخْزُومِي الْمَكِّيّ وأيمن الحبشي مولى ابْن أبي عَمْرو المَخْزُومِي، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى خَمْسَة أَحَادِيث، هَذَا وآخران عَن عَائِشَة، وحديثان عَن جَابر، وَكلهَا مُتَابعَة.
وَلم يروِ عَنهُ غير وَلَده عبد الْوَاحِد، وإيمن الحبشي هَذَا، غير أَيمن بن نائل الحبشي، وَكِلَاهُمَا مكيان، غير أَن أَيمن وَالِد عبد الْوَاحِد نزيل الْمَدِينَة، وأيمن بن نائل نزيل عسقلان، وَكِلَاهُمَا من التَّابِعين.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن خَلاد بن يحيى.

قَوْله: ( كنت لعتبة) ، ويروى: ( كنت غُلَاما لعتبة) ، وَلَفظ الْغُلَام مُقَدّر فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا.
وَعتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن أبي لَهب عبد الْعُزَّى بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي، أسلم يَوْم الْفَتْح هُوَ وَأَخُوهُ معتب، وَلم يهاجرا من مَكَّة، وأخوهما عتيبة بِالتَّصْغِيرِ مَاتَ كَافِرًا.
قَوْله: ( بنوه) ، أَي: بَنو عتبَة، وهم: الْعَبَّاس وَأَبُو خرَاش وَهِشَام وَيزِيد.
قَوْله: ( من ابْن أبي عَمْرو) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والنسفي: من عبد الله بن أبي عَمْرو، وَزَاد الْكشميهني من عبد الله بن أبي عَمْرو بن عبد الله المَخْزُومِي.
قَوْله: ( أَو بلغه؟) ، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَوْله: ( فَذكر) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لعَائِشَة.
قَوْله: ( ودعيهم) ، أَي: اتركيهم وَلَا تتعرضي لَهُم فِيمَا يشترطون مَا شاؤا من الْوَلَاء.
قَوْله: ( مائَة شَرط) ، هُوَ بِمَعْنى الْمصدر ليُوَافق الرِّوَايَة الْأُخْرَى: مائَة مرّة، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.


( بابُُ الْهِبَة وفضلها والتحريض عَلَيْهَا)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْهِبَة وَبَيَان فَضلهَا وَبَيَان التحريض عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَابْن شبويه: والتحريض فِيهَا، واستعماله: بعلى، أَكثر.
والتحريض على الشَّيْء: الْحَث والإغراء عَلَيْهِ، والبسملة مُقَدّمَة على قَوْله: كتاب الْهِبَة، عِنْد الْكل إلاَّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، فَإِنَّهَا مَذْكُورَة بعده،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : أصل الْهِبَة من هبوب الرّيح أَي: مروره.
قلت: هَذَا غلط صَرِيح بل الْهِبَة مصدر من: وهب يهب، وَأَصلهَا: وهب، لِأَنَّهُ معتل الْفَاء كالعدة أَصْلهَا: وعد، فَلَمَّا حذفت الْوَاو تبعا لفعله عوضت عَنْهَا الْهَاء، فَقيل: هبة وعدة، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَة: إِيصَال الشَّيْء للْغَيْر بِمَا يَنْفَعهُ، سَوَاء كَانَ مَالا أَو غير مَال: يُقَال: وهبت لَهُ مَالا، ووهب الله فلَانا ولدا صَالحا، وَيُقَال: وهبه مَالا أَيْضا، وَلَا يُقَال: وهب مِنْهُ، وَيُسمى الْمَوْهُوب: هبة وموهبة، وَالْجمع: هبات ومواهب، واتهبه مِنْهُ: إِذا قبله، واستوهبه إِيَّاه: إِذا طلب الْهِبَة وَفِي الشَّرْع: الْهِبَة تمْلِيك المَال بِلَا عوض،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْهِبَة تمْلِيك بِلَا عوض، وتحتها أَنْوَاع: كالإبراء: وَهِي هبة الدّين مِمَّن عَلَيْهِ، وَالصَّدَََقَة: وَهِي الْهِبَة لثواب الْآخِرَة، والهدية: وَهِي مَا ينْقل إِلَى الْمَوْهُوب مِنْهُ إِكْرَاما لَهُ.
وَأخذ بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا، وَذكر التَّقْسِيم الْمَذْكُور بعد أَن قَالَ: الْهِبَة تطلق بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ على أَنْوَاع، ثمَّ قَالَ: وَتطلق الْهِبَة بِالْمَعْنَى الْأَخَص على مَا لَا يقْصد لَهُ بدل، وَعَلِيهِ ينطبق قَول من عرف الْهِبَة بِأَنَّهَا: تمْلِيك بِلَا عوض.
انْتهى.
قلت: تَقْسِيم الْهِبَة إِلَى الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة لَيْسَ بِالنّظرِ إِلَى مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، لِأَن الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تنطبق على الْمَعْنى اللّغَوِيّ لَا الشَّرْعِيّ، فَافْهَم.



[ قــ :454 ... غــ :566 ]
- ( حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ قَالَ حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يَا نسَاء المسلمات لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ تحريضا على الْخَيْر إِلَى أحد وَلَو كَانَ بِشَيْء حقير وَهُوَ دَاخل فِي معنى الْهِبَة من حَيْثُ اللُّغَة.
( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة على رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين خَمْسَة الأول عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب أَبُو الْحُسَيْن مولى قريبَة بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي مُحَمَّد بن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب واسْمه هِشَام الثَّالِث سعيد المَقْبُري الرَّابِع أَبوهُ كيسَان الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة وكيسان سقط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَالصَّوَاب إثْبَاته.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ عَن ابْن أبي ذِئْب يحيى الْقطَّان وَأَبُو معشر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة من غير ذكر أَبِيه وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي معشر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة لم يقل عَن أَبِيه وَزَاد فِي أَوله " تهادوا فَإِن الْهَدِيَّة تذْهب وحر الصَّدْر ".

     وَقَالَ  غَرِيب وَأَبُو معشر يضعف.

     وَقَالَ  الطرقي أَنه أَخطَأ فِيهِ حَيْثُ لم يقل عَن أَبِيه ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أهل وَاسِط وَأَنه من أَفْرَاده وَبَقِيَّة الروَاة مدنيون وَفِيه أَن أحدهم مَذْكُور بنسبته إِلَى أحد أجداده كَمَا ذكرنَا وَالْآخر مَذْكُور بنسبته إِلَى مَقْبرَة الْمَدِينَة لأجل سكناهُ فِيهَا والْحَدِيث أخرجه مُسلم قَالَ حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ أخبرنَا اللَّيْث بن سعيد وَحدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول " يَا نسَاء المسلمات لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة " ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَا نسَاء المسلمات " ذكر عِيَاض فِي إعرابه ثَلَاثَة أوجه.
أَصَحهَا وأشهرها نصب النِّسَاء وجر المسلمات على الْإِضَافَة قَالَ الْبَاجِيّ وَبِهَذَا روينَاهُ عَن جَمِيع شُيُوخنَا بالمشرق وَهُوَ من بابُُ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه والموصوف إِلَى صفته والأعم إِلَى الْأَخَص كمسجد الْجَامِع وجانب الغربي وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين جَائِز على ظَاهره وَعند الْبَصرِيين يقدرُونَ فِيهِ محذوفا أَي مَسْجِد الْمَكَان الْجَامِع وجانب الْمَكَان الغربي وَيقدر هُنَا يَا نسَاء الْأَنْفس المسلمات أَو الْجَمَاعَات الْمُؤْمِنَات وَقيل تَقْدِيره يَا فاضلات المسلمات كَمَا يُقَال هَؤُلَاءِ رجال الْقَوْم أَي ساداتهم وأفاضلهم.
الْوَجْه الثَّانِي رفع النِّسَاء وَرفع المسلمات على معنى النداء وَالصّفة أَي يَا أيتها النِّسَاء المسلمات قَالَ الْبَاجِيّ كَذَا يرويهِ أهل بلدنا.
الْوَجْه الثَّالِث رفع النِّسَاء وَكسر التَّاء من المسلمات على أَنه مَنْصُوب على الصّفة على الْموضع كَمَا يُقَال يَا زيد الْعَاقِل بِرَفْع زيد وَنصب الْعَاقِل قَوْله " جَارة " الجارة مؤنث الْجَار وَيُقَال للزَّوْجَة جَار لِأَنَّهَا تجاور زَوجهَا فِي مَحل وَاحِد وَقيل الْعَرَب تكني عَن الضرة بالجارة تطيرا من الضَّرَر وَمِنْه كَانَ ابْن عَبَّاس ينَام بَين جَارِيَته قَوْله " لجارتها " ظَاهره الْمَرْأَة الَّتِي تجاور الْمَرْأَة الَّتِي تسمى جَارة مؤنث الْجَار.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي لجارتها مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي لَا تحقرن جَارة هَدِيَّة مهداة لجارتها بَالغ فِيهِ حَتَّى ذكر أَحْقَر الْأَشْيَاء من أبْغض البغيضين إِذا حمل لفظ الجارة على الضرة وجارتها بالضمير فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر لَا تحقرن جَارة لجارة بِلَا ضمير قَوْله " وَلَو فرسن شَاة " يَعْنِي وَلَو أَنَّهَا تهدي فرسن شَاة وَالْمرَاد مِنْهُ الْمُبَالغَة فِي إهداء الشَّيْء الْيَسِير لَا حَقِيقَة الفرسن لِأَنَّهُ لم تجر الْعَادة فِي المهاداة بِهِ وَالْمَقْصُود أَنَّهَا تهدي بِحَسب الْمَوْجُود عِنْدهَا وَلَا يستحقر لقلته لِأَن الْجُود بِحَسب الْمَوْجُود والوجود خير من الْعَدَم هَذَا ظَاهر الْكَلَام وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي وَاقعا للمهدى إِلَيْهَا وَأَنَّهَا لَا تحتقر مَا يهدى إِلَيْهَا وَلَو كَانَ حَقِيرًا والفرسن بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون قَالَ ابْن دُرَيْد هُوَ ظَاهر الْخُف وَالْجمع فراسن وَفِي الْمُحكم هِيَ طرف خف الْبَعِير انْتهى حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الثلاثي وَلَا يُقَال فِي جمعه فرسنات كَمَا قَالُوا خناصر وَلم يَقُولُوا خنصرات وَفِي الْمُخَصّص هُوَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ فعلن وَلم يحك فِي الْأَسْمَاء غَيره.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد السلَامِي عِظَام الْفرس كلهَا وَفِي الْجَامِع هُوَ من الْبَعِير بِمَنْزِلَة الظفر من الْإِنْسَان وَفِي المغيث هُوَ عظم قَلِيل اللَّحْم وَهُوَ للشاة وَالْبَعِير بِمَنْزِلَة الْحَافِر للدابة وَقيل هُوَ خف الْبَعِير وَفِي الصِّحَاح رُبمَا استعير للشاة.

     وَقَالَ  ابْن السراج النُّون زَائِدَة.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي الفرسن مَا دون الرسغ من يَد الْبَعِير وَهِي مُؤَنّثَة.
وَفِي الحَدِيث الحض على التهادي وَلَو باليسير لما فِيهِ من استجلاب الْمَوَدَّة وإذهاب الشحناء وَلما فِيهِ من التعاون على أَمر الْمَعيشَة والهدية إِذا كَانَت يسيرَة فَهِيَ أدل على الْمَوَدَّة وَأسْقط للمؤنة وأسهل على الْمهْدي لإطراح التَّكْلِيف وَالْكثير قد لَا يَتَيَسَّر كل وَقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير



[ قــ :455 ... غــ :567 ]
- ( حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لعروة ابْن أُخْتِي إِن كُنَّا لنَنْظُر إِلَى الْهلَال ثمَّ الْهلَال ثمَّ الْهلَال ثَلَاثَة أهلة فِي شَهْرَيْن وَمَا أوقدت فِي أَبْيَات رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَار فَقلت يَا خَالَة مَا كَانَ يعيشكم قَالَت الأسودان التَّمْر وَالْمَاء إِلَّا أَنه قد كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جيران من الْأَنْصَار كَانَت لَهُم منائح وَكَانُوا يمنحون رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ألبانهم فيسقينا) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله وَكَانُوا يمنحون رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ألبانهم وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يهْدُونَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ألبان منايحهم.
وَفِي الْهَدِيَّة معنى الْهِبَة على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة ونسبته إِلَيْهِ.
الثَّانِي عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم واسْمه سَلمَة بن دِينَار.
الثَّالِث أَبوهُ سَلمَة بن دِينَار.
الرَّابِع يزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم الرَّاء أَبُو روح مولى آل الزبير بن الْعَوام.
الْخَامِس عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
السَّادِس عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده.
وَفِيه أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَفِيه رِوَايَة الرَّاوِي عَن خَالَته.
وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد.
الأول أَبُو حَازِم سَلمَة.
وَالثَّانِي يزِيد بن رُومَان.
وَالثَّالِث عُرْوَة.
وَفِيه رِوَايَة الرَّاوِي عَن أَبِيه والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن يحيى.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " ابْن أُخْتِي " يَعْنِي يَا ابْن أُخْتِي وحرف النداء مَحْذُوف وَفِي رِوَايَة مُسلم وَالله يَا ابْن أُخْتِي وَأم عُرْوَة أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وَهِي أُخْت عَائِشَة بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَوْله " إِن كُنَّا " إِن هَذِه مُخَفّفَة من أَن المثقلة فَتدخل على الجملتين فَإِن دخلت على الاسمية جَازَ إعمالها خلافًا للكوفيين وَإِن دخلت على الفعلية وَجب إهمالها وَالْأَكْثَر أَن يكون الْفِعْل مَاضِيا نَاسِخا وَهَهُنَا كَذَلِك لِأَنَّهَا دخلت على الْمَاضِي النَّاسِخ لِأَن كَانَ من النواسخ وَاللَّام فِي لنَنْظُر عِنْد سِيبَوَيْهٍ والأكثرين لَام الِابْتِدَاء دخلت لتوكيد النِّسْبَة وتخليص الْمُضَارع للْحَال وللفرق بَين أَن المخففة من المثقلة وَأَن النافية وَلِهَذَا صَارَت لَازِمَة بعد أَن كَانَت جَائِزَة وَزعم أَبُو عَليّ وَأَبُو الْفَتْح وَجَمَاعَة أَنَّهَا لَام غير لَام الِابْتِدَاء اجتلب للْفرق قَوْله " ثَلَاثَة أهلة " بِالنّصب تَقْدِيره نرى ثَلَاثَة أهلة ونكملها فِي شَهْرَيْن بِاعْتِبَار رُؤْيَة الْهلَال فِي أول الشَّهْر الأول ثمَّ بِرُؤْيَتِهِ فِي أول الشَّهْر الثَّانِي ثمَّ بِرُؤْيَتِهِ فِي أول الشَّهْر الثَّالِث فَيصدق عَلَيْهِ ثَلَاثَة أهلة وَلَكِن الْمدَّة سِتُّونَ يَوْمًا وَفِي الرقَاق من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه بِلَفْظ كَانَ يَأْتِي علينا الشَّهْر مَا نوقد فِيهِ نَارا وَفِي رِوَايَة ابْن ماجة من طَرِيق أبي سَلمَة عَن عَائِشَة بِلَفْظ لقد كَانَ يَأْتِي على آل مُحَمَّد الشَّهْر مَا يرى فِي بَيت من بيوته الدُّخان قَوْله " وَمَا أوقدت " على صِيغَة الْمَجْهُول من الإيقاد قَوْله " يَا خَالَة " بِضَم التَّاء لِأَنَّهُ منادى مُفْرد قَوْله " مَا كَانَ يعيشكم " بِضَم الْيَاء من أعاشه الله تَعَالَى عيشة.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ بِفَتْح الْعين وَكسر الْيَاء الْمُشَدّدَة قَالَ وَفِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة يَعْنِي فِي نسخ مُسلم فَمَا كَانَ يقيتكم من الْقُوت صرح بذلك القونوي فِي مُخْتَصر شرح مُسلم.

     وَقَالَ  بَعضهم وَفِي بعض النّسخ مَا يغنيكم بِسُكُون الْمُعْجَمَة بعْدهَا نون مَكْسُورَة ثمَّ تَحْتَانِيَّة سَاكِنة انْتهى ( قلت) كَأَنَّهُ صحف عَلَيْهِ فَجعله من الاغناء وَلَيْسَ هُوَ الْأَمْن الْقُوت فعلى قَوْله تكون هَذِه رِوَايَة رَابِعَة فتحتاج إِلَى الْبَيَان قَوْله " الأسودان المَاء وَالتَّمْر " وَهُوَ من بابُُ التغليب إِذْ المَاء لَيْسَ أسود وأطلقت عَائِشَة على التَّمْر أسود لِأَنَّهُ غَالب تمر الْمَدِينَة.

     وَقَالَ  ابْن سيدة فسر أهل اللُّغَة الأسودين بِالْمَاءِ وَالتَّمْر وَعِنْدِي أَنَّهَا إِنَّمَا أَرَادَت الْحرَّة وَاللَّيْل قيل لَهما الأسودان لاسودادهما وَذَلِكَ أَن وجود التَّمْر وَالْمَاء عِنْدهم شبع ورى وخصب وَإِنَّمَا أَرَادَت عَائِشَة أَن تبالغ فِي شدَّة الْحَال بِأَن لَا يكون مَعهَا إِلَّا اللَّيْل والحرة وَهَذَا أذهب فِي سوء الْحَال من وجود التَّمْر وَالْمَاء وَقيل الأسودان المَاء وَاللَّبن وضاف مرْثَد الْمدنِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قوم فَقَالَ لَهُم مالكم عندنَا إِلَّا الأسودان قَالُوا إِن فِي ذَلِك لمقنعا المَاء وَالتَّمْر فَقَالَ مَا ذَلِك أردْت وَالله إِنَّمَا أردْت الْحرَّة وَاللَّيْل ( قلت) الْحرَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء البقل الَّذِي يُؤْكَل غير مطبوخ قَوْله " منائح " جمع منيحة بِفَتْح الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة وَهِي نَاقَة أَو شَاة تعطيها غَيْرك ليحتلبها ثمَّ يردهَا عَلَيْك وَقد تكون المنيحة عَطِيَّة للرقبة بمنافعها مُؤَبّدَة مثل الْهِبَة.

     وَقَالَ  الْفراء منحته منيحة وَهِي النَّاقة وَالشَّاة يُعْطِيهَا الرجل لآخر يحلبها ثمَّ يردهَا وَزعم بَعضهم أَن المنيحة لَا تكون إِلَّا نَاقَة.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد المنيحة عِنْد الْعَرَب على وَجْهَيْن أَن يُعْطي الرجل صَاحب صلَة فَيكون لَهُ وَأَن يمنحه نَاقَة أَو شَاة ينْتَفع بحلبها ووبرها وصوفها زَمنا ثمَّ يردهَا.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ الْعَرَب تَقول منحتك النَّاقة وأنحلتك الْوَبر وأعريتك النَّخْلَة وأعمرتك الدَّار وَهَذِه كلهَا هبة مَنَافِع يعود بعْدهَا مثلهَا قَوْله " يمنحون " من الْمنح وَهُوَ الْعَطاء يُقَال منحه يمنحه من بابُُ فَتحه يَفْتَحهُ ومنحه يمنحه من بابُُ ضربه يضْربهُ وَالِاسْم المنحة بِالْكَسْرِ وَهِي الْعَطِيَّة.
وَفِي الحَدِيث زهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الدُّنْيَا وَالصَّبْر على التقلل وَأخذ الْبلْغَة من الْعَيْش وإيثار الْآخِرَة على الدُّنْيَا.
وَفِيه حجَّة لمن آثر الْفقر على الْغنى.
وَفِيه أَن السّنة مُشَاركَة الْوَاجِد المعدم