فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما لا يرد من الهدية

( بابُُ مَا لَا يُرَدُّ مِنَ الهَدِيَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يرد من الْهَدِيَّة.



[ قــ :2471 ... غــ :2582 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَر قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوارِثِ قَالَ حدَّثنا عَزْرةُ بنُ ثابِتٍ الأنْصَارِيُّ قَالَ حدَّثني ثُمامَةُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ دَخَلْتُ علَيْهِ فنَاوَلَنِي طِيباً قَالَ كانَ أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ قَالَ وزَعَمَ أنَسٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.

( الحَدِيث 2852 طرفه فِي: 9295) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح مَا فِي التَّرْجَمَة من الْإِبْهَام، لِأَن قَوْله: مَا لَا يرد من الْهَدِيَّة، غير مَعْلُوم، فَالْحَدِيث أوضحه وَهُوَ أَن المُرَاد مِنْهُ الطّيب.
قَالَ الْجَوْهَرِي: الطّيب مَا يتطيب بِهِ.
قلت: هَذَا بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء، وَأما: الطّيب، بِفَتْح الطَّاء وَتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة، فَهُوَ خلاف الْخَبيث.
تَقول: طَابَ الشَّيْء يطيب طيبَة وتطياباً.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد.
الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد.
الثَّالِث: عزْرَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وبالراء: ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عبد الله بن أنس، قَاضِي الْبَصْرَة.
الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن جده، فَإِن ثُمَامَة روى عَن جده أنس بن مَالك.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَة رد الطّيب: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا عزْرَة بن ثَابت عَن ثُمَامَة بن عبد الله، قَالَ: كَانَ أنس لَا يرد الطّيب.
.

     وَقَالَ  أنس: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يرد الطّيب،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة وَفِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع.

قَوْله: ( قَالَ: دخلت عَلَيْهِ) ، أَي: قَالَ عزْرَة بن ثَابت: دخلت على ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، وَقد وهم صَاحب ( التَّوْضِيح) حَيْثُ قَالَ: الضَّمِير فِي: عَلَيْهِ، يرجع إِلَى أنس.
قَوْله: ( فناولني طيبا) أَي: فناولني ثُمَامَة طيبا، وَقد ذكرنَا أَن الطّيب فِي اللُّغَة مَا يتطيب بِهِ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( ثَلَاث لَا ترد: الوسائد والدهن وَاللَّبن) ،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَهَذَا الَّذِي ذكره أَيْضا مِمَّا لَا يرد وَإِنَّمَا لم يذكرهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ على شَرطه.
قَوْله: ( قَالَ وَزعم أنس) ، أَي: قَالَ: والزعم يسْتَعْمل لِلْقَوْلِ، قَالَ ابْن بطال، رَحمَه الله: إِنَّمَا كَانَ لَا يرد الطّيب من أجل أَنه ملازم لمناجاة الْمَلَائِكَة، وَلذَلِك كَانَ لَا يَأْكُل الثوم وَمَا يشاكله، قَالَ بَعضهم: لَو كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي ذَلِك لَكَانَ من خَصَائِصه، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن أنسا اقْتدى بِهِ فِي ذَلِك، وَقد ورد النَّهْي عَن رده مَقْرُونا بِبَيَان الْحِكْمَة فِي ذَلِك فِي حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة من طَرِيق عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: ( من عرض عَلَيْهِ طيب فَلَا يردهُ، فَإِنَّهُ خَفِيف الْمحمل طيب الرَّائِحَة) وَأخرجه مُسلم من هَذَا الْوَجْه لَكِن، قَالَ: ريحَان، بدل: طيب.
انْتهى.
قلت: إِذا انْتَفَت الخصوصية لَا يُنَافِي أَن يكون من جملَة السَّبَب فِي ترك رده اسْتِصْحَاب شَيْء طيب الرَّائِحَة للْملك وللخلق.



( بابُُ مَنْ رَأى الهِبَةَ الغائِبَةَ جائزَةً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من رأى الْهِبَة أَي: الَّتِي توهب، لِأَن نفس الْهِبَة مصدر، كَمَا ذكرنَا، فَلَا يُوصف بالغيبة.
وَفِي بعض النّسخ: من رأى الْهَدِيَّة الغائبة جَائِزَة، وَالْأول أصوب على مَا لَا يخفى.



[ قــ :471 ... غــ :584 ]
- حدَّثنا سعيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب قَالَ ذَكَرَ عُرْوَةُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما ومَرْوانَ قَالَ أخْبِراهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينَ جاءَهُ وفْدُ هَوازِنَ قامَ فِي النَّاسِ فأثناى علَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ إخْوَانَكُمْ جاؤنَا تائبِينَ وإنِّي رأيْتُ أنْ أرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ ذالِكَ فَلْيَفْعَلْ ومَنْ أحَبَّ أنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حتَّى نُعْطِيَهُ إيَّاهُ مِنْ أوَّلِ مَا يُفِىءُ الله عَلَيْنا فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا لَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، فَإِن فِيهِ: أَنهم تركُوا مَا غنموه من السَّبي، من قبل أَن يقسم، وَذَلِكَ فِي معنى الْغَائِب، وتركهم إِيَّاه فِي معنى الْهِبَة، وَفِيه تعسف شَدِيد من وُجُوه: الأول: أَنهم مَا ملكوا شَيْئا قبل الْقِسْمَة، وَإِن كَانُوا استحقوه.
وَالثَّانِي: إِطْلَاق الْهِبَة على التّرْك بعيد جدا.
وَالثَّالِث: أَنه هبة شَيْء مَجْهُول، لِأَن مَا يسْتَحق كل وَاحِد مِنْهُم قبل الْقِسْمَة غير مَعْلُوم.
وَالرَّابِع: توصيف الْهِبَة بالعيبة، وَفِيه مَا فِيهِ، وَهَذِه التعسفات كلهَا من وضع هَذِه التَّرْجَمَة على الْوَجْه الْمَذْكُور.

وَهَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث الْمسور ومروان فِي قصَّة هوَازن، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْعتْق فِي: بابُُ من ملك من الْعَرَب رَقِيقا فوهب وَبَاعَ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.

قَوْله: ( وَمن أحب أَن يكون على حَظه) ، أَي: نصِيبه، وَجَوَاب: من، الَّتِي هِيَ للشّرط مَحْذُوف، يدل عَلَيْهِ السِّيَاق فِي جَوَاب الشَّرْط الأول، وَهُوَ قَوْله: فَلْيفْعَل،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فِيهِ: أَن للسُّلْطَان أَن يرفع أَمْلَاك قوم إِذا كَانَ فِي ذَلِك مصلحَة واستئلاف، ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا ذكره، بل فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك بعد تطييب نفوس الْغَانِمين.