فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه، فهو أحق

( بابُُ مَنْ أهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وعِنْدَهُ جُلَساؤُهُ فَهُوَ أحَقُّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من أهدي لَهُ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، و: هَدِيَّة: مَرْفُوعَة بِإِسْنَاد أهدي إِلَيْهِ.
قَوْله: ( وَعِنْده) أَي: وَالْحَال أَن عِنْد هَذَا الَّذِي أهْدى لَهُ جمَاعَة، وهم جُلَسَاؤُهُ وَهُوَ جمع جليس.
قَوْله: ( فَهُوَ أَحَق) ، جَوَاب من: أَي: الَّذِي أهْدى لَهُ أَحَق بالهدية من جُلَسَائِهِ، يَعْنِي: لَا يشاركون مَعَه.

ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاءَهُ ولَمْ يَصِحَّ

لما كَانَ وضع تَرْجَمَة الْبابُُ يُخَالف مَا روى عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه وشركاؤه، أَشَارَ إِلَيْهِ بِصِيغَة التمريض، بقوله: وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه، أَي: جلساء الْمهْدي إِلَيْهِ شركاؤه فِي الْهَدِيَّة، وَلم يكتف بِذكرِهِ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس بِصِيغَة التمريض حَتَّى أكده بقوله: وَلم يَصح، أَي: وَلم يَصح، هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: وَلم يَصح فِي هَذَا الْبابُُ شَيْء، وَلِهَذَا قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبابُُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء، وروى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وموقوفاً، وَالْمَوْقُوف أصح إِسْنَادًا من الْمَرْفُوع.
أما الْمَرْفُوع، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الصَّلْت: حَدثنَا منْدَل بن عَليّ عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أهديت لَهُ هَدِيَّة وَعِنْده نَاس فهم شركاؤه فِيهَا) ومندل بن عَليّ ضَعِيف، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا عبد بن حميد من طَرِيق ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا نَحوه، وَلَفظه وَعِنْده قوم، وَاخْتلف على عبد الرَّزَّاق عَنهُ فِي وَقفه وَرَفعه، وَالْمَشْهُور عَنهُ الْوَقْف، وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَله شَاهد مَرْفُوع من حَدِيث الْحسن بن عَليّ فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَآخر عَن عَائِشَة عِنْد الْعقيلِيّ، وإسنادهما ضَعِيف أَيْضا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: معنى الحَدِيث النّدب عِنْد الْعلمَاء فِيمَا خف من الْهَدَايَا، وَجَرت الْعَادة فِيهِ، وَأما مثل الدّور وَالْمَال الْكثير فصاحبها أَحَق بهَا، ثمَّ ذكر حِكَايَة أبي يُوسُف القَاضِي: أَن الرشيد أهْدى إِلَيْهِ مَالا كثيرا وَهُوَ جَالس مَعَ أَصْحَابه، فَقيل لَهُ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جلساؤكم شركاؤكُم، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِنَّه لم يرد فِي مثله، وَإِنَّمَا ورد فِيمَا خف من الْهَدَايَا من المأكل وَالْمشْرَب، ويروى من غير هَذَا الْوَجْه أَنه: كَانَ جَالِسا وَعِنْده أَحْمد بن جنبل وَيحيى بن معِين، فَحَضَرَ من عِنْد الرشيد طبق وَعَلِيهِ أَنْوَاع من التحف المثمنة، فروى أَحْمد وَيحيى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: ذَاك فِي التَّمْر والعجوة، يَا خَازِن! إرفعه.



[ قــ :2495 ... غــ :2609 ]
- حدَّثنا ابنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عبدُ الله قَالَ أخبرنَا شُعْبَةُ عنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ أخذَ سِنَّا فَجاءَهُ صاحِبُهُ يَتقَاضَاهُ فَقال إنَّ لِصاحِبِ الحَقِّ مقَالاً ثُمَّ قَضاهُ أفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ.

     وَقَالَ  أفْضَلُكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً..
مطابقته للتَّرْجَمَة على مَا قَالَه الْكرْمَانِي: إِن الزِّيَادَة على حَقه كَانَت هَدِيَّة، وَقيل: هِبته لصَاحب السن الْقدر الزَّائِد على حَقه، وَلم يُشَارِكهُ غَيره، وَفِيه نظر لَا يَخْلُو عَن تعسف، والْحَدِيث مر عَن قريب فِي: بابُُ الْهِبَة المقبوضة، وَابْن مقَاتل هُوَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.





[ قــ :496 ... غــ :610 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عمْرٍ وَعَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ كانَ مَعَ النبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفَرٍ فكانَ علَى بَكْرٍ لِعُمَرَ صَعْبٍ فَكانَ يَتَقَدَّمُ النبيَّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُ أبُوهُ يَا عَبْدَ الله لاَ يَتَقَدَّمُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَدٌ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعْنِيهِ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ لَكَ فاشْتَرَاهُ ثُمَّ قالَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ الله فاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ.

( انْظُر الحَدِيث 511 وطرفه) .

قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا دخل لَهُ فِي هَذَا الْبابُُ، فَلَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة.
قلت: لِأَن هَذَا هبة لشخص معِين فَلَا مُشَاركَة لغيره فِيهَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هِبته لِابْنِ عمر مَعَ النَّاس، فَلم يسْتَحق أحد مِنْهُم فِيهِ شركَة.
قلت: هَذَا عَجِيب: لِأَن الشَّخْص إِذا وهب لأحد شَيْئا وَهُوَ بَين النَّاس فَهَل يتَوَهَّم فِيهِ أَنهم يشاركونه فِيهِ؟ حَتَّى يُقَال: هَذِه هبة وهبت لشخص وَعِنْده جُلَسَاؤُهُ، فهم شركاؤه فِيهِ، بل كل مِنْهُم يتَحَقَّق أَن هَذَا هُوَ الأحق لتعينه من جِهَة الْوَاهِب.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا مصير من المُصَنّف إِلَى اتِّحَاد حكم الْهَدِيَّة وَالْهِبَة.
قلت: هَذَا أعجب من ذَلِك، وَكَيف بَينهمَا اتِّحَاد فِي الحكم؟ بل بَينهمَا تغاير فِي الحكم وتباين، لِأَن الْهِبَة عقد من الْعُقُود يحْتَاج إِلَى إِيجَاب وَقبُول وَقبض، والهدية لَيست كَذَلِك، وَأَيْضًا قد يشْتَرط الْعِوَض فِي الْهِبَة وَلَا يشْتَرط فِي الْهَدِيَّة، والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا اشْترى شَيْئا فوهب من سَاعَته و ( الْبكر) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْفَتى من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْغُلَام من النَّاس، وَالْأُنْثَى بكرَة، و ( صَعب) صفته أَي: شَدِيد، وَقد مر هُنَاكَ بَقِيَّة الْكَلَام.