فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قبول الهدية من المشركين

( بابُُ قَبولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ المُشْرِكِينَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشْركين، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى ضعف الحَدِيث الْوَارِد فِي رد هَدِيَّة الْمُشرك، وَهُوَ مَا أخرجه مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك وَرِجَال من أهل الْعلم أَن عَامر بن مَالك الَّذِي يدعى: ملاعب الأسنة.
قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُشْرك فأهدى لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أقبل هَدِيَّة مُشْرك ... الحَدِيث، رِجَاله ثِقَات إلاَّ أَنه مُرْسل، وَقد وَصله بَعضهم عَن الزُّهْرِيّ وَلَا يَصح.
وَفِي الْبابُُ عَن عِيَاض بن حمَار أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا من طَرِيق قَتَادَة عَن يزِيد بن عبد الله عَن عِيَاض.
قَالَ: أهديث للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَاقَة فَقَالَ: أسلمت؟ قلت: لَا، قَالَ: إِنِّي نهيت عَن زبد الْمُشْركين.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَمعنى قَوْله: إِنِّي نهيت عَن زبد الْمُشْركين، يَعْنِي: هداياهم.
قلت الزّبد، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: وَهُوَ الرفد وَالعطَاء، يُقَال مِنْهُ: زبده يزبده، بِالْكَسْرِ، فَأَما يزبده بِالضَّمِّ فَهُوَ: إطْعَام الزّبد.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخا لِأَنَّهُ قبل هَدِيَّة غير وَاحِد من الْمُشْركين، أهْدى لَهُ الْمُقَوْقس مَارِيَة وَالْبَغْلَة، وَأهْدى لَهُ أكيدر دومة فَقبل مِنْهُمَا.
وَقيل: إِنَّمَا رد هديته ليغيظه بردهَا فيحمله ذَلِك على الْإِسْلَام.
وَقيل: ردهَا لِأَن للهدية موضعا من الْقلب، وَلَا يجوز أَن يمِيل بِقَلْبِه إِلَى مُشْرك، فَردهَا قطعا لسَبَب الْميل، وَلَيْسَ ذَلِك مناقضاً لقبُول هَدِيَّة النَّجَاشِيّ والمقوقس وأكيدر لأَنهم أهل كتاب.
انْتهى.

قلت: روى فِي هَذَا الْبابُُ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) عَنهُ.
قَالَ: أهْدى النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَارُورَة من غَالِيَة، وَكَانَ أول من عمل لَهُ الغالية.
وَلم أجد فِي هَدَايَا الْمُلُوك لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حَدِيث جَابر إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَالنَّجَاشِي كَانَ قد أسلم، وَلَا مدْخل للْحَدِيث فِي الْبابُُ إلاَّ أَن يكون أهداه لَهُ قبل إِسْلَامه، وَفِيه نظر، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بالنجاشي نجاشي آخر من مُلُوك الْحَبَشَة لم يسلم، كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح عِنْد مُسلم من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتب قبل مَوته إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَإِلَى النَّجَاشِيّ وَإِلَى كل جَبَّار يَدعُوهُم ... الحَدِيث، وَعَن أبي حميد السَّاعِدِيّ، قَالَ: غزونا مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَفِيه: وَأهْدى ملك أَيْلَة إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بغلة بَيْضَاء، فَكَسَاهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بردة وَكتب لَهُ ببحرهم، أخرجه الشَّيْخَانِ على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَعَن أنس، أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة قَتَادَة عَنهُ: أَن أكيدر دومة الجندل أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُبَّة من سندس.
ولأنس حَدِيث آخر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) وَأحمد وَالْبَزَّار فِي ( مسنديهما) قَالَ: أهْدى الأكيدر لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جرة من منٍّ فَجعل يقسمها بَيْننَا،.

     وَقَالَ  الْبَزَّار: فقبلها، ولأنس حَدِيث آخر رَوَاهُ ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) من رِوَايَة عَليّ بن يزِيد عَن أنس: أَن ملك الرّوم أهْدى إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ممشقة من سندس، فلبسها أوردهُ.
فِي تَرْجَمَة عَليّ وَضَعفه.
قلت: الممشقة، بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِي وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وبالقاف: هُوَ الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالمشق، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ الْمغرَة، ولأنس حَدِيث آخر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عمَارَة بن زادان عَن ثَابت عَن أنس: أَن ملك ذِي يزن أهْدى لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حلَّة أَخذهَا بِثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ نَاقَة فقبلها.

وَعَن بِلَال بن رَبَاح، أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ حَدِيثا مطولا وَفِيه: ألم تَرَ إِلَى الركائب المناخات الْأَرْبَع؟ فَقلت: بلَى.
فَقَالَ: إِن لَك رقابهن وَمَا عَلَيْهِنَّ، فَإِن عَلَيْهِنَّ كسْوَة وَطَعَامًا أهداهن إِلَى عَظِيم فدك فاقبضهن واقض دينك.

وَعَن حَكِيم بن حزَام أخرجه أَحْمد فِي ( مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من رِوَايَة عرَاك بن مَالك أَن حَكِيم بن حزَام، قَالَ: كَانَ مُحَمَّد أحب رجل فِي النَّاس إِلَى فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا تنبأ وَخرج إِلَى الْمَدِينَة شهد حَكِيم بن حزَام الْمَوْسِم، وَهُوَ كَافِر، فَوجدَ جلة لذِي يزن تبَاع، فاشتراها بِخَمْسِينَ دِينَارا ليهديها لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقدم بهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَة فأراده على قبضهَا هَدِيَّة فَأبى، قَالَ عبد الله: حسبته قَالَ: إِنَّا لَا نقبل شَيْئا من الْمُشْركين، وَلَكِن إِن شِئْت أخذناها بِالثّمن، فأعطيته حِين أبي عليَّ الْهَدِيَّة.

وَعَن عبد الله بن الزبير: أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه.
قَالَ: قدمت قتيلة ابْنة عبد الْعُزَّى على ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بِهَدَايَا ضبابُاً وقرظاً وَسمنًا، زَاد الطَّبَرَانِيّ: وَهِي مُشركَة فَأَبت أَسمَاء أَن تقبل هديتها وَتدْخلهَا بَيتهَا، فَسَأَلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأنْزل الله تَعَالَى: { لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} ( الممتحنة: 8) .
الْآيَة، فَأمرهَا أَن تقبل هديتها وَتدْخلهَا بَيتهَا.

وَعَن عبد الله بن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْحجَّاج بن علاط أهْدى لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَيْفه ذُو الفقار، ودحية الْكَلْبِيّ أهْدى لَهُ بغلته الشَّهْبَاء، وَفِي تَرْجَمَة أبي شيبَة، رَوَاهُ ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) ، وَضَعفه.
وَلابْن عَبَّاس حَدِيث آخر رَوَاهُ الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة منْدَل عَن إِبْنِ إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أهْدى الْمُقَوْقس إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدح قَوَارِير، فَكَانَ يشرب فِيهِ.

وَعَن حَنْظَلَة الْكَاتِب أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) عَنهُ: أَنه قَالَ: أهْدى الْمُقَوْقس ملك القبط إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَدِيَّة وَبغلة شهباء فقبلها، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعَن دحْيَة الْكَلْبِيّ، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) عَنهُ أَنه قَالَ: أهديت لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُبَّة صوف وخفين، فلبسهما حَتَّى تخرقا وَلم يسْأَل عَنْهُمَا، أذكيا أم لَا؟ انْتهى.
قلت: كَانَ ذَلِك قبل إِسْلَامه.
وَعَن بُرَيْدَة ابْن الْحصيب أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) : عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: أهْدى لغير أَمِير القبط لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جاريتين أُخْتَيْنِ وَبغلة، فَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يركبهَا، وَأما إِحْدَى الجاريتين فتسراها فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم، وَأما الْأُخْرَى فَأَعْطَاهَا حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ.
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) عَنهُ، قَالَ: أهْدى ملك الرّوم إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرة زنجبيل فَقَسمهَا بَين أَصْحَابه.
وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، أخرجه التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَنهُ، قَالَ: أهْدى دحْيَة الْكَلْبِيّ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خُفَّيْنِ فلبسها.
وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من رِوَايَة عَطاء عَنْهَا، قَالَت: أهْدى الْمُقَوْقس.
صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكحلة عيدَان شامية ومرآة ومشط.
وَعَن دَاوُد بن أبي دَاوُد عَن جده أخرجه ابْن قَانِع عَنهُ: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أهْدى لَهُ قَيْصر جُبَّة من سندس، فَأتى أَبَا بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يشاورهما، فَقَالَا: يَا رَسُول الله! نرى أَن تلبسها يبكت الله تَعَالَى عَدوك وَيسر الْمُسلمُونَ، فلبسا وَصعد الْمِنْبَر ... الحَدِيث، وَفِي إِسْنَاده جَهَالَة.

ثمَّ التَّوْفِيق بَين هَذِه الْأَحَادِيث مَا قَالَه الطَّبَرِيّ: بِأَن الِامْتِنَاع فِيمَا أهْدى لَهُ خَاصَّة، وَالْقَبُول فِيمَا أهدي للْمُسلمين، وَقيل: الِامْتِنَاع فِي حق من يُرِيد بهديته التودد، وَالْقَبُول فِي حق من يُرْجَى بذلك تأنيسه وتأليفه على الْإِسْلَام.
وَقيل: يحمل الْقبُول على من كَانَ من أهل الْكتاب، وَالرَّدّ على من كَانَ من أهل الْأَوْثَان، وَقيل: يمْتَنع ذَلِك لغيره من الْأُمَرَاء، لِأَن ذَلِك من خَصَائِصه، وَقيل: نسخ الْمَنْع بِأَحَادِيث الْقبُول.
وَقيل: بِالْعَكْسِ، وَالله أعلم.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هاجَرَ إبْرَاهِيمُ علَيْهِ السَّلامُ بِسارَةَ فدَخَلَ قَرْيَةً فِيها مالِكٌ أوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أعْطُوهَا آجَرَ

ذكر هَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصرا.

وَأخرجه مَوْصُولا فِي كتاب الْبيُوع فِي بابُُ شِرَاء الْمُلُوك من الْحَرْبِيّ وَقد قتدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَأخرجه أَيْضا وَأخرجه أَيْضا مَوْصُولا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام.
وقصته على مَا قَالَ عُلَمَاء السّير: أَن إِبْرَاهِيم أَقَامَ بِالشَّام مُدَّة فقحط الشَّام فَسَار إِلَى مصر وَمَعَهُ سارة وَلُوط، عَلَيْهِم السَّلَام، وَكَانَ بهَا فِرْعَوْن، وَهُوَ أول الفراعنة، عَاشَ دهراً طَويلا، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: هُوَ سِنَان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: سِنَان ابْن الأهبوب أَخُو الضَّحَّاك، وَهُوَ الَّذِي بَعثه إِلَى مصر، وَقَامَ بهَا.
وَقيل: عَمْرو بن امرىء الْقَيْس بن نابليون بن سبأ.
وَقيل: طوليس، وَكَانَت سارة من أجمل النِّسَاء، وَكَانَت لَا تَعْصِي لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، شَيْئا، فَلذَلِك أكرمها الله تَعَالَى فَأتى الجبارَ رجلٌ.

     وَقَالَ : إِنَّه قدم رجل وَمَعَهُ امْرَأَة من أحسن النَّاس وَجها، وَوصف لَهُ حسنها وجمالها، فَأرْسل الْجَبَّار إِلَى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: مَا هَذِه الْمَرْأَة مِنْك؟ قَالَ: هِيَ أُخْتِي، وَخَافَ إِن قَالَ: امْرَأَتي، أَن يقْتله، فَقَالَ لَهُ: زينها وأرسلها إليَّ،.
وَلَا تمْتَنع حَتَّى أنظر إِلَيْهَا، فَرجع إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى سارة.

     وَقَالَ  لَهَا: إِن هَذَا الْجَبَّار قد سَأَلَني عَنْك فَأَخْبَرته أَنَّك أُخْتِي، فَلَا تكذبِينِي عِنْده، فَإنَّك أُخْتِي فِي كتاب الله تَعَالَى، وَأَنه لَيْسَ فِي هَذِه الأَرْض مُسلم غَيْرِي وَغَيْرك، وَلُوط، ثمَّ أقبلط سارة إِلَى الْجَبَّار، وَقَامَ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يُصَلِّي، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وَرَآهَا فَتَنَاولهَا بيد، فيبست إِلَى صَدره، فَلَمَّا رأى ذَلِك فِرْعَوْن أعظم أمرهَا،.

     وَقَالَ  لَهَا: سَلِي إلهك أَن يُطلق عني، فوَاللَّه لَا أوذيك.
فَقَالَت سارة: أللهم إِن كَانَ صَادِقا فَأطلق لَهُ يَده، فَأطلق الله لَهُ يَده، وَقيل: فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا رأى ذَلِك ردهَا إِلَى إِبْرَاهِيم ووهب لَهَا هَاجر، وَهِي الَّتِي ذكرت فِي حَدِيث الْبابُُ: آجر، وَهِي لُغَة فِي: هَاجر، فَأَقْبَلت سارة إِلَى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا أحس بهَا انْفَتَلَ من صلَاته، فَقَالَ: مَهيم؟ فَقَالَت: كفى الله كيد الْفَاجِر، وأخدمني هَاجر.

وَاخْتلفُوا فِي هَاجر، فَقَالَ مقَاتل: كَانَت من ولد هود، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: كَانَت بنت ملك مصر وَكَانَ الْملك سَاكِنا بمنف، وَعَلِيهِ ملك آخر، وَقيل: إِنَّمَا غَلبه فِرْعَوْن فَقتله وسبى ابْنَته فاسترقها ووهبها لسارة، ووهبتها سارة لإِبْرَاهِيم فواقعها إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَولدت إِسْمَاعِيل، وَسَارة بنت هاران أَخ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ ابْن كثير: وَالْمَشْهُور أَن سارة ابْنة عَمه هاران أُخْت لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَمَا حَكَاهُ السُّهيْلي، وَمن ادّعى أَن تَزْوِيج بنت الْأَخ كَانَ إِذْ ذَاك مَشْرُوعا فَلَيْسَ لَهُ على ذَلِك دَلِيل، وَلَو فرض أَنه كَانَ مَشْرُوعا، وَهُوَ مَنْقُول عَن الربانيين من الْيَهُود، كَانَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، لَا يتعاطونه،.

     وَقَالَ  السّديّ: وَكَانَت سارة بنت ملك حران، وَكَانَ قد بلغَهَا خبر الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فآمنت بِهِ وعابت على قَومهَا عبَادَة الْأَوْثَان، فَلَمَّا قدم الْخَلِيل حران تزوجته على أَن لَا يغيرها، وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى نبوة ثَلَاث نسْوَة: سارة وَأم مُوسَى وَمَرْيَم، عَلَيْهِنَّ السَّلَام، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: أَنَّهُنَّ صديقات.

وأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيهَا سُمٌّ
يَأْتِي حَدِيث هَذِه الْهَدِيَّة فِي هَذَا الْبابُُ مَوْصُول، وَيَأْتِي الْكَلَام فِيهَا هُنَاكَ.

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أهْدَى مَلِكُ أيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ وكَساهُ بُرْداً وكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ
أَبُو حميد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، قيل: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: غير ذَلِك، والْحَدِيث الْمُعَلق مضى مطولا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ خرص التَّمْر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وأيلة، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: بَلْدَة مَعْرُوفَة بساحل الْبَحْر فِي طَرِيق المصريين إِلَى مَكَّة، وَهِي الْآن خراب.
قَوْله: ( وَكتب لَهُ ببحرهم) ، أَي: ببلدهم وحكومة أَرضهم وديارهم لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر، لَا الْبَحْر الَّذِي هُوَ ضد الْبر، كَمَا توهمه بَعضهم.



[ قــ :2501 ... غــ :2615 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ قَتادَةَ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبَّةَ سُنْدُسٍ وكانَ يَنْهَى عنِ الحَرِيرِ فعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نِفْس مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْ هَذَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشرك، لِأَن الَّذِي أهداها هُوَ أكيدر دومة، على مَا يَجِيء عَن قريب.
وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيُونُس بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب البغذذ أَي شَيبَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الرحمان النَّحْوِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة الْجنَّة عَن عبد الله بن مُحَمَّد أَيْضا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَنهُ بِهِ.

قَوْله: ( أهدي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمهْدِي هُوَ أكيدر، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: ( سندس) ، قَالَ ابْن الْأَثِير: السندس مَا رق من الديباج وَرفع،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: السندس رَقِيق الديباج، والاستبرق غليظه،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الاستبرق أفضل من السندس لِأَنَّهُ غليظ الديباج، وكل مَا غلظ من الْحَرِير كَانَ أفضل من رَقِيقه، قَوْله: ( وَكَانَ ينْهَى عَن الْحَرِير) ، جملَة حَالية.
قَوْله: ( لمناديل سعد) ، جمع منديل، وَهُوَ الَّذِي يحمل فِي الْيَد، مُشْتَقّ من الندل، وَهُوَ: النَّقْل، لِأَنَّهُ ينْقل من يَد إِلَى يَد، وَقيل: الندل الْوَسخ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى منزلَة سعد فِي الْجنَّة، وَأَن أدنى ثِيَابه فِيهَا خير من هَذِه الْجُبَّة، لِأَن المناديل فِي الثِّيَاب أدناها، لِأَنَّهُ معد للوسخ والامتهان، فَغَيره أفضل مِنْهُ، وَقيل: فِي قَوْله: ( لمناديل سعد) ضرب الْمِثَال بالمناديل الَّتِي يمسح بهَا الْأَيْدِي وينفض بهَا الْغُبَار ويتخذ لفافة لجيِّد الثِّيَاب، فَكَانَت كالخادم، وَالثيَاب كالمخدوم، فَإِذا كَانَت المناديل أفضل من هَذِه الثِّيَاب أَعنِي: جُبَّة السندس دلّ على عطايا الرب، جلّ جَلَاله، قَالَ: { فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} ( السَّجْدَة: 71) .
فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص سعد بِهِ؟ قلت: لَعَلَّ منديله كَانَ من جنس ذَلِك الثَّوْب لوناً وَنَحْوه، أَو كَانَ الْوَقْت يَقْتَضِي استمالة سعد، أَو كَانَ اللامسون المتعجبون من الْأَنْصَار، فَقَالَ: منديل سيدكم خير مِنْهَا، أَو كَانَ سعد يجب ذَلِك الْجِنْس من الثِّيَاب،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الِاسْتِيعَاب) رُوِيَ أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نزل فِي جنَازَته معتجراً، بعمامة من استبرق.





[ قــ :501 ... غــ :616 ]
- وَقَالَ سَعِيدٌ عنْ قَتادَة عنْ أنَسٍ أنَّ أُكَيْدَرَ دُومَةَ أهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
سعيد خَز تبم أبي عرُوبَة، روى عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَحْمد عَن روح عَن سعيد بن أبي عرُوبَة بِهِ،.

     وَقَالَ  فِيهِ: ( جُبَّة سندس أَو ديباج) شكّ سعيد، وأكيدر بِضَم الْهمزَة تَصْغِير أكدر، وَهُوَ ابْن عبد الْملك بن عبد الْجِنّ، بِالْجِيم وَالنُّون ابْن أعبا بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة، ينْسب إِلَى كِنْدَة، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سَرِيَّة فَأسرهُ، وَقتل أَخَاهُ حسان، وَقدم بِهِ إِلَى الْمَدِينَة فَصَالحه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْجِزْيَة وَأطْلقهُ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَاخْتلفُوا فِي إِسْلَامه، قَالَ فِي ( الْجَامِع) : ذكر البلاذري: أَنه لما قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أسلم وَعَاد إِلَى قومه، فَلَمَّا توفى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ارْتَدَّ فَلَمَّا سَار خَالِد من الْعرَاق إِلَى الشَّام قَتله، وَكَانَ أكيدر ملك ومة، بِضَم الدَّال عِنْد اللّغَوِيّ، وَفتحهَا عِنْد الحديثي، و: الْوَاو، سَاكِنة، وَهِي مَدِينَة بِقرب تَبُوك بهَا نخل وَزرع، وَلها حصن عادي على عشر مراحل من الْمَدِينَة وثمان من دمشق، وَيُسمى: دومة الجندل، والجندل: الْحِجَارَة، والدومة: مستدار الشَّيْء ومجتمعه، كَأَنَّهَا سميت بِهِ لِأَن مَكَانهَا مُجْتَمع الأججار ومستدارها.
وروى أَبُو يعلى بِإِسْنَاد قوي من حَدِيث قيس بن النُّعْمَان، أَنه: لما قدم أخرج قبَاء من ديباج منسوجاً بِالذَّهَب، فَرده النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ إِنَّه وجد فِي نَفسه من رد هديته، فَرجع بِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إدفعه إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) الحَدِيث وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن مُسلم عِنْد مُسلم: ( أَن أكيدر دومة أهْدى للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثوب حَرِير، فَأعْطَاهُ عليا، فَقَالَ: شققه خمرًا بَين الفواطم) .
وَقد ذكرنَا الفواطم فِي الْبابُُ الَّذِي قبل هَذَا الْبابُُ.





[ قــ :50 ... غــ :617 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ عبْدِ الوهَّابِ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ الحارِثِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ هِشامِ بنِ زَيْدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ يَهُودِيَّةَ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْمُومَةً فأكَلَ مِنْهَا فَجيءَ بِها فَقيلَ ألاَ نَقْتُلُهَا فَمَا زِلْتُ أعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل هَدِيَّة تِلْكَ الْيَهُودِيَّة، وَأكله مِنْهَا يدل على قبُوله إِيَّاهَا، وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وخَالِد بن الْحَارِث بن سليم الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن يحيى بن حبيب، وَعَن هَارُون الْجمال، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن يحيى بن حبيب.

قَوْله: ( يَهُودِيَّة) ، اسْمهَا زَيْنَب، وَاخْتلف فِي إسْلَامهَا.
قَوْله: ( فِي لَهَوَات) ، جمع: لهات، بِفَتْح اللَّام، قَالَ الْجَوْهَرِي: اللهاة الهنة المطبقة فِي أقْصَى سقف الْحلق، وَالْجمع اللها، واللهوات واللهياة،.

     وَقَالَ  عِيَاض: هِيَ اللحمة الَّتِي بِأَعْلَى الحنجرة من أقْصَى الْفَم،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: لهواته، مَا يَبْدُو من فِيهِ عِنْد التبسم، وَفِي ( الْمغرب) اللهاة: لحْمَة مشرفة على الْحلق.

وَفِي الحَدِيث دلَالَة على أكل طَعَام من يحل أكل طَعَامه، دون أَن يسْأَل عَن أَصله.
وَفِيه: حمل الْأُمُور على السَّلامَة حَتَّى يقوم دَلِيل على غَيرهَا، وَكَذَلِكَ حكم مَا بيع فِي سوق الْمُسلمين، وَهُوَ مَحْمُول على السَّلامَة حَتَّى يتَبَيَّن خلَافهَا.





[ قــ :503 ... غــ :618 ]
- حدَّثنا أَبُو النُّعْمانِ قَالَ حدَّثنا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي عُثْمَان عَن عبد الرَّحْمانِ ابنِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلاثِينَ ومائَةً فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلْ مَعَ أحَدٍ مِنْكُمْ طعامٌ فإذَا مَعَ رَجُلٍ صاعٌ مِنْ طَعَامٍ أوْ نَحْوُهُ فَعُجِنَ ثُمَّ جاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانُّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُها فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْعَاً أمْ عَطِيَّةٌ أوْ قالَ هِبَةً قَالَ لاَ بَلْ بَيْعٌ فاشْتَرَى مِنْهُ شَاة فَصُنِعَتْ وأمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البَطْنَ أنْ يُشْوَى وايْمُ الله مَا فِي الثَّلاثِينَ والمِائَةِ إلاَّ قَدْ حَزَّ بِسَوادِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوادِ بَطْنِهَا إنْ كانَ شاهِداً أعْطَاهَا إيَّاهُ وإنْ كانَ غائِباً خَبَّأ لَهُ فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ فأكَلُوا أجْمَعُونَ وشَبِعْنَا فَفُضِلَتِ الْقَصْعَتَانِ فَحَمَلْناهُ على البَعِيرِ أوْ كَما قَالَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أم عَطِيَّة، والعطية تطلق على الْهَدِيَّة وعَلى الْهِبَة، وَلِهَذَا قَالَ: أم هبة.
وَفِيه: دلَالَة على جَوَاز قبُول هَدِيَّة الْمُشرك، لِأَنَّهُ لَو لم يجز لما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أم عَطِيَّة وَأَبُو النُّعْمَان، مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ، والمعتمر بن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ، يروي عَن أَبِيه، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بالنُّون الْكُوفِي، سكن الْبَصْرَة، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم على عهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصدق بِهِ وَلم يره، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ وَمِائَة سنة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ الْمُشْركين.

قَوْله: ( فَإِذا مَعَ رجل) ، كلمة إِذا، للمفاجأة، قَوْله: ( أَو نَحوه) ، بِالرَّفْع عطف على الصَّاع وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الصَّاع.
قَوْله: ( مشعان) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة.
وبالعين الْمُهْملَة، وَفِي آخِره نون مُشَدّدَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى، بِكَسْر الْمِيم.
.

     وَقَالَ : هُوَ ثَائِر الرَّأْس أَشْعَث.

     وَقَالَ  الْقَزاز هُوَ الحافي الثائر الرَّأْس وَفِي بعض الرِّوَايَة وَقع بعد قَوْله مشعان طَوِيل جدا فَوق الطول وَهُوَ تَفْسِير البُخَارِيّ وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.
قَوْله: ( بيعا أعْطِيه) منصوبان بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره: تبيع بيعا أَو تُعْطِي عَطِيَّة.
قَوْله: ( أَو قَالَ) ، شكّ من الرَّاوِي فِي أَنه قَالَ: عَطِيَّة أم هبة.
قَوْله: ( فَاشْترى مِنْهُ) ، أَي: من الرجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَاشْترى مِنْهَا، أَي: من الْغنم.
قَوْله: ( فصنعت) ، أَي: ذبحت.
قَوْله: ( بسواد الْبَطن) ، هُوَ الكبد، قَالَه النَّوَوِيّ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اللَّفْظ أَعم مِنْهُ، يَعْنِي: يتَنَاوَل كل مَا فِي الْبَطن من كبد وَغَيره.
قلت: الَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ أقوى فِي المعجزة.
قَوْله: ( وأيم الله) ، قسم، يَعْنِي: من أَلْفَاظ الْقسم، نَحْو: لعمر الله، وعهد الله، وَفِيه لُغَات كَثِيرَة، وتفتح همزتها وتكسر، وَهِي همزَة وصل، وَقد تقطع وَأهل الْكُوفَة من النُّحَاة يَزْعمُونَ أَنه جمع يَمِين، وَغَيرهم يَقُولُونَ: هِيَ اسْم مَوْضُوع للقسم.
قَوْله: ( حز) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، مَعْنَاهُ: قطع.
قَوْله: ( حزة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم وَغَيره،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى بِفَتْح الْجِيم قَوْله: ( أَعْطَاهَا إِيَّاه) أَي: أعْطى الحزة إِيَّاه، أَي: الشَّاهِد، أَي: الْحَاضِر.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ من الْقلب، وَأَصله: أعطَاهُ إِيَّاهَا.
قلت: لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْقلب فِيهِ، بل العبارتان سَوَاء فِي الِاسْتِعْمَال.
قَوْله: ( أَجْمَعُونَ) ، بِالرَّفْع تَأْكِيد للضمير الَّذِي فِي أكلُوا، ثمَّ إِنَّه يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنهم اجْتَمعُوا كلهم على القصعتين فَأَكَلُوا مُجْتَمعين، وَفِيه معْجزَة أُخْرَى: وَهِي اتساع القصعتين حَتَّى تمكنت مِنْهَا أيادي الْقَوْم كلهم، وَالْوَجْه الآخر: أَنهم أكلُوا كلهم من القصعتين على أَي وَجه كَانَ.
قَوْله: ( فحملناه) ، أَي: الطَّعَام، وَلَو أُرِيد القصعتان لقيل: حملناهما، وَفِي الْأَطْعِمَة.
وَفضل فِي القصعتين، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، فَالضَّمِير حِينَئِذٍ يرجع إِلَى الْقدر الَّذِي فضل.
قَوْله: ( أَو كَمَا قَالَ) ، شكّ من الرَّاوِي.

قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: فِيهِ معجزتان: إِحْدَاهمَا: تَكْثِير سَواد الْبَطن حَتَّى وسع هَذَا الْعدَد، وَالْأُخْرَى: تَكْثِير الصَّاع وَلحم الشَّاة حَتَّى أشبعهم أَجْمَعِينَ.
ففضلت فضلَة حملوها لعدم الْحَاجة إِلَيْهَا.
قلت: فِيهِ أَربع معجزات: الأولى تَكْثِير الصَّاع، وَالثَّانيَِة: تَكْثِير سَواد الْبَطن.
وَالثَّالِثَة: اتساع القصعتين لتمكن أيادي هَؤُلَاءِ الْعدَد.
وَالرَّابِعَة: الفضلة الَّتِي فضلت بعد شبعهم واكتفائهم.
وَفِيه: الْمُوَاسَاة بِالطَّعَامِ عِنْد المسبغة وتساوي النَّاس فِي ذَلِك.
وَفِيه: ظُهُور الْبركَة عِنْد الِاجْتِمَاع على الطَّعَام، وَفِيه: تَأْكِيد الْخِبْرَة بالقسم وَإِن كَانَ الْمخبر صَادِقا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: فَسَاد قَول من حمل رد الْهَدِيَّة على الوثني دون الْكِتَابِيّ، لِأَن هَذَا الْأَعرَابِي كَانَ وثنياً.
قلت: لَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على أَنه كَانَ وثنياً، فَإِن قَالَ: علم ذَلِك من الخارح، فَعَلَيهِ الْبَيَان.