فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد

( بابٌُ لَا يَشْهَدُ على شِهَادَةِ جَوْر إذَا أُشْهِدَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا يشْهد الرجل على شَهَادَة جور، وَهُوَ الظُّلم والحيف والميل عَن الْحق.
قَوْله: ( إِذا أشهد) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.



[ قــ :2535 ... غــ :2650 ]
- حدَّثنا عبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا أبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ سألَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فقالَت لَا أرْضاى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخَذَ بِيَدِي وأنَا غُلامٌ فأتاى بيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّ أُمَّهُ بنْتَ رَواحَةَ سألَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهاذا قَالَ ألَكَ ولَدٌ سِواهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأُرَاهُ قَالَ لَا تُشْهِدْني عَلَى جَوْر.
.

     وَقَالَ  أبُو حَرِيزٍ عنِ الشَّعْبِيِّ لَا أشْهَدُ على جَوْر.

( انْظُر الحَدِيث 6852 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: إِذا أشهد، لِأَنَّهُ لَا يشْهد على جور إِذا لم يستشهد بطرِيق الأولى، وعبدان هُوَ عبد الله ابْن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي وَأَبُو حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون التَّيْمِيّ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، واسْمه: يحيى بن سعيد الْكُوفِي، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بابُُ الْهِبَة للْوَلَد وَفِي: بابُُ الْإِشْهَاد فِي الْهِبَة.

قَوْله: ( الموهبة) بِمَعْنى: الْهِبَة مصدر ميمي.
قَوْله: ( ثمَّ بدا لَهُ) أَي: نَدم من الْمَنْع كَأَنَّهُ منع أَولا ثمَّ نَدم على ذَلِك.
قَوْله: ( بنت رَوَاحَة) بِفَتْح الرَّاء وَالْوَاو المخففة، وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: وَهِي عمْرَة بنت رَوَاحَة، مرت هُنَاكَ.
قَوْله: ( على جور) ، الْجور هُنَا بِمَعْنى الْميل عَن الِاعْتِدَال وَالْمَكْرُوه جور أَيْضا، وَذَلِكَ لِأَن الْجور بِمَعْنى الظُّلم مشْعر بِالْحُرْمَةِ.
قَوْله: ( وَقَالَ أَبُو حريز) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالزاي وَهُوَ عبد الله بن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ قَاضِي سجستان، وَقد ذكرنَا فِي الْهِبَة من وَصله، وَفِي بعض النّسخ وَقع قَوْله: ( وَقَالَ أَبُو حريز) إِلَى آخِره قبل الحَدِيث الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَقع فِي غير مَا نسخه: قَالَ أَبُو حريز ... إِلَى آخِره، ثمَّ ذكر الحَدِيث.
وَفِي نُسْخَة ذكره بعد إِيرَاده لحَدِيث النُّعْمَان بن بشير، وَكَأَنَّهُ أولى.





[ قــ :536 ... غــ :651 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا أبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بنَ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْن رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ لَا أدْرِي أذَكَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعْدُ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثَةً قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَخُونُونَ ولاَ يُؤْتَمَنُونَ ويَشْهَدُونَ وَلَا يستشهدون ويَنْذِرُونَ ولاَ يَفُونَ ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمْنُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَيشْهدُونَ وَلَا يستشهدون) ، لِأَن الشَّهَادَة قبل الاستشهاد فِيهَا معنى الْجور.

وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء: نصر بن عمرَان الضبعِي، وَقد مر فِي أَوَاخِر كتاب الْإِيمَان، و: زَهْدَم، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة: ابْن مضرب، بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: الْجرْمِي الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل الصَّحَابَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الرقَاق عَن بنْدَار عَن غنْدر وَفِي النذور عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النذور عَن مُحَمَّد ابْن عبد الْأَعْلَى، سبعتهم عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قرنء) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْمَعْنى: خير النَّاس أهل قَرْني، فَحذف الْمُضَاف، وَقد يُسمى أهل الْعَصْر قرنا، لاقترانهم فِي الْوُجُود،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: هُوَ بِسُكُون الرَّاء من النَّاس أهل زمَان وَاحِد،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين معنى قَوْله: ( قَرْني) أَي: أَصْحَابِي من رَآهُ أَو سمع كَلَامه، فدان بِهِ، وَالْقرَان أهل عصر مُتَقَارِبَة أسنانهم،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: واشتق لَهُم هَذَا الإسم من الاقتران فِي الْأَمر الَّذِي يجمعهُمْ، وَقيل: إِنَّه لَا يكون قرنا حَتَّى يَكُونُوا فِي زمن نَبِي أَو رَئِيس يجمعهُمْ على مِلَّة أَو رَأْي أَو مَذْهَب.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: سَوَاء قلَّت الْمدَّة أَو كثرت.
وَقيل: الْقرن ثَمَانُون سنة.
وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَقيل: مائَة سنة.
قَالَ الْقَزاز: وَاحْتج لهَذَا بِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح بِيَدِهِ على رَأس غُلَام،.

     وَقَالَ  لَهُ: ( عش قرنا) ، فَعَاشَ مائَة سنة.
قَالَ ابْن عديس: قَالَ ثَعْلَب: هَذَا هُوَ الِاخْتِيَار،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَقيل: من عشْرين إِلَى مائَة وَعشْرين وَقيل: سِتُّونَ،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: ثَلَاثُونَ سنة،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هُوَ مِقْدَار التَّوَسُّط فِي أَعمار أهل الزَّمَان، فَهُوَ فِي كل قوم على مِقْدَار أعمارهم.
قَالَ: وَهُوَ الْأمة تَأتي بعد الْأمة.
قيل: مدَّته عشر سِنِين، وَفِي ( الموعب) : وَقيل عشرُون سنة، وَقيل: سَبْعُونَ،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الْقرن الْوَقْت من الزَّمَان، وَفِي ( التَّهْذِيب) : لِأَنَّهُ يقرن أمة بِأمة وعالماً بعالم.
قَوْله: ( يَلُونَهُمْ) ، مِنْ وَلِيهُ يَلِيهِ، بِالْكَسْرِ فيهمَا، وَالْوَلِيّ: الْقرب والدنو.
قَوْله: ( قَالَ عمرَان) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَهُوَ بَقِيَّة حَدِيث عمرَان.
قَوْله: ( أذَكر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: ( بعدٌ) مَبْنِيّ على الضَّم منوي الْإِضَافَة، وَفِي رِوَايَة: بعد قرنه.
قَوْله: ( إِن بعدكم قوما) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَابْن شبويه: ( إِن بعدكم قوم) قَالَ الْكرْمَانِي: فَلَعَلَّهُ مَنْصُوب، لكنه كتب بِدُونِ الْألف على اللُّغَة الربيعية أَو ضمير الشَّأْن مَحْذُوف على ضعف.
قَوْله: ( يخونون) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الْخِيَانَة، أَو فِي رِوَايَة ابْن حزم: يحربون، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ: فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ من قَوْلهم: حربه يحربه إِذا أَخذ مَاله وَتَركه بِلَا شَيْء، وَرجل محروب أَي: مسلوب المَال.
قَوْله: ( وَلَا يؤتمنون) أَي: لَا يَثِق النَّاس بهم وَلَا يعتقدونهم، أَي: يكون لَهُم خِيَانَة ظَاهِرَة بِحَيْثُ لَا يبْقى للنَّاس اعْتِمَاد عَلَيْهِم.
قَوْله: ( وَيشْهدُونَ) ، يحْتَمل أَن يُرَاد: يتحملون الشَّهَادَة بِدُونِ التحميل، أَو يؤدون الشَّهَادَة بِدُونِ طلب الْأَدَاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: بعض الشَّهَادَات تجب أَو يسْتَحبّ الْأَدَاء قبل الطّلب.
قلت: حذف الْمَفْعُول بِهِ يدل على إِرَادَة الْعُمُوم، فالمذموم عدم التَّخْصِيص، وَذَلِكَ الْبَعْض مثل مَا فِيهِ حق مُؤَكد لله تَعَالَى الْمُسَمّى بِشَهَادَة الْحِسْبَة غير مُرَاد بِدَلِيل خارجي،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: إِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين قَوْله: ( يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون؟) ، وَبَين قَوْله فِي حَدِيث زيد ن خَالِد: ( أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء: الَّذين يأْتونَ بِالشَّهَادَةِ قبل أَن يُسْألُوها) .
فَالْجَوَاب أَن التِّرْمِذِيّ ذكر عَن بعض أهل الْعلم أَن المُرَاد بِالَّذِي يشْهد وَلَا يستشهد شَاهد الزُّور.
وَاحْتج بِحَدِيث عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: ( ثمَّ يفشوا الْكَذِب حَتَّى يشْهد الرجل وَلَا يستشهد) ، وَالْمرَاد بِحَدِيث زيد بن خَالِد الشَّاهِد على الشَّيْء فَيُؤَدِّي شَهَادَته وَلَا يمْتَنع من إِقَامَتهَا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَيحْتَمل أَن يُرِيد الشَّهَادَة على المغيب من أَمر الْخلق فَيشْهد على قوم أَنهم من أهل النَّار، ولآخرين بِغَيْر ذَلِك على مَذْهَب أهل الْأَهْوَاء، وَقيل: إِنَّمَا هَذَا فِي الرجل تكون عِنْده الشَّهَادَة وَقد نَسِيَهَا صَاحب الْحق، وَيتْرك أطفالاً وَلَهُم على النَّاس حُقُوق، وَلَا علم للْمُوصي بهَا، فَيَجِيء مَن عِندَه الشَّهَادَة فيبذل شَهَادَته لَهُم بذلك، فيحيى حَقهم، فَحمل بذل الشَّهَادَة قبل الْمَسْأَلَة على مثل هَذَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَالشَّهَادَة المذمومة لم يرد بهَا الشَّهَادَة على الْحُقُوق، إِنَّمَا أُرِيد بهَا الشَّهَادَة فِي الْإِيمَان، يدل عَلَيْهِ قَول النَّخعِيّ رِوَايَة فِي آخر الحَدِيث، وَكَانُوا يضربوننا على الشَّهَادَة، فَدلَّ هَذَا من قَول إِبْرَاهِيم: أَن الشَّهَادَة المذموم عَلَيْهَا صَاحبهَا هِيَ قَول الرجل: أشهد بِاللَّه مَا كَانَ كَذَا على كَذَا، على معنى الْحلف، فكره ذَلِك، وَهَذِه الْأَقْوَال أَقْوَال الَّذين جمعُوا بَين حَدِيث النُّعْمَان وَزيد.
وَأما ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ رجح حَدِيث زيد بن خَالِد لكَونه من رِوَايَة أهل الْمَدِينَة، فقدمه على رِوَايَة أهل الْعرَاق، وَبَالغ فِيهِ حَتَّى زعم أَن حَدِيث النُّعْمَان لَا أصل لَهُ، وَمِنْهُم من رجح حَدِيث عمرَان، لِاتِّفَاق صَاحِبي ( الصَّحِيح) عَلَيْهِ، وانفراد مُسلم بِإِخْرَاج حَدِيث زيد بن خَالِد، قَوْله: ( وينذرون) ، بِفَتْح أَوله وبكسر الذَّال الْمُعْجَمَة وَبِضَمِّهَا.
قَوْله: ( وَلَا يفون) من الْوَفَاء، يُقَال: وَفِي يَفِي وَأَصله، يُوفي، حذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، وأصل: يفون، يوفيون، فَلَمَّا حذفت الْوَاو وَلما ذكرنَا استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد سلب حَرَكَة مَا قبلهَا.
قَوْله: ( وَيظْهر فيهم السّمن) ، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم بعْدهَا نون، مَعْنَاهُ: أَنهم يحبونَ التَّوَسُّع فِي المآكل والمشارب، وَهِي أَسبابُُ السّمن.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: المُرَاد ذمّ محبته وتعاطيه لَا مَن يخلق كَذَلِك.
وَقيل: المُرَاد، يظْهر فيهم كَثْرَة المَال، وَقيل: المُرَاد أَنهم يتسمنون أَي: يتكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم، وَيدعونَ مَا لَيْسَ لَهُم من الشّرف، وَيحْتَمل أَن يكون جَمِيع ذَلِك مرَادا، وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق هِلَال بن يسَاف عَن عمرَان بن حُصَيْن بِلَفْظ: ثمَّ يَجِيء قوم فيتسمنون وَيُحِبُّونَ السّمن.





[ قــ :537 ... غــ :65 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُور عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عُبَيْدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ ويَمِينُه شَهَادَتَهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ وكانُوا يَضْرِبُونَنَا على الشَّهَادَةِ والعَهْدِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( تسبق شهادةُ أحدهم يَمِينه ويمنُه شهادَتَه) لِأَن فِيهِ معنى الْجور، لِأَن مَعْنَاهُ أَنهم لَا يتورعون فِي أَقْوَالهم، ويستهينون بِالشَّهَادَةِ وَالْيَمِين، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وَعبيدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم كوفيون.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان، وَفِي النذور عَن سعد ابْن حَفْص وَفِي الرَّقَائِق عَن عَبْدَانِ، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة وهناد وَعَن عُثْمَان وَإِسْحَاق وَعَن ابْن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد ابْن بشار.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن هناد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَفِي الْقَضَاء عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَعَن أَحْمد بن عُثْمَان النَّوْفَلِي وَعَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، وَعَن بشر بن خَالِد وَعَن عَمْرو بن عَليّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَمْرو بن نَافِع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( ثمَّ تَجِيء أَقوام تسبق شَهَادَة أحدهم يَمِينه ويمنه شَهَادَته) ، يَعْنِي فِي حَالين لَا فِي حَالَة وَاحِدَة، قَالَ الْكرْمَانِي: تقدم الشَّهَادَة على الْيَمين وَبِالْعَكْسِ دور فَلَا يُمكن وُقُوعه فَمَا وَجهه؟ قلت: هم الَّذين يحرصون على الشَّهَادَة مشغوفون بترويجها، يحلفُونَ على مَا يشْهدُونَ بِهِ، فَتَارَة يحلفُونَ قبل أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ، وَتارَة يعكسون، وَيحْتَمل أَن يكون مثلا فِي سرعَة الشَّهَادَة وَالْيَمِين، وحرص الرجل عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يدْرِي بأيتهما يبتديء، فَكَأَنَّهُ يسْبق أَحدهمَا الآخر من قلَّة مبالاته بِالدّينِ.
قَوْله: ( قَالَ إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقيل: مُعَلّق،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق.
قلت: لم يقم الدَّلِيل على أَنه وهم، بل كَلَام بِالِاحْتِمَالِ.
قَوْله: ( وَكَانُوا يضربوننا على الشَّهَادَة والعهد) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْفَضَائِل بِهَذَا الْإِسْنَاد: ( وَنحن صغَار) .
وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم بِلَفْظ: كَانُوا ينهوننا وَنحن غلْمَان عَن الْعَهْد والشهادات.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: مَعْنَاهُ عِنْدهم: النَّهْي عَن مبادرة الرجل بقوله: إشهد بِاللَّه، وعَلى عهد الله لقد كَانَ كَذَا وَنَحْو ذَلِك، وَإِنَّمَا كَانُوا يضربونهم على ذَلِك حَتَّى لَا يصير لَهُم بِهِ عَادَة فَيحلفُونَ فِي كل مَا يصلح وَمَا لَا يصلح، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالعهد الْمنْهِي الدُّخُول فِي الْوَصِيَّة لما يَتَرَتَّب على ذَلِك من الْمَفَاسِد، وَالْوَصِيَّة تسمى الْعَهْد، قَالَ الله تَعَالَى: { لن ينَال عهدي الظَّالِمين} ( الْبَقَرَة: 41) .
.