فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب شهادة الإماء والعبيد

( بابُُ شَهَادَةِ الإمَاءِ والعَبيدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم شَهَادَة الْإِمَاء وَهُوَ جمع: أمة، وَالْعَبِيد جمع: عبد، وَحكمه أَن شَهَادَتهم لَا تقبل مُطلقًا عِنْد الْجُمْهُور، وَعند أَحْمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر: تقبل فِي الشَّيْء الْيَسِير، وَهُوَ قَول شُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن.

وقالَ أنَسٌ شهادَةُ العَبْدِ جائِزَةٌ إذَا كانَ عَدْلاً
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث عَن الْمُخْتَار بن فلفل، قَالَ: سَأَلت أنسا عَن شَهَادَة العبيد؟ فَقَالَ: جَائِزَة وَفِي الإشراف: وَمَا علمت أحدا رد شَهَادَة العَبْد.
وأجَازَهُ شُرَيْحٌ وزُرَارَةُ بنُ أوْفى
أَي: أجَاز حكم شَهَادَة العَبْد شُرَيْح هُوَ القَاضِي، وزرارة، بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء: ابْن أوفى بِوَزْن أفعل التَّفْضِيل أَو أفعل من الْمَاضِي الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ العامري قَاضِي الْبَصْرَة، وَتَعْلِيق شُرَيْح أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي زَائِدَة عَن أَشْعَث عَن عَامر: أَن شريحاً أجَاز شَهَادَة العَبْد.
وَأما التَّعْلِيق عَن زُرَارَة فَذكره ابْن حزم محتجاً بِهِ، وَلَا يحْتَج إلاَّ بِصَحِيح.

وَقَالَ ابنُ سِيرينَ: شَهادَتُهُ جائزَةٌ إلاَّ العَبْدَ لِسَيِّدِهِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: شَهَادَة العَبْد جَائِزَة، وَوَصله عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: حَدثنَا أبي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن عَتيق عَنهُ بِلَفْظ: إِنَّه كَانَ لَا يرى بِشَهَادَة الْمَمْلُوك بَأْسا إِذا كَانَ عدلا.

وأجَازَهُ الحَسَنُ وإبْرَاهِيمُ فِي الشِّيْءِ التَّافِهِ
أَي: أجَاز حكم شَهَادَة العَبْد الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي الشَّيْء التافه أَي الحقير، وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالفاء الْمَكْسُورَة وَالْهَاء.
وَتَعْلِيق الْحسن وَصله ابْن أبي شيبَة، عَن معَاذ بن معَاذ عَن أَشْعَث الحمراني عَنهُ من غير ذكر التافه، وَتَعْلِيق إِبْرَاهِيم، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَيْضا عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم بِلَفْظ: كَانُوا يجيزونها فِي الشَّيْء الطفيف.

وَقَالَ شرَيْحٌ كُلُّكُمْ بَنُو عبيدٍ وإمَاءٍ
كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: كلكُمْ عبيد وإماء، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عمار الذَّهَبِيّ: سَمِعت شريحاً شهد عِنْده عبد فَأجَاز شَهَادَته، فَقيل: إِنَّه عبد.
فَقَالَ كلنا عبيد وَأمنا حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام.

وللعلماء فِي شَهَادَة العَبْد ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: جَوَازهَا كَالْحرِّ، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَقَوْل أنس وَشُرَيْح، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَثَانِيها: جَوَازهَا فِي الشَّيْء التافه، رُوِيَ عَن الشّعبِيّ كَقَوْل الْحسن وَالنَّخَعِيّ.
وَثَالِثهَا: لَا يجوز فِي شَيْء أصلا، رُوِيَ عَن عمر وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول عَطاء وَمَكْحُول، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فَإِن قلت: كل من جَازَ قبُول خَبره جَازَ قبُول شَهَادَته كَالْحرِّ.
قلت: لَا نسلم، فَإِن الْخَبَر قد سومح فِيهِ مَا لم يسامح فِي الشَّهَادَة، لِأَن الْخَبَر يقبل من الْأمة مُنْفَرِدَة وَمن العَبْد مُنْفَردا وَلَا تقبل شَهَادَتهمَا منفردين، وَالْعَبْد نَاقص عَن رُتْبَة الْحر فِي أَحْكَام، فَكَذَلِك فِي الشَّهَادَة، وَمذهب ابْن حزم الْجَوَاز، فَإِن شَهَادَة العَبْد وَالْأمة مَقْبُولَة فِي كل شَيْء لسَيِّده أَو لغيره كَشَهَادَة الْحر والحرة، وَلَا فرق.



[ قــ :2544 ... غــ :2659 ]
- حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ أَبِيْ مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ ح وحدَّثنا عَلِيُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ حدَّثني عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ أوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أبِي إهَابٍ قَالَ فَجاءَتْ أمَةٌ سَوْدَاءُ فقالَتْ قَدْ أرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذالِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْرَضَ عَنِّي قَالَ فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ وكَيْفَ وقَدْ زَعَمَتْ أنْ قَدْ أرْضَعَتْكُمَا فَنهاهُ عنْها..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْأمة الْمَذْكُورَة لَو لم تكن شهادتها مَقْبُولَة مَا عمل بهَا، وَلذَلِك أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عقبَة بِفِرَاق امْرَأَته بقول الْأمة الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِنَّه أخرج الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيقين: الأول: عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَارِث.
وَالثَّانِي: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن ابْن جريج ... إِلَى آخِره، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ الرحلة فِي الْمَسْأَلَة النَّازِلَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَأجَاب الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن حَدِيث الْبابُُ، فَقَالَ: قد جَاءَ فِي بعض طرقه: فَجَاءَت مولاة لأهل مَكَّة، قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظ يُطلق على الْحرَّة الَّتِي عَلَيْهَا الْوَلَاء، فَلَا دلَالَة فِيهِ على أَنَّهَا كَانَت رَفِيقَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن رِوَايَة حَدِيث الْبابُُ فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهَا أمة، فَتعين أَنَّهَا لَيست بحرة.