فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم

( بابُُ بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وشَهَادَتِهِمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حد بُلُوغ الصّبيان وَحكم شَهَادَتهم.
والترجمة مُشْتَمِلَة على حكمين.
الأول: بُلُوغ الصّبيان، قَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَن الِاحْتِلَام فِي الرِّجَال وَالْحيض فِي النِّسَاء هُوَ الْبلُوغ الَّذِي يلْزم بِهِ الْعِبَادَات وَالْحُدُود والاستئذان وَغَيره، وَاخْتلفُوا فِيمَن تَأَخّر احتلامه من الرِّجَال أَو حيضه من النِّسَاء، فَقَالَ اللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق وَمَالك: الإنبات، أَو أَن يبلغ من السن مَا يعلم أَن مثله قد بلغ،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: وَذَلِكَ سبع عشرَة سنة أَو ثَمَان عشرَة سنة، وَفِي النِّسَاء هَذِه الْأَوْصَاف أَو الْجَبَل، إِلَّا أَن مَالِكًا لَا يُقيم الْحَد بالإنبات إِذا زنى أَو سرق مَا لم يَحْتَلِم أَو يبلغ من السن مَا يعلم أَن مثله لَا يبلغهُ حَتَّى يَحْتَلِم، فَيكون عَلَيْهِ الْحَد، وَأما أَبُو حنيفَة فَلم يعْتَبر الإنبات،.

     وَقَالَ : حد الْبلُوغ فِي الْجَارِيَة سبع عشرَة، وَفِي الْغُلَام تسع عشرَة، وَفِي رِوَايَة: ثَمَانِي عشرَة مثل قَول ابْن الْقَاسِم، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَمذهب الشَّافِعِي: أَن الإنبات عَلامَة بُلُوغ الْكَافِر لَا الْمُسلم، وَاعْتبر خمس عشرَة سنة فِي الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَمذهب أبي يُوسُف وَمُحَمّد كمذهب الشَّافِعِي، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَابْن وهب وَابْن الْمَاجشون.
الحكم الثَّانِي: فِي شَهَادَة الصّبيان، وَاخْتلفُوا فِيهَا.
فَعَن النَّخعِيّ: تجوز شَهَادَتهم بَعضهم على بعض، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب وَشُرَيْح وَالْحسن وَالشعْبِيّ، مثله، وَعَن شُرَيْح: أَنه كَانَ يُجِيز شَهَادَة الصّبيان فِي السن والموضحة، ويأباه فِيمَا سوى ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة: أَنه أجَاز شَهَادَة غلْمَان فِي أمة وَقضى فِيهَا بأَرْبعَة آلَاف، وَكَانَ عُرْوَة يُجِيز شَهَادَتهم،.

     وَقَالَ  عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: هم أَحْرَى إِذا سئلوا عَم رؤا أَن يشْهدُوا.
.

     وَقَالَ  مَكْحُول: إِذا بلغ خمس عشرَة سنة فأجز شَهَادَته.
.

     وَقَالَ  الْقَاسِم وَسَالم: إِذا أنبت،.

     وَقَالَ  عَطاء: حَتَّى يكبروا،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر:.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَا تجوز شَهَادَتهم، رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَالقَاسِم وَسَالم وَعَطَاء وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري والكوفيين وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَأبي عبيد،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: تجوز شَهَادَتهم بَعضهم على بعض فِي الْجراح وَالدَّم، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن الزبير وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَمَالك إِذا لم يتفرقوا.

وقَوْلِ الله تَعالى { وإذَا بلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} ( النُّور: 95) .

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على: بُلُوغ الصّبيان، أَي: وَفِي بَيَان قَوْله تَعَالَى، وَتَمَامه: { كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته وَالله عليم حَكِيم} ( النُّور: 95) .
وَإِنَّمَا ذكر هَذَا لِأَن فِيهِ تَعْلِيق الحكم ببلوغ الْحلم، لِأَن التَّرْجَمَة فِي بُلُوغ الصّبيان والأطفال: جمع طِفْل، وَهُوَ الصَّبِي، وَيَقَع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْجَمَاعَة، وَيُقَال: طفلة وَأَطْفَال قَالَه ابْن الْأَثِير،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الطِّفْل الْمَوْلُود، وَالْجمع: أَطْفَال، وَقد يكون الطِّفْل وَاحِدًا وجمعاً، مثل: الْجنب، قَالَ الله تَعَالَى: { أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا} ( النُّور: 13) .
وَذكر فِي كتاب ( خلق الْإِنْسَان) لِثَابِت: مَا دَامَ الْوَلَد فِي بطن أمه فَهُوَ جَنِين، وَإِذا وَلدته يُسمى صَبيا مَا دَامَ رضيعاً، فَإِذا فطم سمي غُلَاما إِلَى سبع سِنِين، ثمَّ يصير يافعاً إِلَى عشر حجج، ثمَّ يصير حزوراً إِلَى خمس عشرَة سنة، ثمَّ يصير قمداً إِلَى خمس وَعشْرين سنة، ثمَّ يصير عنطنطاً إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، ثمَّ يصير صملاً إِلَى أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ يصير كهلاً إِلَى خمسين سنة، ثمَّ يصير شَيخا إِلَى ثَمَانِينَ سنة، ثمَّ يصير هرماً بعد ذَلِك فانياً كَبِيرا.
انْتهى.
قلت: فعلى هَذَا: لَا يُقَال الصَّبِي إلاَّ للرضيع مَا دَامَ رضيعاً.
وعَلى قَول ابْن الْأَثِير: الصَّبِي والطفل وَاحِد.
قَوْله تَعَالَى: { وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم} ( النُّور: 95) .
أَي: الصّبيان.
قَالَ النَّسَفِيّ: مِنْكُم، أَي: من الْأَحْرَار دون المماليك.
قَوْله: { الْحلم} أَي: الْبلُوغ، وَمِنْه: الحالم، وَهُوَ الَّذِي يبلغ مبلغ الرِّجَال، وَهُوَ من: حلَم، بِفَتْح اللَّام، والحِلم بِالْكَسْرِ: الأناءة، وَهُوَ من: حلُم، بِضَم اللَّام.
قَوْله: { فليستأذنوا} أَي: فِي جَمِيع الْأَوْقَات فِي الدُّخُول عَلَيْكُم.
قَوْله: { كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم} ( النُّور: 95) .
أَي: الْأَحْرَار الَّذين بلغُوا الْحلم من قبلهم، وَأكْثر الْعلمَاء على أَن هَذِه الْآيَة محكمَة، وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب، أَنَّهَا مَنْسُوخَة، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: آيَة لَا يُؤمن بهَا أَكثر النَّاس: آيَة الْإِذْن، وَإِنِّي لآمر جارتي أَن تستأذن عَليّ، وَسَأَلَهُ عَطاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَأَسْتَأْذِنُ على أُخْتِي؟ قَالَ: نعم، وَإِن كَانَت فِي حجرك تمونها، وتلا هَذِه الْآيَة.

وقالَ مُغِيرَةُ: احْتَلَمْتُ وَأَنا ابنُ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً
مُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وبالألف وَاللَّام ودونها: ابْن مقسم الضَّبِّيّ الْكُوفِي الْفَقِيه الْأَعْمَى، وَكَانَ من فُقَهَاء إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن يحيى، ثِقَة مَأْمُون وَكَانَ عثمانياً، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يُفْتِي بقوله ويحتج بِهِ.
قَوْله: ( وَأَنا ابْن ثِنْتَيْ عشرَة سنة) وَجَاء مثله عَن عَمْرو بن الْعَاصِ، فَإِنَّهُم ذكرُوا أَنه لم يكن بَينه وَبَين ابْنه عبد الله ابْن عَمْرو فِي السن سوى ثِنْتَيْ عشرَة سنة.

وبُلُوغُ النِّساءِ فِي الحَيْضِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ { واللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ { أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .

هُوَ بَقِيَّة من التَّرْجَمَة، و: بُلُوغ، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: وشهادتهم، أَي: بابُُ فِي حكم بُلُوغ الصّبيان وشهادتهم، وَفِي حكم بُلُوغ النِّسَاء فِي الْحيض، وَيجوز رَفعه على أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره.
قَوْله: ( فِي الحض) ، وَوجه الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ أَن فِيهَا تَعْلِيق الحكم فِي الْعدة بِالْأَقْرَاءِ على حُصُول الْحيض، فَدلَّ على أَن الْحيض بُلُوغ فِي حق النِّسَاء، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ.
قَوْله: { واللائي} ( الطَّلَاق: 4) .
أَي: النِّسَاء اللائي { يئسن} ( الطَّلَاق: 4) .
أَي: لَا يرجون أَن يحضن، وَبعده: { إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر، واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .
قَوْله: { إِن ارتبتم} ( الطَّلَاق: 4) .
أَي: إِن شَكَكْتُمْ أَن الدَّم الَّذِي يظْهر مِنْهَا لكبرها من الْمَحِيض أَو الِاسْتِحَاضَة، فعدتهن ثَلَاثَة أشهر { واللائي لم يحضن} ( الطَّلَاق: 4) .
يَعْنِي: الصغار { فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} ( الطَّلَاق: 4) .
فَحذف لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ.
قَوْله: { وَأولَات الْأَحْمَال} ( الطَّلَاق: 4) .
أَي: الحبالى: { أَجلهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .
أَي: عدتهن { أَن يَضعن حَملهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .
من المطلقات والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا، وَإِن ارْتَفَعت حَيْضَة الْمَرْأَة وَهِي شَابة فَإِن ارتابت أحامل هِيَ أم لَا؟ فَإِن استبان حملهَا فأجلها أَن تضع حملهَا، وَإِن لم يستبن فَاخْتلف فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: يستأنى بهَا، واقصى ذَلِك سنة، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي عبيد، وَرووا ذَلِك عَن عمر وَغَيره، وَأهل الْعرَاق يرَوْنَ عدتهَا بِثَلَاث حيض بَعْدَمَا كَانَت حَاضَت فِي بَاقِي عمرها، وَإِن مكثت عشْرين سنة إِلَى أَن تبلغ من الْكبر مبلغا تيأس من الْحيض فَتكون عدتهَا بعد الْإِيَاس ثَلَاثَة أشهر، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعَلِيهِ أَكثر الْعلمَاء، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه.

وَقَالَ الحَسَنُ بنُ صالِحٍ: أدْرَكْتُ جارَةً لَنا جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وعِشرِينَ سَنَةً

الْحسن بن صَالح ابْن أخي مُسلم بن حبَان بن شفي بن هني بن رَافع الْهَمدَانِي الثَّوْريّ أَبُو عبد الله الْكُوفِي العابد، ولد سنة مائَة وَمَات سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة.
قَوْله: ( جدة) ، بِالنّصب على أَنه بدل من: جَارة.
وَقَوله: ( بنت) ، مَنْصُوب على أَنه صفة لجدة، وتصوير ذَلِك بِأَن هَذِه حَاضَت وعمرها تسع سِنِين وَولدت وعمرها عشر سِنِين، وَعرض لبنتها، مثلهَا، وَأَقل مَا يُمكن مثله فِي تسع عشرَة سنة، وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَيْضا أَنه رأى بِالْيمن جدة بنت إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَأَنَّهَا حَاضَت لاستكمال تسع، وَوضعت بِنْتا لاستكمال عشر، وَوَقع لبنتها كَذَلِك.



[ قــ :2549 ... غــ :2664 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَيدٍ قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ قَالَ حدَّثني ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وهْوَ ابنُ أرْبعَ عَشْرَةَ سَنةً فَلَمْ يُجزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ وأنَا ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فأجَازَنِي قَالَ نافِعٌ فقَدِمْتُ عَلى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ وهْو خَليفَةُ فَحدَّثْتُهُ هاذَا الحَدِيث فَقَالَ إنَّ هذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ والْكَبِيرِ وكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلغَ خَمسَ عَشْرَةَ.

( الحَدِيث 4662 طرفه فِي: 7904) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها بِأَن بُلُوغ الصَّبِي فِي خمس عشرَة سنة بِاعْتِبَار السن، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاز لِابْنِ عمر، وسنه خمس عشرَة، فَدلَّ على أَن الْبلُوغ بِالسِّنِّ بِخمْس عشرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبيد الله بن سعيد، كَذَا وَقع فِي جَمِيع الْأُصُول: عبيد الله بتصغير عبد وَهُوَ أَبُو قدامَة السَّرخسِيّ، وَوَقع لبَعض الْحفاظ: عبيد بن إِسْمَاعِيل، وَبِذَلِك جزم الْبَيْهَقِيّ فِي ( الخلافيات) : فَأخْرج الحَدِيث من طَرِيق مُحَمَّد ابْن الْحُسَيْن الْخَثْعَمِي عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل، ثمَّ قَالَ: أخرجه البُخَارِيّ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل.
قلت: عبيد بن إِسْمَاعِيل، واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله يكنى أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَمن أَفْرَاده، وَيحْتَمل أَن يكون البُخَارِيّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور عَنْهُمَا جَمِيعًا، فَوَقع هُنَا فِي كثير من النّسخ: عبيد الله بن سعيد، وَوَقع فِي بَعْضهَا: عبيد بن إِسْمَاعِيل، على أَن عبيد بن إِسْمَاعِيل أَيْضا روى عَن أبي أُسَامَة.
الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث: عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب ...
وَفِي السَّنَد: االتحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن عَليّ بن مُحَمَّد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عرضه يَوْم أحد) ذكر ابْن عمر هُنَا: عرضه، وَبعد ذَلِك قَالَ: عرضني، لِأَن الأَصْل: عرضه، وَأما التَّكَلُّم على سَبِيل الْحِكَايَة فَهُوَ نقل كَلَام ابْن عمر بِعَيْنِه، فَإِن كَانَ الْكل كَلَام ابْن عمر لَا كَلَام الرَّاوِي، يكون من بابُُ التَّجْرِيد، فَإِن ابْن عمر جرد من نَفسه شخصا وَعبر عَنهُ بِلَفْظ الْغَائِب، وَجَاز فِي أَمْثَالهَا وَجْهَان: تَقول: أَنا الَّذِي ضربت زيدا، وَأَنا الَّذِي ضرب زيدا.
قَوْله: ( فَلم يجزني) ، يَعْنِي فِي ديوَان المقاتلين وَلم يقدر لي رزقا مثل أرزاق الأجناد، وَفِي ( صَحِيح ابْن حبَان) : فَلم يجزني وَلم يرني بلغت.
قَوْله: ( يَوْم الخَنْدَق) ، وَوَقع فِي ( جمع) الْحميدِي، بدل الخَنْدَق: يَوْم الْفَتْح، وَهُوَ غلط نَقله أَبُو الْفضل بن نَاصِر السلَامِي عَن تعليقة أبي مَسْعُود، وَخلف، قَالَ: وتبعهما شَيخنَا الْحميدِي، وراجعنا الْكِتَابَيْنِ فِي هَذَا فَلم نجد فيهمَا إلاَّ الخَنْدَق.
وَهُوَ الصَّوَاب، وَفِي رِوَايَة ذكرهَا ابْن التِّين: عرضت عَام الخَنْدَق، ولي أَربع عشرَة، فأجازني، قَالَ: وَقيل: إِنَّمَا عرض يَوْم بدر فَرده وَأَجَازَهُ بِأحد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: ذكر الخَنْدَق وهمٌ، وَإِنَّمَا كَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع، لِأَن الخَنْدَق كَانَت سنة خمس، وَهُوَ قَالَ إِنَّه كَانَ فِي أحد ابْن أَربع عشرَة، فعلى هَذَا يكون غَزْوَة ذَات الرّقاع هِيَ المرادة، لِأَنَّهَا كَانَت فِي سنة أَربع، بَينهَا وَبَين أحد سنة، وَقد يُجَاب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن ابْن عمر فِي أُحد دخل فِي أول سنة أَربع من حِين مولده، وَذَلِكَ فِي شَوَّال مِنْهَا ثمَّ تكملت لَهُ سنة أَربع عشرَة فِي شَوَّال من الْآتِيَة، ثمَّ دخل فِي الْخَامِس عشرَة إِلَى شوالها الَّذِي كَانَت فِيهِ الخَنْدَق، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه فِي أحد فِي أول الرَّابِعَة، وَفِي الخَنْدَق فِي آخر الْخَامِسَة.
وَقد رُوِيَ عَن مُوسَى بن عقبَة وَغَيره: أَن الخَنْدَق كَانَت سنة أَربع، فَلَا حَاجَة إِذن لهَذِهِ الْأُمُور.
قَوْله: ( قَالَ نَافِع) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: ( إِن هَذَا لحد) ، أَي: إِن هَذَا السن، وَهُوَ خمس عشرَة سنة، نِهَايَة الصغر وبداية الْبلُوغ، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن عمر عِنْد التِّرْمِذِيّ، فَقَالَ: هَذَا حد مَا بَين الذُّرِّيَّة والمقاتلة.
قَوْله: ( وَكتب إِلَى عماله) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم، جمع: عَامل، وهم النواب الَّذين استنابهم فِي الْبِلَاد، وَفِي رِوَايَة مُسلم زِيَادَة.
قَوْله: وَمن كَانَ دون ذَلِك فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَال.
قَوْله: ( أَن يفرضوا) ، أَي: يقدروا لَهُم رزقا فِي ديوَان الْجند.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن من اسْتكْمل خمس عشرَة سنة أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام الْبَالِغين وَإِن لم يَحْتَلِم فيكلف بالعبادات وَإِقَامَة الْحُدُود، وَيسْتَحق سهم الْغَنِيمَة وَيقتل إِن كَانَ حَرْبِيّا وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام.
وَمن ذَلِك: أَن الإِمَام يستعرض من يخرج مَعَه لِلْقِتَالِ قبل أَن يَقع الْحَرْب، فَمن وجده أَهلا استصحبه، وَمن لَا فَيردهُ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَعند الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة لَا تتَوَقَّف الْإِجَازَة لِلْقِتَالِ على الْبلُوغ، بل للْإِمَام أَن يُجِيز من الصّبيان من فِيهِ قُوَّة ونجدة، فَرب مراهق أقوى من بَالغ، وَحَدِيث ابْن عمر حجَّة عَلَيْهِم.
انْتهى.
قلت: لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِم أصلا، لِأَن حكم الْمُرَاهق كَحكم الْبَالِغ، حَتَّى إِذا قَالَ: قد بلغت، يصدق.





[ قــ :550 ... غــ :665 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسار عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَبْلُغُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَة واجِبٌ على كلِّ مُحْتَلِمٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَاجِب على كل محتلم) ، إِذْ لَو لم يَتَّصِف المحتلم بِالْبُلُوغِ لما وَجب عَلَيْهِ شَيْء، وَهَذَا الْبلُوغ بالإنزال.
فَإِن قلت: الْجُزْء الْأَخير من التَّرْجَمَة الشَّهَادَة وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِيمَا قبله ذكرهَا؟ قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ ترْجم بهَا، وَلكنه لم يظفر بِشَيْء من ذَلِك على شَرطه.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بابُُ هَل على من لم يشْهد الْجُمُعَة غسل؟ وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
<

( بابُُ سُؤالِ الحاكِم المُدَّعِيَ هَلْ بَيِّنةٌ قَبْلَ اليَمِينِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان سُؤال الْحَاكِم الْمُدَّعِي، بِكَسْر الْعين: هَل لَك بَيِّنَة تشهد بِمَا تَدعِي قبل عرض الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ؟


[ قــ :550 ... غــ :667 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرَنا أبُو مُعَاوِيَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ شَقِيقٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَن حلف على يَمين وهْوَ فيهَا فاجِرٌ لَيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِىٍ مُسْلِمٍ لَقيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ قَالَ فَقَالَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فِيَّ وَالله كانَ ذالِكَ كانَ بَيْنِي وبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أرْضٌ فجَحَدَنِي فقَدَّمْتُهُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألَكَ بَيِّنةٌ قَالَ.

قُلْتُ لَا قَالَ فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلفْ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسولَ الله إِذا يَحْلِفَ ويَذْهَبَ بمَالي قَالَ فأنْزَلَ الله تَعالى { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} إِلَى آخرِ الآيَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَلَك بَيِّنَة؟ قَالَ: قلت: لَا) .
وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن سَلام، صرح بِهِ فِي ( الْأَطْرَاف) قَالَ الجياني: وَكَذَا نسبه أَبُو مُحَمَّد بن السكن.
والْحَدِيث رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي مُعَاوِيَة، فَيجوز أَن يكون هُوَ أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين: الضَّرِير، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق أَبُو وَائِل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي الْخُصُومَات فِي: بابُُ كَلَام الْخُصُوم بَعضهم بِبَعْض، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.