فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران: 77]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمَانِهِمْ ثَمناً قَلِيلاً} ( آل عمرَان: 77) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْوَعيد الشَّديد الَّذِي تتضمنه هَذِه الْآيَة الكرمية فِي حق الَّذِي يرتكبون الْأَيْمَان الكاذبة الْفَاجِرَة، الآثمة، وَقد ذمهم الله تَعَالَى بقوله: { إِن الَّذين يشْتَرونَ} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: يعتاضون { بِعَهْد الله} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: بِمَا عَاهَدَ الله عَلَيْهِ { وَأَيْمَانهمْ} ( آل عمرَان: 77) .
الكاذبة { ثمنا قَلِيلا} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: عوضا يَسِيرا.
قيل: نزلت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْأَشْعَث بن قيس حِين خَاصم الْيَهُودِيّ فِي أَرض، على مَا مر حَدِيثه عَن قريب، وَقيل: إِن رجلا أَقَامَ سلْعَته فِي السُّوق أول النَّهَار، فَلَمَّا كَانَ آخِره جَاءَ رجل فساومه عَلَيْهَا، فَحلف بِاللَّه منعتها أول النَّهَار من كَذَا، وَلَوْلَا الْمسَاء لما بِعْت على مَا يَجِيء الْآن، وَتَمام الْآيَة: { أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة، وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} ( آل عمرَان: 77) .
قَوْله: { لَا خلاق لَهُم} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: لَا نصيب لَهُم.
قَوْله: { وَلَا يكلمهم الله} ( آل عمرَان: 77) .
فَإِن كَانَ ذَلِك من الْيَهُود فَلَا يكلمهُ أصلا، وَإِن كَانَ من العصاة فَلَا يكلمهم كلَاما يسرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ.
{ وَلَا يزكيهم} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: وَلَا يثني عَلَيْهِم.
وَقيل: لَا يطهرهم من الذُّنُوب والآثام، بل يَأْمر بهم إِلَى النَّار { وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: مؤلم شَدِيد.



[ قــ :2558 ... غــ :2675 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا يَزيدُ بنُ هَارُونَ قَالَ أخبرنَا العَوَّامُ قَالَ حدَّثني إبْرَاهِيمُ أبُو إسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقولُ أقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فحَلَفَ بِاللَّه لَقَدْ أعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِها فنَزَلَتْ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمانِهِمْ ثَمناً قَلِيلا}
( انْظُر الحَدِيث 8802 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ من حَيْثُ أَنَّهَا نزلت فِي حق الرجل الَّذِي أَقَامَ سلْعَة فَحلف يَمِينا فاجرة.
فَإِن قلت: قد ذكر فِيمَا مضى أَن الْأَشْعَث بن قيس قَالَ: فيَّ نزلت هَذِه الْآيَة.
قلت: لَا مُعَارضَة بَينهمَا، لِأَنَّهُ يحْتَمل نزُول هَذِه الْآيَة فِي كل من القضيتين وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ قَالَ الغساني: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا لأحد من شُيُوخنَا، لَكِن صرح البُخَارِيّ بنسبته فِي: بابُُ شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا.
قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور،.

     وَقَالَ  أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، والعوام، بتَشْديد الْوَاو: ابْن حَوْشَب، وَإِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو إِسْمَاعِيل السكْسكِي الْكُوفِي والسكسكي فِي كِنْدَة ينْسب إِلَى السكاسك بن أَشْرَس بن كِنْدَة، مِنْهُم إِبْرَاهِيم هَذَا، وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله، وَاسم أبي أوفى، عَلْقَمَة بن خَالِد بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ، لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بابُُ مَا يكره من الْحلف فِي البيع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

وَقَالَ ابنُ أبي أوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِباً خائِنٌ

هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِ، وَقد مر فِي الْبيُوع فِي: بابُُ النجش، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :558 ... غــ :677 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ حَلَفَ علَى يَمينٍ كاذِباً لِيَقْتَطِعَ مالَ رجُلٍ أوْ قالَ أخِيهِ لَقيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ وأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ فِي القُرْآنِ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمَانِهِمْ ثَمناً قَلِيلاً} ( آل عمرَان: 77) .
الْآيَة فلَقِيني الأشْعَثُ فَقَالَ مَا حدَّثكُمْ عَبْدُ الله اليَوْمَ قلْتُ: كَذَا وكذَا قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ..
مطابقته للبابُ المتضمن لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة ظَاهِرَة لَا تخفى، والْحَدِيث تكَرر ذكره عَن قريب وبعيد.
قَوْله: ( مَا حَدثكُمْ عبد الله) هُوَ عبد الله بن مَسْعُود الرَّاوِي، وَفِي الْأَحَادِيث الْمَاضِيَة: مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن، هُوَ كنية عبد الله، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق.