فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك

( بابُُ الصُّلْحِ بَيْنَ الغُرَمَاءِ وأصْحَابِ المِيِرَاثِ والْمُجَازَفَةِ فِي ذَلِكَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصُّلْح بَين الْغُرَمَاء وَأَصْحَاب الْمِيرَاث، وهم الوارثة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لفظ: بَين، يَقْتَضِي طرفين: الْغُرَمَاء وَأَصْحَاب الْمِيرَاث.
قلت: كَلَامه يشْعر أَن الصُّلْح بَين الْغُرَمَاء وَبَين أَصْحَاب الْمِيرَاث، فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كَلَامه أَعم من أَن يكون بَينهم وَبينهمْ، وَمن أَيْن يكون بَين كل من الْغُرَمَاء وَأَصْحَاب الْمِيرَاث.
قَوْله: والمجازفة فِي ذَلِك، يَعْنِي عِنْد الْمُعَاوضَة، أَرَادَ أَن المجازفة فِي الِاعْتِيَاض عَن الدّين جَائِزَة.

وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ لَا بَأْس أنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ فيَأْخُذَ هَذَا دَيْناً وهَذَا عَيْناً فإنْ تَوِيَ لأحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ علَى صاحِبِهِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة، وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِذا اقتسم الشريكان الْغُرَمَاء فَأخذ هَذَا بَعضهم وَهَذَا بَعضهم، فَتْوَى نصيب أَحدهمَا وَخرج نصيب آخر، قَالَ: إِذا أَبرَأَهُ مِنْهُ فَهُوَ جَائِز،.

     وَقَالَ  النَّخعِيّ: لَيْسَ بِشَيْء وَمَا توى أَو خرج فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ والكوفيين،.

     وَقَالَ  سَحْنُون: إِذا قبض أحد الشَّرِيكَيْنِ من دينه عرضا، فَإِن صَاحبه بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ جوز لَهُ مَا أَخذ وَاتبع الْغَرِيم بِنَصِيبِهِ، وَأَن شَاءَ رَجَعَ على شَرِيكه بِنصْف مَا قبض واتبعا الْغَرِيم جَمِيعًا بِنصْف الدّين فاقتسماه بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا قَول ابْن الْقَاسِم.
قَوْله: ( فَإِن توي) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْوَاو: أَي هلك واضمحل، وَضَبطه بَعضهم بِكَسْر الْوَاو على وزن: علم، قَالَ ابْن التِّين: وَلَيْسَ هَذَا ببين، واللغة هُوَ الأول.



[ قــ :2589 ... غــ :2709 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا عبدُ الوهَّابِ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنِ وهْبِ بنِ كَيْسَانَ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ تُوُفِّيَ أبي وعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَرَضْتُ عَلى غُرَمَائِهِ أنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ فأبَوْا ولَمْ يَرَوْا أنَّ فِيهِ وَفَاء فأتَيْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرْتُ ذالِكَ لَهُ فقالَ إذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي المِرْبَدِ آذَنْتُ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجاءَ ومعَهُ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فجَلَسَ عَلَيْهِ ودَعَا بالْبَرَكَةِ ثُمَّ قالَ ادْعُ غُرَمَاءَكَ فأوْفِهِمْ فَمَا تَرَكْتُ أحَدَاً لَهُ على أبِي دَيْنٌ إلاَّ قَضَيْتُهُ وفَضَلَ ثلاثَةَ عَشَرَ وسْقاً سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وسِتَّة لَوْنٌ أوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وسَبْعَة لَوْنٌ فَوَافَيْتُ معَ رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَغْرِبَ فَذَكرْتُ ذالِكَ لَهُ فَضَحِكَ فَقَالَ ائْتِ أبَا بَكْرٍ وعُمَرَ فأخْبِرْهُمَا فَقالاَ لَقَدْ عَلِمْنَا أذْ صَنَعَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صنَعَ أنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ.
.

     وَقَالَ  هِشَامٌ عنْ وهْبٍ عنْ جابِرِ صلاةَ العَصْرِ ولَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ ولاَ ضَحِكَ.

     وَقَالَ  وَتَرَكَ أبي عَلَيْهِ ثَلاثِينَ وسْقاً دَيْناً.

     وَقَالَ  ابنُ إسْحَاقَ عنْ وَهْبٍ عنْ جابِرٍ صلاةَ الظُّهْرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ صلح الْوَارِث مَعَ الْغُرَمَاء يشْعر بذلك.
قَوْله: ( فَمَا تركت أحدا لَهُ على أبي دين إلاَّ قَضيته) لِأَن فيهم من لَا يَخْلُو عَن الصُّلْح فِي قبض دينه.

وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَعبيد الله بن عمر، وَقد مضى الحَدِيث فِي الاستقراض فِي: بابُُ إِذا قاص أَو جازفه فِي الدي.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، ولنتكلم هُنَا بعض شَيْء.

قَوْله: ( إِذا جددته) ، بِالدَّال الْمُهْملَة والمعجمة أَي: إِذا قطعته.
قَوْله: ( فِي المربد) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة.
وَهُوَ الْموضع الَّذِي يحبس فِيهِ الْإِبِل وَغَيره، وَأهل الْمَدِينَة يسمون الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر مربداً، والجرين فِي لُغَة أهل نجد.
قَوْله: ( آذَنت) ، أَي: أعلمت، وضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر لتقوية الدَّاعِي وللإشعار بِطَلَب الْبركَة مِنْهُ، أَو نَحوه.
قَوْله: ( وَفضل) ، من بابُُ دخل يدْخل، وَجَاء من بابُُ حذر يحذر، وَمن بابُُ فضل بِالْكَسْرِ يفضل بِالضَّمِّ، وَهُوَ شَاذ.
قَوْله: ( عَجْوَة) ، وَهُوَ ضرب من أَجود تمور الْمَدِينَة.
قَوْله: ( لون) ، قَالَ ابْن الْأَثِير: اللَّوْن نوع من النّخل، وَقيل: هُوَ الدقل، وَقيل: النّخل كُله مَا خلا البرني، والعجوة يُسَمِّيه أهل الْمَدِينَة الألوان، واحدته لينَة، وَأَصله: لونة، قلبت الواء يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا.
قَوْله: ( إِذْ صنع) ، أَي: حِين صنع.
قَوْله: ( أَن سَيكون) ، بِفَتْح الْهمزَة، لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: علمنَا، قَوْله: ( وَقَالَ هِشَام) ، أَي: ابْن عُرْوَة، وَرِوَايَة هِشَام هَذِه قد تقدّمت مَوْصُولَة فِي الاستقراض.
قَوْله: ( وَقَالَ ابْن إِسْحَاق) أَي: روى مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر صَلَاة الظّهْر.

وَاعْلَم أَن هَذَا الِاخْتِلَاف، فِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر: ( صَلَاة الْمغرب، وَفِي رِوَايَة هِشَام، صَلَاة الْعَصْر) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: ( صَلَاة الظّهْر) غير قَادِح فِي صِحَة أصل الحَدِيث، لِأَن تعْيين الصَّلَاة بِعَينهَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ كَبِير معنى.