فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الوصية بالثلث

(بابُُ الوَصِيَّةِ بالثُّلْثِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ.

وقالَ الحَسَنُ لَا يَجُوزُ للذِّمِّيِّ وصِيَّةٌ إلاَّ الثُّلُثَ

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ أَرَادَ أَن الذِّمِّيّ إِذا أوصى بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله لَا يجوز، وَأما الْمُسلم إِذا أوصى بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله، فَإِن لم يكن لَهُ وَرَثَة جَازَ، وَإِن كَانَت لَهُ وَرَثَة فَإِن جازوا جَازَت الْوَصِيَّة، وَإِن ردوا بطلت الْوَصِيَّة.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز إلاَّ فِي الثُّلُث.
وَيُوضَع الثُّلُثَانِ لبيت المَال.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على من قَالَ كالحنفية بِجَوَاز الْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ على الثُّلُث لمن لَا وَارِث لَهُ، وَلذَلِك احْتج بقوله تَعَالَى: { وَأَن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 94) .
وَالَّذِي حكم بِهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الثُّلُث هُوَ الحكم بِمَا أنزل الله، فَمن تجَاوز مَا حَده فقد أَتَى مَا نهى عَنهُ، ورد عَلَيْهِ بِأَن البُخَارِيّ لم يرد هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الاستشهاد بِالْآيَةِ على أَن الذِّمِّيّ إِذا تحاكم إِلَيْنَا ورثته لَا تنفذ من وَصيته إلاَّ الثُّلُث، لأَنا لَا نحكم فيهم إلاَّ بِحكم الْإِسْلَام، لقَوْله تَعَالَى: { وَإِن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله ... } (الْمَائِدَة: 94) .
الْآيَة.
قلت: الْعجب من البُخَارِيّ أَنه ذكر عَن الْحسن أَنه لَا يرى للذِّمِّيّ بِالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ من الثُّلُث، فليت شعري مَا وَجه ذكر هَذَا، وَالْحَال أَن حكم الْمُسلم كَذَلِك عِنْده، وَعند غير الْحَنَفِيَّة.
وأعجب مِنْهُ كَلَام ابْن بطال الَّذِي تمحل فِي كَلَامه بالمحال وَاسْتحق الرَّد على كل حَال، وَأبْعد من هَذَا وَأكْثر استحقاقاً بِالرَّدِّ هُوَ صَاحب (التَّوْضِيح) حَيْثُ يَقُول: وعَلى قَول ابْن حنيفَة رد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ، وَلذَلِك صدر بقول الْحسن، ثمَّ بِالْآيَةِ، فسبحان الله كَيفَ يرد على أبي حنيفَة بقول الْحسن، فَمَا وَجه ذَلِك؟ لَا يُدرى.

وَقَالَ الله تعَالى { وأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَلَ الله} (الْمَائِدَة: 94) .



[ قــ :2619 ... غــ :2744 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ عَدِيٍّ قَالَ حدَّثنا مَرْوَانُ عنْ هاشِمِ بنِ هاشِمٍ عنْ عامِرِ بنِ سعْدٍ عنْ أبيِهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَرِضْتُ فعَادَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ يَا رسولَ الله ادْعُ الله (أنْ لَا يَرُدَّنِي علَى عَقِبي قَالَ لعَلَّ الله أنْ يرْفَعَكَ ويَنْفَعَ بِكَ نَاسا.

قُلْتُ أُرِيدُ أنْ أُوصِي وإنَّمَا لي ابْنَةٌ.

قُلْتُ أُوصِي بالنِّصْفِ قَالَ النِّصفُ كَثيرٌ قلْتُ فالثُّلْثُ قَالَ الثُّلْثُ والثُّلْثُ كَثير أوْ كَبِيرٌ قَالَ فأوْصاى النَّاسُ بالثُّلْثِ وجازَ ذالِكَ لَهُمْ.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم هُوَ الْحَافِظ الْمَعْرُوف بصاعقه، وَهُوَ من أَقْرَان البُخَارِيّ وأكبر مِنْهُ قَلِيلا، مَاتَ فِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَسمي صَاعِقَة لِأَنَّهُ كَانَ جيدا لحفظ، وزكرياء بن عدي أَبُو يحيى الْكُوفِي، مَاتَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، ومروان هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، وهَاشِم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ يعد فِي أهل الْمَدِينَة.
والْحَدِيث مر عَن قريب.

قَوْله: (أَن لَا يردني على عَقبي) ، بتَشْديد الْيَاء أَي: لَا يميتني فِي الدَّار الَّتِي هَاجَرت مِنْهَا، وَهِي مَكَّة.
قَوْله: (لَعَلَّ الله أَن يرفعك) ، أَي: يقيمك من مرضك، وَكلمَة: لَعَلَّ، للْإِيجَاب فِي حق الله تَعَالَى.
قَوْله: (قَالَ: وَأوصى النَّاس) إِلَى آخِره، من كَلَام سعد ظَاهرا، وَيحْتَمل أَن يكون من قَول من دونه.