فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا وصية لوارث

( بابٌُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: ( لَا وَصِيَّة لوَارث) ، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث مَرْفُوع أخرجه جمَاعَة وَلَيْسَ فِي الْبابُُ ذَلِك، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لما لم يكن على شَرطه لم يذكرهُ هُنَا.
مِنْهُم: أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن نجدة: قَالَ: حَدثنَا ابْن عَيَّاش من شُرَحْبِيل ابْن مُسلم، قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول،: ( إِن الله أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد وَعلي بن حجر، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم الْخَولَانِيّ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: ( إِن الله تبَارك وَتَعَالَى قد أعْطى كل ذِي حق حَقه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث) الحَدِيث،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، ثمَّ قَالَ: وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن أهل الْعرَاق وَأهل الْحجاز لَيْسَ بِذَاكَ فِيمَا ينْفَرد بِهِ، لِأَنَّهُ روى عَنْهُم مَنَاكِير، وَرِوَايَته عَن أهل الشَّام أصح، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل.
انْتهى.
قلت: هَذَا رِوَايَته عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم وَهُوَ شَامي ثِقَة، وَصرح فِي رِوَايَته بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ.
وَمِنْهُم: عَمْرو بن خَارِجَة، روى حَدِيثه التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن عَمْرو بن خَارِجَة: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب على نَاقَته وَأَنا تَحت جِرَانهَا وَهِي تَقْصَعُ بجرتها، وَأَن لُعَابهَا يسيل بَين كتفيَّ فَسَمعته يَقُول: ( إِن الله عز وَجل، أعْطى كل ذِي حق حَقه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث، وَالْولد للْفراش وللعاهر الْحجر) هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمِنْهُم: جَابر، أخرج حَدِيثه الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ مثله قَالَ: وَالصَّوَاب أَنه مُرْسل.
وَمِنْهُم: ابْن عَبَّاس أخرج حَدِيثه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث حجاج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة) .
وَمِنْهُم: عبد الله بن عمر وَأخرج حَدِيثه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن جده يرفعهُ: ( إِن الله قسم لكل إِنْسَان نصِيبه من الْمِيرَاث فَلَا يجوز لوَارث إلاَّ من الثُّلُث، وَذَلِكَ بمنى) .
وَمِنْهُم: أنس بن مَالك أخرج حَدِيثه ابْن مَاجَه: حَدثنَا هِشَام بن عمار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن سعيد بن أبي سعيد أَنه حَدثهُ عَن أنس بن مَالك قَالَ: إِنِّي لتَحْت نَاقَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسيل عليَّ لُعَابهَا فَسَمعته، يَقُول: ( إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه ألاَ لَا وَصِيَّة لوَارث) .
وَمِنْهُم: عَليّ بن أبي طَالب أخرج حَدِيثه ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( لَيْسَ للْوَارِث وَصِيَّة) ، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبان بن تغلب عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا وَصِيَّة لوَارث وَلَا إِقْرَار بدين) .



[ قــ :2622 ... غــ :2747 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يوسُفَ عنْ وَرْقَاءَ عنِ ابنِ أبِي نَجيحٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ المَالُ لِلْوَلدِ وكانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فنَسَخَ الله مِنْ ذالِكَ مَا أحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وجعَلَ للأبَوَيْنِ لكُلِّ واحدٍ منْهُمَا السُّدْسَ وجَعلَ لِلْمَرأةِ الثُّمْن والرُّبْعَ ولِلزَّوْجِ الشَّطْرَ والرُّبْعَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْوَصِيَّة للْوَالِدين لما نسخت وَأثبت الْمِيرَاث لَهما بَدَلا من الْوَصِيَّة علم أَنه لَا يجمع لَهما بَين الْوَصِيَّة وَالْمِيرَاث، وَإِذا كَانَ لَهما كَذَلِك فَمن دونهمَا أولى بِأَن لَا يجمع لَهُ بَينهمَا، فيؤول حَاصِل الْمَعْنى: لَا وَصِيَّة للْوَارِث.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، بَينه أَبُو نعيم الْحَافِظ.
الثَّانِي: وَرْقَاء، مؤنث الأورق، ابْن عمر بن كُلَيْب أَبُو بشر الْيَشْكُرِي، وَيُقَال: الشَّيْبَانِيّ، أَصله من خوارزم، وَيُقَال من الْكُوفَة سكن الْمَدَائِن: الثَّالِث عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَقد مر غير مرّة.
الرَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.

وَهُوَ مَوْقُوف على ابْن عَبَّاس.
وَهَذَا أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير وَفِي الْوَصَايَا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( كَانَ المَال للْوَلَد) ، أَي: كَانَ مَال الشَّخْص إِذا مَاتَ للْوَلَد.
قَوْله: ( وَكَانَت الْوَصِيَّة للْوَالِدين) ، أَي: كَانَت الْوَصِيَّة فِي الْإِسْلَام لوالدي الْمَيِّت دون الْأَوْلَاد، على مَا يرَاهُ من الْمُسَاوَاة والتفضيل.
قَوْله: ( نسخ الله فِي ذَلِك مَا أحب) أَي: مَا أَرَادَ، يَعْنِي: كَانَت الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ مِنْهَا من كَانَ وَارِثا بِآيَة الْفَرَائِض.
وَبِقَوْلِهِ: ( لَا وَصِيَّة لوَارث) وَأبقى حق من لَا يَرث من الْأَقْرَبين بِالْوَصِيَّةِ على حَاله، قَالَه طَاوُوس وَغَيره.
قَوْله: ( وَجعل للْمَرْأَة الثّمن) ، يَعْنِي: عِنْد وجود الْوَلَد، وَجعل ( الرّبع) عِنْد عَدمه.
قَوْله: ( والشطر) أَي: وَجعل للزَّوْج الشّطْر أَي: النّصْف، أَي: نصف المَال عِنْد عدم الْوَلَد، وَجعل ( الرّبع) عِنْد وجود الْوَلَد، ثمَّ الحَدِيث دلّ على أَن: لَا وَصِيَّة للْوَارِث.

وَاخْتلفُوا إِذا أوصى لبَعض ورثته، فَأَجَازَهُ بَعضهم فِي حَيَاته، ثمَّ بدا لَهُم بعد وَفَاته.
فَقَالَت طَائِفَة: ذَلِك جَائِز عَلَيْهِم وَلَيْسَ لَهُم الرُّجُوع فِيهِ، هَذَا قَول عَطاء وَالْحسن وَابْن أبي ليلى وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَهُم الرُّجُوع فِي ذَلِك إِن أَحبُّوا، هَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَشُرَيْح وَالْحكم وطاووس، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِذا أذنوا لَهُ فِي صِحَّته فَلهم أَن يرجِعوا، وَإِن أذنوا فِي مَرضه وَحين يحجب عَن مَاله فَذَلِك جَائِز عَلَيْهِم، وَهُوَ قَول إِسْحَاق، وَعَن مَالك أَيْضا: لَا رُجُوع لَهُم إلاَّ أَن يَكُونُوا فِي كفَالَته فيرجعوا.
.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: إِنَّمَا يبطل الْوَصِيَّة للْوَارِث فِي قَول أَكثر أهل الْعلم من أجل حُقُوق سَائِر الْوَرَثَة، فَإِذا أجازوها جَازَت كَمَا إِذا أَجَازُوا الزِّيَادَة على الثُّلُث، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا لَا تجوز، وَإِن أجازوها، لِأَن الْمَنْع لحق الشَّرْع فَلَو جوزناها كُنَّا قد استعملنا الحكم الْمَنْسُوخ، وَذَلِكَ غير جَائِز، وَهَذَا قَول أهل الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ قَول عبد الرَّحْمَن بن كيسَان والمزني،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَاتفقَ مَالك وَالثَّوْري والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر أَنه إِذا أَجَازُوا ذَلِك بعد وَفَاته لَزِمَهُم.
وَهل هُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم أم لَا؟ فِيهِ خلاف، وَاتَّفَقُوا على اعْتِبَار كَون الْمُوصي لَهُ وَارِثا بِيَوْم الْمَوْت حَتَّى لَو أوصى لِأَخِيهِ الْوَارِث، حَيْثُ لَا يكون لَهُ ابْن يحجب الْأَخ الْمَذْكُور، فولد لَهُ ابْن قبل مَوته يحجب الْأَخ، فَالْوَصِيَّة للْأَخ الْمَذْكُور صَحِيحَة، وَلَو أوصى لِأَخِيهِ وَله ابْن فَمَاتَ الإبن قبل موت الْمُوصي فَهِيَ وَصِيَّة لوَارِثه.