فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استخدام اليتيم في السفر والحضر، إذا كان صلاحا له، ونظر الأم وزوجها لليتيم

( بابُُ اسْتِخْدَامِ الْيَتِيمِ فِي السَّفَرِ والحَضَرِ إذَا كانَ صَلاَحاً لَهُ ونَظَرِ الأمِّ أوْ زَوْجِهَا لِلْيَتِيمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم اسْتِخْدَام الْيَتِيم.
قَوْله: ( إِذا كَانَ صلاحاً لَهُ) أَي: إِذا كَانَ خيرا ونفعاً للْيَتِيم فِي السّفر، قيل: هَذَا قيد للسَّفر، لِأَن السّفر مشقة وَقطعَة من الْعَذَاب، وَرُبمَا يتَضَرَّر الْيَتِيم فِيهِ، وَالظَّاهِر أَن هَذَا قيد للحضر وَالسّفر جَمِيعًا، لِأَن الْيَتِيم مَحل الرَّحْمَة، وَفِي خدمَة النَّاس مَا لَا يصلح للكبير فضلا عَن الْيَتِيم.
قَوْله: ( وَنظر الْأُم) بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: ( اسْتِخْدَام الْيَتِيم) .

     وَقَالَ  ابْن التِّين: أَكثر أَصْحَاب مَالك على أَن الْأُم وَغَيرهَا لَهُم التَّصَرُّف فِي مصَالح من هم فِي كفالتهم، ويعقدون لَهُ وَعَلِيهِ وَإِن لم يَكُونُوا أوصياء، وَيكون حكمهم حكم الأوصياء، وَقيل: حَتَّى يكون بَينه وَبَين الطِّفْل قرَابَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: لَا يفعل ذَلِك إلاَّ إِن يكون وَصِيّا، وَوَافَقَهُمْ ابْن الْقَاسِم فِي اللَّقِيط.
قَوْله: ( أَو زَوجهَا) أَي: أَو نظر زوج الْأُم، يَعْنِي: لَهُ النّظر فِي ربيبه إِذا كَانَ عِنْده.

[ قــ :2642 ... غــ :2768 ]
- حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ كَثيرٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عَلِيَّةَ قَالَ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ عنْ أنْسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَدِمَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فأخذَ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فانْطَلَقَ بِي إلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّ أنَساً غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ قَالَ فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ والحَضَرِ مَا قَالَ لي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هذَا هكَذَا ولاَ لِشَيْءٍ لَمْ أصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا.

مطابقته لجَمِيع أَجزَاء التَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
أما الْجُزْء الأول: وَهُوَ قَوْله: ( فِي السّفر والحضر) فَفِي قَوْله: ( فخدمته فِي السّفر والحضر) .
وَأما الْجُزْء الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: وَنظر الْأُم.
فَلَا شكّ أَن أَبَا طَلْحَة مَا ودى أنسا إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ بمشاورة أمه.
وَأما الْجُزْء الثَّالِث: وَهُوَ قَوْله: أَو زَوجهَا، فَفِي قَوْله: ( فَأخذ أَبُو طَلْحَة بيَدي) إِلَى آخِره، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير ضد الْقَلِيل الدَّوْرَقِي، مر فِي الْإِيمَان، وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، وَأمه علية مولاة لبني أَسد، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: والإسناد كُله بصريون.
قلت: شهرة شَيْخه بالدورقي، وَهُوَ شيخ الْجَمَاعَة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن عَمْرو بن زُرَارَة.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَزُهَيْر بن حَرْب.

قَوْله: ( أَبُو طَلْحَة) ، هُوَ زوج أم سليم، وَالِدَة أنس، واسْمه: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: ( غُلَام) ، قَالَ أنس: فخدمته وَأَنا ابْن عشرَة، وَتُوفِّي وَأَنا ابْن عشْرين، وَمَات أنس سنة ثَلَاث وَتِسْعين أَو اثْنَتَيْنِ، وَقد زَاد على الْمِائَة وَهُوَ آخر من مَاتَ بِالْبَصْرَةِ من الصَّحَابَة، وَكَانَ فِي كبره ضعف عَن الصَّوْم، وَكَانَ يفْطر وَيطْعم.
قَوْله: ( كيس) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَهُوَ ضد الأحمق.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْكيس الْعَاقِل، وَقد كاس يكيس كيساً، والكَيْس: الْعقل.

وَفِيه: السّفر باليتيم إِذا كَانَ ذَلِك من الصّلاح.
وَفِيه: الثَّنَاء على الْمَرْء بِحَضْرَتِهِ إِذا أَمن عَلَيْهِ الْفِتْنَة.
وَفِيه: جَوَاز اسْتِخْدَام الْحر الصَّغِير الَّذِي لَا يجوز أمره.
وَفِيه: أَن خدمَة الإِمَام والعالم وَاجِبَة على الْمُسلمين.
وَأَن ذَلِك شرف لمن خدمهم لما يُرْجَى من بركَة ذَلِك.