فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة

( بابُُ الغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الغدوة، وَهِي من طُلُوع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال، وَهِي بِالْفَتْح: الْمرة الْوَاحِدَة من الْغَد، وَهُوَ الْخُرُوج فِي أَي وَقت كَانَ من أول النَّهَار إِلَى انتصافه، والروحة من الزَّوَال إِلَى اللَّيْل، وَهُوَ بِالْفَتْح.
الْمرة الْوَاحِدَة من الرواح، وَهُوَ الْخُرُوج فِي أَي وَقت كَانَ من زَوَال الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا.
قَوْله: ( فِي سَبِيل الله) ، وَهُوَ الْجِهَاد.

وقابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ

وقاب، بِالْجَرِّ عطفا على الغدوة الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة تَقْدِيره: وَفِي بَيَان فضل قدر قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة.
قَالَ صَاحب ( الْعين) : قاب الْقوس قدر طولهَا،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هُوَ مَا بَين السيَّة والمقبض، وَعَن مُجَاهِد: قدر ذِرَاع، والقوس الذِّرَاع: بلغَة أزدشنة، وَقيل: الْقوس ذِرَاع يُقَاس بِهِ.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: قاب الْقوس، مَا بَين الْوتر والقوس، وَفِي ( الْمُخَصّص) : الْقوس أُنْثَى وتصغر بِغَيْر هَاء، وَالْجمع: أقواس، وَقِيَاس وقسي وقسى، وَيُقَال: لكل قَوس قابان، وَيُقَال: الْأَشْهر أَن القاب قدر، وَكَذَلِكَ: القيب والقاد، والقيد، وَعين القاب: وَاو.



[ قــ :2664 ... غــ :2792 ]
- حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ قالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا حُمَيْدٌ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أوْ رَوْحَة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، ووهيب تَصْغِير وهب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء: هُوَ الطَّوِيل.

والْحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن نصر بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْمثنى، كِلَاهُمَا عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن حميد.
وَأخرجه مُسلم عَن القعْنبِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة مقسم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
قلت: انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيّ.
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، واسْمه: عبد الله بن يزِيد، قَالَ: سَمِعت أَبَا أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غدْوَة فِي سَبِيل الله، أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت.
وَأخرج الْبَزَّار وإبو يعلى الْموصِلِي فِي ( مسنديهما) من رِوَايَة عَمْرو بن صَفْوَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: صَفْوَان بن عَمْرو لَا يعرف، وَأخرج الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... فَذكره، وَفِي إِسْنَاده يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي وَهُوَ ضَعِيف.
وَأخرجه أَحْمد فِي ( مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من حَدِيث أبي أُمَامَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطولا، وَفِيه: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ولمقام أحدكُم فِي الصَّفّ خير من صلَاته سِتِّينَ سنة.
وَإِسْنَاده ضَعِيف.

قَوْله: ( لغدوة) مُبْتَدأ تخصص بِالصّفةِ وَهُوَ قَوْله: ( فِي سَبِيل الله) ، وَالتَّقْدِير: لغدوة كائنة فِي سَبِيل الله.
قَوْله: ( أَو رَوْحَة) ، عطف عَلَيْهِ، وَكلمَة: أَو، للتقسيم لَا للشَّكّ.
قَوْله: ( خير) ، خبر الْمُبْتَدَأ وَاللَّام فِي: لغدوة، لَام التَّأْكِيد.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: للقسم، وَفِيه نظر.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: معنى قَوْله: ( خير من الدُّنْيَا) أَن ثَوَاب هَذَا الزَّمن الْقَلِيل فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا كلهَا، وَكَذَا قَوْله: لَقَاب قَوس أحدكُم، أَي: مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة، يُرِيد مَا صغر فِي الْجنَّة من الْمَوَاضِع كلهَا من بساتينها وأرضها، فَأخْبر أَن قصير الزَّمَان وصغير الْمَكَان فِي الْآخِرَة خير من طَوِيل الزَّمَان وكبير الْمَكَان فِي الدُّنْيَا تزهيداً وتصغيراً لَهَا وترغيباً فِي الْجِهَاد إِذا بِهَذَا الْقَلِيل يُعْطِيهِ الله فِي الْآخِرَة أفضل من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَمَا ظَنك بِمن أتعب فِيهِ نَفسه وَأنْفق مَاله.
.

     وَقَالَ  غَيره: معنى ( خير من الدُّنْيَا) ثَوَاب ذَلِك فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا، وَقيل: خير من أَن يتَصَدَّق بِمَا فِي الدُّنْيَا إِذا ملكهَا، وَقيل: إِذا ملك مَا فِي الدُّنْيَا وأنفقها فِي وُجُوه الْبر وَالطَّاعَة غير الْجِهَاد،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: أَي الثَّوَاب الْحَاصِل على مشْيَة وَاحِدَة فِي الْجِهَاد خير لصَاحبه من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَو جمعت لَهُ بحذافيرها، وَالظَّاهِر أَنه لَا يخْتَص ذَلِك بِالْغُدُوِّ والرواح من بلدته، بل يحصل هَذَا حَتَّى بِكُل غدْوَة أَو روجة فِي طَرِيقه إِلَى الْغَد،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَكَذَا غدْوَة ورواحه فِي مَوضِع الْقِتَال، لِأَن الْجَمِيع يُسمى غدْوَة وروحة فِي سَبِيل الله.





[ قــ :665 ... غــ :793 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ قَالَ حدَّثني أبي عنْ هِلاَلِ بنِ عَلِيٍّ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي عَمْرَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَقابُ قَوْس فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُهُ علَيْهِ الشَّمْسُ وتَغرُبُ.
.

     وَقَالَ  لغدْوَةٌ أوْ رَوْحةُ فِي سبيلِ الله خَيْرٌ مَمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وتَغْرُبُ..
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله) وللجزء الثَّانِي فِي قَوْله: ( لَقَاب قَوس فِي الْجنَّة خير مِمَّا تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس وتغرب) ، وَمضى الْكَلَام فِي مُحَمَّد بن فليح وَأَبِيهِ هِلَال بن عَليّ عَن قريب فِي الْبابُُ السَّابِق، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ النجاري قَاضِي أهل الْمَدِينَة، وَاسم أبي عمْرَة: عَمْرو بن مُحصن، وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون.

قَوْله: ( لَقَاب قَوس) ، مُبْتَدأ.
قَوْله: ( فِي الْجنَّة) صفة قَوس.
وَقَوله: ( خير) خبر الْمُبْتَدَأ، وَاللَّام فِي: لَقَاب، للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ فِي: لغدوة.
قَوْله: ( خير مِمَّا تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس وتغرب) ، هُوَ معنى قَوْله: خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَهَذَا مِنْهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا هُوَ على مَا اسْتَقر فِي النُّفُوس من تَعْظِيم ملك الدُّنْيَا، وَأما التَّحْقِيق: فَلَا تدخل الْجنَّة مَعَ الدُّنْيَا تَحت أفعل إلاَّ كَمَا يُقَال: الْعَسَل أحلى من الْخلّ.





[ قــ :667 ... غــ :794 ]
- حدَّثنا قَبِيصةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الرَّوْحَةُ والغَدْوَةُ فِي سَبيلِ الله أفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها.

( الحَدِيث 397 طرفه فِي: 353) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقبيصَة، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقبَة، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي واسْمه: سَلمَة بن دِينَار الْمدنِي، وَأَبُو حَازِم الَّذِي روى عَن أبي هُرَيْرَة: سلمَان الْكُوفِي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عَبدة بن عبد الله وَأخرجه ابْن ماجة من رِوَايَة زَكَرِيَّاء بن مَنْصُور عَن أبي حَازِم.

قَوْله: ( الروحة والغدوة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: غدْوَة أَو رَوْحَة، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم: لَرَوْحَة، بلام التَّأْكِيد قيل: الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْثَر ثَوابًا، فَمَا مَعْنَاهُ هَهُنَا إِذْ لَا ثَوَاب فِي الدُّنْيَا؟ وَأجِيب: أَي: أفضل من صرف مَا فِي الدُّنْيَا كلهَا لَو ملكهَا إِنْسَان، لِأَنَّهُ زائل ونعيم الْآخِرَة باقٍ.