فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من يجرح في سبيل الله عز وجل

( بابُُ مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل من يجرح فِي سَبِيل الله، ويجرح، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع.



[ قــ :2675 ... غــ :2803 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ لاَ يُكْلَمُ أحَدٌ فِي سَبِيلِ الله وَالله أعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إلاَّ جاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ واللَّوْنُ لَوْنُ الدَمِ والرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ.

( انْظُر الحَدِيث 732 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَا يكلم أحد) إِلَى آخِره، لِأَن الْكَلم هُوَ الجرخ على مَا نذكرهُ.

وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بابُُ مَا يَقع من النَّجَاسَات فِي السّمن وَالْمَاء، وَلَكِن بِغَيْر هَذَا الْوَجْه، وَالْمعْنَى وَاحِد.

قَوْله: ( لَا يكلم) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْكَلم وَهُوَ الْجرْح.
قَوْله: ( فِي سَبِيل الله) ، يُرِيد بِهِ الْجِهَاد وَيدخل فِيهِ كل من جرح فِي ذَات الله وكل مَا دَافع فِيهِ الْمَرْء بِحَق فأصيب، فَهُوَ مُجَاهِد.
قَوْله: ( وَالله أعلم بِمن يكلم فِي سَبيله) ، جملَة مُعْتَرضَة أَشَارَ بهَا إِلَى التَّنْبِيه على شَرْطِيَّة الْإِخْلَاص فِي نيل هَذَا الثَّوَاب.
قَوْله: ( واللون) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَا فِي قَوْله: وَالرِّيح.

وَفِيه: أَن الشَّهِيد يبْعَث فِي حَالَته وهيئته الَّتِي قبض عَلَيْهَا، وَالْحكمَة فِيهِ أَن يكون مَعَه شَاهد فضيلته ببذله نَفسه فِي طَاعَة الله تَعَالَى.
وَفِيه: أَن الشَّهِيد يدْفن بدمائه وثيابه وَلَا يزَال عَنهُ الدَّم بِغسْل وَلَا غَيره ليجيء يَوْم الْقِيَامَة كَمَا وصف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من غسل الدَّم فِي الدُّنْيَا أَن لَا يبْعَث كَذَلِك.
قلت: فِي نظره نظر، لِأَن أحدا مَا ادّعى الْمُلَازمَة، بل المُرَاد أَن لَا تَتَغَيَّر هَيئته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَفِيه: دلَالَة أَن الشَّيْء إِذا حَال عَن حَالَة إِلَى غَيرهَا كَانَ الحكم إِلَى الَّذِي حَال إِلَيْهِ، وَمِنْه المَاء تحل بِهِ نَجَاسَة، فغيرت أحد أَوْصَافه يُخرجهُ عَن المَاء الْمُطلق، وَمِنْه إِذا استحالت الْخمر إِلَى الْخلّ أَو بِالْعَكْسِ.