فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله عز وجل: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] والحرب سجال

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إلاَّ إحْدَى الحسْنَيَيْنِ} ( التَّوْبَة: 25) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله تَعَالَى، لِأَن فِيهِ معنى: الْحَرْب سِجَال، لِأَن المُرَاد من إِحْدَى الحسنيين إِمَّا الشَّهَادَة أَو الظفر بالكفار، قَالَه ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وقادة وَآخَرُونَ، وَذَلِكَ أَنا إِذا قابلنا الْكفَّار وَوَقع بَيْننَا وَبينهمْ حروب، فَإِن غلبنا وظفرنا بهم تكون لنا الْغَنِيمَة وَالْأَجْر، وَإِن كَانَ عَكسه تكون لنا الشَّهَادَة، وَهَذَا بِعَيْنِه، كَون الْحَرْب سجالاً.
قَوْله: { قل هَل تربصون} ( التَّوْبَة: 25) .
أَي: قل يَا مُحَمَّد! هَل تنتظرون بِنَا إلاَّ إِحْدَى الحسنيين؟ وهما: الظفر أَو الشَّهَادَة؟ والحَرْبُ سِجَالٌ

مناسبته لِلْآيَةِ ظَاهِرَة لِأَنَّهَا تَتَضَمَّن مَعْنَاهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وسجال، بِكَسْر السِّين، يَعْنِي: تَارَة لنا وَتارَة علينا، فَفِي غلبتنا يكون الْفَتْح، وَفِي غلبتهم تكون الشَّهَادَة، وَهَذَا مُطَابق لِمَعْنى الْآيَة، وكل فتح يَقع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَو غنيمَة فَإِنَّهُ من إِحْدَى الحسنيين، وكل قَتِيل يقتل فِي سَبِيل الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ من إِحْدَى الحسنيين، وَإِنَّمَا يَبْتَلِي الله الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، ليعظم لَهُم الْأجر وَالثَّوَاب، وَلمن مَعَهم، وَلِئَلَّا تخرق الْعَادة الْجَارِيَة بَين الْخلق وَلَو أَرَادَ الله خرقها لأهْلك الْكفَّار كلهم بِغَيْر حَرْب، والسجال جمع: سجل، فِي الأَصْل وَهُوَ الدَّلْو إِذا كَانَ ملآن مَاء، وَلَا تكون الفارغة سجلاً، وسجال هُنَا من المساجلة، وَهِي: المناولة فِي الْأَمر، وَهُوَ أَن يفعل كل من المتساجلين مثل صَاحبه، فَتَارَة لَهُ وَتارَة لصَاحبه.



[ قــ :2676 ... غــ :2804 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا سُفْيانَ أخْبَرَهُ أنَّ هِرِقْلَ قَالَ لَهُ سألْتُكَ كَيْفَ كانَ قِتَالُكُمْ إيَّاهُ فزَعَمْتَ أنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ ودُوَلٌ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونِ لَهُمُ العَاقِبَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَزَعَمت أَن الْحَرْب بَيْنكُم سِجَال) ، وَقد ذكرنَا أَن فِي معنى: إِحْدَى الحسنيين معنى: الْحَرْب سِجَال، وكل وَاحِد مِنْهُمَا يتَضَمَّن معنى الآخر، فَتحصل الْمُطَابقَة، وَلَا يحْتَاج هَهُنَا إِلَى تَطْوِيل الشُّرَّاح الَّذِي يشوش على ذهن النَّاظر فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي ذكره قِطْعَة من حَدِيث أبي سُفْيَان فِي قصَّة هِرقل، وَقد مر فِي أول الْكتاب مطولا، وَمر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله: ( ودول) ، جمع دولة، وَمَعْنَاهُ: رُجُوع الشَّيْء إِلَيْك مرّة وَإِلَى صَاحبك أُخْرَى تتداولانه،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهِي بِالْفَتْح الظفر فِي الْحَرْب، وبالضم: مَا يتداوله النَّاس من المَال، وَعَن الْكسَائي بِالضَّمِّ مثل الْعَارِية، يُقَال: اتخذوه دولة يتداولونه، وبالفتح من دَال عَلَيْهِم الدَّهْر دولة، ودالت الْحَرْب بهم، وَقيل: الدولة، بِالضَّمِّ: الإسم، وبالفتح: الْمصدر.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام دوَل ودول ودول، ثَلَاث لُغَات، وَفِي ( الباهر) لِابْنِ عديس عَن الْأَحْمَر: جَاءَ بالدولة والتؤلة، تهمز وَلَا تهمز، وَفِي ( البارع) عَن أبي زيد: دولة، بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْوَاو، و: دوَل، بِفَتْح الدَّال، وَالْوَاو، وَبَعض الْعَرَب يَقُول: دوَل.
قَوْله: ( فَكَذَلِك تبتلى) أَي: تختبر.
قَوْله: ( ثمَّ تكون لَهُم الْعَاقِبَة) ، عَاقِبَة الشَّيْء آخر أمره.