فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} ( الْأَحْزَاب: 32) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله عز وَجل، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة لِأَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: ( رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ وَمَا بدلُوا تبديلاً) .
وَالْآيَة الْمَذْكُورَة نزلت فيهم على مَا نذكرهُ عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: { من الْمُؤمنِينَ رجال} ( الْأَحْزَاب: 32) .
جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ، أَعنِي: رجال وَالْخَبَر أَعنِي من المؤمينين، وَذكر الواحدي من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن يحيى الْبَغْدَادِيّ عَن أبي سِنَان عَن الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالُوا لَهُ: حَدثنَا عَن طَلْحَة، فَقَالَ: ذَاك امْرُؤ نزلت فِيهِ آيَة من كتاب الله تَعَالَى: { فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} ( الْأَحْزَاب: 32) .
طَلْحَة مِمَّن قضى نحبه لَا حِسَاب عَلَيْهِ فِيمَا يسْتَقْبل.
وَمن حَدِيث عِيسَى بن طَلْحَة: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر عَلَيْهِ طَلْحَة فَقَالَ: هَذَا مِمَّن قضى نحبه،.

     وَقَالَ  مقَاتل فِي تَفْسِيره: { رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} ( الْأَحْزَاب: 32) .
لَيْلَة الْعقبَة، بِمَكَّة { فَمنهمْ من قضى نحبه} ( الْأَحْزَاب: 32) .
يَعْنِي: أَجله فَمَاتَ على الْوَفَاء يَعْنِي: حَمْزَة وَأَصْحَابه، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، المقتولين بِأحد { وَمِنْهُم من ينْتَظر} يَعْنِي: من الْمُؤمنِينَ من ينْتَظر أَجله، يَعْنِي: على الْوَفَاء بالعهد { وَمَا بدلُوا} ( الْأَحْزَاب: 32) .
كَمَا بدل المُنَافِقُونَ.
وَفِي ( تَفْسِير النَّفْسِيّ) : والنحب يَأْتِي على وُجُوه: النّذر، أَي: قضى نَذره، والخطر إِي: فرغ من خطر الْحَيَاة، لِأَن الْحَيّ على خطر مَا عَاشَ، وَالسير السَّرِيع أَي: سَار بِسُرْعَة إِلَى أَجله، والنوبة، أَي: قضى نوبَته، و: النَّفس، أَي: فرغ من أنفاسه، وَالنّصب أَي: فرغ من نصب الْعَيْش وجهده، وَهَذَا كُله يعود إِلَى مَعَاني الْمَوْت وانقضاء الْحَيَاة.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: قَضَاء النحب عبارَة عَن الْمَوْت، لِأَن كل حَيّ لَا بُد لَهُ أَن يَمُوت، فَكَأَنَّهُ نذر لَازم فِي رقبته، فَإِذا مَاتَ فقد قضى نحبه، أَي: نَذره.



[ قــ :2677 ... غــ :2805 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيدٍ الخُزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الأعْلى عنْ حُمَيْدٍ قَالَ سألتُ أنَساً حَدثنَا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ قَالَ حدَّثنا زِيادٌ قَالَ حدَّثني حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عنهُ قَالَ غابَ عَمِّي أنَسُ ابنُ النَّضْرِ عنْ قِتَالٍ بدر فَقَالَ يَا رَسُول الله غبت عَن أول قتال قاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنِ الله أشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ الله مَا أصْنَعُ فَلَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدَ وانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ أللَّهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هاؤُلاءِ يَعْنِي أصْحَابَهُ وأبْرَأُ إليْكَ مِمَّا صَنَعَ هاؤلاءِ يَعْنِي المُشْرِكِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فاسْتَقْبَلَهُ سعدُ بنُ مُعاذٍ فَقَالَ يَا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ الجَنِّةَ ورَبِّ النَّضْرِ إنِّي أجِدُ رِيحَها مِنْ دُونِ أُحُدٍ قَالَ سَعْدٌ فَما اسْتَطَعْتُ يَا رسولَ الله مَا صنَعَ قَالَ أنَسٌ فوَجَدْنا بِهِ بِضْعاً وثَمانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ أوْ طَعْنَةً بِرِمْحٍ أوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ ووَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَما عَرَفَهُ أحَدٌ إلاَّ اخْتُهُ بِبِنَانهِ قَالَ أنَسٌ كُنَّا نُرَى أوْ نَظُنُّ أنَّ هاذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أشْبَاهِهِ مِنَ الْمؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله علَيْهِ إِلَى آخِرِ الْآيَة.
وقالَ إنَّ أُخْتَهُ وهِيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأةٍ فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالقِصَاصِ فَقَالَ أنَسٌ يَا رسولَ الله والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيّتُها فرَضُوا بالأرَشِ وتَرَكُوا القِصَاص فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِنْ عِبادِ الله مَنْ لَوْ أقْسَمَ علَى الله لأبَرَّهُ..
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ تَرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا نزلت فِي الْمَذْكُورين فِيهِ، وَهُوَ ظَاهر.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد ابْن سعيد بن الْوَلِيد أَبُو بكر الْخُزَاعِيّ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين.
الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى السَّامِي، بِالسِّين الْمُهْملَة.
الثَّالِث: حميد الطَّوِيل.
الرَّابِع: عَمْرو بن زُرَارَة، بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الراءين بَينهمَا ألف: ابْن وَاقد الْهِلَالِي.
الْخَامِس: زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الله العامري البكائي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف وبالهمزة بعد الْألف.
قَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ فِي الْمَغَازِي خَاصَّة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
السَّادِس: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن سعيد يلقب بمردويه وَأَنه من أَفْرَاده وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَهُوَ وَمُحَمّد بن سعيد وَحميد وَعبد الْأَعْلَى بصريون، وَزِيَاد كُوفِي وَعَمْرو بن زُرَارَة نيسابوري.
وَفِيه: أَن زياداً لم يذكر مَنْسُوبا فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَهُوَ صَاحب ابْن إِسْحَاق وراوي الْمَغَازِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الْموضع.
وَفِيه: طَرِيقَانِ.
الأول: فِيهِ رِوَايَة عبد الْأَعْلَى: بتصريح حميد لَهُ بِالسَّمَاعِ من أنس، فأمن من التَّدْلِيس.
الثَّانِي: فِيهِ سِيَاق الحَدِيث.
والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة ثَابت عَن أنس قَالَ أنس: غَابَ عمي الَّذِي سُميت بِهِ لم يشْهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَدْرًا.
قَالَ: فشق عَلَيْهِ، قَالَ: أول مشْهد شهده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غبت عَنهُ؟ وَإِن أَرَانِي الله مشهداً بعد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليريني الله مَا أصنع.
قَالَ: فهاب أَن يَقُول غَيرهَا قَالَ: فَشهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم أحد.
قَالَ: فَاسْتقْبل سعد بن معَاذ، فَقَالَ لَهُ أنس: يَا أَبَا عَمْرو أَيْن؟ واها لريح الْجنَّة أَجِدهُ دون أحد.
قَالَ: فَقَاتلهُمْ حَتَّى قتل، قَالَ: فَوجدَ فِي جسده بضع وَثَمَانُونَ من بَين ضَرْبَة وطعنة ورمية.
قَالَ: فَقَالَت أُخْته، عَمَّتي الرّبيع بنت النَّضر، فَمَا عرفت أخي إلاَّ ببنانه، وَنزلت هَذِه الْآيَة { رجال صدقُوا} ( الْأَحْزَاب: 32) .
الْآيَة.
قَالَ: وَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا نزلت فِيهِ وَفِي أَصْحَابه.

وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( غَابَ عمي أنس بن النَّضر) ، قد مر فِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ أنس: غَابَ عمي الَّذِي سميت بِهِ، وَالنضْر بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( أول قتال) ، لِأَن غَزْوَة بدر هِيَ أول غَزْوَة غزا فِيهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ، وَهِي فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة.
قَوْله: ( لَئِن الله أشهدني) أَي: أحضرني، وَاللَّام فِي: لَئِن، مَفْتُوحَة دخلت على أَن الشّرطِيَّة لَا جَزَاء لَهُ، لفظا، وَحذف فعل الشَّرْط فِيهِ من الْوَاجِبَات، وَالتَّقْدِير: لَئِن أشهدني الله ... قَوْله: ( قتال الْمُشْركين) ، مَنْصُوب بقوله: أشهدني، قَوْله: ( ليرين الله) ، جَوَاب الْقسم الْمُقدر، لِأَن اللَّام للقسم وَنون التَّأْكِيد فِيهِ ثَقيلَة وَمَا قبلهَا مَفْتُوحَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( ليريني الله) كَمَا مر، وَفِي رِوَايَة: ليراني الله، بِالْألف.
وَفِي ( التلويج) : وَضبط أَيْضا بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: ليرين الله النَّاس مَا أصنع ويبرزه لَهُم.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: كَأَنَّهُ ألزم نَفسه إلزاماً مؤكداً، وَلم يظهره مَخَافَة مَا يتَوَقَّع من التَّقْصِير فِي ذَلِك، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي مُسلم فهاب أَن يَقُول غَيره، وَلذَلِك سَمَّاهُ الله عهدا، بقوله: { صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} ( الْأَحْزَاب: 32) .
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ كَرِوَايَة البُخَارِيّ.
قَوْله: ( مَا أصنع) ، قَالَ بَعضهم: أعربه النَّوَوِيّ: بَدَلا من ضمير الْمُتَكَلّم.
قلت: هَذَا لَا يَصح إلاَّ فِي رِوَايَة مُسلم، وَأما فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَهُوَ مَنْصُوب على المفعولية، وَهَذَا الْقَائِل لم يُمَيّز بَين الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِعْرَاب، فَرُبمَا يضان النَّاظر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِيهَا، وَلَيْسَ ذَلِك إلاَّ فِي رِوَايَة مُسلم.
فَافْهَم.
قَوْله: ( وانكشف الْمُسلمُونَ) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَانْهَزَمَ النَّاس.
قَوْله: ( أعْتَذر) أَي: من فرار الْمُسلمين.
قَوْله: ( وَأَبْرَأ) ، أَي: عَن قتال الْمُشْركين مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَاسْتَقْبلهُ) ، أَي: فَاسْتقْبل أنس بن النَّضر سعد بن معَاذ سيد الْأَوْس، وَكَانَ ثَبت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد.
قَوْله: ( الْجنَّة) ، بِالنّصب، أَي: أُرِيد الْجنَّة، وبالرفع على تَقْدِير هِيَ مطلوبي.
قَوْله: ( وَرب النَّضر) ، أَرَادَ بِهِ وَالِده النَّضر، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ ابْنه، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ ابْن يُسمى النَّضر، وَكَانَ إِذْ ذَاك صَغِيرا، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب: فوَاللَّه، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن بكر عَن حميد عِنْد الْحَارِث ابْن أبي أُسَامَة عَنهُ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ.
قَوْله: ( رِيحهَا) ، أَي: ريح الْجنَّة.
قَوْله: ( من دون أحد) أَي: عِنْد أحد.
قَالَ ابْن بطال وَغَيره: يحْتَمل أَن يكون على الْحَقِيقَة، وَأَنه وجد ريح الْجنَّة حَقِيقَة، أَو وجد ريحًا طيبَة ذكره طيبها بِطيب الْجنَّة، وَيجوز أَن يكون أَرَادَ أَنه استحضر الْجنَّة الَّتِي أعدت للشهيد، فتصور أَنَّهَا فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي يُقَاتل فِيهِ، فَيكون الْمَعْنى: إِنِّي لأعْلم أَن الْجنَّة تكتسب فِي هَذَا الْموضع فاشتاق لَهَا.
قَوْله: ( قَالَ سعد: فَمَا اسْتَطَعْت يَا رَسُول الله مَا صنع) قَالَ ابْن بطال: يُرِيد مَا اسْتَطَعْت أَن أصف مَا صنع من كَثْرَة مَا أبلى فِي الْمُشْركين.
قَوْله: ( فَوَجَدنَا بِهِ) وَفِي رِوَايَة عبد الله بن بكر، قَالَ أنس: فوجدناه بَين الْقَتْلَى وَبِه.
قَوْله: ( أَو طعنة) كلمة أَو فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع.
قَوْله: ( وَقد مثل) بتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، من الْمثلَة وَهُوَ قطع الْأَعْضَاء من أنف وَأذن وَغَيرهمَا.
قَوْله: ( ببنانه) البنان الإصبع، وَقيل: طرف الإصبع، وَهُوَ الْأَشْهر.
وَوَقع فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن طَلْحَة بِالشَّكِّ: ببنانه أَو بشامته، بالشين الْمُعْجَمَة وَالْأولَى أَكثر، وَالثَّانيَِة أوجه.
قَوْله: ( كُنَّا نرى) ، بِضَم النُّون وَفتح الرَّاء.
قَوْله: ( أَو نظن) من الرَّاوِي وهما بِمَعْنى وَاحِد.
وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون عَن حميد: فَكُنَّا نقُول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن سِنَان عَن يزِيد: فَكَانُوا يَقُولُونَ، والتردد فِيهِ من حميد، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت: وأنزلت هَذِه الْآيَة بِالْجَزْمِ دون الشَّك.
قَوْله:.

     وَقَالَ : إِن أُخْته، أَي: أُخْت أنس بن النَّضر، وَهِي عمَّة أنس بن مَالك.
قَوْله: ( الرّبيع) بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وقصة الرّبيع هَذِه مَضَت فِي كتاب الصُّلْح فِي: بابُُ الصُّلْح فِي الدِّيَة.
قَوْله: ( لَأَبَره) أَي: لأبر قسمه، وَهُوَ ضد الْحِنْث.

وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد: جَوَاز بذل النَّفس فِي الْجِهَاد وَفضل الْوَفَاء بالعهد وَلَو شقّ على النَّفس حَتَّى يصل إِلَى إهلاكها، وَإِن طلب الشَّهَادَة لَا يتَنَاوَلهُ النَّهْي عَن الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة.
وَفِيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لأنس بن النَّضر، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من صِحَة الْإِيمَان وَكَثْرَة التوقي والتورع، وَقُوَّة الْيَقِين.



[ قــ :679 ... غــ :807 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخِي عَن سُلَيْمَانَ أُرَاهُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبِي عَتِيقٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ خارِجَةَ بنِ زَيْدٍ أنَّ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ نَسَخْتُ الصُّحُف فِي المَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأحْزَابِ كُنْتُ أسْمعُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ بِها فَلَمْ أجِدْهَا إلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بنِ ثابِتٍ الأنْصَارِيِّ الَّذِي جعَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَتَهُ شَهادَةَ رجُلَيْنِ وهْوَ .

     قَوْلُهُ  { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله علَيْهِ} ( الْأَحْزَاب: 3) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأخرجه من طَرِيقين: الأول عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة.
وَالثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه أبي بكر عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق ضد الْجَدِيد عَن ابْن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْهَيْثَم بن أَيُّوب.

قَوْله: ( نسخت الصُّحُف فِي الْمَصَاحِف) الصُّحُف، بِضَمَّتَيْنِ جمع صحيفَة، والصحيفة قِطْعَة قرطاس مَكْتُوب والمصحف الكراسة وحقيتها: مجمع الصُّحُف، قَوْله: ( فَلم أَجدهَا إلاَّ مَعَ خُزَيْمَة) لم يرد: أَن حفظهَا قد ذهب عَن جَمِيع النَّاس فَلم يكن عِنْدهم، لِأَن زيد بن ثَابت قد حفظهَا، وَلِهَذَا قَالَ: كنت أسمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرؤهَا.
فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إِثْبَات الْآيَة فِي الْمُصحف بقول وَاحِد أَو اثْنَيْنِ وَشرط كَونه قرانا التَّوَاتُر؟ قلت: كَانَ متواتراً عِنْدهم، وَلِهَذَا قَالَ: كنت أسمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يقْرَأ بهَا) ، لكنه لم يجدهَا مَكْتُوبَة فِي الْمُصحف إلاَّ عِنْد خُزَيْمَة.
وَيُقَال: التَّوَاتُر وَعَدَمه، إِنَّمَا يتَصَوَّر أَن فِيمَا بعد أَصْحَابه لأَنهم إِذا سمعُوا من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قُرْآن، علمُوا قطعا قرآنيته.
قلت: رُوِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أشهد لسمعتها من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رُوِيَ عَن أبي بن كَعْب وهلال بن أُميَّة مثله، فَهَؤُلَاءِ جمَاعَة، وَخُزَيْمَة بن ثَابت بن الْفَاكِه بن ثَعْلَبَة بن سَاعِدَة بن عَامر بن عنان بن عَامر ابْن خطمة، واسْمه: عبد الله بن جشم بن مَالك بن الْأَوْس أَبُو عمَارَة الخطمي الْأنْصَارِيّ، يعرف بِذِي الشَّهَادَتَيْنِ، كَانَت مَعَه راية بني خطمة يَوْم الْفَتْح، شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَكَانَ مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بصفين فَلَمَّا قتل عمار جرد سَيْفه فقاتل حَتَّى قتل، وَكَانَت صفّين سنة سبع وَثَلَاثِينَ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لما قتل عمار بصفين قَالَ خُزَيْمَة: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تقتل عماراً الفئة الباغية.

وَسبب كَون شَهَادَته بشهادتين أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلم رجلا فِي شَيْء فَأنكرهُ، فَقَالَ خُزَيْمَة أَنا أشهد، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَشهد وَلم تستشهد؟ فَقَالَ: نَحن نصدقك على خبر السَّمَاء، فَكيف بِهَذَا؟ فَأمْضى شَهَادَته وَجعلهَا بشهادتين.
.

     وَقَالَ  لَهُ: لَا تعد، وَهَذَا من خَصَائِصه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.