فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الخيل لثلاثة

( بابٌُ الخَيْلِ لِثَلاثَةٍ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الْخَيل لثَلَاثَة، أَي: الْخَيل تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام عِنْد اقتنائها لثَلَاثَة أنفس على مَا يَجِيء فِي الحَدِيث، وَهَذِه التَّرْجَمَة صدر حَدِيث الْبابُُ، وَذكر هَذَا الْمِقْدَار اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبابُُ، وَالْخَيْل جمع لَا وَاحِد لَهُ وَجمعه: خُيُول، كَذَا فِي ( الْمُخَصّص) وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: وَاحِدهَا: خائل، لاختيالها، فَهُوَ على هَذَا اسْم للْجمع عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وَجمع عِنْد أبي الْحسن.
وَفِي ( الْمُحكم) لَيْسَ هَذَا بِمَعْرُوف، يَعْنِي: قَول أبي عُبَيْدَة.
قَالَ: وَقَول ابْن أبي ذُؤَيْب.

( فتنازلا واتفقت خيلاهما ... وَكِلَاهُمَا بَطل اللِّقَاء مخدع)

ثناه على قَوْلهم: لقاحان أسودان وحمالان، وَالْجمع أخيال عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَالْأول أشهر، وَفِي الاحتفال لأبي عبد الله بن رضوَان، وَقد جَاءَ فِيهِ الْجمع أَيْضا على أخيل، وَإِذا صغرت الْخَيل أدخلت الْهَاء، فَقلت: خييلة، وَلَو طرحت الْهَاء لَكَانَ وَجها، والخولة بِالْفَتْح جمَاعَة الْخَيل.

وقَوْلهُ تَعالى { والخَيْلَ والبِغَالَ والحمِيرَ لتَرْكَبُوها وزِينَةً} ( النَّحْل: 8) .

وَقَوله: ( مَرْفُوع) ، عطفا على قَوْله: الْخَيل، وَفِي بعض النّسخ، وَقَول الله تَعَالَى قَوْله: ( وَالْخَيْل) ، عطف على قَوْله: { والأنعام خلقهَا لكم} ( النَّحْل: 8) .
أَي: وَخلق الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، أَي: وَخلق هَؤُلَاءِ للرُّكُوب والزينة، وَاللَّام فِي: لتركبوها، للتَّعْلِيل.
قَوْله: ( وزينة) ، مفعول لَهُ عطف على مَحل: لتركبوها، وَلم يرد الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ على سنَن وَاحِد، لِأَن الرّكُوب فعل المخاطبين، وَأما الزِّينَة فَفعل الزائن، وَهُوَ الْخَالِق وقرىء { زِينَة} ( النَّحْل: 8) .
بِلَا: وَاو، أَي: وخلقها زِينَة لتركبوها، وَاحْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك على حُرْمَة أكل الْخَيل لِأَنَّهُ علل خلقهَا بالركوب، والزينة وَلم يذكر الْأكل كَمَا ذكره فِي الْأَنْعَام.



[ قــ :2733 ... غــ :2860 ]
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أجْر ولِرَجُلٍ سِتْرٌ وعَلى رَجُلٍ وزْرٌ فأمَّا الَّذي لَهُ أجْرٌ فَرَجُلٌ ربَطَهَا فِي سَبِيلِ الله فأطالَ فِي مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ فَمَا أصابَتْ فِي طِيَلِها ذَلِكَ مِنَ المَرْجِ أَو الرَّوْضَةِ كانَتْ لَهُ حَسَناتٍ ولَوْ أنَّها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّت شَرَفَاً أوْ شَرَفَيْنِ كانَتْ أرْوَاثُهَا وآثَارُهَا حَسَناتٍ لَهُ ولَوْ أنَّها مَرَّتْ بِنَهْرٍ فشَرَبَتْ مِنْهُ ولمْ يُردْ أنْ يَسْقِيَهَا كانَ ذَلَكَ حَسناتٍ لَهُ ورَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرَاً ورِياءً ونِواءً لأهْلِ الإسْلامِ فَهْيَ وِزْرٌ على ذَلِكَ وسُئِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الحُمُرِ فَقَالَ مَا أُنْزِلَ علَيَّ فِيها إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ} ( الزلزلة: 7 8) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الْخَيل لثَلَاثَة) ، وَقد ذكرنَا أَنَّهَا صدر حَدِيث الْبابُُ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بابُُ شرب النَّاس وَالدَّوَاب من الْأَنْهَار، غير أَنه لم يذكر فِيهِ هُنَا الْقسم الثَّالِث اختصاراً.
وَهُوَ قَوْله: ( وَرجل ربطها تغَنِّيا) إِلَى آخر مَا ذكره هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، ولنذكر بعض شَيْء لزِيَادَة الْفَائِدَة.

قَوْله: ( الْخَيل لثَلَاثَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني ( الْخَيل ثَلَاثَة) ، قَوْله: ( فِي مرج أَو رَوْضَة) ، شكّ من الرَّاوِي، والمرج مَوضِع الْكلأ، وَأكْثر مَا يُطلق على الْموضع المطمئن وَالرَّوْضَة أَكثر مَا يُطلق على الْموضع الْمُرْتَفع.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: المرج: الأَرْض الواسعة ذَات نَبَات كثير تمرج فِيهَا الدَّوَابّ أَي: تخلى تسرح مختلطة كَيفَ شَاءَت، وَالرَّوْضَة: الْموضع الَّذِي يستنقع فِيهِ المَاء.
قَوْله: ( طيلها) ، بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا لَام: وَهُوَ الْحَبل الَّذِي ترتبط بِهِ، وَيطول لَهَا الترعي، وَيُقَال لَهُ: طول أَيْضا.
قَوْله: ( فاستنت) ، من الاستنان، وَهُوَ الْعَدو، والشرف: الشوط.
قَوْله: ( ونواء) ، بِكَسْر النُّون المناوأة وَهِي المعاداة، وَحكى عِيَاض عَن الدَّاودِيّ أَنه وَقع عِنْده.
وَنوى، بِفَتْح النُّون وَالْقصر، قَالَ: وَلَا يَصح ذَلِك، وَقيل: حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس فَإِن ثَبت فَمَعْنَاه: وبعداً لأهل الْإِسْلَام، وَقيل: الظَّاهِر أَن الْوَاو فِي قَوْله: ( ورياء ونواء) ، بِمَعْنى: أَو، لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء قد تفترق فِي الْأَشْخَاص، وكل وَاحِد مِنْهَا مَذْمُوم على حِدة.
قَوْله: ( الفاذة) ، بِالْفَاءِ وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة: أَي المنفردة فِي مَعْنَاهَا، يَعْنِي: مُنْفَرِدَة فِي عُمُوم الْخَيْر وَالشَّر.