فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحراسة في الغزو في سبيل الله

( بابُُ الحِرَاسَةِ فِي الغَزْوِ فِي سَبيلِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الحراسة فِي سَبِيل الله، والحراسة بِكَسْر الْحَاء الْحِفْظ.



[ قــ :2757 ... غــ :2885 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيل قَالَ أخبرنَا علِيُّ بنُ مُسْهَرٍ قَالَ أخبرنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ أخبرَنا عبدُ الله بنُ عامِرِ بنِ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقولُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَهِرَ فلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِي صالِحَاً يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ فَقالَ مَنْ هذَا فَقَالَ أَنا سَعْدُ بنُ أبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لأِحْرُسَكَ ونامَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

( الحَدِيث 0882 طرفه فِي: 1327) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( يَحْرُسنِي اللَّيْلَة) إِلَى آخِره، الحَدِيث، وَإِسْمَاعِيل بن خَلِيل أَبُو عبد الله الخزاز الْكُوفِي وَعلي بن مسْهر، بِضَم الْمِيم: على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار، قد مر فِي مُبَاشرَة الْحَائِض، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة بن جُحر بن سلامان الْقرشِي الْعَنزي، ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أَبُو عمر: قتل سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَحفظ عَنهُ وَهُوَ صَغِير وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين وَأَبوهُ عَامر بن ربيعَة من كبار الصَّحَابَة، وَتُوفِّي عبد الله بن عَامر سنة خمس وَثَمَانِينَ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: عبد الله بن عَامر بن ربيعَة هُوَ الْأَصْغَر وَعبد الله ابْن عَامر بن ربيعَة الْعَدوي هُوَ الْأَكْبَر صحب هُوَ وَأَبوهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَآخر فِي الصَّحَابَة: عبد الله بن عَامر بن كريز العبشمي الْقرشِي، ابْن خَال عُثْمَان بن عَفَّان، وَفِي التَّابِعين: عبد الله بن عَامر بن يزِيد بن تَمِيم بن ربيعَة الدِّمَشْقِي أَبُو عمرَان الْيحصبِي، ولي قَضَاء دمشق بعد أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّمَنِّي عَن خَالِد بن مخلد.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل سعد بن أبي وَقاص عَن القعْنبِي وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن يحيى وَفِي السّير عَن قُتَيْبَة بِهِ.

قَوْله: ( كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهر) لم يبين فِيهِ أَن سهره فِي أَي زمَان كَانَ، وَظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي أَن يكون سهره قبل قدومه الْمَدِينَة على مَا لَا يخفى، وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل إِنَّمَا كَانَ سهره بعد مقدمه الْمَدِينَة، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا لَيْث وَحدثنَا مُحَمَّد بن رمح أخبرنَا اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة: أَن عَائِشَة قَالَت: سهر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه الْمَدِينَة لَيْلَة، فَقَالَ: لَيْت رجلا صَالحا من أَصْحَابِي يَحْرُسنِي اللَّيْلَة؟ قَالَت: فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ سمعنَا خشخشة سلَاح، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ سعد بن أبي وَقاص، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا جَاءَ بك؟) فَقَالَ: وَقع فِي نَفسِي خوف على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجئْت أحرسه، فَدَعَا لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَام، وَله فِي رِوَايَة أرِق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَقَالَ: لَيْت رجلا صَالحا ... الحَدِيث، وَلم يذكر فِيهِ: مقدمه الْمَدِينَة، فَفِي حَدِيث مُسلم التَّصْرِيح بِأَن سهره وَقَوله: لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، كَانَا بعد مقدمه الْمَدِينَة، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى، وَمتْن حَدِيث البُخَارِيّ ينزل على هَذَا، لِأَن الحَدِيث وَاحِد والمخرج مُتحد، وَوَقع فِي متن حَدِيث البُخَارِيّ تَقْدِيم وَتَأْخِير، فَالْأَصْل: سَمِعت عَائِشَة تَقول: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة سهر لَيْلَة،.

     وَقَالَ : لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، وتؤكده رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن يحيى بن سعيد بِلَفْظ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول مَا قدم الْمَدِينَة سهر من اللَّيْل ...
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ المُرَاد بقدومه الْمَدِينَة أول قدومه إِلَيْهَا من الْهِجْرَة، لِأَن عَائِشَة إِذْ ذَاك لم تكن عِنْده، وَلَا كَانَ سعد أَيْضا مِمَّن سبق.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة: الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل الله، فعلى مَا ذكر لم تقع الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل الله؟ قلت: لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَبِيل الله سَوَاء كَانَ فِي السّفر أَو الْحَضَر، وَلم يزل حَاله فِي الْغَزْو كَذَلِك.
فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: { وَالله يَعْصِمك من النَّاس} ( الْمَائِدَة: 76) .
فَمَا الْحَاجة إِلَى الحراسة؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل نزُول الْآيَة، أَو المُرَاد الْعِصْمَة من فتْنَة النَّاس وَاخْتِلَافهمْ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يُنَافِي الحراسة، كَمَا أَن إِعْلَام الله بنصر دينه وإظهاره مَا يمْنَع الْأَمر بِالْقِتَالِ وإعداد الْعدَد.

وَفِي الحَدِيث: الْأَخْذ بالحذر والاحتراس من الْعَدو.
وَفِيه: أَن على النَّاس أَن يحرسوا سلطانهم خشيَة الْقَتْل.
وَفِيه: الثَّنَاء على من تبرع بِالْخَيرِ وتسميته صَالحا.
وَفِيه: أَن التَّوَكُّل لَا يُنَافِي تعَاطِي الْأَسْبابُُ، لِأَن التَّوَكُّل عمل الْقلب، وَهِي عمل الْبدن، وَالله تَعَالَى أعلم.





[ قــ :758 ... غــ :886 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا أَبُو بَكْرٍ عنْ أبِي حَصِينٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ والدِّرْهَمِ والقَطِيفَةِ والخَمِيصَةِ إنْ أعْطَى رضى وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إسْرَائِيلُ عنْ أبِي حَصِينٍ.





[ قــ :758 ... غــ :887 ]
- وَزَادنَا عَمْرٌ.

     وَقَالَ  أخْبَرَنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وعبْدُ الدِّرْهَمِ وعبْدُ الخَمِيصَةِ إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وانْتَكَسَ وإذَا شِيِكَ فَلاَ انْتَقَشَ طُوبى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله أشْعَثَ رأسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَماهُ إنْ كانَ فِي الحِرَاسَةِ كانَ فِي الحِرَاسَةِ وإنْ كانَ فِي السَّاقَةِ كانَ فِي السَّاقَةِ إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشْفَّعْ.

( انْظُر الحَدِيث 688 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِن كَانَ فِي الحراسة كَانَ فِي الحراسة) .

ذكر رِجَاله وهم عشرَة أنفس: الأول: يحيى بن يُوسُف بن أبي كَرِيمَة، أَبُو يُوسُف.
الثَّانِي: أَبُو بكر بن عَيَّاش، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن سَالم الحناط بالنُّون المَقْبُري، وَقد اخْتلف فِي اسْمه اخْتِلَافا كثيرا، وَالصَّحِيح أَن اسْمه كنيته.
الثَّالِث: أَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، واسْمه: عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي.
الرَّابِع: أَبُو صَالح ذكْوَان السمان الزيات.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
السَّادِس: إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي.
السَّابِع: مُحَمَّد بن جحادة، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة: الأودي، وَيُقَال: الأيامي.
الثَّامِن: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن مَرْزُوق الْبَاهِلِيّ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
التَّاسِع: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار مولى عبد الله بن عمر.
الْعَاشِر: أَبوهُ عبد الله بن دِينَار.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه يحيى بن يُوسُف الزمي، نِسْبَة إِلَى زم، بِفَتْح الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم، وَهِي بُليدة بخراسان على نهر بَلخ، وَسكن بَغْدَاد، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش وَأَبُو حُصَيْن وَإِسْرَائِيل وَمُحَمّد بن جحادة كوفيون، وَأَبُو صَالح وَعبد الرَّحْمَن مدنيان، وَعَمْرو بن مَرْزُوق بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
وَفِيه: تابعيان: عبد الله بن دِينَار وَأَبُو صَالح.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه وَهُوَ عبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه عبد الله.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن يحيى بن يُوسُف أَيْضا.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن يَعْقُوب بن حميد بن كاسب.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( تعس) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا سين مُهْملَة، قَالَ ابْن التِّين: التعس الكب، أَي: عثر فَسقط لوجهه، وَذكره بعض أهل اللُّغَة بِفَتْح الْعين،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: التعس الشَّرّ، قَالَ الله عز وَجل: { فتعساً لَهُم} ( مُحَمَّد: 8) .
وَذكر ابْن التياني عَن قطرب: تعس وتعس شقي، وَعَن عَليّ بن حَمْزَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح هلك، وَفِي ( البارع) : تعسه الله وأتعسه بِمَعْنى نكسه، وَفِي ( التَّهْذِيب) : قَالَ شمر: لَا أعرف تعسه الله وَلَكِن يُقَال: تعس بِنَفسِهِ وأتعسه الله، وَقيل: تعس إِذا أَخطَأ حجَّته إِن خَاصم وبُغيته إِن طلب، وَقيل: التعس أَن يخر على وَجهه والنكس أَن يخر على رَأسه،.

     وَقَالَ  اللَّيْث: التعس أَن لَا ينتعش من عثرته، وَأَن ينكس فِي سفال، وَذكر الزّجاج: أَن التعس فِي اللُّغَة الإنحطاط، وَفِي ( الْمُحكم) : هُوَ السُّقُوط على أَي وَجه كَانَ، وَقيل: هُوَ الْبعد.
قَوْله: ( عبد الدِّينَار) ، مجَاز عَن حرصه عَلَيْهِ، وَتحمل الذلة لأَجله، أَي: طلب ذَلِك قد استعبده وَصَارَ عمله كُله فِي طلبهما، كالعبادة لَهما.
قَوْله: ( والقطيفة) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء: دثار مخمل، وَالْجمع قطائف وقُطف.
قَوْله: ( والخميصة) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم: كسَاء إسود مربع لَهُ علمَان.
قَوْله: ( إِن أعطي) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَالَ ابْن بطال: أَي إِن أعْطى مَاله عمل وَرَضي عَن خالقه، وَإِن لم يُعْط لم يرض ويتسخط بِمَا قدر لَهُ، فصح بِهَذَا أَنه عبد فِي طلب هذَيْن فَوَجَبَ الدُّعَاء عَلَيْهِ بالتعس لِأَنَّهُ أوقف عمله على مَتَاع الدُّنْيَا الفاني وَترك النَّعيم الْبَاقِي.
قَوْله: ( لم يرفعهُ إِسْرَائِيل) ، أَي: لم يرفع الحَدِيث إِسْرَائِيل ابْن يُونُس عَن أبي حُصَيْن، بل وَقفه عَلَيْهِ، وَكَذَا مُحَمَّد بن جحادة.
قَوْله: ( وزادنا عَمْرو) ، وَهُوَ عَمْرو بن مَرْزُوق أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، ويروى: وَزَاد لنا، وَالَّذِي زَاد لَهُ هُوَ قَوْله: وانتكس ... إِلَى آخِره، وروى أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ حَدِيث عَمْرو هَذَا عَن حبيب بن الْحسن عَن يُوسُف القَاضِي، حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ... فَذكره.
قَوْله: ( وانتكس) بِالسِّين الْمُهْملَة، أَي: عاوده الْمَرَض كَمَا بَدَأَ بِهِ،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: أَي انْقَلب على رَأسه، وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِ بالخيبة، لِأَن من انتكس فقد خَابَ وخسر.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : ذكره بالشين الْمُعْجَمَة وَفَسرهُ بِالرُّجُوعِ وَجعله دُعَاء لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَالْأول أوجه.
قَوْله: ( وَإِذا شيك) ، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا كَاف، أَي إِذا أَصَابَته شَوْكَة لَا قدر على إخْرَاجهَا بالمنقاش، وَهُوَ معنى قَوْله: ( انتقش) بِالْقَافِ والشين الْمُعْجَمَة، يُقَال: نقشت الشَّوْكَة إِذا أخرجتها بالمنقاش، وَيُقَال: انتقش الرجل إِذا سل الشَّوْكَة من قدمه، وَذكر ابْن قُتَيْبَة أَن بَعضهم رَوَاهُ بِالْعينِ الْمُهْملَة بدل الْقَاف، وَمَعْنَاهُ صَحِيح، لَكِن مَعَ ذكر الشَّوْكَة تقوى رِوَايَة الْقَاف، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن أبي زيد الْمروزِي: وَإِذا شِئْت، بتاء مثناة من فَوق بدل الْكَاف، وَهُوَ خطأ فَاحش، وَإِنَّمَا خص إنقاش الشوك بِالذكر، لِأَن الإنقاش أسهل مَا يتَصَوَّر فِي المعاونة لمن أَصَابَهُ مَكْرُوه، فَإِذا نفى ذَلِك الأهون فَيكون مَا فَوق ذَلِك منفياً بِالطَّرِيقِ الأولى.
قَوْله: ( طُوبَى لعبد) ، طُوبَى على وزن: فعلى، من الطّيب، فَلَمَّا ضمت الطَّاء انقلبت الْيَاء واواً، وطوبى: اسْم الْجنَّة، وَقيل: هِيَ شَجَرَة فِيهَا، وَيُقَال: طُوبَى لَك، وطوباك، بِالْإِضَافَة.
قَوْله: ( آخذ) اسْم فَاعل من الْأَخْذ مجرور، لِأَنَّهُ صفة عبد، و: الْعَنَان، بِكَسْر الْعين لجام الْفرس.
قَوْله: ( أَشْعَث) صفة لعبد بِفَتْح الثَّاء، لِأَن جَرّه بالفتحة لِأَنَّهُ غير منصرف.
وَقَوله: ( رَأسه) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل وَيجوز فِي أَشْعَث الرّفْع، قَالَه الْكرْمَانِي وَلم يبين وَجهه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَيجوز فِي أَشْعَث الرّفْع على أَنه صفة الرَّأْس، أَي: رَأسه أَشْعَث.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يَصح عِنْد المعربين، وَالرَّأْس فَاعل أَشْعَث، وَكَيف يكون وَصفته والموصوف لَا يتَقَدَّم على الصّفة وَالتَّقْدِير الَّذِي قدره يُؤَدِّي إِلَى إِلْغَاء قَوْله رَأسه بعد قَوْله: أَشْعَث،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: أَشْعَث رَأسه مغبرة قدماه حالان من قَوْله: لعبد، لِأَنَّهُ مَوْصُوف.
قَوْله: ( إِن كَانَ فِي الحراسة) أَي: فِي حراسة الْعَدو، خوفًا من أَن يهجم الْعَدو عَلَيْهِم وَذَلِكَ يكون فِي مُقَدّمَة الْجَيْش والساقة مؤخرة الْجَيْش، وَالْمعْنَى إيتماره لما أَمر وإقامته حَيْثُ أقيم لَا يفقد من مَكَانَهُ بِحَال، وَإِنَّمَا ذكر الحراسة والساقة لِأَنَّهُمَا أَشد مشقة وَأكْثر آفَة، الأول عِنْد دُخُولهمْ دَار الْحَرْب، وَالْآخر عِنْد خُرُوجهمْ مِنْهَا.
فَإِن قلت: مَا وَجه اتِّحَاد الشَّرْط وَالْجَزَاء؟ قلت: وَجه ذَلِك أَنه يدل على فخامة الْجَزَاء وكماله نَحْو من كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، أَي: من كَانَ فِي السَّاقَة فَهُوَ فِي أَمر عَظِيم، أَو المُرَاد مِنْهُ لَازمه، نَحْو: فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بلوازمه وَيكون مشتغلاً بخويصة عمله، أَو قلَّة ثَوَابه.
قَوْله: ( إِذا اسْتَأْذن لم يُؤذن لَهُ) ، إِشَارَة إِلَى عدم التفاته إِلَى الدُّنْيَا وأربابُها بِحَيْثُ يفنى بكليته فِي نَفسه لَا يَبْتَغِي مَالا وَلَا جاهاً عِنْد النَّاس، بل يكون عِنْد الله وجيهاً، وَلم يقبل النَّاس شَفَاعَته، وَعند الله يكون شَفِيعًا مشفعاً.
قَوْله: ( يشفع) ، بِفَتْح الْفَاء الْمُشَدّدَة، أَي: لم تقبل شَفَاعَته.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله لَمْ يَرْفَعْهُ إسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ عنْ أبِي حَصِينٍ

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، أَي: لم يرفع الحَدِيث الْمَذْكُور إِسْرَائِيل بن يُونُس وَمُحَمّد بن جحادة عَن أبي حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم بل، وَقَفاهُ عَلَيْهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ.

وَقَالَ تَعْساً كأنَّهُ يَقُولُ فأتْعَسَهُمُ الله

هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَجَرت عَادَة البُخَارِيّ فِي شرح اللَّفْظ الَّتِي توَافق مَا فِي الْقُرْآن بتفسيرها، وَهَكَذَا فسر أهل التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى: { فتعساً لَهُم} ( مُحَمَّد: 8) .
كَأَنَّهُ يَقُول: فأتعسهم الله، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
طُوبَى فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ وهْيَ ياءٌ إِلَى الوَاوِ وهْيَ مِنْ يَطِيبُ

هَذَا أَيْضا من كَلَام البُخَارِيّ، فسر: طُوبَى، بِهَذَا وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ.