فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما قيل في قتال الروم

( بابُُ مَا قِيلَ فِي قِتالِ الرُّومِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا قيل فِي قتال الرّوم من الْفضل، وَالروم هم من ولد الرّوم بن عيصو، قَالَه الْجَوْهَرِي،.

     وَقَالَ  الرشاطي: الرّوم ابْن لنطا بن يونان بن يافث بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَؤُلَاء الرّوم من اليونانيين، وَيُقَال: إِن الرّوم الثَّانِيَة غلبت على هَؤُلَاءِ، وهم منسوبون إِلَى جدهم، رومي بن لنطا من ولد عيصون إِن إِسْحَاق بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم السَّلَام، وَيُقَال لَهُ: روماس، وَهُوَ باني مَدِينَة رُومِية.

[ قــ :2795 ... غــ :2924 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ بنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ قالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ قَالَ حدَّثني ثَوْرُ ابنُ يَزِيدَ عنْ خالِدِ بنِ مَعْدَانَ أنَّ عُمَيْرَ بنَ الأسْوَدِ العَنْسِيِّ: حدَّثَهُ أنَّهُ أتَى عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وهْوَ نازِلٌ فِي ساحِلِ حِمْصَ وهْوَ فِي بِناءٍ لِ ومَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ قَالَ عُمَيْرٌ فحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ البَحْرَ قدْ أوْجَبُوا قالَتْ أُمُّ حَرَامٍ.

قُلْتُ يَا رسولَ الله أنَا فِيهِمْ قَالَ أنْتِ فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَر مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ أنَا فِيهِمْ يَا رسولَ الله قَالَ لاَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( يغزون الْبَحْر) لِأَن المُرَاد من غَزْو الْبَحْر هُوَ قتال الرّوم الساكنين من وَرَاء الْبَحْر الْملح.
وَفِي قَوْله: ( يغزون مَدِينَة قَيْصر) لِأَن المُرَاد بهَا الْقُسْطَنْطِينِيَّة، وَالْمَشْهُور عِنْدهم أَنَّهَا تسمى: اصطنبول.

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق بن يزِيد من الزِّيَادَة وَقد مر فِي أول الزَّكَاة.
الثَّانِي: يحيى بن حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، الْحَضْرَمِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَاضِي دمشق إِلَى أَن مَاتَ بهَا سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: ثَوْر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْحِمصِي.
الرَّابِع: خَالِد بن معدان، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، مر فِي البيع، كَانَ يسبح فِي الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيحَة.
الْخَامِس: عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ ابْن الْأسود الْعَنسِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون، وَقيل: بِفَتْحِهَا أَيْضا وبالسين لمهملة نِسْبَة إِلَى عنس، وَهُوَ زيد بن مذْحج بن أدد والعنسي النَّاقة الصلبة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: بَنو عنس، بالنُّون بِالشَّام، وَبَنُو عبس بِالْبَاء الْمُوَحدَة بِالْكُوفَةِ، وَبَنُو عَيْش بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وبالشين الْمُعْجَمَة بِالْبَصْرَةِ.
السَّادِس: عبَادَة بن الصَّامِت.
السَّابِع: أم حرَام بنت ملْحَان، زوج عبَادَة بن الصَّامِت، وَأُخْت أم سليم وَخَالَة أنس بن مَالك، قَالَ أَبُو عمر: وَلَا أَقف لَهَا.
على اسْم صَحِيح.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وبصيغة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده ونسبته إِلَى جده، لِأَنَّهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ابْن يزِيد أَبُو النَّضر.
وَفِيه: أَن الْإِسْنَاد كُله شَامِيُّونَ.
وَفِيه: أَن عُمَيْر بن الْأسود لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث عِنْد من يفرق بَينه وَبَين أبي عِيَاض عَمْرو بن الْأسود وَالرَّاجِح التَّفْرِقَة.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أنس عَن أم حرَام بأتم من هَذَا فِي أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بابُُ الدُّعَاء بِالْجِهَادِ، وَهَذَا الحَدِيث من مُسْند أم حرَام.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر) أَرَادَ بِهِ جَيش مُعَاوِيَة،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: مُعَاوِيَة أول من غزا الْبَحْر،.

     وَقَالَ  ابْن جرير: قَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك فِي سنة سبع وَعشْرين، وَهِي غَزْوَة قبرص فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: كَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَعشْرين،.

     وَقَالَ  أَبُو معشر: غَزَاهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَكَانَت أم حرَام مَعَهم،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ فِي ( جَامع المسانيد) : أَنَّهَا غزت مَعَ عبَادَة بن الصَّامِت فوقصتها بغلة لَهَا شهباء، فَوَقَعت فَمَاتَتْ،.

     وَقَالَ  هِشَام ابْن عمار: رَأَيْت قبرها ووقفت عَلَيْهِ بالسَّاحل بفاقيس.
قَوْله: ( قد أوجبوا) ، قَالَ بَعضهم: أَي: وَجَبت لَهُم الْجنَّة.
قلت: هَذَا الْكَلَام لَا يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أوجبوا اسْتِحْقَاق الْجنَّة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: أوجبوا أَي: محبَّة لأَنْفُسِهِمْ.
قَوْله: ( أول جَيش من أمتِي يغزون مَدِينَة قَيْصر) ، أَرَادَ بهَا الْقُسْطَنْطِينِيَّة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَذكر أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا بِلَاد الرّوم حَتَّى بلغ قسنطينية، وَمَعَهُ جمَاعَة من سَادَات الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَكَانَت وَفَاة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ هُنَاكَ قَرِيبا من سور الْقُسْطَنْطِينِيَّة وقبره هُنَاكَ تستسقي بِهِ الرّوم إِذا قحطوا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمرْآة) : وَالأَصَح أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا القسنطينية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَقيل: سير مُعَاوِيَة جَيْشًا كثيفاً مَعَ سُفْيَان بن عَوْف إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فأوغلوا فِي بِلَاد الرّوم، وَكَانَ فِي ذَلِك الْجَيْش ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَتُوفِّي أَبُو أَيُّوب فِي مُدَّة الْحصار.
قلت: الْأَظْهر أَن هَؤُلَاءِ السادات من الصَّحَابَة كَانُوا مَعَ سُفْيَان هَذَا وَلم يَكُونُوا مَعَ يزِيد بن مُعَاوِيَة، لِأَنَّهُ لم يكن أَهلا أَن يكون هَؤُلَاءِ السادات فِي خدمته.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث منقبة لمعاوية لِأَنَّهُ أول من غزا الْبَحْر، ومنقبة لوَلَده يزِيد، لِأَنَّهُ أول من غزا مَدِينَة قَيْصر.
انْتهى.
قلت: أَي منقبة كَانَت ليزِيد وحاله مَشْهُور؟ فَإِن قلت: قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حق هَذَا الْجَيْش: مغْفُور لَهُم.
قلت: لَا يلْزم، من دُخُوله فِي ذَلِك الْعُمُوم أَن لَا يخرج بِدَلِيل خَاص، إِذْ لَا يخْتَلف أهل الْعلم أَن قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مغْفُور لَهُم، مَشْرُوط بِأَن يَكُونُوا من أهل الْمَغْفِرَة حَتَّى لَو ارْتَدَّ وَاحِد مِمَّن غَزَاهَا بعد ذَلِك لم يدْخل فِي ذَلِك الْعُمُوم، فَدلَّ على أَن المُرَاد مغْفُور لمن وجد شَرط الْمَغْفِرَة فِيهِ مِنْهُم، وَقَيْصَر لقب هِرقل ملك الرّوم، كَمَا أَن كسْرَى لقب من ملك الْفرس، وخاقان من ملك التّرْك، وَالنَّجَاشِي من ملك الْحَبَشَة.