فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة

( بابُُ الدُّعَاءِ علَى المُشْرِكِينَ بالْهَزِيمَةِ والزَّلْزَلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان دُعَاء الإِمَام على الْمُشْركين عِنْد قيام الْحَرْب بالهزيمة والزلزلة اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والهزيمة من الهزم.
وَهُوَ الْكسر، والزلزلة من زلزلت الشَّيْء إِذا حركته تحريكاً شَدِيدا، وَمِنْه: زَلْزَلَة الأَرْض، وَهِي اضطرابها.



[ قــ :2802 ... غــ :2931 ]
- حدَّثنا إبرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا عِيسَى قَالَ حدَّثنا هشامٌ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا كانَ يَوْمُ الأحْزَابِ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلأ الله بيُوتَهُمْ وقُبُورَهُمْ نارَاً شَغَلُونَا عنِ الصَّلاةِ الوُسْطاى حِينَ غابَتِ الشَّمْسُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا) لِأَن فِي إحراق بُيُوتهم غَايَة التزلزل لأَنْفُسِهِمْ.
.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ، يعرف بالصغير.
الثَّانِي: عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي.
الثَّالِث: هِشَام، قَالَ بَعضهم: هُوَ الدستوَائي، قَالَ: وَزعم الْأصيلِيّ أَنه هِشَام ابْن حسان، ورام بذلك تَضْعِيف الحَدِيث، فَأَخْطَأَ من وَجْهَيْن، وتجاسر الْكرْمَانِي فَقَالَ: الْمُنَاسب أَنه هِشَام بن عُرْوَة.
قلت: هُوَ الَّذِي تجاسر حَيْثُ قَالَ: إِنَّه هِشَام الدستوَائي، وَلَيْسَ هُوَ بالدسوائي، وَإِنَّمَا هُوَ هِشَام بن حسان مثل مَا قَالَ الْأصيلِيّ، وَكَذَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي فِي ( الْأَطْرَاف) فِي موضِعين، كَمَا نذكرهُ عَن قريب، والكرماني أَيْضا قَالَ: وَهِشَام الظَّاهِر أَنه ابْن حسان، ثمَّ قَالَ: لَكِن الْمُنَاسب لما مر فِي: بابُُ شَهَادَة الْأَعْمَى، هِشَام بن عُرْوَة، وَلم يظْهر مِنْهُ تجاسر لِأَنَّهُ لم يجْزم أَنه هِشَام ابْن عُرْوَة، وَإِنَّمَا غرته رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة فِي الْبابُُ الْمَذْكُور، فَظن أَن هَهُنَا أَيْضا كَذَلِك.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين.
الْخَامِس: عُبَيْدَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عَمْرو السَّلمَانِي أَبُو مُسلم الْكُوفِي.
السَّادِس: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق وَفِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى، وَفِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر، قَالَ الْحَافِظ الْمزي: خمستهم عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد ابْن سِيرِين.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن أبي بكر وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،.

     وَقَالَ  الْحَافِظ الْمزي: ثَلَاثَتهمْ عَن هِشَام بن حسان، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن ابْن أبي عدي.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة: وَعَن يزِيد بن هَارُون.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن هناد بن السّري، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

قَوْله: ( مَلأ الله بُيُوتهم) أَي: أَحيَاء.
( وقبورهم) أَي: أَمْوَاتًا.
قَوْله: ( شغلونا) أَي: الْأَحْزَاب بقتالهم مَعَ الْمُسلمين، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر على الْمُسلمين دَعَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهِم فأجيبت دَعوته فيهم، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو على قوم وَيَدْعُو لآخرين على حسب مَا كَانَت ذنوبهم فِي نَفسه، فَكَانَ يَدْعُو على من اشْتَدَّ أَذَاهُ للْمُسلمين وَكَانَ يَدْعُو لمن يَرْجُو بَرَّ دَعوته ورجوعه إِلَيْهِم كَمَا دَعَا لدوس حِين قيل لَهُ: إِن دوساً قد عَصَتْ، وَلم يكن لَهُم نكاية وَلَا أَذَى، فَقَالَ: أللهم إهدِ دوساً وائت بهم.
قَوْله: ( حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) فِيهِ دلَالَة على أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْر، وَهُوَ الَّذِي صحت بِهِ الْأَحَادِيث، وَإِن كَانَ الشَّافِعِي نَص على أَنَّهَا الصُّبْح، وَفِيه أَقْوَال قد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الصَّلَاة، فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يصلوا صَلَاة الْخَوْف؟ قلت: قَالُوا: إِن هَذَا كَانَ قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف.





[ قــ :803 ... غــ :93 ]
- حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ ابنِ ذَكْوَانَ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو فِي القُنُوتِ أللَّهُمَّ أنجِ سَلَمَةَ بنِ هِشَامٍ أللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ ابنَ الوَلِيدِ أللَّهُمَ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبِي رَبيعَةَ أللَّهُمْ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ أللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأتَكَ علَى مُضَرَ أللَّهُمَّ سِنينَ كَسِني يُوسُفَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أللهم اشْدُد وطأتك) إِلَى آخِره، لِأَن شدَّة الْوَطْأَة أَعم من أَن تكون بالهزيمة والزلزلة أَو بِغَيْر ذَلِك من الشدائد، مثل: الغلاء الْعَظِيم وَالْمَوْت الذريع وَنَحْوهمَا.

وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن ذكْوَان هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: بابُُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إجعلها كَسِنِي يُوسُف، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره.

وَمعنى قَوْله: ( اشْدُد وطأتك) بأسك وعقوبتك أَو أخذتك الشَّدِيدَة.
قَوْله: ( على مُضر) بِضَم الْمِيم، غير منصرف لِأَنَّهُ علم للقبيلة.
قَوْله: ( سِنِين) مَنْصُوب بِتَقْدِير: اشْدُد، أَو: قدر، أَو إجعل عَلَيْهِم سِنِين أَو نَحْو ذَلِك، وَهُوَ جمع: سنة، وَهِي: الغلاء، ويوسف هُوَ ابْن يَعْقُوب ابْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن، صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.





[ قــ :804 ... غــ :933 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخرنا عبْدُ الله قَالَ أخبرَنَا إسْمَاعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ أنَّهُ سَمِعَ عبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقولُ دعَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الأحْزَابِ علَى المُشْرِكِينَ فَقَالَ أللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ أللَّهُمَّ اهْزِم الأحْزَابَ أللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اللَّهُمَّ اهزمهم وزلزلهم) .
وَأحمد بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاس، يُقَال لَهُ مرْدَوَيْه السمسار الرَّازِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الرَّازِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَاسم أبي خَالِد: سعد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير، وَعبد الله بن أبي أوفى الْأَسْلَمِيّ، وَأَبُو أوفى اسْمه عَلْقَمَة بن خَالِد.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن قُتَيْبَة وَفِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد بن سَلام وَفِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن سعيد ابْن مَنْصُور وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن منيع.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير.

قَوْله: ( أللهم) ، يَعْنِي: يَا الله يَا منزل الْكتاب، أَي: الْقُرْآن.
قَوْله: ( سريع الْحساب) يَعْنِي: يَا سريع الْحساب، إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ أَنه سريع حسابه بمجيء وقته، وَإِمَّا أَنه سريع فِي الْحساب.
قَوْله: ( إهزمهم) ، أَي: إكسرهم وبدد شملهم، وَيُقَال: قَوْله: إهزمهم وزلزلهم دُعَاء عَلَيْهِم أَن لَا يسكنوا وَلَا يستقروا وَلَا يَأْخُذهُمْ قَرَار،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَرَادَ أَن تطيش عُقُولهمْ وترعد أَقْدَامهم عِنْد اللِّقَاء، فَلَا يثبتون.
قيل: قد نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سجع كسجع الْكُهَّان.
وَأجِيب: بِأَن تِلْكَ أسجاع متكلفة، وَهَذَا اتّفق اتِّفَاقًا بِدُونِ التَّكَلُّف وَالْقَصْد إِلَيْهِ.



[ قــ :805 ... غــ :934 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي إسْحاقَ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي ظِلَّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ أبُو جَهْلٍ وناسٌ مِنْ قُرَيْشٍ ونُحِرَتْ جَزُورٌ بِناحِيَةَ مَكَّةَ فأرْسَلُوا فَجاؤوا مِنْ سَلاَهَا وطَرَحُوهُ علَيْهِ فَجاءَتْ فَاطِمَةُ فألْقَتْهُ عنْهُ فَقَالَ أللَّهُمَّ علَيْكَ بِقُرَيْشٍ أللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ أللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ لأِبِي جَهْلِ بنِ هِشامٍ وعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَة وشَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ والوَلِيدِ ابنِ عُتْبَةَ وأُبَيِّ بنِ خَلَف وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ قَالَ عبدُ الله فلَقَدْ رَأيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أللهم عَلَيْك بِقُرَيْش) وَوَجهه ظَاهر.

وَعبد الله بن أبي شيبَة هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْعَبْسِي الْكُوفِي أَبُو بكر أَخُو عُثْمَان.
وجعفر بن عون، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون: ابْن جَعْفَر بن عَمْرو بن حُرَيْث الْقرشِي الْكُوفِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي، وَعَمْرو ابْن مَيْمُون الْأَزْدِيّ أَبُو عبد الله الْكُوفِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة، وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ الْمَرْأَة تطرح على الْمُصَلِّي شَيْئا من الْأَذَى بأتم مِنْهُ.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو جهل) ، اسْمه عَمْرو.
قَوْله: ( وناس من قُرَيْش) ، وهم الَّذين ذكرهم فِي الدُّعَاء عَلَيْهِم.
فَإِن قلت: مَا مقول أبي جهل؟ قلت: مَحْذُوف، تَقْدِيره: هاتوا من سلا الْجَزُور الَّتِي نحرت.
وَقَوله: ( ونحرت جزور) ، جملَة مُعْتَرضَة حَالية.
قَوْله: ( من سلاها) ، السلا، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام، مَقْصُور، وَهِي الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون فِيهَا الْوَلَد من الْمَوَاشِي.
وَاسْتدلَّ بِهِ مَالك على طَهَارَة رَوْث الْمَأْكُول لَحْمه، وَمن قَالَ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ: لم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت تعبد بِهِ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي السلا دم فَهُوَ كعضو مِنْهَا.
فَإِن قلت: هُوَ ميتَة.
قلت: كَانَ ذَلِك قبل تَحْرِيم ذَبَائِح أهل الْأَوْثَان، كَمَا كَانَت تجوز مناكحتهم، وَرُوِيَ أَيْضا أَنه كَانَ مَعَ الفرث وَالدَّم، وَلكنه كَانَ قبل التَّعَبُّد بِتَحْرِيمِهِ.
قَوْله: ( لأبي جهل) ، اللَّام للْبَيَان، نَحْو: هيت لَك، أَي: هَذَا الدُّعَاء مُخْتَصّ بِهِ أَو للتَّعْلِيل أَي: دَعَا، أَو قَالَ: لأجل أبي جهل.
قَوْله: ( قَالَ عبد الله) ، هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( فِي قليب بدر) القليب، بِفَتْح الْقَاف وَكسر اللَّام: الْبِئْر قبل تطوى، تذكر وتؤنث، فَإِذا طويت فَهِيَ الطِوَى.
قَوْله: ( قَتْلَى) ، جمع قَتِيل نصب على أَنه مفعول ثَان لقَوْله: رَأَيْتهمْ.

قَالَ أَبُو إسْحَاق ونَسِيتُ السَّابِعَ

أَي: قَالَ أَبُو إِسْحَاق الرَّاوِي عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَكَأن أَبَا إِسْحَاق لما حدث سُفْيَان الثَّوْريّ بِهَذَا الحَدِيث كَانَ نسي السَّابِع، وَهُوَ عمَارَة بن الْوَلِيد.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله قَالَ يُوسُفُ بنُ إسْحَاقَ عنْ أبِي إسْحَاقَ أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ.

     وَقَالَ  شُعْبَةُ أُمَيَّةُ أوْ أُبَيٌّ والصَّحِيحُ أُمَيَّةُ

أبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، ويوسف بن إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي، وَأَرَادَ البُخَارِيّ أَن أَبَا إِسْحَاق حدث بِهِ مرّة فَقَالَ: أبي بن خلف، وَهَكَذَا رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ هُنَا، وَحدث بِهِ أُخْرَى فَقَالَ: أُميَّة أَو أبي، وَهِي رِوَايَة شُعْبَة، فَشك فِيهِ،.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: وَالصَّحِيح أُميَّة بن خلف لَا أبي لِأَن أبي بن خلف قَتله الشَّارِع بِيَدِهِ يَوْم أحد بعد يَوْم بدر، وَحَدِيث يُوسُف بن إِسْحَاق مضى مَوْصُولا فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بابُُ إِذا ألقِي على ظهر الْمُصَلِّي قذر، وَطَرِيق شُعْبَة وَصلهَا البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب المبعث عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجد ... الحَدِيث، وَفِيه: وَأُميَّة بن خلف أَو أبي بن خلف، شُعْبَة الشاك.
فَافْهَم.



[ قــ :806 ... غــ :935 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ اليَهُودَ دَخَلُوا علَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا السَّام عَلَيْكَ فَلَعَنْتُهُمْ فَقَالَ مَالَكِ.

قُلْتُ أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ فَلَمْ تَسْمَعِي مَا.

قُلْتُ وعَلَيْكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَعَلَيْكُم) لِأَن مَعْنَاهُ: وَعَلَيْكُم السام، أَي: الْمَوْت، وَهُوَ دُعَاء من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: يُسْتَجَاب لنا فيهم وَلَا يُسْتَجَاب لَهُم فِينَا.

وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم اسْمه عبد الله، وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله بن جدعَان التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة وَذكر فِي الاستيذان حَدِيث ابْن عمر وَأنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَعند النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بصرة.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رَاكب إِلَى الْيَهُود فَمن انْطلق معي، فَإِن سلمُوا عَلَيْكُم فَقولُوا: وَعَلَيْكُم.
وَعند ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْجُهَنِيّ، وصحبته مُخْتَلف فِيهَا، مثله.
وَعند ابْن حبَان من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ مَا قَالَ؟ قَالُوا: سلم.
قَالَ: لَا، إِنَّمَا قَالَ: السام عَلَيْكُم، أَي: تسامون دينكُمْ، فَإِذا سلم عَلَيْكُم رجل من أهل الْكتاب فَقولُوا: وَعَلَيْك.

قَوْله: ( السام عَلَيْك) ، بتَخْفِيف الْمِيم، أَي: الْمَوْت.
قَوْله: فلعنتهم أَي: قَالَت عَائِشَة: فلعنت هَؤُلَاءِ الْيَهُود.
قَوْله: ( فَقَالَ مَالك) ، أَي: فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَائِشَة: أَي شَيْء حصل لَك حَتَّى لعنت هَؤُلَاءِ؟ فأجابت عَائِشَة بقولِهَا: قلت: يَا رَسُول الله! أوَلَمْ تَسْمع مَا قَالَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلم تسمعي مَا قلت؟ وَعَلَيْكُم.
يَعْنِي: السام عَلَيْكُم، فرديت عَلَيْهِم مَا قَالُوا.
فَإِنَّمَا قلت يُسْتَجَاب لي وَمَا قَالُوا الغوا يرد عَلَيْهِم.
ثمَّ أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم رد عَلَيْهِم مَا قَالُوا وَفِي قَوْله: ( وَعَلَيْكُم) قَالَ الْخطابِيّ: رِوَايَة عَامَّة الْمُحدثين بِإِثْبَات الْوَاو، وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يرويهِ بحذفها، وَهُوَ الصَّوَاب، وَذَلِكَ أَنه إِذا حذفهَا صَار قَوْلهم الَّذِي قَالُوهُ بِعَيْنِه مردوداً عَلَيْهِم، وبإدخال الْوَاو يَقع الِاشْتِرَاك مَعَهم وَالدُّخُول فِيمَا قَالُوهُ، لِأَن الْوَاو حرف الْعَطف والاجتماع بَين الشَّيْئَيْنِ، وَفِي رِوَايَة يحيى عَن مَالك عَن ابْن دِينَار: عَلَيْك، بِلَفْظ الْوَاحِد،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الْوَاو هُنَا زَائِدَة، وَقيل: للاستئناف، وحذفها أحسن فِي الْمَعْنى، وإثباتها أصح رِوَايَة وَأشهر.
.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: من فسر السام بِالْمَوْتِ فَلَا يبعد الْوَاو، وَمن فسره بالسأمة فإسقاطها هُوَ الْوَجْه.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَكَانَ قَتَادَة يمد ألف السَّآمَة.

فَوَائِد: ذهب عَامَّة السّلف وَجَمَاعَة الْفُقَهَاء أَن أهل الْكتاب لَا يبدأون بِالسَّلَامِ، حاشى ابْن عَبَّاس، وصدي ابْن عجلَان وَابْن محيريز فَإِنَّهُم جوزوه ابْتِدَاء.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ، وَلكنه قَالَ: يَقُول: عَلَيْك، وَلَا يَقُول: عَلَيْكُم، بِالْجمعِ، وَحكى أَيْضا أَن بعض أَصْحَابنَا جوز أَن يَقُول: وَعَلَيْكُم السَّلَام، فَقَط وَلَا يَقُول: وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَهُوَ ضَعِيف مُخَالف للأحاديث.
وَذهب آخَرُونَ إِلَى جَوَاز الِابْتِدَاء للضَّرُورَة أَو لحَاجَة تعن لَهُ إِلَيْهِ أَو لذمام أَو نسب، وروى ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم وعلقمة،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِن سلمت فقد سلم الصالحون، وَإِن تركت فقد ترك الصالحون، وتؤول لَهُم قَوْلهم: لَا تبتدؤهم بِالسَّلَامِ، أَي: لَا تبتدأوهم كصنيعكم بِالْمُسْلِمين.
وَاخْتلفُوا فِي رد السَّلَام عَلَيْهِم فَقَالَت طَائِفَة: رد السَّلَام فَرِيضَة على الْمُسلمين وَالْكفَّار، قَالُوا: وَهَذَا تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا وردوها} ( النِّسَاء: 68) .
قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة فِي آخَرين: هِيَ عَامَّة فِي الرَّد على الْمُسلمين وَالْكفَّار.
وَقَوله: { أَو ردوهَا} ( النِّسَاء: 68) .
يَقُول للْكَافِرِ: وَعَلَيْكُم.
قَالَ ابْن عَبَّاس: من سلم عَلَيْك من خلق الله تَعَالَى فاردد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مجوسياً.
وروى ابْن عبد الْبر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه كَانَ لَا يمر بِمُسلم وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ إلاَّ بدأه بِالسَّلَامِ.
وَعَن ابْن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وفضالة بن عبيد أَنهم كَانُوا يبدأون أهل الْكتاب بِالسَّلَامِ، وَكتب ابْن عَبَّاس إِلَى كتابيَّ: السَّلَام عَلَيْك.
.

     وَقَالَ : لَو قَالَ لي فِرْعَوْن خيرا لرددت عَلَيْهِ، وَقيل لمُحَمد بن كَعْب: إِن عمر بن عبد الْعَزِيز يرد عَلَيْهِم وَلَا يبدأوهم، فَقَالَ مَا أرى بِإِنْسَان يبدأهم بِالسَّلَامِ، لقَوْل الله تَعَالَى: { فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام} ( الزخرف: 98) .
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَا يرد السَّلَام على الْكِتَابِيّ، وَالْآيَة مَخْصُوصَة بِالْمُسْلِمين، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وَعَن ابْن طَاوُوس، يَقُول: علاك السَّلَام، وَاخْتَارَ بَعضهم أَن يرد عَلَيْهِم السَّلَام بِكَسْر السِّين، أَي: الْحِجَارَة، وَعَن مَالك: إِن بدأت ذِمِّيا على أَنه مُسلم ثمَّ عرفت أَنه ذمِّي فَلَا نسترد مِنْهُ السَّلَام،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يسْتَردّهُ مِنْهُ فَيَقُول: أردد عَليّ سلامي.