فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس

( بابُُ مَنْ أرَادَ غَزْوَةً فوَرَّى بِغَيْرِهَا ومنْ أحَبَّ الخُرُوجَ يَوْمَ الخَمِيس)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ من أَمر من أَرَادَ غَزْوَة فورى بغَيْرهَا، أَي: بِغَيْر تِلْكَ الْغَزْوَة الَّتِي أرادها، يُرِيد بذلك غيرَة الْعَدو، وَلِئَلَّا تسبقه الجواسيس ويحذروهم، وَأَصله من الوردي هُوَ جعل الْبَيَان وَرَاءه وَحَاصِل الْمَعْنى لِأَنَّهُ ألقِي الْبَيَان وَرَاء ظَهره، كَأَنَّهُ قَالَ: سأبينه، وَأَصْحَاب الحَدِيث لَا يضبطون الْهمزَة فِيهِ، وَقَيده السيرافي فِي ( شرح سِيبَوَيْهٍ) بِالْهَمْزَةِ، وَكَانَ الَّذِي لَا يضْبط فِيهِ الْهمزَة سهلها.
قَوْله: ( وَمن أحب) أَي: وَفِي بَيَان أَمر من أحب الْخُرُوج للسَّفر يَوْم الْخَمِيس، قَالَ بَعضهم: لَعَلَّ الْحِكْمَة فِيهِ مَا روى من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بورك لأمتي فِي بكورها يَوْم الْخَمِيس، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث نبيط، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن شريط، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة.
قلت: طلب الْحِكْمَة فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف لَا وَجه لَهُ، وَالْحكمَة فِيهِ تعلم من حَدِيث الْبابُُ فَإِنَّهُ صرح فِيهِ أَنه كَانَ يحب أَن يخرج يَوْم الْخَمِيس، ومحبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه لَا تَخْلُو عَن حِكْمَة، فَإِن قلت: روى أَنه خرج فِي بعض أَسْفَاره يَوْم السبت.
قلت: هَذَا لَا يُنَافِي ترك محبته الْخُرُوج يَوْم الْخَمِيس، فَلَعَلَّ خُرُوجه يَوْم السبت كَانَ لمَانع من خُرُوجه يَوْم الْخَمِيس، وَلَئِن سلمنَا عدم الْمَانِع فَنَقُول: لَعَلَّه كَانَ يحب أَيْضا الْخُرُوج يَوْم السبت، على مَا روى: بَارك الله فِي سبتها وخميسها، وَلما لم يثبت عِنْد البُخَارِيّ إلاَّ يَوْم الْخَمِيس، خصّه بِالذكر فَافْهَم فَإِنَّهُ من الدقائق.



[ قــ :2816 ... غــ :2947 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ كَعْبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وكانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَمْ يَكُنْ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُريدُ غَزْوَةً إلاَّ ورَّى بِغَيْرِهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمَدِينِيّ، سمع جده كَعْبًا وأباه وَعَمه عبد الله فِي تَوْبَة كَعْب، وروى عَنهُ الزُّهْرِيّ فِي مَوَاضِع، وَعبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمَدِينِيّ سمع أَبَاهُ عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَابْن عَبَّاس عِنْد البُخَارِيّ وَكَعب بن مَالك بن أبي كَعْب، واسْمه: عَمْرو السّلمِيّ الْمدنِي الشَّاعِر صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تَابَ الله عَلَيْهِم، وَأنزل فيهم: { وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} ( التَّوْبَة: 811) .
وَذكر صَاحب ( التَّلْوِيح) بعد ذكر هَذَا الحَدِيث والحديثين اللَّذين بعده: خرجه السِّتَّة، وخرجه البُخَارِيّ مطولا ومختصراً فِي عشرَة مَوَاضِع.

قَوْله: ( وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه) ، أَي: وَكَانَ عبد الله بن كَعْب قَائِد أَبِيه كَعْب بن مَالك حِين عمي.
قَوْله: ( من بنيه) وهم عبد الله هَذَا وَعبيد الله وَعبد الرَّحْمَن، وَذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ ثَلَاثَة أَحَادِيث كلهَا رَاجِعَة إِلَى كَعْب ابْن مَالك كَمَا ترَاهُ.





[ قــ :817 ... غــ :948 ]
- وحدَّثني أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْب بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ كانَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إلاَّ ورَّى بِغَيْرِهَا حتَّى كانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فغَزَاهَا رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ واسْتَقْبَلَ سَفَرَاً بَعِيداً ومَفازاً واسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيَتَأهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ وأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ..
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث كَعْب أخرجه عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الَّذِي يُقَال لَهُ: ابْن السمسار مرْدَوَيْه الْمروزِي عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ الرِّوَايَة الأولى صَوَاب، وَحَدِيث يُونُس مُرْسل،.

     وَقَالَ  الجياني: كَذَا هَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الْمُبَارك فِي ( الْجَامِع) و ( التَّارِيخ الْكَبِير) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن السكن وَأَبُو زيد ومشايخ أبي ذَر الثَّلَاثَة، وَلم يلْتَفت الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى قَول عبد الرَّحْمَن بن عبد الله: سَمِعت كَعْبًا، لِأَنَّهُ عِنْده وهم، قَالَ أَبُو عَليّ: وَقد رَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ على نَحْو مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من الْإِرْسَال، قَالَ: وَمِمَّا يشْهد لقَوْل أبي الْحسن مَا ذكره الذهلي فِي ( الْعِلَل) : سمع الزُّهْرِيّ من عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَسمع من أَبِيه عبد الله بن كَعْب، وَلَا أَظن سمع عبد الرَّحْمَن بن عبد الله من جده شَيْئا، وَإِنَّمَا رِوَايَته عَن أَبِيه وَعَمه، قَالَ الجياني: وَالْغَرَض من هَذَا كُله الِاسْتِدْرَاك على البُخَارِيّ حَيْثُ خرجه على الِاتِّصَال، وَهُوَ مُرْسل،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَو كَانَ بدل: ابْن، كلمة: عَن، لصَحَّ الِاتِّصَال يَعْنِي: لَو قَالَ أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن كَعْب بن مَالك لِأَن عبد الرَّحْمَن سمع من أَبِيه عبد الله، وَهُوَ من كَعْب، قَالَ: وَكَذَا لَو حذف عبد الله من الْبَين.
قلت: يحْتَمل أَن يكون ذكر: ابْن، مَوضِع: عَن تصحيفاً من بعض الروَاة.

قَوْله: ( حَتَّى كَانَت غَزْوَة تَبُوك) وَكَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة فِي رَجَب مِنْهَا.
قَوْله: ( وَمَفَازًا) ، الْمَفَازَة الْمهْلكَة، سميت بذلك تفاؤلاً بالفوز والسلامة، كَمَا قَالُوا: للديغ: سليم، وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنَّهَا مَأْخُوذَة من قَوْلهم قد فوز الرجل: إِذا هلك، وَقيل: لِأَن من قطعهَا فَازَ وَنَجَا.
قَوْله: ( فَجلى للْمُسلمين أمره) ، بِالْجِيم أَي: أظهره لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك، وَهُوَ مخفف اللَّام، يُقَال: جليت الشَّيْء إِذا كشفته وبينته وأوضحته، وَفِي ( التَّلْوِيح) : ضَبطه الدمياطي فِي حَدِيث سعد فِي الْمَغَازِي بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ خطأ.





[ قــ :818 ... غــ :949 ]
- وعَنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ كَعْبَ بنَ مالِكٍ رَضيَ الله عنْهُ كانَ يَقُولُ لَقَلَّمَا كانَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْرُجُ إذَا خَرَج فِي سَفَرٍ إلاَّ يَوْمَ الخَمِيسِ..
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( لقلما) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَقل، فعل ماضٍ دخلت عَلَيْهِ كلمة: مَا مَعْنَاهُ: يكون خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر قَلِيلا فِي الْأَيَّام إلاَّ يَوْم الْخَمِيس، فَإِن أَكثر خُرُوجه فِي السّفر فِيهِ، تَقول: قل رجل يفعل كَذَا إلاَّ زيد، مَعْنَاهُ قَلِيل من النَّاس يفعل هَذَا الْفِعْل الأزيد.





[ قــ :819 ... غــ :950 ]
- حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وكانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ..
هَذَا طَرِيق آخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن كَعْب بن مَالك، قَالَ: قَلما كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج فِي سفر إلاَّ يَوْم الْخَمِيس، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن ابْن وهب عَن يُونُس بن يزِيد بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ: قَلما كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج فِي سفر جِهَاد وَغَيره إلاَّ يَوْم الْخَمِيس.