فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الجعائل والحملان في السبيل

( بابُُ الجَعَائِلِ والحِمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الجعائل وَهُوَ جمع: جعيلة أَو جعَالَة، بِالْفَتْح والجعل بِالضَّمِّ الِاسْم وبالفتح الْمصدر، يُقَال: جعلت لَك جعلا وَجعلا، وَهُوَ الْأُجْرَة على الشَّيْء فعلا أَو قولا.
قَوْله: ( والحملان) ، بِضَم الْحَاء: الْحمل،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الحملان مصدر كالحمل، يُقَال: حمل يحمل حملاناً.
قَوْله: ( فِي السَّبِيل) أَي: فِي سَبِيل الله، وَهُوَ الْجِهَاد.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ.

قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ الغَزْوَ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أنْ أُعِيِنَكَ بِطائِفَةٍ مِنْ مَالي.

قُلْتُ أوْسَعَ الله عَلَيَّ قَالَ إنَّ غِناكَ لَكَ وإنِّي أُحِبُّ أنْ يَكونَ مِنْ مَالي فِي هَذَا الوَجْهِ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة الْفَتْح بِمَعْنَاهُ.
قَوْله: ( الْغَزْو) ، بِالنّصب تَقْدِيره: قَالَ مُجَاهِد لعبد الله بن عمر: أُرِيد الْغَزْو، حَاصله أَرَادَ الْمُجَاهِد أَن يكون مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ بِالنّصب على الإغراء، وَالتَّقْدِير: عَلَيْك الْغَزْو، قلت: هَذَا لَا يَسْتَقِيم وَلَا يَصح مَعْنَاهُ لِأَن مُجَاهدًا يخبر عَن نَفسه أَنه يُرِيد أَن يَغْزُو، بِدَلِيل قَول ابْن عمر لَهُ: إِنِّي أحب أَن أعينك بطَائفَة من مَالِي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يَقُول لِابْنِ عمر: عَلَيْك الْغَزْو، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أنغزو؟ بالنُّون على الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: ( قلت) أَي: قَالَ الْمُجَاهِد: وسع الله عَليّ، وَأَرَادَ بِهِ أَن عِنْده مَا يَكْفِيهِ للْجِهَاد وَلَيْسَ لَهُ حَاجَة إِلَى ذَلِك، وَقَول ابْن عمر: إِن غناك لَك ... إِلَى آخِره، يدل على أَن الرجل إِذا أخرج من مَاله شَيْئا يتَطَوَّع بِهِ فِي سَبِيل الله فَلَا بَأْس بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذا أعَان الْغَازِي بفرس يَغْزُو عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ.

وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيمَا إِذا آجر نَفسه أَو فرسه فِي الْغَزْو، فَقَالَ مَالك: يكره ذَلِك.
.

     وَقَالَ ت الْحَنَفِيَّة: يكره فِي ذَلِك الجعائل إلاَّ إِذا كَانَ بِالْمُسْلِمين ضعف، وَلَيْسَ فِي بَيت المَال شَيْء، فَعِنْدَ ذَلِك إِن أعَان بَعضهم بَعْضًا لَا يكره.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن يَغْزُو بِجعْل يَأْخُذهُ، وأرده إِن غزا بِهِ، وَإِنَّمَا أجيزه من السُّلْطَان دون غَيره لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْء من حَقه، وَاحْتج فِيهِ: بِأَن الْجِهَاد فرض على الْكِفَايَة، فَمن فعله وَقع عَن فَرْضه فَلَا يجوز أَن يسْتَحق على غَيره عوضا.

وَقَالَ عُمَرُ إنَّ نَاسا يأخُذُونَ مِنْ هاذَا المالِ لِيُجَاهِدوا ثُمَّ لَا يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فعَلهُ فَنَحْنُ أحَقُّ بِمالِهِ حتَّى نأخُذَ مِنْهُ مَا أخَذَ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن عَمْرو بن أبي قُرَّة، قَالَ: جَاءَنَا كتاب عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن نَاسا ... فَذكر مثله.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ( تَارِيخه) .
وَقَول عمر يدل على أَن كل من أَخذ مَالا من بَيت المَال على عمل فَإِذا أهمل الْعَمَل يُؤْخَذ مِنْهُ مَا أَخذه قبل، وَكَذَلِكَ الْأَخْذ مِنْهُ على عمل لَا يتأهل لَهُ وَلَا يلْتَفت إِلَى تخيل أَن الأَصْل من مَال بَيت المَال الْإِبَاحَة للْمُسلمين قلت: يُؤْخَذ من ذَلِك أَن كل من يتَوَلَّى وَظِيفَة دينية، وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْل لذَلِك، يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يَأْخُذهُ من مَال تِلْكَ الْوَظِيفَة الَّتِي عين لإقامتها.

وقالَ طاوُسٌ ومُجَاهِدٌ إذَا دُفِعَ إلَيْكَ شَيءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ الله فاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وضَعْهُ عِنْدَ أهْلِكَ

هَذَا يدل على أَن طاووساً ومجاهداً لَا يكرهان أَخذ شَيْء فِي الْغَزْو.
قَوْله: ( دفع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: ( مَا شِئْت) ، أَي: مِمَّا يتَعَلَّق بسبيل الله، حَتَّى الْوَضع عِنْد الْأَهْل فَإِنَّهُ أَيْضا من متعلقاته، وَكَانَ سعيد بن الْمسيب يَقُول: إِذا أعْطى الْإِنْسَان شيئاف فِي الْغَزْو إِذا بلغت رَأس مغزاك فَهُوَ لَك.



[ قــ :2837 ... غــ :2970 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ مالِكَ بنَ أنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ ابنَ أسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فرَأيْتُهُ يُباعُ فسألْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آشْتَرِيهِ فقالَ لاَ تَشْتَرِهِ ولاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْفرس الَّذِي حمله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سَبِيل الله أَنه كَانَ حملاناً وَلم يكن حَبِيسًا، إِذْ لَو كَانَ حَبِيسًا لم يكن يجوز بَيْعه.
وَقَوله أَيْضا: ( لَا تعد فِي صدقتك) يدل على أَنه لم يكن حَبِيسًا، وَإِنَّمَا كَانَ حملاناً، والْحميدِي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبيد الله، ونسبته إِلَى حميد أحد أجداده، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَزيد بن أسلم يروي عَن أَبِيه أسلم مولى عمر بن الْخطاب الْعَدوي.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة وَفِي الْهِبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :838 ... غــ :971 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أَن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ حَمَلَ علَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فوَجَدَهُ يُبَاعُ فأرَادَ أنْ يَبْتَاعَهُ فَسألَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لاَ تَبْتَعْهُ ولاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ..
هَذَا مثل الحَدِيث الَّذِي قبله، غير أَن الروَاة مُخْتَلفَة وَالْكَلَام فِيهِ مضى.
قَوْله: ( يُبَاع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل النصب على أَنه الْمَفْعُول الثَّانِي.
قَوْله: ( أَن يبتاعه) أَي: أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهِ.
قَوْله: ( لَا تبتعه) ، أَي: لَا تشتره.





[ قــ :839 ... غــ :97 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأنصَارِيِّ قَالَ حدَّثنا أبُو صالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عنْ سَرِيَّةٍ ولاكِنْ لَا أجِدُ حُمُولَةً وَلَا أجِدُ مَا أحْمِلُهُمْ عليْهِ ويَشُقُّ علَيَّ أنْ يَتَخَلُّفوْا عَنِي ولَوَدِدْتُ أنِّي قاتَلْتُ فِي سَبِيلِ الله فقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْييتُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَلَا أجد مَا أحملهم عَلَيْهِ) وَيحيى بن سعيد الأول هُوَ الْقطَّان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، والْحَدِيث تقدم فِي أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بابُُ تمني الشَّهَادَة، والحمولة الَّتِي يحمل عَلَيْهَا.
قَوْله: ( فقُتِلْتُ) إِلَى آخِره كُله على صِيغ الْمَجْهُول.