فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التكبير عند الحرب

( بابُُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة التَّكْبِير عِنْد الْحَرْب.



[ قــ :2858 ... غــ :2991 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَبَّحَ النَّبِيُّ خَيْبَرَ وقَدْ خَرَجُوا بِالمَسَاحِي علَى أعْنَاقِهِمْ فلَمَّا رَأوْا قالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ والخَميسُ مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ فلَجَأوُا إِلَى الحِصْنِ فرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ.

     وَقَالَ  الله أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذِرِينَ وأَصَبْنَا حُمُرَاً فطَبَخْنَاهَا فَنَادى مُنَادِي النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله ورسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ فأُكْفِئَتْ القُدُورُ بِمَا فِيها..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ألله أكبر خربَتْ خَيْبَر) وَعبد الله شَيْخه هُوَ المسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَقد مر صدر هَذَا الحَدِيث قبل هَذَا بعدة أَبْوَاب فِي: بابُُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من حَدِيث حميد عَن أنس.
وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين فَإِنَّهُ أخرجه أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي عَن صَدَقَة بن الْفضل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد.
وَأخرجه ابْن ماجة فِي الذَّبَائِح عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق.

قَوْله: ( وأصبنا حمراً) بِضَم الْحَاء وَالْمِيم: جمع حمَار.
قَوْله: ( فَنَادَى مُنَادِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره.
الَّذِي كَانَ نَادَى بِالنَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة هُوَ أَبُو طَلْحَة، كَمَا هُوَ الْمَذْكُور عِنْد مُسلم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال الضَّرِير، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك، قَالَ: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر جَاءَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أكلت الْحمر ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ يَا رَسُول الله افنيت الْحمر فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طَلْحَة فَنَادَى: ( إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر، فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) .
قَالَ: فأكفئت الْقُدُور بِمَا فِيهَا.
قَوْله: ( وَالْخَمِيس) ، أَي: الْجَيْش، وَقد ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( مُحَمَّد وَالْخَمِيس) ، بالتكرار وَهُوَ صَحِيح.
قَوْله: ( فلجأوا إِلَى الْحصن) ، أَي: تحَصَّنُوا بحصن خَيْبَر، وَقد روى سُفْيَان عَن أَيُّوب فِي هَذَا الحَدِيث: ( حالوا إِلَى الْحصن) ، أَي: تحولوا لَهُ، يُقَال: حلت عَن الْمَكَان إِذا تحولت عَنهُ، وَمثله أحلّت عَنهُ.
قَوْله: ( ينهيانكم) ،

.
قَوْله: ( فأكفئت الْقُدُور بِمَا فِيهَا) ، أَي: قلبت ونكست،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يُقَال: كفأت الْإِنَاء وأكفأته، إِذا كببته وَإِذا أملته لتفرغ مَا فِيهَا.

وَيُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: حُرْمَة أكل لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة.
وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي سَبَب النَّهْي على خَمْسَة أوجه.
الأول: مَا ذكره مُسلم فِي حَدِيث أنس: ( فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) .
وَالثَّانِي: كَونهَا حمولة للنَّاس على مَا ذكر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: ( نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت حمولة) ، وَهُوَ وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَّفق عَلَيْهِ، لَا أَدْرِي أنهى عَنهُ من أجل أَنَّهَا كَانَت حمولة للنَّاس، فكره أَن تذْهب حمولتهم أَو حرمه، وَفِي بعض طرقه فِي ( المعجم الْكَبِير) للطبراني: ( حرمتهَا مَخَافَة قلَّة الظّهْر) ، وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد مُسلم: ( وَكَانَ النَّاس احتاجوا إِلَيْهَا) .
وَالثَّالِث: كَونهَا لم تخمس، فَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْمُتَّفق عَلَيْهِ، فَقَالَ فِيهِ: ( وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا) .
قَالَ: فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: ( نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة) .
الرَّابِع: كَونهَا جلالة فروى ابْن مَاجَه فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: ( إِنَّمَا حرمهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة من أجل أَنَّهَا كَانَت جلالة تَأْكُل الْعذرَة) .
وروى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث غَالب بن أبحر: ( فَإِنَّمَا حرمتهَا من جوال الْقرْيَة) .
وَالْخَامِس: كَونهَا انتهبت.
وَلم تقسم، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث ثَعْلَبَة بن الحكم، قَالَ: فَسَمعته ينْهَى عَن النهبة، فَأمر بالقدود فاكقئت من لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَالتَّعْلِيل بِالنَّجَاسَةِ قَاض على هَذِه الْعِلَل كلهَا فهيء مُؤثرَة بِنَفسِهَا وَذهب قوم، مِنْهُم عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبيد بن الْحسن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى إِلَى إِبَاحَة أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة.
وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيث أبحر أَو ابْن أبحر، أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّه لم يبْق من مَالِي شَيْء أَسْتَطِيع أَن أطْعمهُ أَهلِي إلاَّ حمر لي، قَالَ: ( فأطعم أهلك من سمين مَالك، فَإِنَّمَا كرهت لكم جوال الْقرْيَة) .
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ،.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ، مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم: يحرم أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبابُُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَحوه، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، وَحَدِيث أبحر مُخْتَلف فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا شَدِيدا.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ مَعْلُول،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: هُوَ بِطرقِهِ بَاطِل لِأَنَّهَا كلهَا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر، وَهُوَ مَجْهُول، وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن لؤيم، وَهُوَ مَجْهُول وَمن طَرِيق شريك، وَهُوَ ضَعِيف.

تابَعَهُ علِيٌّ عنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ
يَعْنِي تَابع عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ شيخ البُخَارِيّ، وَقد أسْندهُ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَنهُ عَن سُفْيَان، وَالله أعلم.