فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

( بابٌُ مَنْ رَأى العَدُوَّ فَنَادَى بِأعْلَى صَوْتِهِ يَا صَباحَاهْ حتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ) أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَمر من رأى الْعَدو قد أقبل فنادي بِأَعْلَى صَوته: يَا صَبَاحَاه، يَعْنِي: أغير عَلَيْكُم فِي الصَّباح، أَو قد أَصْبَحْتُم فَخُذُوا حذركُمْ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ الْإِعْلَام بِهَذَا الْأَمر المهم الَّذِي دهمهم فِي الصَّباح، قيل: لأَنهم كَانُوا يغيرون وَقت الصَّباح، وَكَأَنَّهُ قيل: جَاءَت وَقت الصَّباح فتأهبوا للقاء، فَإِن الْأَعْدَاء يتراجعون عَن الْقِتَال فِي اللَّيْل، فَإِذا جَاءَ النَّهَار عاودوه، وَالْهَاء فِيهِ للندبة تسْقط فِي الْوَصْل، وَالرِّوَايَة إِثْبَاتهَا، فتقف على الْهَاء، وَهُوَ منادى مستغاث، وَالْألف فِيهِ للاستغاثة، وَقيل: الْهَاء فِيهِ للسكت، كَأَنَّهُ نَادَى النَّاس استغاثة بهم فِي وَقت الصَّباح، أَي: وَقت الْغَارة، وَالْحَاصِل أَنَّهَا كلمة يَقُولهَا المستغيث.
قَوْله: حَتَّى يسمع، أَي: حَتَّى إِن يسمع، بِضَم الْيَاء من الإسماع و: النَّاس، بِالنّصب مَفْعُوله.



[ قــ :2905 ... غــ :3041 ]
- حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخْبَرنا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ أنَّهُ أخْبَرَهُ قَالَ خَرَجْتُ مِنَ المَدِينَةِ ذَاهِبَاً نَحْوَ الغَابَةِ حتَّى إذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الغابَةِ لَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ.

قُلْتُ ويْحَكَ مَا بِكَ قَالَ أُخِذَتْ لِقاحُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قُلْتُ مَنْ أخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وفَزَارَةُ فصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ أسْمعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يَا صبَاحاهُ يَا صَباحاه ثُمَّ انْدَفَعْتُ حتَّى ألْقَاهُمْ وقَدْ أخَذُوها فجَعَلْتُ أرْمِيهِمْ وأقُولُ أَنا ابنُ الأكْوَعِ.
واليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فاسْتَنْقَذْتُها مِنْهُمْ قَبْلَ أنْ يَشْرَبُوا فأقْبَلْتُ بِهَا أسُوقُها فلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ القَوْمَ عِطاش وإنِّي أعْجَلْتُهُمْ أنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ فابْعَثْ فِي إثْرِهِمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الأكْوَعِ ملَكْتَ فأسْجِعْ إنَّ القَوْمَ يُقُرَوْنَ فِي قَوْمِهِم.

( الحَدِيث 1403 طرفه فِي: 4914) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والمكي، بتَشْديد الْكَاف وَالْيَاء: ابْن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد البرجمي التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، وَيزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع.

وَهَذَا الحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ الثَّانِي عشر.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَهَذَا الحَدِيث بأتم من هَذَا يَأْتِي فِي غَزْوَة ذِي قرد، بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة، وَيُقَال: بِضَمَّتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: كَذَا لَقيته مُقَيّدا عَن أبي عَليّ، والقرد فِي اللُّغَة الصُّوف الرَّدِيء، وَهُوَ على نَحْو يَوْم من الْمَدِينَة.

قَوْله: ( ذَاهِبًا) حَال.
قَوْله: ( نَحْو الغابة) ، بالغين الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة، وَهِي على بريد من الْمَدِينَة فِي طَرِيق الشَّام، وَهِي فِي الأَصْل: الأجمة والثنية فِي الْجَبَل كالعقبة فِيهِ.
قَوْله: ( أخذت لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، اللقَاح: بِكَسْر اللَّام: الْإِبِل والواحدة: لقوح، وَهِي: الحلوب.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَت لقاح سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشْرين لقحة ترعى بِالْغَابَةِ، وَكَانَ أَبُو ذَر فِيهَا.
قَوْله: ( غطفان وفزارة) ، بِفَتْح الْفَاء: وهما قبيلتان من الْعَرَب وَكَانَ رَأس الْقَوْم الَّذين أَغَارُوا عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، وَكَانَ فِي خيل من غطفان.
قَوْله: ( مَا بَين لابتيها) أَي: لابتي الْمَدِينَة، واللابة: الْحرَّة، وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: ( ثمَّ اندفعت) ، أَي: أسرعت فِي السّير.
قَوْله: ( أَنا ابْن الْأَكْوَع) : الْأَكْوَع لقب، واسْمه: سِنَان بن عبد الله.
قَوْله: ( يَوْم الرضع) ، بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا عين مُهْملَة، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ الَّذِي رضع اللؤم من ثدي أمه، أَي: غذى بِهِ، وَقيل: هُوَ الَّذِي يرضع مَا بَين أَسْنَانه مستكثراً من الجشع بذلك، والجشع أَشد الْحِرْص.
.

     وَقَالَ ت امْرَأَة من الْعَرَب تذم رجلا: إِنَّه لأكلة يكله يَأْكُل من جشعه خلله.
أَي: مَا يَتَخَلَّل بَين أَسْنَانه.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ الَّذِي يرضع الشَّاة أَو النَّاقة قبل أَن يحلبها من شدَّة الشره،.

     وَقَالَ  قوم: الراضع الرَّاعِي لَا يمسك مَعَه محلباً، فَإِذا جَاءَهُ إِنْسَان فَسَأَلَهُ أَن يسْقِيه احْتج أَنه لَا محلب مَعَه، وَإِذا أَرَادَ هُوَ أَن يشرب رضع النَّاقة أَو الشَّاة.
وَقيل: هُوَ رجل كَانَ يرضع الْغنم وَلَا يحلبها لِئَلَّا يسمع صَوت الْحَلب فيطلب مِنْهُ.
وَفِي ( الموعب) : رضع الرجل رضاعة مِثَال كرم وَهُوَ رَضِيع وراضع: لئيم، وَجمعه: راضعون.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: أصل الحَدِيث أَن رجلا من العمالقة طرقه ضيف لَيْلًا فمص ضرع شَاة لِئَلَّا يسمع الضَّيْف صَوت الشخب، فَكثر حَتَّى صَار كل لئيم راضعاً، فعل ذَلِك أَو لم يفعل.
وَقيل: هُوَ الَّذِي يرضع طرف الْخلال الَّتِي يخلل بهَا أَسْنَانه ويمص مَا يتَعَلَّق بِهِ،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: الْيَوْم يَوْم الرضع، برفعهما، وبنصب الأول وَرفع الثَّانِي: قلت: وَجه رفعهما على كَونهمَا مُبْتَدأ وَخبر، أَو وَجه النصب على الظَّرْفِيَّة، وَيكون: يَوْم الرضع، مُبْتَدأ وَخَبره الظّرْف فِيمَا يتَعَلَّق قبله، تَقْدِيره: وَفِي هَذَا الْيَوْم يَوْم الرضع، يَعْنِي: يَوْم هَلَاك اللئام.
قَوْله: ( فاستنقذتها) أَي: استخلصتها مِنْهُم.
قَوْله: ( قبل أَن يشْربُوا) أَي: المَاء، بِدَلِيل قَوْله: إِن الْقَوْم عطاش.
قَوْله: ( فَأَقْبَلت بهَا) أَي: باللقاح.
قَوْله: ( أسوقها) أَي: حَال كوني أسوق اللقَاح الَّتِي أَخذهَا غطفان وفزارة.
قَوْله: ( فلقيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ ذَلِك عشَاء.
وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاس، وتوضيح ذَلِك: أَن عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ لما أغار على لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خيل من غطفان أَرْبَعِينَ فَارِسًا، وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة أربعاء، جَاءَ الصَّرِيخ فَنُوديَ: يَا خيل الله ارْكَبِي، وَكَانَ أول مَا نُودي بهَا، فَركب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج غَدَاة الْأَرْبَعَاء فِي الْحَدِيد مقنعا، فَوقف فَكَانَ أول من أقبل إِلَيْهِ الْمِقْدَاد بن عَمْرو، وَعَلِيهِ الدرْع والمغفر شاهراً سَيْفه، فعقد لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِوَاء فِي رمحه،.

     وَقَالَ : إمضِ حَتَّى تلحقك الْخُيُول وَأَنا على إثرك، واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم، وَخلف سعد بن عبَادَة فِي ثَلَاثمِائَة من قومه يَحْرُسُونَ الْمَدِينَة، قَالَ الْمِقْدَاد: فأدركت أخريات الْعَدو وَقد قتل أَبُو قَتَادَة مسْعدَة، وَقتل عكاشة أبان بن عَمْرو، وَقتل الْمِقْدَاد حبيب بن عُيَيْنَة وفرقد بن مَالك بن حُذَيْفَة ابْن بدر، وَأدْركَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الْقَوْم وَهُوَ على رجلَيْهِ، فَجعل يراميهم بِالنَّبلِ، وَيَقُول: خُذْهَا وَأَنا بن أكوع الْيَوْم يَوْم الرضع، حَتَّى انْتهى بهم إِلَى ذِي قرد، قَالَ سَلمَة: فلحقنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالنَّاس عشَاء وَهَذَا معنى قَوْله: ( فلقيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله إِن الْقَوْم عطاش) وَهُوَ جمع عطشان.
قَوْله: ( وَإِنِّي أعجلتهم قبل أَن يشْربُوا سقيهم) ، بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْقَاف، وَهُوَ: الْحَظ من الشّرْب، و: أَن يشْربُوا، مفعول لَهُ أَي: كَرَاهَة شربهم.
قَوْله: ( فَابْعَثْ فِي إثرهم) أَي: قَالَ سَلمَة: يَا رَسُول الله { إبعث فِي إثرهم، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد قَالَ سَلمَة: فَلَو بعثتني فِي مائَة رجل استنقذت مَا بِأَيْدِيهِم من السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم.
فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( يَا ابْن الْأَكْوَع ملكت) من المملكة وَهِي أَن يغلب عَلَيْهِم ويستعبدهم، وهم فِي الأَصْل أَحْرَار.
قَوْله: ( فاسجح) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: من الإسجاح، وَهُوَ حسن الْعَفو، أَي: إرفق وَلَا تَأْخُذ بالشدة، وَهَذَا مثل من أَمْثَال الْعَرَب.
قَوْله: ( إِن الْقَوْم يقرونَ) أَي: يضافون، يَعْنِي: أَنهم وصلوا إِلَى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم فَلَا فَائِدَة فِي الْحَال فِي الْبَعْث لأَنهم لَحِقُوا بأصحابهم، ويقرون هُنَا من القري وَهُوَ الضِّيَافَة، فراعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لَهُم رَجَاء تَوْبَتهمْ وإنابتهم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: يقرونَ، بِضَم الْيَاء وَالرَّاء، وَفَسرهُ بِأَنَّهُم: يجمعُونَ بَين المَاء وَاللَّبن، وَقيل: يغزون، بغين مُعْجمَة وزاي، وَهُوَ تَصْحِيف وَفِي كتاب ( الدَّلَائِل) للبيهقي: إِنَّهُم ليغبقون الْآن فِي غطفان، فجَاء رجل من غطفان فَقَالَ: مرُّوا على فلَان الْغَطَفَانِي فَنحر لَهُم جزوراً، فَلَمَّا أخذُوا يكشطون جلدهَا رَأَوْا غيرَة فتركوها وَخَرجُوا هراباً.
انْتهى.

وَتَمام الْقِصَّة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما لَقِي سَلمَة لم تزل الْخَيل تَأتي وَالرِّجَال على أَقْدَامهم حَتَّى انْتَهوا إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي قرد، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت الْقَوْم بِمَا بَقِي وَهِي عشر، وَصلى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف، وَأقَام بهَا يَوْمًا وَلَيْلَة.
وَفِي ( الإكليل) للْحَاكِم: بابُُ غَزْوَة ذِي قرد، قَالَ أَبُو عبد الله: هَذِه الْغَزْوَة هِيَ الثَّالِثَة لذِي قرد، فَإِن الأولى: سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة فِي جمادي الْآخِرَة على رَأس ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة.
وَالثَّانيَِة: خرج فِيهَا سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ إِلَى فَزَارَة، وَهِي على رَأس تِسْعَة وَأَرْبَعين شهرا من الْهِجْرَة.
وَهَذِه الثَّالِثَة: الَّتِي أغار فِيهَا عبد الرَّحْمَن بن عُيَيْنَة على إبل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج أَبُو قَتَادَة وَابْن الْأَكْوَع فِي طلبَهَا، وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق فِي غَزْوَة ذِي قرد: إِنَّه كَانَ أول مَا بدر بهم سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع الْأَسْلَمِيّ غَدا يُرِيد الغابة متوشحاً قوسه ونبله وَمَعَهُ غُلَام لطلْحَة بن عبيد الله مَعَه فرس لَهُ، وَكَانَ يَقُودهُ، حَتَّى إِذا علا ثنية الْوَدَاع نظر إِلَى بعض خيولهم فَأَشْرَف فِي نَاحيَة سلع ثمَّ صرخَ: واصباحاه، ثمَّ خرج يشد فِي آثَار الْقَوْم، وَكَانَ مثل السَّبع حَتَّى لحق بالقوم، فَجعل يرميهم بِالنَّبلِ، وَيَقُول إِذا رَمَاهَا: خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع الْيَوْم يَوْم الرضع.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَبلغ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صياح ابْن الْأَكْوَع، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: الْفَزع الْفَزع، فترامت الْخُيُول إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أول من انْتهى إِلَيْهِ من الفرسان الْمِقْدَاد بن الْأسود وَجَمَاعَة آخَرُونَ، ذكرهم ابْن إِسْحَاق قَالَ: وَسَار رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل بِالْجَبَلِ من ذِي قرد، وتلاحق بِهِ النَّاس فَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة.
.

     وَقَالَ  لَهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع: يَا رَسُول الله}
لَو سرحتني فِي مائَة رجل لاستنقذت بَقِيَّة السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْآن ليغبقون فِي غطفان، وَقسم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل مائَة رجل جزوراً، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ قَافِلًا حَتَّى قدم الْمَدِينَة.
انْتهى.
وَقيل: كَانَت غيبَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس لَيَال انْتهى.

وَفِي الحَدِيث: جَوَاز الْأَخْذ بالشدة، ولقاء الْوَاحِد أَكثر من المثلين، لِأَن سَلمَة كَانَ وَحده وَألقى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة.
وَفِيه: تَعْرِيف الْإِنْسَان بِنَفسِهِ فِي الْحَرْب بشجاعته وتقدمه.
وَفِيه: فضل الرَّمْي، على مَا لَا يخفى.