فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟

( بابٌُ هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أهْلِ الذِّمَّةِ ومُعامَلَتِهِمْ)

أَقُول: هَكَذَا وَقع هَذَانِ البابُان، وَلَيْسَ بَينهمَا شَيْء فِي جَمِيع النّسخ من طَرِيق الْفربرِي، إلاَّ أَن فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن بن شبويه عَن الْفربرِي وَقع: بابُُ جوائز الْوَفْد، بعد: بابُُ هَل يستشفع، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَهَذَا أصوب لِأَن حَدِيث الْبابُُ مُطَابق لترجمة جوائز الْوَفْد، لقَوْله فِيهِ: وأجيزوا الْوَفْد، بِخِلَاف التَّرْجَمَة الْأُخْرَى، وَكَانَ البُخَارِيّ وضع هَاتين الترجمتين وأخلى بَينهمَا بَيَاضًا ليجد حَدِيثا يناسبهما، فَلم يتَّفق ذَلِك، ثمَّ إِن النساخ أبطلوا الْبيَاض وقرنوا بَينهمَا، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بابُُ جوائز الْوَفْد، بل الَّذِي وَقع عِنْده: بابُُ هَل يستشفع إِلَى أهل الذِّمَّة، وَأورد فِيهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي طلب الْمُطَابقَة بَينهمَا تعسف، وَلَقَد تكلّف بَعضهم فِي تَوْجِيه الْمُطَابقَة، فَقَالَ: وَلَعَلَّه من جِهَة أَن الْإِخْرَاج يَعْنِي فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، يَقْتَضِي رفع الاستشفاع، والحض على إجَازَة الْوَفْد يَقْتَضِي حسن الْمُعَامَلَة.
أَو لَعَلَّ: إِلَى، فِي التَّرْجَمَة بِمَعْنى: اللَّام، أَي: هَل يستشفع لَهُم عِنْد الإِمَام وَهل يعاملون ... ؟ انْتهى.
قلت: قَوْله يَقْتَضِي رفع الاستشفاع، يَقْتَضِي الْعَمَل بِرَفْع الاستشفاع وَالْعَمَل بالاقتضاء يكون عِنْد الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هَهُنَا، والإخراج مَعْنَاهُ مَعْلُوم وَلَيْسَ فِيهِ معنى الِاقْتِضَاء.
والوفد أَعم من أَن يكون من الْمُسلمين أَو من الْمُشْركين، والمواضع الَّتِي تذكر فِيهَا أَن إِلَى بِمَعْنى اللَّام إِنَّمَا معنى: إِلَى، فِيهَا على أَصْلهَا بِمَعْنى الِانْتِهَاء، فَافْهَم، وَهَهُنَا لَا يتأتي هَذَا الْمَعْنى، ثمَّ التَّقْدِير فِي: بابُُ جوائز الْوَفْد، أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جوائز الْوَفْد؟ والجوائز جمع جَائِزَة، وَهِي الْعَطِيَّة، يُقَال: أجَازه يُجِيزهُ إِذا أعطَاهُ، والوفد: هم الْقَوْم يَجْتَمعُونَ ويردون الْبِلَاد، واحدهم وَافد.
وَكَذَلِكَ الَّذين يقصدون الْأُمَرَاء لزيارة واسترفاد وانتجاع وَغير ذَلِك، يُقَال: وَفد يفد فَهُوَ وَافد، وأوفدته فوفد وأوفد على الشَّيْء فَهُوَ موفد إِذا أشرف، وَالتَّقْدِير فِي: بابُُ هَل يستشفع، أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ هَل يستشفع.
قَوْله: ( ومعاملتهم) ، بِالْجَرِّ عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهَا لفظ الْبابُُ.



[ قــ :2916 ... غــ :3053 ]
- حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ سُلَيْمَانَ الأحْوَلِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّهُ قَالَ يَوْمَ الخَمِيسِ ومَا يَوْمُ الخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ فَقال ائْتُونِي بِكِتَابٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَابَاً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَدَاً فتَنَازَعُوا ولاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنازُعَ فَقَالُوا أهَجَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ دَعُونِي فالَّذِي أَنا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إلَيْهِ وأوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ أخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ وأجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ ونَسِيتُ الثَّالِثَةَ..
وَجه الْمُطَابقَة قد ذكر الْآن، وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقبَة، قَالَ الجياني: لَا أحفظ لقبيصة عَن ابْن عُيَيْنَة شَيْئا فِي ( الْجَامِع) ، وَرِوَايَة ابْن السكن: قُتَيْبَة، بدل: قبيصَة.
قلت: وَقع هَكَذَا: قبيصَة حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عِنْد أَكثر الروَاة عَن الْفربرِي، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَلم يَقع فِي البُخَارِيّ لقبيصة رِوَايَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إلاَّ هَذِه الرِّوَايَة، وَرِوَايَته فِيهِ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ كَثِيرَة جدا.
وَقيل: لَعَلَّ البُخَارِيّ سمع هَذَا الحَدِيث مِنْهُمَا، غير أَنه لَا يحفظ لقبيصة عَن ابْن عُيَيْنَة شَيْء فِي ( الْجَامِع) وَلَا ذكره أَبُو نصر فِيمَن روى فِي ( الْجَامِع) عَن غير الثَّوْريّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَفِي الْجِزْيَة عَن مُحَمَّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْوَصَايَا عَن سعيد بن مَنْصُور وقتيبة وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد، الْكل عَن ابْن عُيَيْنَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن سعيد بن مَنْصُور بِبَعْضِه.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان مثل الأول.

قَوْله: ( يَوْم الْخَمِيس) ، خبر الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف، أَو بِالْعَكْسِ نَحْو: يَوْم الْخَمِيس يَوْم الْخَمِيس، نَحْو: أَنا أَنا، وَالْغَرَض مِنْهُ تفخيم أمره فِي الشدَّة وَالْمَكْرُوه.
قَوْله: ( وَمَا يَوْم الْخَمِيس؟) أَي: أَي يَوْم يَوْم الْخَمِيس؟ وَهَذَا أَيْضا لتعظيم أمره فِي الَّذِي وَقع فِيهِ.
قَوْله: ( حَتَّى خضب) ، أَي: رطب وبلل.
قَوْله: ( فتنازعوا) ، وَقد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ كِتَابَة الْعلم بعض هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس.
.
وَفِيه: ( ائْتُونِي بِكِتَاب أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده، قَالَ عمر: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَلبه الوجع، وَعِنْدنَا كتاب الله حَسبنَا، فَاخْتَلَفُوا وَكثر اللغظ، قَالَ: قومُوا عني وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع) الحَدِيث وَهَذَا يُوضح معنى قَوْله: فتنازعوا.
قَوْله: ( وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي تنَازع) ، قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: وَلَا يَنْبَغِي، إِمَّا قَول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِمَّا قَول ابْن عَبَّاس، والسياق يحتملهما، والموافق لسَائِر الرِّوَايَات الأولى.
قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الترديد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرح فِي الحَدِيث الَّذِي سبق فِي كتاب الْعلم بقوله: ( وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع) ، وَالْعجب مِنْهُ ذَلِك مَعَ أَنه قَالَ: وَمر شرح الحَدِيث فِي: بابُُ كِتَابَة الْعلم.
قَوْله: ( أَهجر) ، ويروى: هجر، بِدُونِ الْهمزَة، أطلق بِلَفْظ الْمَاضِي، لما رَأَوْا فِيهِ من عَلَامَات الْهِجْرَة عَن دَار الفناء،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَالُوا: هجر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: اخْتَلَط، وأهجر إِذا أفحش.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يُقَال: هجر العليل إِذا هذى يهجر هجراً بِالْفَتْح، والهجر بِالضَّمِّ الإفحاش.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: يُقَال: هجر الرجل فِي الْمنطق إِذا تكلم بِمَا لَا معنى لَهُ، وأهجر إِذا أفحش.
قلت: هَذِه الْعبارَات كلهَا فِيهَا ترك الْأَدَب وَالذكر بِمَا لَا يَلِيق بِحَق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَقَد أفحش من أَتَى بِهَذِهِ الْعبارَة، فَانْظُر إِلَى مَا قَالَ النَّوَوِيّ: أَهجر؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام الإنكاري، أَي: أَنْكَرُوا على من قَالَ: لَا تكْتبُوا، أَي: لَا تجعلوه كأمر من هذي فِي كَلَامه، وَإِن صَحَّ بِدُونِ الْهمزَة فَهُوَ أَنه لما أَصَابَته الْحيرَة والدهشة لعظم مَا شَاهد من هَذِه الْحَالة الدَّالَّة على وَفَاته وَعظم الْمُصِيبَة، أجْرى الهجر مجْرى شدَّة الوجع،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَأَقُول: هُوَ مجَاز لِأَن الهذيان الَّذِي للْمَرِيض مُسْتَلْزم لشدَّة وَجَعه، فَأطلق الْمَلْزُوم وَأُرِيد اللَّازِم.
قلت: لَو كَانَ بتحسين الْعبارَة لَكَانَ أولى.
قَوْله: ( دَعونِي) ، أَي: اتركوني وَلَا تنازعوا عِنْدِي، فَإِن الَّذِي أَن فِيهِ من المراقبة وَالتَّأَهُّب للقاء الله تَعَالَى والفكر فِي ذَلِك وَنَحْوه أفضل مِمَّا تَدعُونِي إِلَيْهِ من الْكِتَابَة وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب) ، أخرجُوا: أَمر من الْإِخْرَاج، وَلم يتفرغ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لذَلِك، فأجلاهم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قيل: كَانُوا أَرْبَعِينَ ألفا وَلم ينْقل عَن أحد من الْخُلَفَاء أَنه أجلاهم من الْيمن، مَعَ أَنَّهَا من جَزِيرَة الْعَرَب.

وروى أَحْمد من حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أخرجُوا يهود الْحجاز، وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب) ، وَإِنَّمَا أخرج أهل نَجْرَان من الجزيرة، وَإِن لم تكن من الْحجاز، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالحهمْ على أَن لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا فأكلوه، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
.

     وَقَالَ  أَحْمد بن الْمعدل: حَدثنِي يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عِيسَى عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ مَالك بن أنس: جَزِيرَة الْعَرَب: الْمَدِينَة وَمَكَّة واليمامة واليمن، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ: مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن، وَعَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن: مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وقرياتها، وَعَن الْأَصْمَعِي: هِيَ مَا لم يبلغهُ ملك فَارس من أقْصَى عدن إِلَى أَطْرَاف الشَّام، هَذَا الطول وَالْعرض من جدة إِلَى ريف الْعرَاق.
وَفِي رِوَايَة أبي عبيد عَنهُ: الطول من أقْصَى عدن إِلَى ريف الْعرَاق طولا، وعرضها من جَزِيرَة جدة وَمَا والاها من سَاحل الْبَحْر إِلَى أَطْرَاف الشَّام،.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: هِيَ مَا بَين قادسية الْكُوفَة إِلَى حَضرمَوْت،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ مَا بَين حفر أبي مُوسَى بطوارة من أَرض الْعرَاق إِلَى أقْصَى الْيمن فِي الطول، وَأما فِي الْعرض فَمَا بَين رمل بيرين إِلَى مُنْقَطع السماوة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: قَالَ الْخَلِيل: سميت جَزِيرَة الْعَرَب لِأَن بَحر فَارس وبحر الْحَبَش والفرات ودجلة أحاطت بهَا، وَهِي أَرض الْعَرَب ومعدنها.
.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ: أَخْبرنِي عبد الله بن شبيب عَن زبير عَن مُحَمَّد بن فضَالة: إِنَّمَا سميت جَزِيرَة لإحاطة الْبَحْر بهَا والأنهار من أقطارها وأطرافها، وَذَلِكَ أَن الْفُرَات أقبل من بِلَاد الرّوم فَظهر بِنَاحِيَة قنسرين ثمَّ انحط عَن الجزيرة وَهِي مَا بَين الْفُرَات ودجلة وَعَن سَواد الْعرَاق حَتَّى دفع فِي الْبَحْر من نَاحيَة الْبَصْرَة والأيلة، وامتد الْبَحْر من ذَلِك الْموضع مغرباً مطبقاً بِبِلَاد الْعَرَب مُنْقَطِعًا عَلَيْهَا، فَأتى مِنْهَا على سفوان وكاظمة وَنفذ إِلَى القطيف وهجروا أسياف عمان والشحر، وسال مِنْهُ عنق إِلَى حَضرمَوْت إِلَى أبين وعدن ودهلك، واستطال ذَلِك الْعُنُق فطعن فِي تهايم الْيمن بِلَاد حكم والأشعريين وعك، وَمضى إِلَى جدة سَاحل مَكَّة، وَإِلَى الجاد سَاحل الْمَدِينَة وَإِلَى سَاحل تيما وإيلة حَتَّى بلغ إِلَى قلزم مصر وخالط بلادها، وَأَقْبل النّيل فِي غربي هَذَا الْعُنُق من أَعلَى بِلَاد السودَان مستطيلاً مُعَارضا للبحر حَتَّى دفع فِي بَحر مصر وَالشَّام، ثمَّ أقبل ذَلِك الْبَحْر من مصر حَتَّى بلغ بِلَاد فلسطين وَمر بعسقلان وسواحلها وأتى على صور بساحل الْأُرْدُن وعَلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق، ثمَّ نفذ إِلَى سواحل حمص وسواحل قنسرين حَتَّى خالط النَّاحِيَة الَّتِي أقبل مِنْهَا الْفُرَات منحطاً على أَطْرَاف قنسرين والجزيرة إِلَى سوار الْعرَاق، فَصَارَت بِلَاد الْعَرَب من هَذِه الجزيرة الَّتِي نزلوها على خَمْسَة أَقسَام: تهَامَة، والحجاز، ونجد وَالْعرُوض، واليمن.

قَوْله: ( وأجيزوا الْوَفْد) ، وأجيزوا من الْإِجَازَة، يُقَال: أجَازه بجوائز أَي: أعطَاهُ عطايا، قد مر تَفْسِير الْجَائِزَة، والوفد، وَيُقَال: الْجَائِزَة قدر مَا يجوز بِهِ الْمُسَافِر من منهل إِلَى منهل، وجائزته يَوْم وَلَيْلَة.
قَوْله: ( ونسيت الثَّالِثَة) ، قَالَ ابْن التِّين: ورد فِي رِوَايَة أَنَّهَا الْقُرْآن،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: هِيَ تجهيز جَيش أُسَامَة بن زيد،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: كَانَ الْمُسلمُونَ اخْتلفُوا فِي ذَلِك على الصّديق فأعلمهم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عهذ بذلك عِنْد مَوته،.

     وَقَالَ  عِيَاض: يحْتَمل أَنَّهَا قَوْله: لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وثناً، فقد ذكر مَالك مَعْنَاهُ مَعَ إجلاء الْيَهُود.

وَهَهُنَا فرع ذكره فِي ( التَّوْضِيح) : وَهُوَ يمْنَع كل كَافِر عندنَا وَعند مَالك من استيطان الْحجاز، وَلَا يمْنَعُونَ من ركُوب بحره وَلَو دخل بِغَيْر إِذن الإِمَام أخرجه وعزره إِن علم أَنه مَمْنُوع، فَإِن اسْتَأْذن فِي دُخُوله أذن الإِمَام أَو نَائِبه فِيهِ إِن كَانَ مصلحَة للْمُسلمين، كرسالة وَحمل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
وَعَن أبي حنيفَة: جَوَاز سكناهم فِي الْحرم وَيمْنَع دُخُول حرم مَكَّة.
قَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} ( التَّوْبَة: 82) .
وَالْمرَاد بِهِ هُنَا جَمِيع الْحرم.
.

     وَقَالَ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّيْطَان إيس أَن يعبد فِي جَزِيرَة الْعَرَب، فَلَو دخله وَمَات لم يدْفن فِيهِ، وَإِن مَاتَ فِي غير الْحرم من الْحجاز وَتعذر نَقله دفن هُنَاكَ، وَحرم الْمَدِينَة لَا يلْحق بحرم مَكَّة فِيمَا ذكر، لَكِن اسْتحْسنَ الرَّوْيَانِيّ أَن يخرج مِنْهُ إِذا لم يتَعَذَّر الْإِخْرَاج ويدفن خَارجه.
قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنه لَا بَأْس بِأَن يدْخل أهل الذِّمَّة الْمَسْجِد الْحَرَام، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل وَفد ثَقِيف فِي مَسْجده وهم كفار، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْآيَة مَحْمُولَة على مَنعهم أَن يدخلوها مستولين عَلَيْهَا ومستعلين على أهل الْإِسْلَام من حَيْثُ التَّدْبِير وَالْقِيَام بعمارة الْمَسْجِد، فَإِن قبل الْفَتْح كَانَت الْولَايَة والاستعلاء لَهُم وَلم يبْق ذَلِك لَهُم بعد الْفَتْح.
أَو هِيَ مَحْمُولَة على كَونهم طائفين الْكَعْبَة حَال كَونهم عُرَاة، كَمَا كَانَت عَادَتهم فِي الْجَاهِلِيَّة.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بنُ مُحَمَّدٍ سألْتُ الْمُغِيرَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ فَقالَ مَكَّةُ والمَدِينَةُ واليَمَامَةُ واليَمَنُ.

     وَقَالَ  يَعْقُوبُ والعَرْجُ أوَّلُ تِهَامَةَ

يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عِيسَى الزُّهْرِيّ، والمغيرة بن عبد الرَّحْمَن، وَهَذَا الْأَثر الْمُعَلق وَصله إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي كتاب ( أَحْكَام الْقُرْآن) : عَن أَحْمد بن الْمعدل عَن يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن مَالك بن أنس مثله.
قَوْله: ( وَالْعَرج) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره جِيم: وَهُوَ منزل بَين طَرِيق مَكَّة وتهامة، وَهِي بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: اسْم لكل مَا نزل عَن نجد من بِلَاد الْحجاز،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: العرج قَرْيَة جَامِعَة على طَرِيق مَكَّة من الْمَدِينَة، بَينهَا وَبَين الرُّوَيْثَة أَرْبَعَة عشر ميلًا، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة أحد وَعِشْرُونَ فرسخاً.