فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب كتابة الإمام الناس

( بابُُ كِتَابَةِ الإمامِ لِلنَّاسَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كِتَابَة الإِمَام لأجل النَّاس من الْمُقَاتلَة وَغَيرهم.
قَوْله: ( كِتَابَة الإِمَام) ، أَعم من كِتَابَته بِنَفسِهِ أَو بأَمْره، وَفِي بعض النّسخ: كِتَابَة الإِمَام النَّاس، بِنصب النَّاس على أَنه مفعول للمصدر الْمُضَاف إِلَى فَاعله، وَفِي الأول يكون الْمَفْعُول محذوفاً.
فَافْهَم.



[ قــ :2923 ... غــ :3060 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بالإسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ فَكتَبْنا لهُ ألْفاً وخَمْسْمِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا نَخَافُ ونَحْنُ ألْفٌ وخَمْسُمِائَةٍ فَلَقَدْ رأيْتُنَا ابْتُلِينا حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وحْدَهُ وهْوَ خَائِفٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة فِي هَذَا الْبابُُ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر وَابْن نمير، وَأبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن هناد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن ابْن نمير.
وَعلي بن مُحَمَّد.
قَوْله: ( أكتبوا) وَفِي رِوَايَة مُسلم: احصوا، بدل: أكتبوا، وَهِي أَعم من: أكتبوا، وَقد يُفَسر: احصوا باكتبوا،.

     وَقَالَ  الْمُهلب كِتَابَة الإِمَام النَّاس سنة عِنْد الْحَاجة إِلَى الدّفع عَن الْمُسلمين حِينَئِذٍ فرض الْجِهَاد على كل إِنْسَان يطبق المدافعة إِذا أنزل: بِأَهْل ذَلِك الْبَلَد مَخَافَة.
قَوْله: ( فَقُلْنَا نَخَاف؟) تَقْدِيره: هَل نَخَاف، وَهُوَ اسْتِفْهَام تعجب، يَعْنِي: كَيفَ نَخَاف وَنحن ألف وَخَمْسمِائة رجل؟ وَكَانَ هَذَا القَوْل عِنْد حفر الخَنْدَق، جزم بذلك ابْن التِّين، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك عِنْد خُرُوجهمْ إِلَى د، وَعَن الدَّاودِيّ: بِالْحُدَيْبِية.
قَوْله: ( فَلَقَد رَأينَا) بِضَم التَّاء التَّاء الَّتِي للمتكلم أَي: فَلَقَد رَأَيْت نفسنا، ويروى: فَلَقَد رَأينَا.
قَوْله: ( ابتُلِينا) على صِيغَة الْمَجْهُول من الإبتلاء، وَحَاصِل الْكَلَام: يَقُول حُذَيْفَة: كُنَّا نتعجب من خوفنا وَالْحَال أَنا نَحن ألف وَخَمْسمِائة رجل، فَصَارَ أمرنَا بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن الرجل يُصَلِّي وَحده وَهُوَ خَائِف مَعَ كَثْرَة الْمُسلمين،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَعَلَّه أَرَادَ أَنه كَانَ فِي بعض الْفِتَن الَّتِي جرت بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ بَعضهم يخفي نَفسه وَيُصلي سرا يخَاف من الظُّهُور والمشاركة فِي الدُّخُول فِي الْفِتْنَة وَالْحَرب.

حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبِي حَمْزَةَ عنِ الأعْمَشِ فَوَجَدْناهُمْ خَمْسَمِائَةٍ قَالَ أبُو مُعَاوِيَةَ مَا بَيْنَ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمائَةٍ

عبد الله هُوَ عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة، وعبدان لقبه، وَقد مر غير مرّة.
وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: هُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون الْيَشْكُرِي، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى أَن كل وَاحِد من أبي حَمْزَة وَأبي مُعَاوِيَة خَالف سُفْيَان الثَّوْريّ الْمَذْكُور فِي السَّنَد الَّذِي قبله فِي رِوَايَته عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
أما أَبُو حَمْزَة فَإِنَّهُ روى عَن الْأَعْمَش خَمْسمِائَة وَلم يذكر الْألف وَقد كَانَ سُفْيَان رُوِيَ عَن الْأَعْمَش ألفا وهمسامائة أما أَبُو مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ روى عَن الْأَعْمَش: مَا بَين سِتّمائَة إِلَى سَبْعمِائة، فَالْبُخَارِي اعْتمد على رِوَايَة سُفْيَان لكَونه أحفظهم مُطلقًا، وَزَاد على أبي حَمْزَة وَأبي مُعَاوِيَة، وَزِيَادَة الثِّقَة الْحَافِظ مَقْبُولَة مُقَدّمَة، وَإِن كَانَ أَبُو مُعَاوِيَة أحفظ أَصْحَاب الْأَعْمَش بِخُصُوصِهِ.
فَإِن قلت: طَرِيق أبي مُعَاوِيَة وَصله مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَأَبُو كريب، وَاللَّفْظ لأبي بكر، قَالُوا: حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إحصوا لي كم مَنْ تلفظ بِالْإِسْلَامِ؟ قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أتخاف علينا وَنحن مَا بَين الستمائة إِلَى السبعمائة؟ قَالَ: إِنَّكُم لَا تَدْرُونَ، لَعَلَّكُمْ أَن تبتلوا.
قَالَ: فابتلينا حَتَّى جعل الرجل منا لَا يُصَلِّي إلاَّ سرا.
قلت: إِنَّمَا اخْتَار مُسلم طَرِيق أبي مُعَاوِيَة لما ذكرنَا أَنه كَانَ أحفظ أَصْحَاب الْأَعْمَش بِخُصُوصِهِ، وَالْبُخَارِيّ رجح رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش لكَون الثَّوْريّ أحفظ من الْكل مُطلقًا.
فَإِن قلت: مَا وَجه التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَات؟ قلت: قَالَ الدَّاودِيّ: لَعَلَّهُم كتبُوا مَرَّات فِي مَوَاطِن، وَقيل: المُرَاد بِالْألف والخمسمائة جَمِيع من أسلم من رجل وَامْرَأَة وَعبد وَصبي، وَبِمَا بَين الستمائة إِلَى السبعمائة: الرِّجَال خَاصَّة، وبالخمسمائة الْمُقَاتلَة خَاصَّة، قَالَ النَّوَوِيّ: قَالُوا: وَجه الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث، فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ، وَقيل: المُرَاد بِالْألف ... إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِل، للتصريح بِأَن الْكل رجال فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، حَيْثُ قَالَ: فكتبنا لَهُ ألفا وَخَمْسمِائة رجل، بل الصَّحِيح مَا بَين الستمائة إِلَى السبعمائة رجل من الْمَدِينَة خَاصَّة، وبالألف والخمسمائة هم مَعَ الْمُسلمين الَّذين حَولهمْ.
قلت: الحكم بِبُطْلَان الْوَجْه الْمَذْكُور لَا يَخْلُو عَن نظر، لِأَن العبيد وَالصبيان يدْخلُونَ فِي لفظ: الرجل، فَتَأمل، وَالله أعلم.





[ قــ :94 ... غــ :3061 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَمْرِو بنِ دِينار عنْ أبِي مَعْبَد عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وكَذَا وامْرَأتِي حاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتِكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِنِّي كتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا) وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَأَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه نَافِذ، بالنُّون وَالْفَاء وَفِي آخِره ذال مُعْجمَة.
والْحَدِيث قد مر فِيمَا قبل فِي: بابُُ، من اكتتب فِي جَيش، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان عَن عَمْرو عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَفِيه زِيَادَة على هَذَا.