فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره

( بابُُ منْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ وسَفَرِهِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر من قسم الْغَنِيمَة.
قَالَ بَعضهم: أَشَارَ بذلك إِلَى الرَّد على قَول الْكُوفِيّين: إِن الْغَنَائِم لَا تقسم فِي دَار الْحَرْب، واعتلو بِأَن الْملك لَا يتم عَلَيْهَا إلاَّ بالإستيلاء وَلَا يتم الإستيلاء إلاَّ بإحرازها فِي دَار الْإِسْلَام.
قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود، لِأَن الْبابُُ فِيهِ حديثان، وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا يدل على أَن قسْمَة الْغَنِيمَة كَانَت فِي دَار الْحَرْب، أما حَدِيث رَافع فَيدل على أَنَّهَا كَانَت بِذِي الحليفة، وَأما حَدِيث أنس فَيدل على أَنَّهَا كَانَت فِي الْجِعِرَّانَة، وكل من ذِي الحليفة والجعرانة من دَار الْإِسْلَام، فَفِي الْحَقِيقَة: الحديثان حجَّة للكوفيين، لِأَنَّهُ لم يقسم إلاَّ فِي دَار الْإِسْلَام.

وقالَ رَافِعٌ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذي الحُلَيْفَةِ فأصَبْنَا غنَماً وإبلاً فعَدَلَ عَشَرَةً منَ الغَنَمُ بِبَعِيرٍ
هُوَ رَافع بن خديج، ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مُسْندًا مطولا فِي كتاب الشّركَة فِي: بابُُ قسْمَة الْغنم،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: هَذَا إِلَى نظر الإِمَام واجتهاده يقسم حَيْثُ رأى الْحَاجة وَيُؤَخر إِذا رأى فِي الْمُسلمين قُوَّة.
وومن أجَاز قسْمَة الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب: مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تقسم حَتَّى يُخرجهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام، لما ذكرنَا فِي أول الْبابُُ فِي قَول الْكُوفِيّين، على أَنهم قَالُوا: رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب، وَالْبيع فِي معنى الْقِسْمَة، فَكَمَا لَا يجوز البيع كَذَلِك لَا تجوز الْقِسْمَة.



[ قــ :2929 ... غــ :3066 ]
- حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَساً أخْبَرَهُ قَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قسَمَ غَنائِمَ حُنَيْنٍ..
مُطَابقَة هَذَا أَيْضا ظَاهِرَة، وهدبة، بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد بن الْأسود الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: هداب، وَهَمَّام، بتَشْديد الْمِيم: ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْحَج فِي: بابُُ كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.


( بابٌُ إذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مالَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ وجَدَهُ المُسْلِمُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا غنم أهل الْحَرْب مَال مُسلم ثمَّ إِذا استولى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وَوجد ذَلِك الْمُسلم عين مَاله، هَل يَأْخُذهُ وَهُوَ أَحَق بِهِ؟ أَو يكون من الْغَنِيمَة؟ فَفِيهِ خلاف نذكرهُ الْآن، فَلذَلِك لم يذكر البُخَارِيّ جَوَاب: إِذا.



[ قــ :99 ... غــ :3067 ]
- قَالَ ابنُ نُمَيْرٍ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فأخَذَهُ العَدُوُّ فَظَهَرَ علَيْهِ المُسْلِمُون فَرُدَّ علَيْهِ فِي زَمَنِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بالرُّومِ فظَهَرَ علَيْهِمْ المُسْلِمُونِ فرَدَّهُ علَيْهِ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه جَوَاب لَهَا، وَابْن نمير، بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم مصغر نمر الْحَيَوَان الْمَشْهُور هُوَ عبيد الله بن نمير الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَعبيد الله عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي وَهَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لم يسمع من ابْن نمير، فَإِنَّهُ مَاتَ سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة.

وَوَصله أَبُو دَاوُد،.

     وَقَالَ : حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي وَالْحسن بن عَليّ قَالَا: حَدثنَا ابْن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: ذهب فرس لَهُ إِلَى آخِره نَحوه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا.
قَوْله: ( وَذهب فرس لَهُ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني ذهبت، لِأَن الْفرس تذكر وتؤنث، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَته: فَأَخذهَا، قَوْله: ( فِي زمن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن نمير: أَن قصَّة الْفرس فِي زمن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقصة العَبْد بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخَالفهُ يحي الْقطَّان عَن عبيد الله الْعمريّ كَمَا هِيَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة فِي الْبابُُ فَجَعلهَا مِمَّا بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، وَهِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة فِي الْبابُُ، فَصرحَ بِأَن قصَّة الْفرس كَانَت فِي زمن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: فِي وُقُوع ذَلِك فِي زمن أبي بكر وَالصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، متوافرون من غير إِنْكَار مِنْهُم كِفَايَة للاحتجاج بِهِ.
قَوْله: ( فَأَخذه الْعَدو) ، أَي: الْكَافِر من أهل الْحَرْب قَوْله ( فَظهر عَلَيْهِ) أَي غلب عَلَيْهِ قَوْله ( وأبق) أَي هرب وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث الشَّافِعِي وَجَمَاعَة أَن أهل الْحَرْب لَا يملكُونَ بالغلبة شَيْئا من مَال الْمُسلمين ولصاحبه أَخذه قبل الْقِسْمَة وَبعدهَا، وَعَن عَليّ وَالزهْرِيّ وَالْحسن وَعَمْرو بن دِينَار: لَا ترد إِلَى صَاحبهَا قبل الْقِسْمَة وَلَا بعْدهَا وَعَن عَليّ وَالزهْرِيّ وَالْحسن وَعَمْرو بن دِينَار لَا ترد الى صَاحبهَا قبل الْقِسْمَة وَلَا بعْدهَا وَهِي للجيش،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك: إِن صَاحبه، إِن علم بِهِ قبل الْقِسْمَة أَخذه بِغَيْر شَيْء، وَإِن أَصَابَهُ بعد الْقِسْمَة يَأْخُذهُ بِقِيمَتِه، وَهُوَ قَول عمر وَزيد بن ثَابت وَابْن الْمسيب وَعَطَاء وَالقَاسِم وَعُرْوَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة عَن عبد الْملك ابْن ميسرَة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا وجد بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْركُونَ أَصَابُوهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أصبته قبل أَن يقسم فَهُوَ لَك، وَإِن أصبته بَعْدَمَا قسم أَخَذته بِالْقيمَةِ.
فَإِن قلت: قَالَ أَحْمد فِيهِ: مَتْرُوك،.

     وَقَالَ  ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء،،.

     وَقَالَ  الْجوزجَاني: سَاقِط.
قلت: قَالَ أَحْمد: وَقد روى مسعر عَن عبد الْملك،.

     وَقَالَ  يحيى بن سعيد: سَأَلت مسعراً عَنهُ فَقَالَ: هُوَ من حَدِيث عبد الْملك، وَلَكِن لَا أحفظه.
.

     وَقَالَ  عَليّ بن الْمَدِينِيّ: روى عَن يحيى بن سعيد أَنه سَأَلَ مسعراً عَنهُ فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة عبد الْملك عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، فَدلَّ على أَنه قد رَوَاهُ غير الْحسن بن عمَارَة، فاستغنى عَن رِوَايَته لشهرته عَن عبد الْملك، على أَنا نقُول: قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْمُؤمن الْمروزِي، قَالَ: سَمِعت عَليّ بن يُونُس الْمروزِي يَقُول: سَمِعت جرير بن عبد الحميد، يَقُول: مَا ظَنَنْت أَنِّي أعيش إِلَى دهر يحدث فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق ويسكت فِيهِ عَن الْحسن بن عمَارَة،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين نَحْو مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمن مَعَه، فمما رُوِيَ عَنْهُم فِي ذَلِك مَا حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن عدي قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن رَجَاء بن حَيْوَة عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب: أَن عمر ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: فِيمَا أحرز الْمُشْركُونَ وأصابه الْمُسلمُونَ فَعرفهُ صَاحبه، قَالَ: إِن أدْركهُ قبل أَن يقسم فَهُوَ لَهُ، فَإِن جرت فِيهِ السِّهَام فَلَا شَيْء لَهُ.
فَإِن قلت: قبيصَة بن ذُؤَيْب لم يدْرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: يكون مُرْسلا فَيعْمل بِهِ، على أَن رَجَاء بن حَيْوَة روى أَن ابْن عُبَيْدَة كتب إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي هَذَا فَقَالَ: من وجد مَاله بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالثّمن الَّذِي حسب على من أَخذه، وَكَذَلِكَ إِن بيع ثمَّ قسم مِنْهُ فَهُوَ أَحَق بِالثّمن، وَالله أعلم.