فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من تكلم بالفارسية والرطانة

( بابُُ مَنْ تَكَلَّمَ بالْفَارِسِيَّةِ والرَّطَانَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ أَي: باللغة الفارسية نِسْبَة إِلَى فَارس بن عامور بن يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَذَا قَالَه عَليّ بن كيسَان النسابة، وَحكى الْهَمدَانِي قَالَ: فَارس الْكُبْرَى ابْن كومرث، وَمَعْنَاهُ: الْحَيّ النَّاطِق، وأليت بن أميم ابْن لاوذ بن سَام بن نوح،.

     وَقَالَ : المَسْعُودِيّ: من النَّاس من رأى أَن فَارس ابْن لامور بن سَام بن نوح، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّهُم من ولد هذرام بن أرفخشذ بن سَام بن نوح، وَأَنه ولد بضعَة عشر ولدا رجَالًا كلهم، كَانَ فَارِسًا شجاعاً فسموا الْفرس بالفروسية، وَكَانَ دينهم الصابئة ثمَّ تمجسوا وبنوا بيُوت النيرَان، وَكَانُوا أهل رياسة وسياسة وَحسن مملكة وتدبير للحرب وَوضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا، وَلَهُم الترسل والخطابة والنظافة وتأليف الطَّعَام وَالطّيب واللباس، وَمن كتبهمْ استملى النَّاس رسوم الْملك.
قَوْله: ( والرطانة) بِفَتْح الرَّاء، وَقيل: يجوز بِكَسْرِهَا وَهُوَ كَلَام غير الْعَرَبِيّ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْكَلَام بالأعجمية،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْأَفْعَال) : يُقَال: رطن رطانة إِذا تكلم بِكَلَام الْعَجم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هِيَ كَلَام لَا يفهم، ويخص بذلك كَلَام الْعَجم.

وقَوْلِهِ تَعالى { واخْتِلاَفُ ألْسِنَتِكُمْ وألْوَانِكُمْ} ( الرّوم: 22) .
{ وَمَا أرسَلْنَا من رَسُول إلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ} ( إِبْرَاهِيم: 4) .

ويروى:.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم} ( الرّوم: 22) .
وَقَبله: { وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين} ( الرّوم: 22) .
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الرّوم، أَي: وَمن آيَات الله تَعَالَى خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم أَي: لغاتكم وأجناس النُّطْق وأشكاله، خَالف تَعَالَى بَين هَذِه حَتَّى لَا تكَاد تسمع منطقين متفقين فِي هَمس وَاحِد، وَلَا جهارة وَلَا حِدة وَلَا رخاوة وَلَا فصاحة وَلَا لكنة وَلَا نظم وَلَا أسلوب وَلَا غير ذَلِك من صِفَات النُّطْق وأحواله، وَكَانَ أصل اخْتِلَاف اللُّغَات من هود، ألْقى الله على أَلْسِنَة كل فريق اللِّسَان الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ لَيْلًا، فَأَصْبحُوا لَا يحسنون غَيره.
قَوْله: ( وألوانكم) ، أَي: وَاخْتِلَاف ألوانكم فِي تخطيطها وتنويعها، ولاختلاف ذَلِك وَقع التعارف وَإِلَّا فَلَو اتّفقت وتشاكلت وَكَانَت ضربا وَاحِدًا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصَالح كَثِيرَة، وَرُبمَا رَأَيْت توأمين مشتبهين فِي الْحِلْية ويعروك الْخَطَأ فِي التَّمْيِيز بَينهمَا، وتعرف حِكْمَة الله فِي الْمُخَالفَة بَين الحلى.
قَوْله: { وَمَا أرسلنَا من رَسُول إلاَّ بِلِسَان قومه} ( إِبْرَاهِيم: 4) .
وَتَمام الْآيَة: { ليبين لَهُم فيضل الله من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} ( إِبْرَاهِيم: 4) .
وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ليبين لَهُم: أَي ليفقهوا عَنهُ مَا يَدعُوهُم إِلَيْهِ فَلَا تكون لَهُم حجَّة على الله، وَلَا يَقُولُوا: لم نفهم مَا خوطبنا بِهِ.
انْتهى.
وَكَانَ البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعرف الْأَلْسِنَة لِأَنَّهُ أرسل إِلَى الْأُمَم كلهَا على اخْتِلَاف ألسنتهم، فَجَمِيع الْأُمَم قومه بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُوم رسَالَته، فَاقْتضى أَن يعرف ألسنتهم ليفهم عَنْهُم ويفهموا عَنهُ وَالدَّلِيل على عُمُوم رسَالَته قَوْله تَعَالَى: { قل يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} ( الْأَعْرَاف: 851) .
بل إِلَى الثقلَيْن، وهم على أَلْسِنَة مُخْتَلفَة.



[ قــ :2932 ... غــ :3070 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ قَالَ أخبرَنا حَنْظَلَةُ بنُ أبي سُفْيانَ قَالَ أخبرنَا سَعيدُ بنُ مِيناءَ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ.

قُلْتُ يَا رسولَ الله ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنا وطحَنْتُ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ فتَعالَ أنْتَ ونَفَرٌ فصاحَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أهْلَ الخَنْدَقِ إنَّ جابِراً قَدْ صَنَعَ سُؤْراً فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِن جَابِرا قد صنع سوراً) وَهُوَ بِضَم السِّين وَسُكُون الْوَاو، وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يدعى إِلَيْهِ، وَقيل: الطَّعَام مُطلقًا وَهِي لَفْظَة فارسية، وَقيل: السؤر الْوَلِيمَة، بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقيل: السُّور بلغَة الْحَبَشَة: الطَّعَام، لَكِن الْعَرَب تَكَلَّمت بهَا فَصَارَت من كَلَامهَا، وَأما السؤر بِالْهَمْزَةِ فَهُوَ: بَقِيَّة من مَاء أَو طَعَام أَو غير ذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد هَهُنَا إلاَّ الأول.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي.
الثَّانِي: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: حَنْظَلَة بن سُفْيَان الجُمَحِي الْقرشِي، من أهل مَكَّة وَاسم أبي حَنْظَلَة: الْأسود بن عبد الرَّحْمَن.
الرَّابِع: سعيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون مَقْصُورا وممدوداً، أَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ.
الْخَامِس: جَابر بن عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عَمْرو بن عَليّ أَيْضا، وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن حجاج بن الشَّاعِر.

قَوْله: ( ذبحنا بَهِيمَة) ، قَالَ الدَّاودِيّ: الْبَهِيمَة من الْأَنْعَام،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: البهم صغَار الْغنم.
قلت: البهم، بِفَتْح الْبَاء جمع بهمة، وَهِي ولد الضان الذّكر وَالْأُنْثَى، وَجمع البهم: بهام.
قَوْله: ( فتعال) ، صِيغَة أَمر يُخَاطب بِهِ جَابر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَنَفر) أَي: مَعَ نفر.
قَوْله: ( فحي هلا بكم) ، مركب من: حَيّ وَهل، وَقد يبْنى على الْفَتْح، وَقد يُقَال: حيهلا، بِالتَّنْوِينِ، وحيهلا بِلَا تَنْوِين، وَعَلَيْهَا الرِّوَايَة أَي: عَلَيْكُم بِكَذَا، أَو ادعوكم، أَو اقْبَلُوا، أَو أَسْرعُوا بِأَنْفُسِكُمْ.
وَجَاء: حيهل بِسُكُون اللَّام، وحيهل بِسُكُون الْهَاء وَفتح اللَّام مَعَ الْألف وَبِدُون الْألف، وحيهلا بِسُكُون الْهَاء وبالتنوين، وَجَاء معدياً بِنَفسِهِ، وبالباء، وبالى وبعلى.
وَيسْتَعْمل: حَيّ، وَحده بِمَعْنى: أقبل، و: هلا، وَحده بِمَعْنى: أسكن.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: معنى قَوْله: إِذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، أَي: أدع عمر، وَقيل: مَعْنَاهُ: اقْبَلُوا على ذكر عمر،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : تَقول: حَيّ على كَذَا، أَي: هَلُمَّ وَأَقْبل، وَيُقَال: حَيّ علا، وَقيل: حَيّ هَلُمَّ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ، قَوْله: فَحَيَّهَلا بكم، أَي: أَقبلُوا أَهلا بكم أتيتم أهلكم.





[ قــ :933 ... غــ :3071 ]
- حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوساى قَالَ أخْبَرَنا عبدُ الله عنْ خَالِد بنَ سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أُمِّ خالِدٍ بِنْتِ خالِدِ بنِ سعيدٍ قالَتْ أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أبي وعَلَيَّ قَمِيصٌ أصْغَرُ قَالَ رسوُلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِنَهْ سَنَهْ قالَ عَبْدُ الله وهْيَ بالحَبَشِيَّةِ حَسَنةٌ قالَتْ فذَهَبْتُ ألْعَبُ بِخاتَمِ النُّبُوَّةِ فزَبَرَنِي أبي قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعْهَا ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْلِي وأخْلِقِي ثُمَّ أبْلِي وأخْلِقِي ثُمَّ أبْلِي وأخْلِقِي قَالَ عَبْدُ الله فبَقِيَتْ حتَّى ذكِرَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( سنه سنه) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سناه سناه، بِزِيَادَة الْألف وَالْهَاء فيهمَا للسكت، وَقد يحذف.
وَفِي ( الْمطَالع) : هُوَ بِفَتْح النُّون الْخَفِيفَة عِنْد أبي ذَر، وَشَدَّدَهَا الْبَاقُونَ، وَهِي: بِفَتْح أَوله للْجَمِيع إلاَّ الْقَابِسِيّ فَكَسرهُ، ويروى: سناه وسناه، مَعْنَاهُ بالحبشية: حَسَنَة، كَمَا فسره فِي الحَدِيث، وَهُوَ الرطانة بِغَيْر الْعَرَبِيّ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي.
الثَّالِث: خَالِد بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، أَخُو إِسْحَاق بن سعيد الْقرشِي الْأمَوِي، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَقد ذكره عَنهُ مرَارًا، يرْوى عَن أَبِيه وَهُوَ الرَّابِع.
الْخَامِس: أم خَالِد، اسْمهَا: أمة بِفَتْح الْهمزَة بنت خَالِد، مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر، قَالَ الذَّهَبِيّ: أمة أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ الأموية، ولدت بِالْحَبَشَةِ، تزَوجهَا الزبير فَولدت لَهُ خَالِدا وعمراً،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِي طبقَة خَالِد بن سعيد بن عمر وخَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم الْمدنِي، لَكِن لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَلَا لِابْنِ الْمُبَارك عَنهُ رِوَايَة، وَزعم الْكرْمَانِي أَن شيخ ابْن الْمُبَارك هُنَا هُوَ خَالِد بن الزبير بن الْعَوام، وَلَا أَدْرِي من أَيْن لَهُ ذَلِك؟ قلت: عبارَة الْكرْمَانِي هَكَذَا، وَاعْلَم أَن لفظ: خَالِد، مَذْكُور هُنَا ثَلَاث مَرَّات، وَالثَّانِي غير الأول، وَهُوَ خَالِد بن الزبير بن الْعَوام، وَالثَّالِث غَيرهمَا، وَهُوَ خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ.
انْتهى.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي: إِن شيخ ابْن الْمُبَارك هُنَا هُوَ خَالِد ابْن الزبير بن الْعَوام، بل قَالَ الثَّانِي غير الأول، وَأَرَادَ بِهِ خَالِدا فِي قَوْله: أم خَالِد، وَلَا شكّ أَن خَالِدا هَذَا هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا قَالَه الذَّهَبِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن أبي نعيم وَعَن أبي الْوَلِيد، وَفِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن الْحميدِي وَفِي الْأَدَب عَن حبَان عَن عبد الله أَيْضا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن إِسْحَاق بن الْجراح الأذني.

قَوْله: ( بِخَاتم النُّبُوَّة) وَهُوَ مَا كَانَ مثل زر الحجلة بَين كَتِفي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( فزبرني) بالزاي وبالباء الْمُوَحدَة وَالرَّاء: من الزبر، وَهُوَ النَّهْي عَن الْإِقْدَام على مَا لَا يَنْبَغِي.
قَوْله: ( دعها) ، أَي: اتركها.
قَوْله: ( أبلي) من أبليت الثَّوْب إِذا جعلته عتيقاً، وَيُقَال: الْبلَاء للخير وَالشَّر، لِأَن أَصله الاختبار، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْخَيْر مُقَيّدا.
قَوْله: ( واخلقي) ، من بابُُ الْأَفْعَال بِمَعْنى: أبلى، وَيجوز أَن يكون كِلَاهُمَا من الثلاثي إِذا خلق بِالضَّمِّ، وأخلق بِمَعْنى، وَكَذَلِكَ: بلَى وأبلى، وَلَيْسَ ذَلِك من عطف الشَّيْء على نَفسه، لِأَن فِي الْمَعْطُوف تَأْكِيدًا وتقوية لَيْسَ فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى { كلا سيعلمون ثمَّ كلا سيعلمون} ( النبأ: 4 و 5) .
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أخلفي، بِالْفَاءِ، وَالْمَشْهُور: بِالْقَافِ، من إخلاق الثَّوْب،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْعين) : معنى: أبل وأخلق، أَي: عش فخرق ثِيَابك وارقعها.
قَوْله: ( قَالَ عبد الله) هُوَ ابْن الْمُبَارك،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا أَبُو عبد الله أَي: البُخَارِيّ قَوْله: ( فَبَقيت) ، أَي: أم خَالِد.
قَوْله: ( حَتَّى ذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْقَمِيص، ويروى: على صِيغَة بِنَاء الْفَاعِل وَالضَّمِير للقميص أَيْضا، أَي: حَتَّى ذكر دهراً.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو يكون الضَّمِير للراوي وَنَحْوه، أَي: حَتَّى ذكر الرَّاوِي مَا نسي طول مدَّته، ويروى: حَتَّى ذكرت، بِلَفْظ بِنَاء الْمَعْلُوم أَي: بقيت حَتَّى ذكرت دهراً طَويلا.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا بِلَفْظ الْمَجْهُول أَي: حَتَّى صَارَت مَذْكُورَة عِنْد النَّاس لخروجها عَن الْعَادة، وَرِوَايَة أبي الْهَيْثَم: حَتَّى دكن، بدال مُهْملَة وَنون فِي آخِره من: الدكنة، وَهِي غبرة من طول مَا لبس فاسودَّ لَونه، وَرجحه أَبُو ذَر وَفِي بعض النّسخ: فَذكر دهراً، وَلَفظ: دهراً، مَحْذُوف فِي كتاب ابْن بطال، وَذكره ابْن السكن، وَهُوَ تَفْسِير لهَذِهِ الرِّوَايَة، كَأَنَّهُ أَرَادَ: بَقِي هَذَا الْقَمِيص مُدَّة طَوِيلَة من الزَّمَان فنسيها الرَّاوِي، فَعبر عَنْهَا بقوله: ذكر دهراً، أَي: زَمَانا بِحَسب تحديده.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز لبس الْقَمِيص الْأَصْفَر، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر على وَالِد أم خَالِد.
وَفِيه: الْمُسَامحَة للأطفال فِي اللّعب بِحَضْرَة آبَائِهِم وَغَيرهم، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خلق عَظِيم.
وَفِيه: الدُّعَاء لمن يلبس جَدِيدا بقوله: إبلي واخلقي، أَو إبلِ وأخلق للابس.
وَفِيه: جَوَاز الرطانة بِغَيْر الْعَرَبيَّة، لِأَن الْكَلَام بِغَيْر الْعَرَبيَّة يحْتَاج الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ للتكلم مَعَ رسل الْعَجم، وَقد أمَّر الشَّارِع زيد بن ثَابت بِكَلَام الْعَجم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: إِنَّمَا يكره أَن يتَكَلَّم بالعجمية إِذا كَانَ بعض من حضر لَا يفهمها، فَيكون كمناجي الْقَوْم دون الثَّالِث، قَالَ الدَّاودِيّ: إِذا لم يعرفهَا اثْنَان فَأكْثر يلْزم أَن يجوز ذَلِك.





[ قــ :934 ... غــ :307 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ أخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فجَعَلَها فِي فِيهِ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالفَارِسِيَّةِ كَخْ كَخْ أما تَعْرِفُ أنَّا لَا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ.
( انْظُر الحَدِيث 5841 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( كخ كخ) ، وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وبالتنوين مَعَ الْكسر وَبِغير تَنْوِين، وَهِي كلمة يزْجر بهَا الصّبيان من المستقذرات، يُقَال لَهُ: كخ، أَي: اتركها وارمِ بهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: يُقَال: كخ بكخ كخا، إِذا نَام فَقَط.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: كلمة أَعْجَمِيَّة عربت، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة.

والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ مَا يذكر فِي الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ رُوِيَ هُنَاكَ: عَن آدم عَن شُعْبَة، وَهنا بَينه وَبَين شُعْبَة اثْنَان.
قَالَ الْكرْمَانِي: وللمنازع أَن يُنَازع فِي كَون هَذِه الْأَلْفَاظ أَعْجَمِيَّة.
أما السُّور فلاحتمال أَن يكون من بابُُ توَافق اللغتين كالصابون.
وَأما: سنه، فَيحْتَمل أَن يكون أَصله حَسَنَة، فَحذف من أَوله الْحَاء كَمَا حذف، هدفي قَوْلهم: كفى بِالسَّيْفِ شا، أَي: شَاهدا.
وَأما كخ فَهُوَ من بابُُ الْأَصْوَات قلت: الْكل لَا يَخْلُو عَن نظر.
أما الأول: فاحتمال وَبِه لَا تثبت اللُّغَة.
وَأما الثَّانِي: فَلَا يجوز التَّرْخِيم فِي أول الْكَلِمَة، وَأما الثَّالِث: فَلِأَنَّهُ من أَسمَاء الْأَفْعَال.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا مُنَاسبَة هَذِه الْأَحَادِيث لكتاب الْجِهَاد؟ فَقَالَ: أما الحَدِيث الأول فَظَاهر لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَوْم الخَنْدَق، وَأما الْآخرَانِ فبالتبعية.
قلت: كَونه فِي الخَنْدَق لَا يسْتَلْزم أَن يكون مُتَعَلقا بِأُمُور الْجِهَاد.
أَقُول: يُمكن أَن يُقَال: إِن للتَّرْجَمَة تعلقاً مَا بِكِتَاب الْجِهَاد، وَهُوَ أَن الإِمَام إِذا أَمن أهل الْحَرْب بلسانهم ولغتهم يكون ذَلِك أَمَانًا، لِأَن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا.
فَافْهَم.