فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب القليل من الغلول

( بابُُ القَلِيلِ مِنَ الغُلُولِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْقَلِيل من الْغلُول، هَل هُوَ مثل حكم الْكثير أم لَا؟ وَحكمه أَنه مثله.

ولَمْ يَذْكُرْ عبدُ الله بنُ عَمْرٍ وعنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ حَرَّقَ مَتاعَهُ وهَذا أصَحُّ
أَي: لم يذكر عبد الله بن عَمْرو فِي حَدِيثه الَّذِي يَأْتِي فِي هَذَا الْبابُُ الَّذِي رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حرق مَتَاعه، أَي: مَتَاع الرجل الَّذِي يُقَال لَهُ كركرة الَّذِي وجد عِنْده عباءة وَقد غلها، وَالْحَاصِل من هَذَا أَن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن حرق مَتَاع الغال ورحله لَا يجوز، وَأَن الْعَمَل على مَنعه، وَأَنه هُوَ الصَّحِيح، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله.
وَهَذَا أصح.
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: عدم ذكر التحريق أصح من ذكره.
قلت: لما روى عَن عبد الله بن عَمْرو حديثان.
أَحدهمَا: حَدِيث الْبابُُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر التحريق.
وَالْآخر: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة اللَّيْثِيّ الْمدنِي.
قَالَ: دخلت مَعَ مسلمة بن عبد الْملك أَرض الرّوم.
فَأتي بِرَجُل قد غل، فَسَأَلَ سالما، أَي: ابْن عبد الله بن عمر، عَنهُ، قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن عَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا وجدْتُم الرجل غل فأحرقوا مَتَاعه، وَفِيه صَالح بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ ضَعِيف، ضعفه يحيى وَالدَّارَقُطْنِيّ،.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: يحتجون بِهَذَا الحَدِيث فِي إحراق رَحل الغال، وَهُوَ بَاطِل لَيْسَ لَهُ أصل، وَرُوَاته لَا يعْتَمد عَلَيْهِم، وَأَن الصَّحِيح هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذكر التحريق، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَهَذَا أصح.
وَقيل: حُكيَ عَن الْأصيلِيّ أَن الْمَذْكُور هُنَا: وَيذكر عَن عبد الله بن عَمْرو، بِصِيغَة بِنَاء الْمَجْهُول بدل قَوْله: وَلم يذكر عبد الله بن عَمْرو، فَإِن صَحَّ هَذَا يكون قَوْله: وَهَذَا أصح، إِشَارَة إِلَى أَن حَدِيث الْبابُُ الَّذِي لم يذكر فِيهِ التحريق أصح من الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا بِصِيغَة التمريض، وَهِي قَوْله: وَيذكر، على بِنَاء الْمَجْهُول.
وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فقد أخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عَوْف عَن مُوسَى بن أَيُّوب عَن وليد بن مُسلم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حرقوا مَتَاع الغال وضربوه.



[ قــ :2936 ... غــ :3074 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وعنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  كانَ علَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلٌ يُقالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَماتَ فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فِي النَّارِ فذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فوَجَدُوا عَباءَةً قدْ غَلَّها.


مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: ( فوجدوا عباءة) لِأَنَّهَا قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهَا من الْأَمْتِعَة والنقدين، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَار.

قَوْله: ( على ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف: وهوالعيال، وَمَا يثقل حمله من الْأَمْتِعَة، وَيُقَال: الثّقل مَتَاع الْمُسَافِر.
قَوْله: ( هُوَ فِي النَّار) ، قَالَ ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ يحْتَمل أَن يكون هَذَا جَزَاؤُهُ إلاَّ أَن يعْفُو الله، وَيحْتَمل أَن يُصِيبهُ فِي الْقَبْر، ثمَّ ينجو من جَهَنَّم، وَيحْتَمل أَن يكون وَجَبت لَهُ النَّار من نفاق كَانَ يسره أَو بذنب مَاتَ عَلَيْهِ مَعَ غلوله أَو بِمَا غل، فَإِن مَاتَ مُسلما فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله قَالَ ابنُ سَلامٍ كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الكَافِ وهْوَ مَضْبُوط كَذَا
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، بتَخْفِيف اللاَّم شيخ البُخَارِيّ، رَحمَه الله.
وَاخْتلف فِي ضبط كركرة، فَذكر عِيَاض أَنه بِفَتْح الكافين وكسرهما،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِنَّمَا اخْتلف فِي كافه الأولى، وَأما الثَّانِيَة فمكسورة اتِّفَاقًا.
وَنقل البُخَارِيّ عَن شَيْخه مُحَمَّد بن سَلام أَنه رَوَاهُ عَن ابْن عُيَيْنَة: كركرة، بِفَتْح الْكَاف، وَصرح بذلك الْأصيلِيّ فِي رِوَايَته أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَهُوَ مضبوط كَذَا، يَعْنِي: بِفَتْح الْكَاف،.

     وَقَالَ  عِيَاض: هُوَ عِنْد الْأَكْثَرين بِالْفَتْح فِي رِوَايَة عَليّ بن عبد الله، وبالكسر فِي رِوَايَة ابْن سَلام، وَعند الْأصيلِيّ بِالْكَسْرِ فِي الأول،.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ: لم يكن عِنْد الْمروزِي فِيهِ ضبط، إلاَّ أَنِّي أعلم أَن الأول خلاف الثَّانِي.