فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا، مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

( بابُُ بَرَكَةِ الغَازِي فِي مالِهِ حيَّاً ومَيِّتاً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووُلاَةِ الأمْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان بركَة الْغَازِي ... إِلَى آخِره.
الْبركَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَأْخُوذَة فِي الأَصْل من: برك الْبَعِير إِذا: ناخ فِي مَوضِع، فَلَزِمَهُ وَيُطلق أَيْضا على الزِّيَادَة وَفِي ديوَان الْأَدَب: الْبركَة الزياة والنمو، وتبرك بِهِ أَي: تيمن، وَقيل: صحفها بَعضهم فَقَالَ: تَرِكَة الْغَازِي، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ وَإِن كَانَ متجهاً بِاعْتِبَار أَن فِي الْقِصَّة ذكر مَا خَلفه الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَكِن قَوْله: ( حَيا وَمَيتًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر) يدل على أَن الصَّوَاب مَا وَقع عِنْد الْجُمْهُور بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: هَذَا يشبه أَن يكون من بابُُ الْقلب، لِأَن الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال: بابُُ بركَة مَال الْغَازِي، قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا لِأَن الْمَعْنى: بابُُ الْبركَة الْحَاصِلَة للغازي فِي مَاله.
قَوْله: ( حَيا) ، نصب على الْحَال أَي: فِي حَال كَونه حَيا.
وَقَوله: ( وَمَيتًا) عطف عَلَيْهِ أَي: وَفِي حَال مَوته قَوْله مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَلَّق بقوله: الْغَازِي، والولاة، بِالضَّمِّ جمع وَالِي.


[ قــ :2988 ... غــ :3129 ]
- ( حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ قلت لأبي أُسَامَة أحدثكُم هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه فَقَالَ يَا بني إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما وَإِن من أكبر همي لديني أفترى يبقي ديننَا من مالنا شَيْئا فَقَالَ يَا بني بِعْ مَا لنا فَاقْض ديني وأوصي بِالثُّلثِ وَثلثه لِبَنِيهِ يَعْنِي عبد الله بن الزبير يَقُول ثلث الثُّلُث فَإِن فضل من مالنا فضل بعد قَضَاء الدّين شَيْء فثلثه لولدك قَالَ هِشَام وَكَانَ بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وَعباد وَله يَوْمئِذٍ تِسْعَة بَنِينَ وتسع بَنَات قَالَ عبد الله فَجعل يوصيني بِدِينِهِ وَيَقُول يَا بني إِن عجزت عَنهُ فِي شَيْء فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مولَايَ قَالَ فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت يَا أَبَة من مَوْلَاك قَالَ الله قَالَ فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربَة من دينه إِلَّا قلت يَا مولى الزبير اقْضِ عَنهُ دينه فيقضيه فَقتل الزبير رَضِي الله عَنهُ وَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما إِلَّا أَرضين مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ ودارين بِالْبَصْرَةِ ودارا بِالْكُوفَةِ ودارا بِمصْر قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه فَيَقُول الزبير لَا وَلكنه سلف فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة وَمَا ولي إِمَارَة قطّ وَلَا جباية خراج وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم.
قَالَ عبد الله بن الزبير فحسبت مَا عَلَيْهِ من الدّين فَوَجَدته ألفي ألف ومائتي ألف قَالَ فلقي حَكِيم بن حزَام عبد الله بن الزبير فَقَالَ يَا ابْن أخي كم على أخي من الدّين فكتمه فَقَالَ مائَة ألف فَقَالَ حَكِيم وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع لهَذِهِ فَقَالَ لَهُ عبد الله أفرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف قَالَ مَا أَرَاكُم تطيقون هَذَا فَإِن عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي قَالَ وَكَانَ الزبير اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف ثمَّ قَامَ فَقَالَ من كَانَ لَهُ على الزبير حق فليوافنا بِالْغَابَةِ فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر وَكَانَ لَهُ على الزبير أَرْبَعمِائَة ألف فَقَالَ لعبد الله إِن شِئْتُم تركتهَا لكم قَالَ عبد الله لَا قَالَ فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخرتم فَقَالَ عبد الله لَا قَالَ قَالَ فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة فَقَالَ عبد الله لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا قَالَ فَبَاعَ مِنْهَا فَقضى دينه فأوفاه وَبَقِي مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان وَالْمُنْذر بن الزبير وَابْن زَمعَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة كم قومت الغابة قَالَ كل سهم مائَة ألف قَالَ كم بَقِي قَالَ أَرْبَعَة أسْهم وَنصف قَالَ الْمُنْذر بن الزبير قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف قَالَ عَمْرو بن عُثْمَان قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف.

     وَقَالَ  ابْن زَمعَة قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف فَقَالَ مُعَاوِيَة كم بَقِي فَقَالَ سهم وَنصف قَالَ أَخَذته بِخَمْسِينَ وَمِائَة ألف قَالَ وَبَاعَ عبد الله بن جَعْفَر نصِيبه من مُعَاوِيَة بستمائة ألف فَلَمَّا فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه قَالَ بَنو الزبير اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا قَالَ لَا وَالله لَا أقسم بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين أَلا من كَانَ لَهُ على الزبير دين فليأتنا فلنقضه قَالَ فَجعل كل سنة يُنَادي بِالْمَوْسِمِ فَلَمَّا مضى أَربع سِنِين قسم بَينهم قَالَ فَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة وَرفع الثُّلُث فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف وَمِائَتَا ألف فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله وَمَا ولي إِمَارَة إِلَى قَوْله وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ أَن الْبركَة الَّتِي كَانَت فِي مَال الزبير من كَونه غازيا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكَون الْبركَة فِي حَيَاته وَبعد مَوته تظهر عِنْد التَّأَمُّل فِي قصَّته ( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد يعرف بِابْن رَاهَوَيْه الْحَنْظَلِي الْمروزِي الثَّانِي أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الرَّابِع عُرْوَة بن الزبير الْخَامِس عبد الله بن الزبير السَّادِس الزبير بن الْعَوام أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وحواري رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْن عمته صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَاجَر الهجرتين وَأسلم وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَهُوَ أول من سل سَيْفا فِي سَبِيل الله وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع مَعَ الِاسْتِفْهَام وَهُوَ قَوْله أحدثكُم هِشَام وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَرِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ لِأَن عُرْوَة وَعبد الله أَخَوان ابْنا الزبير بن الْعَوام ( ذكر رجال هَذَا الحَدِيث) هَذَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَذكره أَصْحَاب الْأَطْرَاف فِي مُسْند الزبير وَالْأَشْبَه أَن يكون من مُسْند ابْنه عبد الله وَكله مَوْقُوف غير قَوْله وَمَا ولي إِمَارَة وَلَا جباية خراج وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهَذَا الْمِقْدَار فِي حكم الْمَرْفُوع وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن جوَيْرِية حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن عبد الله وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عُرْوَة قَالَ أوصى الزبير إِلَى ابْنه عبد الله صَبِيحَة الْجمل فَقَالَ مَا مني عُضْو إِلَّا وَقد جرح مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى انْتهى ذَلِك إِلَى فرجه وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي طبقاته فِي قتل الزبير ووصيته بِدِينِهِ وَثلث مَاله عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة نَحْو حَدِيث البُخَارِيّ وَطوله غير أَنه خَالفه فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ قَوْله أصَاب كل امْرَأَة من نِسَائِهِ ألف ألف وَمِائَة ألف لَا كَمَا فِي البُخَارِيّ مِائَتَا ألف وعَلى هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصح قسْمَة خمسين ألف ألف ومائتي ألف على دينه ووصيته وورثته وَإِنَّمَا يَصح قسمتهَا أَن لَو كَانَ لكل امْرَأَة ألف ألف فَيكون الثّمن أَرْبَعَة آلَاف ألف فَتَصِح قسْمَة الْوَرَثَة من اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألف ألف ثمَّ يُضَاف إِلَيْهَا الثُّلُث سِتَّة عشرَة ألف ألف فَتَصِير الجملتان ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ألف ألف ثمَّ يُضَاف إِلَيْهَا الدّين ألف ألف وَمِائَتَا ألف وَمِنْهَا تصح وَرِوَايَة ابْن سعد تصح من خَمْسَة وَخمسين ألف ألف وَرِوَايَة البُخَارِيّ تصح من تِسْعَة وَخمسين أَو اثْنَيْنِ وَخمسين ألف ألف ومائتي ألف فَهَذِهِ تركته عِنْد مَوته لَا مَا زَاد عَلَيْهَا بعد مَوته من غلَّة الْأَرْضين والدور فِي مُدَّة أَربع سِنِين قبل قسْمَة التَّرِكَة وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن أبي بكر بن سُبْرَة عَن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ كَانَ قيمَة مَا ترك الزبير أحدا وَخمسين أَو اثْنَيْنِ وَخمسين ألف ألف وروى ابْن سعد عَن القعْنبِي عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ قسم مِيرَاث الزبير على أَرْبَعِينَ ألف ألف وَذكر الزبير بن بكار عَن عبد الله بن مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير فِي بني عدي عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل زوج الزبير أَن عبد الله بن الزبير أرسل إِلَيْهَا بِثَمَانِينَ ألف دِرْهَم وقبضتها وصالحت عَلَيْهَا قَالَ الدمياطي وَبَين قَول الزبير بن بكار هَذَا وَبَين قَول غَيره بون بعيد وَالْعجب من الزبير مَعَ سَعَة علمه فِيهِ وتنفيره عَنهُ كَيفَ خَفِي عَلَيْهِ وَمَا تصدى لتحرير ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي ( ذكر بَيَان قصَّة وقْعَة الْجمل) ملخصة مختصرة كَانَت وقْعَة الْجمل عَام سِتَّة وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ قتل عُثْمَان بن عَفَّان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَكَانَت عَائِشَة بِمَكَّة وَكَذَلِكَ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قد خرجن إِلَى الْحَج فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِرَارًا من الْفِتْنَة وَلما بلغ أهل مَكَّة أَن عُثْمَان قد قتل أقمن بِمَكَّة ثمَّ لما بُويِعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ أحظى النَّاس عِنْده بِحكم الْحَال لَا عَن اخْتِيَار عَليّ لذَلِك رُؤْس أُولَئِكَ الَّذين قتلوا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وفر جمَاعَة من بني أُميَّة وَغَيرهم إِلَى مَكَّة وَخرج طَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الاعتمار وتبعهم خلق كثير وجم غفير وَقدم إِلَى مَكَّة أَيْضا فِي هَذِه الْأَيَّام يعلى بن أُميَّة وَمَعَهُ سِتّمائَة ألف ألف دِرْهَم وسِتمِائَة بعير فَأَنَاخَ بِالْأَبْطح وَقيل كَانَ مَعَه سِتّمائَة ألف دِينَار وَقدم ابْن عَامر من الْبَصْرَة بِأَكْثَرَ من ذَلِك فَاجْتمع بَنو أُميَّة بِالْأَبْطح وَقَامَت عَائِشَة فِي النَّاس تحضهم على الْقيام بِطَلَب دم عُثْمَان وطاوعوها فِي ذَلِك وَخَرجُوا وتوجهوا نَحْو الْبَصْرَة وَكَانَت عَائِشَة تحمل فِي هودج على جمل اسْمه عَسْكَر اشْتَرَاهُ يعلى بن أُميَّة من رجل من عرينة بِمِائَتي دِينَار وَكَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي يدلهم على الطَّرِيق وَكَانُوا لَا يَمرونَ على مَاء وَلَا وَاد إِلَّا سَأَلُوهُ عَنهُ حَتَّى وصلوا إِلَى مَوضِع يُسمى حوءب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْهمزَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَهُوَ مَاء قريب من الْبَصْرَة فنبحت كلابه فَقَالُوا أَي مَاء هَذَا قَالَ الدَّلِيل هَذَا مَاء الحوءب فحين سَمِعت عَائِشَة بذلك صرخت بِأَعْلَى صَوتهَا وَضربت عضد بَعِيرهَا فأناخته فَقَالَت أَنا وَالله صَاحِبَة الحوءب ردوني ردوني تَقول ذَلِك فأناخوا حولهَا وهم على ذَلِك وَهِي تأبى الْمسير حَتَّى إِذا كَانَت السَّاعَة الَّتِي أناخت فِيهَا من الْغَد جاءها عبد الله بن الزبير فَقَالَ النَّجَاء النَّجَاء فقد أدرككم عَليّ ابْن أبي طَالب فَعِنْدَ ذَلِك رحلوا وَأما حَدِيث الحوءب فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَائِشَة قَالَت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لي ذَات يَوْم كَيفَ بإحداكن إِذا نبحتها كلاب الحوءب فَعرفت الْحَال عِنْد ذَلِك فَأَرَادَتْ الرُّجُوع وَأما عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ خرج فِي آخر شهر ربيع الآخر فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْمَدِينَة فِي تِسْعمائَة مقَاتل وَقيل لما بلغ عليا مسير عَائِشَة وَطَلْحَة وزبير إِلَى الْبَصْرَة سَار نحوهم فِي أَرْبَعَة آلَاف من أهل الْمَدِينَة فيهم أَرْبَعمِائَة مِمَّن بَايعُوا تَحت الشَّجَرَة وَثَمَانمِائَة من الْأَنْصَار ورايته مَعَ ابْنه مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وعَلى ميمنته الْحسن بن عَليّ وعَلى ميسرته الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْخَيل عمار بن يَاسر وعَلى الرجالة مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وعَلى مقدمته عبد الله بن عَبَّاس ثمَّ اجْتَمعُوا كلهم عِنْد قصر عبيد الله بن زِيَاد وَنزل النَّاس فِي كل نَاحيَة وَقد اجْتمع مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عشرُون ألفا والتفت على عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَمن مَعهَا نَحْو من ثَلَاثِينَ ألفا وَقَامَت الْحَرْب على سَاقهَا فتصافوا وتصاولوا وتجاولوا وَكَانَ من جملَة من يبارز الزبير وعمار فَحمل عمار نَحوه بِالرُّمْحِ وَالزُّبَيْر كَاف عَنهُ لقَوْل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقتلك الفئة الباغية وَقتل نَاس كثير وَرجع الزبير عَن الْقِتَال.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ كَانَ زِمَام الْجمل بيد كَعْب بن سور وَمَا كَانَ يَأْخُذ زِمَام الْجمل إِلَّا من هُوَ مَعْرُوف بالشجاعة مَا أَخذه أحد إِلَّا قتل وَحمل عَلَيْهِ عدي بن حَاتِم وَلم يبْق إِلَّا عقره ففقئت عين عدي وَاجْتمعَ بَنو ضبة عِنْد الْجمل وقاتلوا دونه قتالا لم يسمع مثله فَقطعت عِنْده ألف يَد وَقتل عَلَيْهِ ألف رجل مِنْهُم.

     وَقَالَ  ابْن الزبير جرحت على زِمَام الْجمل سَبْعَة وَثَلَاثِينَ جِرَاحَة وَمَا أحد أَخذ بِرَأْسِهِ إِلَّا قتل أَخذه عبد الرَّحْمَن بن عتاب فَقتل ثمَّ أَخذه الْأسود بن البحتري فَقتل وعد جمَاعَة وَغلب ابْن الزبير من الْجِرَاحَات فَألْقى نَفسه بَين الْقَتْلَى ثمَّ وصلت النبال إِلَى هودج أم الْمُؤمنِينَ فَجعلت تنادي الله الله يَا بني اذْكروا يَوْم الْحساب وَرفعت يَديهَا تَدْعُو على أُولَئِكَ الْقَوْم من قتلة عُثْمَان فَضَجَّ النَّاس مَعهَا بِالدُّعَاءِ وَأُولَئِكَ النَّفر لَا يقلعون عَن رشق هودجها بالنبال حَتَّى بَقِي مثل الْقُنْفُذ فَجعلت الْحَرْب تَأْخُذ وَتُعْطِي فَتَارَة لأهل الْبَصْرَة وَتارَة لأهل الْكُوفَة وَقتل خلق كثير وَلم تَرَ وقْعَة أَكثر من قطع الْأَيْدِي والأرجل فِيهَا من هَذِه الْوَقْعَة ثمَّ حملت عَلَيْهِ السائبة وَالْأَشْتَر يقدمهَا وَحمل بجير بن ولجة الضَّبِّيّ الْكُوفِي وَقطع بطانه وعقره وَقطع ثَلَاث قَوَائِم من قوائمه فبرك وَوَقع الهودج على الأَرْض ووقف عَلَيْهَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أُمَّاهُ فَقَالَت وَعَلَيْك السَّلَام يَا بني فَقَالَ يغْفر الله لَك فَقَالَت وَلَك وَانْهَزَمَ من كَانَ حوله من النَّاس وَأمر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يحملوا الهودج من بَين الْقَتْلَى وَأمر مُحَمَّد بن أبي بكر وعمار بن يَاسر أَن يضربا عَلَيْهِ قبَّة وَلما كَانَ آخر اللَّيْل خرج مُحَمَّد بعائشة فَأدْخلهَا الْبَصْرَة وأنزلها فِي دَار عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ وبكت عَائِشَة بكاء شَدِيدا.

     وَقَالَ ت وددت أَنِّي مت قبل هَذَا الْيَوْم بِعشْرين سنة وَجَاء وُجُوه النَّاس من الْأُمَرَاء والأعيان يسلمُونَ عَلَيْهَا ثمَّ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَقَامَ بِظَاهِر الْكُوفَة ثَلَاثَة أَيَّام وَصلى على الْقَتْلَى من الْفَرِيقَيْنِ.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ قتل من أَصْحَاب عَائِشَة ثَمَانِيَة آلَاف وَقيل ثَلَاثَة عشر ألفا وَمن أَصْحَاب عَليّ ألف وَقيل قتل من أهل الْبَصْرَة عشرَة آلَاف وَمن أهل الْكُوفَة خَمْسَة آلَاف وَكَانَ فِي جملَة الْقَتْلَى طَلْحَة بن عبيد الله أحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ ثمَّ دخل على الْبَصْرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثمَّ جهز عَائِشَة أحسن الجهاز بِكُل شَيْء يَنْبَغِي لَهَا من مركب وَزَاد ومتاع وَأخرج مَعهَا كل من نجا من الْوَقْعَة مِمَّن خرج مَعهَا وَاخْتَارَ لَهَا أَرْبَعِينَ امْرَأَة من نسَاء أهل الْبَصْرَة المعروفات ووقف عَليّ مَعهَا حَتَّى ودعها وَكَانَ خُرُوجهَا يَوْم السبت غرَّة رَجَب سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وشيعها عَليّ أميالا وسرح بنيه مَعهَا يَوْمًا.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ أَمر عَليّ النِّسَاء اللَّاتِي خرجن مَعَ عَائِشَة بِلبْس العمائم وتقليد السيوف ثمَّ قَالَ لَهُنَّ لَا تعلمنها أنكن نسْوَة وتلثمن مثل الرِّجَال وَكن حولهَا من بعيد وَلَا تقربنها وسارت عَائِشَة على تِلْكَ الْحَالة حَتَّى دخلت مَكَّة وأقامت حَتَّى حجت وَاجْتمعَ إِلَيْهَا نسَاء أهل مَكَّة يبْكين وَهِي تبْكي وسئلت عَن مسيرها فَقَالَت لقد أعْطى عَليّ فَأكْثر وَبعث معي رجَالًا وَبلغ النِّسَاء فأتينها وكشفن عَن وجوههن وعرفنها الْحَال فسجدت.

     وَقَالَ ت وَالله مَا يزْدَاد ابْن أبي طَالب إِلَّا كرما ( ذكر مقتل الزبير وَبَيَان سيرته) لما انْفَصل الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من عَسْكَر عَائِشَة كَمَا ذكرنَا تبعه عَمْرو بن جرموز وفضالة بن حَابِس من غواة بني تَمِيم وأدركوه وتعاونوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَيُقَال بل أدْركهُ عَمْرو بن جرموز فَقَالَ لَهُ إِن لي إِلَيْك حَاجَة فَقَالَ ادن فَقَالَ مولى الزبير واسْمه عَطِيَّة إِن مَعَه سِلَاحا فَقَالَ وَإِن كَانَ فَتقدم إِلَيْهِ فَجعل يحدثه وَكَانَ وَقت الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ الزبير الصَّلَاة الصَّلَاة فَقَالَ الصَّلَاة فَتقدم الزبير ليُصَلِّي بهما فطعنه عَمْرو بن جرموز فَقتله وَيُقَال بل أدْركهُ عَمْرو بوادي السبَاع وَهُوَ نَائِم فِي القائلة فهجم عَلَيْهِ فَقتله وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَشْهر وَأخذ رَأسه وَذهب بِهِ إِلَى عَليّ فَقيل لعَلي هَذَا ابْن جرموز قد أَتَاك بِرَأْس الزبير فَقَالَ بشروا قَاتل الزبير بالنَّار فَقَالَ عَمْرو
( أتيت عليا بِرَأْس الزبير ... وَقد كنت أحسبها زلقتي)

( فبشر بالنَّار قبل العيان ... فبئس الْبشَارَة والتحفة)

( وسيان عِنْدِي قتل الزبير ... وضرطة عنزة بِذِي الْجحْفَة) وَأما سيرته فقد ذكرنَا عَن قريب أَنه أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وَأَنه شهد جَمِيع مشَاهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ عَلَيْهِ يَوْم بدر ملاءة صفراء فَنزلت الْمَلَائِكَة على سيمائه وَثَبت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد وَبَايَعَهُ على الْمَوْت.

     وَقَالَ  مُصعب بن الزبير قَاتل أبي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعمره اثْنَا عشر سنة.

     وَقَالَ  الزبير بن بكار بِإِسْنَادِهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ كَانَ للزبير ألف مَمْلُوك يودون الضريبة لَا يدْخل بَيت مَاله مِنْهَا دِرْهَم بل يتَصَدَّق بهَا.

     وَقَالَ  الزبير بن بكار بِإِسْنَادِهِ عَن جوَيْرِية قَالَت بَاعَ الزبير دَارا بستمائة ألف فَقيل لَهُ غبنت فَقَالَ كلا وَالله لتعلمن أنني لم أغبن هِيَ فِي سَبِيل الله وَرُوِيَ عَن هِشَام بن عُرْوَة فَقَالَ أوصى إِلَى الزبير جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن مَسْعُود والمقداد وَكَانَ يحفظ عَلَيْهِم أَمْوَالهم وَينْفق على أَوْلَادهم من مَاله وَكَانَ الزبير رجلا لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل إِلَى الخفة مَا هُوَ فِي اللَّحْم ولحيته خَفِيفَة أسمر اللَّوْن أشعر وَحكى الْوَاقِدِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ رُبمَا أخذت بالشعر على منْكب الزبير وَأَنا غُلَام فأتعلق بِهِ على ظَهره وَحكى أَبُو الْيَقظَان عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ كَانَ جدي الزبير إِذا ركب تخط الأَرْض رِجْلَاهُ وَلَا يُغير شَيْبه.
وَاخْتلفُوا فِي سنه حكى ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُرْوَة بن الزبير قَالَ قتل أبي يَوْم الْجمل وَقد زَاد على السِّتين بِأَرْبَع سِنِين وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ فِي الصفوة ثَلَاثَة أَقْوَال.
أَحدهَا أَنه قتل وَهُوَ ابْن بضع وَخمسين سنة.
وَالثَّانِي ابْن سِتِّينَ سنة.
وَالثَّالِث ابْن خَمْسَة وَسِتِّينَ ( ذكر مَعَاني الحَدِيث) قَوْله " قلت لأبي أُسَامَة أحدثكُم هِشَام بن عُرْوَة " لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَقد ذكره فِي مُسْنده إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن رَاهَوَيْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.

     وَقَالَ  فِي آخِره نعم قَوْله ( يَوْم الْجمل) يَعْنِي يَوْم وقْعَة كَانَت بَين عَليّ وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَهِي فِي هودج على جمل كَمَا ذَكرْنَاهُ وَكَانَت الْوَقْعَة على بابُُ الْبَصْرَة فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَإِنَّمَا أضيفت الْوَقْعَة إِلَى الْجمل لكَون عَائِشَة عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَرْب كَانَ أول حَرْب وَقعت بَين الْمُسلمين قَوْله " لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم " قَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ ظَالِم عِنْد خَصمه مظلوم عِنْد نَفسه لِأَن كلا الْفَرِيقَيْنِ كَانَ يتَأَوَّل أَنه على الصَّوَاب.

     وَقَالَ  ابْن التِّين مَعْنَاهُ أَنهم إِمَّا صَحَابِيّ متأول فَهُوَ مظلوم وَإِمَّا غير صَحَابِيّ قَاتل لأجل الدُّنْيَا فَهُوَ ظَالِم.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي المُرَاد ظَالِم أهل الْإِسْلَام هَذَا لفظ الْكرْمَانِي فِي شَرحه.

     وَقَالَ  بَعضهم قَالَ الْكرْمَانِي أَن قيل جَمِيع الحروب كَذَلِك فَالْجَوَاب أَنَّهَا أول حَرْب وَقعت بَين الْمُسلمين ثمَّ قَالَ قلت وَيحْتَمل أَن يكون أَو للشَّكّ من الرَّاوِي وَأَن الزبير إِمَّا قَالَ لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم بِمَعْنى أَنه ظن أَن الله يعجل للظالم مِنْهُم الْعقُوبَة أَو لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا مظلوم بِمَعْنى أَنه ظن أَن يعجل لَهُ الشَّهَادَة وَظن على التَّقْدِيرَيْنِ أَنه كَانَ يقتل مَظْلُوما إِمَّا لاعْتِقَاده أَنه كَانَ مصيبا وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ سمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا سمع عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ قَوْله لما جَاءَهُ قَاتل الزبير بشر قَاتل ابْن صَفِيَّة بالنَّار وَرَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره من طَرِيق زرين حُبَيْش عَن عَليّ بِإِسْنَاد صَحِيح انْتهى قلت الأَصْل أَن لَا تكون أَو للشَّكّ وَالِاحْتِمَال لَا يثبت ذَلِك وَكلمَة أَو على مَعْنَاهُ للتقسيم هُنَا لِأَن الْمَقْتُول يَوْمئِذٍ لم يكن إِلَّا من أحد الْقسمَيْنِ على مَا ذكره ابْن بطال وَأَيْضًا إِنَّمَا أَرَادَ الزبير بقوله هَذَا أَن تقَاتل الصَّحَابَة لَيْسَ كتقاتل أهل الْبَغي والعصبية لِأَن الْقَاتِل والمقتول مِنْهُم ظَالِم لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار " لِأَنَّهُ لَا تَأْوِيل لوَاحِد مِنْهُم يعْذر بِهِ عِنْد الله وَلَا شُبْهَة لَهُ من الْحق يتَعَلَّق بهَا فَلَيْسَ أحد مِنْهُم مَظْلُوما بل كلهم ظَالِم وَكَانَ الزبير وَطَلْحَة وَجَمَاعَة من كبار الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم خَرجُوا مَعَ عَائِشَة لطلب قتلة عُثْمَان وَإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم وَلم يخرجُوا لقِتَال عَليّ لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين الْأمة أَن عليا كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ من جَمِيع أهل زَمَانه وَكَانَ قتلة عُثْمَان لجؤا إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَرَأى عَليّ أَنه لَا يَنْبَغِي إسْلَامهمْ للْقَتْل على هَذَا الْوَجْه حَتَّى يسكن حَال الْأمة وتجري الْأَشْيَاء على وجوهها حَتَّى ينفذ الْأُمُور على مَا أوجب الله عَلَيْهِ فَهَذَا وَجه منع عَليّ رَضِي الله عَنهُ المطلوبين بِدَم عُثْمَان فَكَانَ مَا قدر الله مِمَّا جرى بِهِ الْقَلَم فِي الْأُمُور الَّتِي وَقعت.

     وَقَالَ  الزبير لِابْنِهِ مَا قَالَ لما رأى من شدَّة الْأَمر وَأَنَّهُمْ لَا ينفصلون إِلَّا عَن تقَاتل فَقَالَ لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل مَظْلُوما لِأَنَّهُ لم ينْو على قتال وَلَا عزم عَلَيْهِ وَلما التقى الْجَمْعَانِ فر فَتَبِعَهُ ابْن جرموز فَقتله فِي طَرِيقه كَمَا ذكرنَا قَوْله " وَإِنِّي لأراني " بِضَم الْهمزَة أَي لَا أَظن وَيجوز بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى لَا أعتقد وَقد تحقق ظَنّه فَقتل مَظْلُوما قَوْله " لديني " اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَهُوَ خبر أَن وَمَعْنَاهُ لَيْسَ عَليّ تبعة سوى ديني قَوْله " أفترى " على صِيغَة الْمَجْهُول بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أَي أفتظن قَوْله " يبْقى " بِضَم الْيَاء من الْإِبْقَاء وَقَوله ديننَا بِالرَّفْع فَاعله وشيئا بِالنّصب مَفْعُوله قَوْله " وَأوصى بِالثُّلثِ " أَي بِثلث مَاله مُطلقًا لمن شَاءَ وَلما شَاءَ قَوْله " وَثلثه لِبَنِيهِ " أَي وبثلث الثُّلُث لبني عبد الله خَاصَّة وَقد فسره بقوله يَعْنِي بني عبد الله بن الزبير وهم حفدة الزبير قَوْله " فَإِن فضل من مالنا " فضل بعد قَضَاء الدّين شَيْء فثلثه لولدك " قَالَ الْمُهلب مَعْنَاهُ ثلث ذَلِك الْفضل الَّذِي أوصى بِهِ للْمَسَاكِين من الثُّلُث لِبَنِيهِ وَحكى الدمياطي عَن بعض الْعلمَاء أَن قَوْله فثلثه بتَشْديد اللَّام على صِيغَة الْأَمر من التَّثْلِيث يَعْنِي ثلث ذَلِك الْفضل الَّذِي أوصى بِهِ للْمَسَاكِين من الثُّلُث لِبَنِيهِ قَالَ بَعضهم هَذَا أقرب يَعْنِي من كَلَام الْمُهلب.

     وَقَالَ  الدمياطي فِيهِ نظر يَعْنِي فِيمَا حَكَاهُ عَن بعض الْعلمَاء قَوْله " قَالَ هِشَام " هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير قَوْله " قد وازى " بالزاي الْمُعْجَمَة أَي سَاوَى أَي حاذاهم فِي السن وَأنكر الْجَوْهَرِي اسْتِعْمَال هَذَا بِالْوَاو فَقَالَ يُقَال آزيته أَي حازيته وَلَا يُقَال وازيته وَالَّذِي جَاءَ هُنَا حجَّة عَلَيْهِ قَوْله " خبيب " بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى رُوِيَ مَرْفُوعا على أَنه بدل أَو بَيَان لقَوْله للْبَعْض فِي قَوْله وَكَانَ بعض ولد عبد الله وَرُوِيَ مجرورا بِاعْتِبَار الْوَلَد.

     وَقَالَ  بَعضهم يجوز جَرّه على أَنه بَيَان للْبَعْض ( قلت) هَذَا غلط لِأَن لفظ بعض فِي موضِعين أَحدهمَا وَهُوَ الأول مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ وَالْآخر مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول قَوْله وازى قَوْله " وَعباد " بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة قَوْله " وَله يَوْمئِذٍ " قَالَ الْكرْمَانِي أَي لعبد الله يَوْم وَصِيَّة الزبير تِسْعَة بَنِينَ أحدهم خبيب وَعباد ( قلت) لَيْسَ كَذَلِك بل معنى قَوْله وَله أَي للزبير تِسْعَة بَنِينَ وتسع بَنَات وَلم يكن لعبد الله يَوْمئِذٍ إِلَّا خبيب وَعباد وهَاشِم وثابت وَأما سَائِر وَلَده فولدوا بعد ذَلِك أما تِسْعَة بَنِينَ فهم عبد الله وَعُرْوَة وَالْمُنْذر أمّهم أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَمْرو وخَالِد أمهما أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد وَمصْعَب وَحَمْزَة أمهما الربابُُ بنت أنيف وَعبيدَة وجعفر أمهما زَيْنَب بنت بشر وَسَائِر ولد الزبير غير هَؤُلَاءِ مَاتُوا قبله وَأما التسع الْإِنَاث فهن خَدِيجَة الْكُبْرَى وَأم الْحسن وَعَائِشَة أمهن أَسمَاء بنت أبي بكر وحبيبة وَسَوْدَة وَهِنْد أمهن أم خَالِد ورملة أمهَا الربابُُ وَحَفْصَة أمهَا زَيْنَب وَزَيْنَب أمهَا أم كُلْثُوم بنت عقبَة قَوْله " مِنْهَا الغابة " بالغين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة قَالَ الْكرْمَانِي اسْم مَوضِع بالحجاز ( قلت) هَذَا لَيْسَ بتفسير وَاضح وتفسيرها أَرض عَظِيمَة شهيرة من عوالي الْمَدِينَة.

     وَقَالَ  ياقوت الغابة مَوضِع بَينه وَبَين الْمَدِينَة أَرْبَعَة أَمْيَال من نَاحيَة الشَّام والغابة أَيْضا قَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ.

     وَقَالَ  فِي كتاب الْأَمْكِنَة وَالْجِبَال للزمخشري الغابة بريد من الْمَدِينَة بطرِيق الشَّام.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ الغابة غابتان الْعليا والسفلى.

     وَقَالَ  الرشاطي الغابة مَوضِع عِنْد الْمَدِينَة والغابة أَيْضا فِي آخر الطَّرِيق من الْبَصْرَة إِلَى الْيَمَامَة وَفِي الْمطَالع الغابة مَال من أَمْوَال عوالي الْمَدِينَة وَفِي تَرِكَة الزبير كَانَ اشْتَرَاهَا بسبعين وَمِائَة ألف وبيعت فِي تركته بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف وَقد صحفه بعض النَّاس فَقَالَ الْغَايَة بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَذَلِكَ غلط فَاحش والغابة فِي اللُّغَة الشّجر الملتف والأجم من الشّجر وَشبههَا قَوْله " فَيَقُول الزبير لَا " أَي لَا يكون وَدِيعَة وَلكنه دين وَهُوَ معنى قَوْله سلف وَكَانَ غَرَضه بذلك أَنه كَانَ يخْشَى على المَال أَن يضيع فيظن بِهِ التَّقْصِير فِي حفظه فَرَأى أَن يَجعله مَضْمُونا وليكون أوثق لصَاحب المَال وَأبقى لمروءته.

     وَقَالَ  ابْن بطال وليطيب لَهُ ربح ذَلِك المَال قَوْله " وَمَا ولي إِمَارَة قطّ " بِكَسْر الْهمزَة قَوْله " وَلَا جباية خراج " أَي وَلَا ولي أَيْضا جباية خراج وَلَا شَيْئا أَي وَلَا ولي شَيْئا من الْأُمُور الَّتِي يتَعَلَّق بهَا تحصل المَال أَرَادَ أَن كَثْرَة مَاله لَيْسَ من هَذِه الْجِهَات الَّتِي يظنّ فِيهَا السوء بأصحابها وَإِنَّمَا كَانَ كَسبه من الْغَنَائِم مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ مَعَ أبي بكر ثمَّ مَعَ عمر ثمَّ مَعَ عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَبَارك الله لَهُ فِي مَاله لطيب أَصله وَربح أرباحا بلغت أُلُوف الألوف قَوْله " قَالَ عبد الله بن الزبير " هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " فحسبت " بِفَتْح السِّين من حسبت الشَّيْء أَحْسبهُ بِالضَّمِّ حسابا وحسابة وحسبا وحسبانا بِالضَّمِّ أَي عددته وَأما حسبته بِالْكَسْرِ أَحْسبهُ بِالْفَتْح محسبة بِفَتْح السِّين ومحسبة بِكَسْر السِّين وحسبانا بِكَسْر الْحَاء أَي ظننته قَوْله " فلقي حَكِيم بن حزَام " بِالرَّفْع على أَنه فَاعل لَقِي وَعبد الله بن الزبير بِالنّصب مَفْعُوله قَوْله " يَا ابْن أخي " إِنَّمَا جعل الزبير أَخا لَهُ بِاعْتِبَار أخوة الدّين قَالَ الْكرْمَانِي أَو بِاعْتِبَار قرَابَة بَينهمَا لِأَن الزبير بن الْعَوام بن خويلد ابْن عَم حَكِيم قلت حَكِيم بن حزَام بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الزَّاي ابْن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى أَبَا خَالِد وَهُوَ ابْن أخي خَدِيجَة بنت خويلد زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح وعاش فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام سِتِّينَ سنة وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي فعلى هَذَا فالعوام يكون أَخا حزَام فَيكون الزبير ابْن عَم حَكِيم قَوْله " فكتمه " يَعْنِي كتم أصل الدّين فَقَالَ مائَة ألف وَالْأَصْل ألفا ألف وَمِائَتَا ألف قَالَ الْكرْمَانِي مَا كذب إِذْ لم ينف الزَّائِد على الْمِائَة وَمَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ وَفِي التَّوْضِيح هَذَا لَيْسَ بكذب لِأَنَّهُ صدق فِي الْبَعْض وكتم بَعْضًا وللإنسان إِذا سُئِلَ عَن خبر أَن يخبر عَنهُ بِمَا شَاءَ وَله أَن لَا يخبر بِشَيْء مِنْهُ أصلا.

     وَقَالَ  ابْن بطال إِنَّمَا قَالَ لَهُ مائَة ألف وكتم الْبَاقِي لِئَلَّا يستعظم حَكِيم مَا استدانه فيظن بِهِ عدم الحزم وَبِعَبْد الله عدم الْوَفَاء بذلك فَينْظر إِلَيْهِ بِعَين الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا استعظم حَكِيم أمره بِمِائَة ألف احْتَاجَ عبد الله أَن يذكر لَهُ الْجَمِيع ويعرفه أَنه قَادر على وفائه قَوْله " تسع لهَذِهِ " أَي تَكْفِي لوفاء مائَة ألف قَوْله " فَقَالَ لَهُ عبد الله " أَي فَقَالَ لحكيم عبد الله بن الزبير أفرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف قَوْله " فليوافنا " أَي فليأتنا يُقَال وافى فلَان إِذا أَتَى قَوْله " عبد الله بن جَعْفَر " أَي عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب بَحر الْجُود وَالْكَرم قَوْله فَقَالَ لعبد الله أَي فَقَالَ عبد الله بن جَعْفَر لعبد الله بن الزبير قَوْله " قَالَ عبد الله لَا " أَي قَالَ عبد الله بن الزبير لعبد الله بن جَعْفَر لَا نَتْرُك دينك فَإِنَّهُ ترك بِهِ وَفَاء قَوْله " قَالَ قَالَ " أَي قَالَ عبد الله بن الزبير قَالَ عبد الله بن جَعْفَر قَوْله فَقدم على مُعَاوِيَة أَي فَقدم عبد الله بن الزبير على مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ فِي دمشق.

     وَقَالَ  بَعضهم فَقدم على مُعَاوِيَة أَي فِي خِلَافَته وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ ذكر أَنه أخر الْقِسْمَة أَربع سِنِين اسْتِبْرَاء للدّين كَمَا سَيَأْتِي فَيكون آخر الْأَرْبَع فِي سنة أَرْبَعِينَ وَذَلِكَ قبل أَن يجْتَمع النَّاس على مُعَاوِيَة انْتهى قلت هَذَا النّظر إِنَّمَا يتَوَجَّه بقوله أَي فِي خِلَافَته فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ قيد الْمُطلق بِغَيْر وَجه على أَنه يجوز أَن يكون قدومه عَلَيْهِ قبل اجْتِمَاع كل النَّاس عَلَيْهِ قَوْله " عَمْرو بن عُثْمَان " بِفَتْح الْعين فِي عَمْرو وَهُوَ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان وَالْمُنْذر بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار وَهُوَ التخويف ابْن الزبير بن الْعَوام أَخُو عبد الله بن الزبير قَوْله " وَابْن زَمعَة " وَهُوَ عبد الله بن زَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات وَقيل بِسُكُون الْمِيم وَهُوَ عبد الله بن زَمعَة بن قيس بن عبد شمس وَهُوَ أَخُو سَوْدَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَبِيهَا قَوْله " كل سهم مائَة ألف " بِنصب الْمِائَة بِنَزْع الْخَافِض أَي قومت الغابة وَجَاء كل سهم بِمِائَة ألف قَوْله " قَالَ لَا " أَي لَا أقسم وَالله وَقَوله لَا أقسم بعد ذَلِك تَفْسِير لما قبله وَلَيْسَ فِيهِ منع الْمُسْتَحق من حَقه وَهُوَ الْقِسْمَة وَالتَّصَرُّف فِي نصِيبه لِأَنَّهُ كَانَ وَصِيّا وَلَعَلَّه ظن بَقَاء الدّين فالقسمة لَا تكون إِلَّا بعد وَفَاء الدّين جَمِيعه قَوْله " بِالْمَوْسِمِ " أَي موسم الْحَج وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم يجْتَمع النَّاس لَهُ والوسمة الْعَلامَة قَوْله " أَربع سِنِين " فَائِدَة تَخْصِيص المناداة بِأَرْبَع سِنِين هِيَ أَن الْغَالِب أَن الْمسَافَة الَّتِي بَين مَكَّة وأقطار الأَرْض تقطع بِسنتَيْنِ فَأَرَادَ أَن تصل الْأَخْبَار إِلَى الأقطار ثمَّ تعود إِلَيْهِ أَو لِأَن الْأَرْبَع هِيَ الْغَايَة فِي الْآحَاد بِحَسب مَا يُمكن أَن يتركب مِنْهُ العشرات لِأَنَّهُ يتَضَمَّن وَاحِدًا واثنين وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَهِي عشرَة قَوْله " أَربع نسْوَة " أَي مَاتَ عَنْهُن وَهن أم خَالِد والربابُ وَزَيْنَب وعاتكة بنت زيد أُخْت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وَأما أَسمَاء وَأم كُلْثُوم فَكَانَ قد طلقهما قَوْله " وَدفع الثُّلُث " أَي الَّذِي أوصى بِهِ قَوْله " فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف ألف " قد مر فِي أول الحَدِيث الْكَلَام فِيهِ وَلَكِن الْكرْمَانِي ذكر هُنَا مَا يرفع الخباط فِي الْحساب فَقَالَ فَإِن قلت إِذا كَانَ الثّمن أَرْبَعَة آلَاف ألف وَثَمَانمِائَة ألف فالجميع ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ ألف ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف وَإِن أضفت إِلَيْهِ الثُّلُث وَهُوَ خَمْسُونَ ألف ألف وَتِسْعَة آلَاف ألف وَثَمَانمِائَة ألف فعلى التقادير الْحساب غير صَحِيح قلت لَعَلَّ الْجَمِيع كَانَ قبل وفائه هَذَا الْمِقْدَار فَزَاد من غلات أَمْوَاله فِي هَذِه الْأَرْبَع سِنِين إِلَى سِتِّينَ ألف ألف إِلَّا مِائَتي ألف فَيصح مِنْهُ إِخْرَاج الدّين وَالثلث وَيبقى الْمبلغ الَّذِي مِنْهَا لكل امْرَأَة مِنْهُ ألف ألف وَمِائَتَا ألف ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْوَصِيَّة عِنْد الْحَرْب لِأَنَّهُ سَبَب مخوف كركوب الْبَحْر وَاخْتلف لَو تصدق حِينَئِذٍ أَو حرر هَل يكون من الثُّلُث أَو من رَأس المَال وَفِيه أَن للْوَصِيّ تَأْخِير قسْمَة الْمِيرَاث حَتَّى يُوفي دُيُون الْمَيِّت وَينفذ وَصَايَاهُ إِن كَانَ لَهُ ثلث وَيُؤَخر الْقِسْمَة بِحَسب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَلَكِن إِذا وَقع الْعلم بوفاء الدّين وصمم الْوَرَثَة على الْقِسْمَة أُجِيب إِلَيْهَا فَلَا يتربص إِلَى أَمر موهوم فَإِذا ثَبت بعد ذَلِك شَيْء يُؤْخَذ مِنْهُم وَفِيه جَوَاز الْوَصِيَّة للأحفاد إِذا كَانَ من يحجبهم وَفِيه جَوَاز شِرَاء الْوَارِث من التَّرِكَة وَكَذَلِكَ شِرَاء الْوَصِيّ إِذا كَانَ بِالْقيمَةِ وَفِيه أَن الْهِبَة لَا تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ وَفِيه بَيَان جود عبد الله بن جَعْفَر فَلذَلِك سمي بَحر الْكَرم وَفِيه إِطْلَاق اللَّفْظ الْمُشْتَرك لمن يظنّ بِهِ معرفَة المُرَاد والاستفهام لمن لم يتَبَيَّن لَهُ لِأَن الزبير قَالَ لِابْنِهِ اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمولاي وَلَفظ الْمولى مُشْتَرك بَين معَان كَثِيرَة فَظن عبد الله أَنه يُرِيد بعض عتقائه فاستفهم فَعرف مُرَاده وَفِيه منزلَة الزبير عِنْد نَفسه وَأَنه فِي تِلْكَ الْحَالة كَانَ فِي غَايَة الوثوق بِاللَّه والإقبال عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِحكمِهِ والاستعانة بِهِ وَفِيه قُوَّة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبُوله مَا سَأَلَهُ حَكِيم بن حزَام من المعاونة وَفِيه كرم حَكِيم أَيْضا وسماحة نَفسه وَفِيه أَن الدّين إِنَّمَا يكره لمن لَا وَفَاء لَهُ أَو لمن يصرفهُ إِلَى غير وَجهه وَفِيه النداء فِي دُيُون من يعرف بِالدّينِ وَفِيه النداء فِي المواسم لِأَنَّهَا مجمع النَّاس وَفِيه طَاعَة بني الزبير لأخيهم فِي تَأْخِير الْقِسْمَة لأجل الدّين المتوهم وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من اتِّخَاذ النِّسَاء وَفِيه أَن أجل الْمَفْقُود وَالْغَائِب أَربع سِنِين وَبِه احْتج مَالك وَفِيه نظر لَا يخفى -