فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

( بابُُ مَا يُصِيبُ مِنَ الطَّعامِ فِي أرْضِ الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مَا يُصِيب الْمُجَاهِد من الطَّعَام فِي دَار الْحَرْب هَل يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس أَو هَل يُبَاح أكله للغزاة؟ وَفِيه خلاف، فَعِنْدَ الْجُمْهُور: لَا بَأْس بِأَكْل الطَّعَام فِي دَار الْحَرْب بِغَيْر إِذن الإِمَام مَا داموا فِيهَا فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قدر حَاجتهم، وَلَا بَأْس بِذبح الْبَقر وَالْغنم قبل أَن يَقع فِي المقاسم، هَذَا قَول اللَّيْث وَالْأَرْبَعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق، وَاتَّفَقُوا أَيْضا على جَوَاز ركُوب دوابهم وَلبس ثِيَابهمْ وَاسْتِعْمَال سِلَاحهمْ حَال الْحَرْب، ورده بعد انْقِضَاء الْحَرْب،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: لَا يَأْخُذ شَيْئا من الطَّعَام وَغَيره إلاَّ بِإِذن الإِمَام،.

     وَقَالَ  سُلَيْمَان بن مُوسَى: يَأْخُذ إلاَّ أَن ينْهَى الإِمَام.



[ قــ :3011 ... غــ :3153 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فرَمَى إنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فنَزَوْت لآِخُذَهُ فالْتَفَتُّ فإذَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ وَلم يُنكر عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: قَالَ: ( فنزوت لآخذه) وَلَيْسَ فِيهِ أَنه أَخذه حَتَّى يَتَأَتَّى عدم الأنكار.
قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن عبد الله بن مُغفل، قَالَ: أصبت جراباً من شَحم يَوْم خَيْبَر، قَالَ: فالتزمته فَقلت: لَا أعطي الْيَوْم أحدا من هَذَا شَيْئا.
رَوَاهُ مُسلم عَن شَيبَان بن فروخ عَن سُلَيْمَان ابْن الْمُغيرَة.

وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَعبد الله بن مُغفل بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي وَفِي الذَّبَائِح عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن بنْدَار عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل والقعنبي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الذَّبَائِح عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( بجراب) ، هُوَ: المزود،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هُوَ بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ وعَاء من جُلُود، وَفِي ( غرائب الْمُدَوَّنَة) : هُوَ بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمُنْتَهى) : الجراب، بِالْكَسْرِ والعامة تفتحه، وَجمعه: أجربة وجُرب بِإِسْكَان الرَّاء وَفتحهَا.
قَوْله: ( فنزوت) ، بالنُّون وَالزَّاي أَي: وَثَبت مسرعاً.
قَوْله: ( فَإِذا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: هُنَاكَ وَنَحْوه، لِأَن كلمة: إِذا، الَّتِي للمفاجأة تقع بعْدهَا الْجُمْلَة.
قَوْله: ( فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ) ، أَي: من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إراد أَنه استحيى مِنْهُ من فعل ذَلِك.

وَفِيه: إِشَارَة إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من توقير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن الْإِعْرَاض عَن خوارم الْمُرُوءَة.
وَفِيه: جَوَاز أكل الشحوم الَّتِي تُوجد عِنْد الْيَهُود، وكات مُحرمَة عَلَيْهِم وكرهها مَالك وَعنهُ تَحْرِيمهَا، وَكَذَا عَن أَحْمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :301 ... غــ :3154 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا العَسَلَ والعِنَبَ فنَأكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: ( الْعَسَل) بِالنّصب مفعول: نصيب، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة يُونُس بن مُحَمَّد، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد فَزَاد فِيهِ: والفواكه، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ: كُنَّا نصيب الْعَسَل وَالسمن فِي الْمَغَازِي فنأكله، وَمن طَرِيق جرير بن حَازِم عَن أَيُّوب، بِلَفْظ: أصبْنَا طَعَاما وأغناماً يَوْم اليرموك، وَهَذَا مَوْقُوف يُوَافق الْمَرْفُوع، لِأَن يَوْم اليرموك كَانَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( وَلَا نرفعه) ، أَي: وَلَا نحمله للادخار.
قيل: وَيحْتَمل أَن يُرِيد، وَلَا نرفعه إِلَى مُتَوَلِّي الْقِسْمَة أَو إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل الاسْتِئْذَان، وَفِيه مَا فِيهِ.





[ قــ :301 ... غــ :3154 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا العَسَلَ والعِنَبَ فنَأكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: ( الْعَسَل) بِالنّصب مفعول: نصيب، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة يُونُس بن مُحَمَّد، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد فَزَاد فِيهِ: والفواكه، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ: كُنَّا نصيب الْعَسَل وَالسمن فِي الْمَغَازِي فنأكله، وَمن طَرِيق جرير بن حَازِم عَن أَيُّوب، بِلَفْظ: أصبْنَا طَعَاما وأغناماً يَوْم اليرموك، وَهَذَا مَوْقُوف يُوَافق الْمَرْفُوع، لِأَن يَوْم اليرموك كَانَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( وَلَا نرفعه) ، أَي: وَلَا نحمله للادخار.
قيل: وَيحْتَمل أَن يُرِيد، وَلَا نرفعه إِلَى مُتَوَلِّي الْقِسْمَة أَو إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل الاسْتِئْذَان، وَفِيه مَا فِيهِ.



[ قــ :3013 ... غــ :3155 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَانِي قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ أصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فلَمَّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وقَعْنَا فِي الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فانْتَحَرْنَاهَا فلَمَّا غَلَتِ القُدُورُ نادَى مُنادي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْفِؤُوا القُدُورَ فَلا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الحُمْرِ شَيْئاً: قَالَ عَبْدُ الله فَقُلْنَا إنَّما نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ.

     وَقَالَ  آخَرُونع حَرَّمَهَا البَتَّةَ وسألْتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا البَتَّةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن عَادَتهم جرت بالإسراع إِلَى المأكولات، وَلَوْلَا ذَلِك مَا أقدموا بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، فَلَمَّا أمروا بالإراقة كفوا.

وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، والشيباني، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَالنُّون: هُوَ سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، واسْمه فَيْرُوز الْكُوفِي وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله بن أبي أوفى، وَاسم أبي أوفى: عَلْقَمَة.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن سعيد بن سُلَيْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي كَامِل الجحدري، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الذَّبَائِح عَن سُوَيْد بن سعيد.

قَوْله: ( مجاعَة) أَي: جوع شَدِيد.
قَوْله: ( اكفوا) ، أَي: إقلبوا، من: كفأت الْقدر إِذا كببتها لتفرغ مَا فِيهَا، وكفأت الْإِنَاء وأكفأته إِذا كببته وَإِذا أملته.
قَوْله: ( وَلَا تطعموا) أَي: وَلَا تذوقوا.
قَوْله: ( قَالَ عبد الله) ، هُوَ عبد الله بن أبي أوفى الصَّحَابِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَبَين ذَلِك فِي الْمَغَازِي من وَجه آخر عَن الشَّيْبَانِيّ، بِلَفْظ: قَالَ ابْن أبي أوفى: فتحدثنا ... فَذكر نَحوه، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عَليّ بن مسْهر عَن الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: فتحدثنا بَيْننَا ... أَي: الصَّحَابَة، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى أَن الصَّحَابَة اخْتلفُوا فِي عِلّة النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر: هَل هُوَ لذاتها أَو لعَارض؟ فَقَالَ عبد الله: إِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس، فَهَذَا يدل على أَنَّهَا إِذا خمست تُؤْكَل.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل القذر، وَفِي ( كتاب الْأَطْعِمَة) لعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: إِنَّمَا نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل القذر،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ، مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، قَالَ: إِنَّمَا كرهت ابقاء على الظّهْر وخشية أَن يفنى.
قَوْله: ( وَقَالَ آخَرُونَ: حرمهَا أَلْبَتَّة) ، أَي: قَالَ جمَاعَة آخَرُونَ من الصَّحَابَة: حرمهَا الْبَتَّةَ، يَعْنِي قطعا، وَهُوَ مَنْصُوب على المصدرية، يُقَال: بته الْبَتَّةَ من الْبَتّ، وَهُوَ الْقطع.
قَوْله: ( وَسَأَلت سعيد ابْن جُبَير) ، السَّائِل هُوَ الشَّيْبَانِيّ، وللشيباني رِوَايَة عَن سعيد بن جُبَير من غير هَذَا الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ.
فَإِن قلت: روى ابْن شاهين فِي ( ناسخه) اسْتِدْلَالا على نسخ التَّحْرِيم بأسناد جيد عَن الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: أمرنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر أَن نكفيء الْحمر الْأَهْلِيَّة نيئة ونضيجة، ثمَّ أَمر ...

.
.
بعد ذَلِك، وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث غَالب بن أبجر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله { لم يبْق فِي مَالِي شيى أطْعم أَهلِي إلاَّ حمر لي} فَقَالَ: أطْعم أهلك من سمين مَالك.
قلت: الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة ترد ذَلِك كُله،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: حَدِيث غَالب مُخْتَلف فِي إِسْنَاده فَلَا يثبت، وَالنَّهْي ثَابت،.

     وَقَالَ  عبد الْحق: لَيْسَ هُوَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: ضَعِيف لَا يُعَارض بِمثلِهِ حَدِيث النَّهْي.