فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ وَقد وَقع كَذَا بِلَا تَرْجَمَة، وَهُوَ كالفصل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَقد مر مثل هَذَا غير مرّة.



[ قــ :3035 ... غــ :3181 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبَرَنَا أبُو حَمْزَةَ قالَ سَمِعْتُ الأعْمَشَ قَالَ سألْتُ أَبَا وَائِلٍ شَهِدْتَ صِفِّينَ قَالَ نَعَمْ فسَمِعْتُ سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ يَقولُ اتَّهِمُوا رَأيَكُمْ رَأيْتُنِي يَوْمَ أبي جَنْدَلٍ ولَوْ أسْتَطِيعُ أنْ أرُدَّ أمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَرَدَدْتُهُ وَمَا وضَعْنَا أسْيَافَنَا علَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إلاَّ أسْهَلْنَ بِنا إِلَى أمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرَ أمْرِنَا هَذَا.
.


تعلق هَذَا الحَدِيث بِالْبابُُِ المترجم من حَيْثُ مَا آل أَمر قُرَيْش فِي نقضهم الْعَهْد من الْغَلَبَة عَلَيْهِم والقهر بِفَتْح مَكَّة فَإِنَّهُ يُوضح أَن مَال الْغدر مَذْمُوم، وَمُقَابل ذَلِك ممدوح.

وعبدان قد مر غير مرّة، وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: وَهُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَسَهل ابْن حنيف بن واهب الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن عَبْدَانِ أَيْضا وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْخمس عَن الْحسن بن إِسْحَاق وَفِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن إِسْحَاق وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن جمَاعَة وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.

قَوْله: ( صفّين) ، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء، وَهُوَ اسْم مَوضِع على الْفُرَات وَقع فِيهِ الْحَرْب بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَهِي وقْعَة مَشْهُورَة.
قَوْله: ( اتهموا رَأْيكُمْ) ، قَالَ ذَلِك يَوْم صفّين، وَكَانَ مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَعْنِي: اتهموا رَأْيكُمْ فِي هَذَا الْقِتَال، يعظ الْفَرِيقَيْنِ، لِأَن كل فريق مِنْهُمَا يُقَاتل على رَأْي يرَاهُ واجتهاد يجتهده، فَقَالَ لَهُم سهل: اتهموا رَأْيكُمْ فَإِنَّمَا تقاتلون فِي الْإِسْلَام إخْوَانكُمْ بِرَأْي رَأَيْتُمُوهُ، وَكَانُوا يتهمون سهلاً بالتقصير فِي الْقِتَال، فَقَالَ: اتهموا رَأْيكُمْ، فَإِنِّي لَا أقصر، وَمَا كنت مقصراً فِي الْجَمَاعَة كَمَا فِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة.
قَوْله: ( رَأَيْتنِي) ، أَي: رَأَيْت نَفسِي يَوْم أبي جندل، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون، واسْمه: الْعَاصِ بن سهل وَإِنَّمَا نسب الْيَوْم إِلَيْهِ وَلم يقل: يَوْم الْحُدَيْبِيَة، لِأَن رده إِلَى الْمُشْركين كَانَ شاقاً على الْمُسلمين، وَكَانَ ذَلِك أعظم عَلَيْهِم من سَائِر مَا جرى عَلَيْهِم من سَائِر الْأُمُور، وَكَانَ أَبُو جندل جَاءَ إِلَى النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من مَكَّة مُسلما وَهُوَ يجر قيوده، وَكَانَ قد عذب على الْإِسْلَام، فَقَالَ سهل وَالِده: يَا مُحَمَّد { هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ.
فَرد عَلَيْهِ أَبَا جندل وَهُوَ يُنَادي: أتردونني}
إِلَى الْمُشْركين وَأَنا مُسلم، وترون مَا لقِيت من الْعَذَاب فِي الله؟ فَقَامَ سهل إِلَى ابْنه بِحجر فَكسر قَيده، فغارت نفوس الْمُسلمين يَوْمئِذٍ حَتَّى قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَلسنا على الْحق؟ فعلى مَا نعطي الدنية؟ على وزن فعيلة، أَي: النقيصة والخطة الخسيسة، أَي: لِمَ نردُّ أَبَا جندل إِلَيْهِم ونقاتل مَعَهم وَلَا نرضى بِهَذَا الصُّلْح؟ قَوْله: ( فَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى جَوَاب الَّذِي اتَّهَمُوهُ بالتقصير فِي الْقِتَال يَوْم صفّين، فَقَالَ: كَيفَ تنسبونني إِلَى التَّقْصِير؟ فَلَو كَانَ لي استطاعة على رد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة لرددته، وَلم يكن امتناعي عَن الْقِتَال يَوْمئِذٍ للتقصير، وَإِنَّمَا كَانَ لأجل أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالصُّلْحِ.
قَوْله: ( وَمَا وَضعنَا أسيافنا) إِلَى آخِره.
يَعْنِي: مَا جردنا سُيُوفنَا فِي الله لأمر يفظعنا من أفظع بِالْفَاءِ والظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة.
قَالَ ابْن فَارس: فظع وأفظع لُغَتَانِ، يُقَال: أَمر فظيع أَي: شَدِيد علينا، إلاَّ أسهلت بِنَا إِلَى أَمر نعرفه غير أمرنَا هَذَا، يَعْنِي: أَمر الْفِتْنَة الَّتِي وَقعت بَين الْمُسلمين، فَإِنَّهَا مشكلة حَيْثُ حلت الْمُصِيبَة بقتل الْمُسلمين، فَنزع السَّيْف أول من سَله فِي الْفِتْنَة.





[ قــ :3036 ... غــ :318 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ بنُ عبْدِ العَزِيزِ عنْ أبِيهِ قَالَ حدَّثنا حَبِيبُ بنُ أبِي ثابِتٍ قَالَ حدَّثني أَبُو وائِلٍ قَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ فقامَ سَهْلُ ابنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ أيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أنْفُسَكُمْ فإنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ ولَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا فَجاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَ يَا رسُولُ الله ألَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ فَقَالَ بَلَى فقالَ ألَيْسَ قَتْلاَنا فِي الجَنَّةِ وقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةِ فِي دِينِنَا أنَرْجِعُ وَلما يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وبيْنَهُمْ فَقَالَ ابنَ الخَطَّابِ إنِّي رسُولُ الله ولَنْ يُضَيِّعَني الله أبَدَاً فانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّهُ رسُولُ الله ولَنْ يُضَيِّعَهُ الله أبَداً فنَزَلَتْ سورَةُ الفَتْحِ فقَرَأهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى عُمَرَ إِلَى آخرِها فَقَالَ عُمَرُ يَا رسُولَ الله أوَ فَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ.
.


تعلق هَذَا الحَدِيث أَيْضا بِالْبابُُِ المترجم مثل تعلق الحَدِيث السَّابِق، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الْعَزِيز الْكُوفِي، يروي عَن أَبِيه سياه، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالهاء وصلا ووقفاً، منصرف وَغير منصرف، وَالأَصَح الِانْصِرَاف، وحبِيب بن أبي ثَابت واسْمه دِينَار الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق ابْن سَلمَة.

قَوْله: ( فجَاء عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) ، قد مر هَذَا فِي كتاب الشُّرُوط فِي بابُُ الشُّرُوط فِي الْجِهَاد قَوْله ( فَنزلت سُورَة الْفَتْح) سُورَة { إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} ( الْفَتْح: 1) .
وَالْمرَاد بِالْفَتْح صلح الْحُدَيْبِيَة، وَقيل: فتح مَكَّة، وَقيل: فتح الرّوم، وَقيل: فتح الْإِسْلَام بِالسَّيْفِ والسنان، وَقيل: الْفَتْح الحكم، وَالْمُخْتَار من هَذِه الْأَقَاوِيل: فتح مَكَّة، وَقيل: فتح الْحُدَيْبِيَة، وَهُوَ الصُّلْح الَّذِي وَقع فِيهَا بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين مُشْركي مَكَّة، فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ فتحا وَقد أحْصرُوا فنحروا وحلقوا بِالْحُدَيْبِية؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل الْهُدْنَة، فَلَمَّا تمت الْهُدْنَة كَانَ فتحا مُبينًا.





[ قــ :3037 ... غــ :3183 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا حاتِمٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أسْماءَ ابْنَةِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إذْ عاهَدُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومُدَّتِهِمْ مَعَ أبِيهَا فاسْتَفْتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهْيَ رَاغِبَةٌ أفَأصِلُهَا قَالَ نَعَمْ صِلِيهَا.
.


تعلق هَذَا الحَدِيث بِمَا قبله من حَدِيث إِن عدم الْغدر اقْتضى جَوَاز صلَة الْقَرِيب وَلَو كَانَ على غير دينه، وحاتم هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيل ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بابُُ الْهُدْنَة للْمُشْرِكين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( قدمَتْ عليَّ) بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( أُمِّي) ، وَاسْمهَا: قَبيلَة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَاسم أَبِيهَا: عبد الْعُزَّى، وَأَسْمَاء وَعَائِشَة أختَان من جِهَة الْأَب فَقَط.
قَوْله: ( ومدتهم) أَي: الْمدَّة الَّتِي كَانَت مُعينَة للصلح بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( راغبة) أَي: فِي أَن تَأْخُذ مني بعض المَال.