فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة

( بابُُ مَا جاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وأنَّهَا مَخْلُوقَةٌ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي صفة الْجنَّة، وَفِي بَيَان أَنَّهَا مخلوقة وموجودة الْآن.
وَفِيه رد على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهَا لَا تُوجد إلاَّ يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي النَّار: إِنَّهَا تخلق يَوْم الْقِيَامَة، وَالْجنَّة: الْبُسْتَان من الشّجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه، والتركيب دائر على معنى السّتْر، وَكَأَنَّهَا لتكاثفها وتظللها سميت بِالْجنَّةِ الَّتِي هِيَ الْمرة من مصدر جنه إِذا ستره كَأَنَّهَا ستْرَة وَاحِدَة لفرط التفافها، وَسميت دَار الثَّوَاب جنَّة لما فِيهَا من الْجنان.

قالَ أبُو العَالِيَةِ مُطَهَّرةٌ مِنَ الحَيْضِ والْبَوْلِ والْبُزَاقِ أَبُو الْعَالِيَة هُوَ رفيع الريَاحي، وَقد ذكر فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَأَشَارَ بذلك إِلَى تَفْسِير لفظ: مطهرة، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} ( الْبَقَرَة: 52، النِّسَاء: 75) .
وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة مُجَاهِد، وَزَاد: وَمن الْمَنِيّ وَالْولد، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة من: الْأَذَى وَالْإِثْم.
قَوْله: ( والبزاق) ، وَيُقَال بالصَّاد: بصاق، أَيْضا.

{ كُلَّمَا رُزِقُوا} أُوتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُوتُوا بآخَرَ { قالُوا هاذا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ( الْبَقَرَة: 52) .
أوُتِينَا مِنْ قَبْلُ
أَشَارَ بقوله: كلما رزقوا إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وأوتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَوْله: ( أُوتُوا بآخر) أَي: بثمر آخر، واستفيد التّكْرَار من لفظ: كلما، فَإِذا أُوتُوا بآخر قَالُوا: هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل، وَفَسرهُ بقوله: أوتينا من قبل، قَالَ ابْن التِّين: هُوَ من أُوتِيتهُ إِذا أَعْطيته، وَهَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَتَيْنَا من أَتَيْته، بِالْقصرِ، يَعْنِي: جِئْته.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَالْأول: هُوَ الصَّوَاب، وَفِي الْقبلية وَجْهَان: أَحدهمَا مَا رَوَاهُ السّديّ فِي ( تَفْسِيره) عَن مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وَعَن نَاس من الصَّحَابَة: { قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَالُوا: إِنَّهُم أُوتُوا بالثمرة فِي الْجنَّة، فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهَا قَالُوا: هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل فِي دَار الدُّنْيَا، وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَعبد الرَّحْمَن بن زيد ابْن أسلم.
وَالْآخر: مَا قَالَه عِكْرِمَة: { قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَالَ: مَعْنَاهُ مثل الَّذِي كَانَ بالْأَمْس، وَهَكَذَا قَالَ الرّبيع ابْن أنس، قَالَ مُجَاهِد: يَقُولُونَ: مَا أشبهه بِهِ،.

     وَقَالَ  ابْن جرير:.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: بل تَأْوِيل ذَلِك: هَذَا الَّذِي رزقنا من ثمار الْجنَّة من قبل هَذِه الشدَّة يشابه بَعْضهَا بَعْضًا لقَوْله تَعَالَى: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .

وأُوتُوا بِهِ مُتَشَابِهَاً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضَاً ويَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ
فسر قَوْله تَعَالَى: { وأوتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
بقوله: يشبه بعضه بَعْضًا، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة، وَلكنه قَالَ: فِي الطّعْم بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ أَيْضا رِوَايَة فِي الْكتاب.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَامر بن يسَاف عَن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: عشب الْجنَّة الزَّعْفَرَان، وكثبانها الْمسك، وَيَطوف عَلَيْهِم الْولدَان بالفواكه ويأكلونها ثمَّ يُؤْتونَ بِمِثْلِهَا، فَيَقُول لَهُم أهل الْجنَّة: هَذَا الَّذِي آتيتمونا آنِفا بِهِ، فَيَقُول لَهُم الْولدَان: كلوا، فَإِن اللَّوْن وَاحِد والطعم مُخْتَلف، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
.

     وَقَالَ  ابْن جرير فِي ( تَفْسِيره) بِإِسْنَادِهِ عَن السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: متشابهاً، يَعْنِي: فِي اللَّوْن والمرأى، وَلَيْسَ يشبه فِي الطّعْم.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
يشبه ثَمَر الدُّنْيَا غير أَن ثَمَر الْجنَّة أطيب،.

     وَقَالَ  سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس: لَا يشبه شَيْء مِمَّا فِي الْجنَّة مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاء، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجنَّة إلاَّ الْأَسْمَاء، رَوَاهُ ابْن جرير من رِوَايَة الثَّوْريّ، وَابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة كِلَاهُمَا عَن الْأَعْمَش بِهِ.

قُطُوفُها يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاؤُا.
دانِيةٌ قَرِيبَةٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
وَفسّر قطوفها بقوله: يقطفون كَيفَ شاؤا، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
جملَة حَالية، وَأخذ لازمها، وروى عبد بن حميد من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ فِي قَوْله: { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
يتَنَاوَل مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء أَيْضا، وَمن طَرِيق قَتَادَة قَالَ: دنت فَلَا يرد أَيْديهم عَنْهَا بُعد وَلَا شوك.

الأرَائِكُ السُّرُرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى الأرائك فِي قَوْله: { متكئين فِيهَا على الأرائك} ( الْكَهْف: 13، الْإِنْسَان: 31) .
وفسرها بقوله: السرر، وَكَذَا فسره عبد بن حميد من طَرِيق حُصَيْن عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الأرائك: السرر فِي الحجال، والأرائك جمع أريكة، قَالَ ابْن فَارس: الحجلة على السرير لَا تكون إلاَّ كَذَا، وَعَن ثَعْلَب: الأريكة لَا تكون إلاَّ سريراً متخذاً فِي قبَّة عَلَيْهِ شوار ومخدة.
قلت: الشوار، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْوَاو: مَتَاع الْبَيْت، والحجلة بِالتَّحْرِيكِ بَيت لَهُ قبَّة يستر بالثياب وَيكون لَهُ أزرار كبار.

وقالَ الحَسَنُ النَّضْرَةُ فِي الوُجُوهِ.
والسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ
أَشَارَ بتفسير الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى مَا فِي قَوْله: { ولقَّاهم نَضرة وسروراً} ( الْإِنْسَان: 11) .
وأوله: { فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم} ( الْإِنْسَان: 11) .
أَي: فوقى الله الْأَبْرَار شَرّ ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يخافونه من شدائده، ولقّاهم أَي: أَعْطَاهُم بدل عبوس الْفجار وحزنهم نَضرة فِي الْوُجُوه، وَهُوَ أثر النِّعْمَة وَحسن اللَّوْن والبهاء، وسروراً فِي الْقُلُوب وَأثر الْحسن، رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق مبارك بن فضَالة عَنهُ
وقالَ مُجاهِدٌ سَلْسَبِيلاً حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ
أَشَارَ بتعليق مُجَاهِد وَتَفْسِير هَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} ( الأنسان: 81) .
قَوْله: ( عينا) ، بدل من قَوْله: زنجبيلاً فِيمَا قبله.
قَوْله: ( فِيهَا) ، أَي: فِي الْجنَّة.
.

     وَقَالَ  الزّجاج: أَي: يسقون عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً لِسَلَامَةِ انحدارها فِي الْحلق وسهولة مساغها.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة وَمُقَاتِل بن حَيَّان: سميت سلسبيلاً لِأَنَّهَا تسيل عَلَيْهِم فِي الطَّرِيق، وَفِي مَنَازِلهمْ تنبع من أصل الْعَرْش من جنَّة عدن إِلَى أهل الْجنان، والسلسبيل فِي اللُّغَة وصف لما كَانَ فِي غَايَة السلاسة، يُقَال: شراب سلسبيل وسلسل وسلسال، وَقد زيدت الْيَاء فِيهِ حَتَّى صَار خماسياً، وَدلّ على غَايَة السلاسة، وَتَعْلِيق مُجَاهِد وَصله سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد بإسنادهما عَنهُ.
قَوْله: ( حَدِيدَة) ، بِالْحَاء والدالين المهملات أَي: شَدِيدَة الجرية أَي: الجريان،.

     وَقَالَ  عِيَاض: رَوَاهَا الْقَابِسِيّ: جَرِيدَة، بِالْجِيم وَالرَّاء بدل: الدَّال الأولى، وفسرها باللينة، ورد عَلَيْهِ بِأَن مَا قَالَه لَا يعرف.

غَوْلٌ وَجَعُ البَطْنِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} ( الصافات: 74) .
وَفسّر الغول بوجع الْبَطن، وَهَذَا التَّفْسِير مَرْوِيّ عَن مُجَاهِد وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: صداع.

يُنْزَفُونَ لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ
فسر: ينزفون، بقوله: لَا تذْهب عُقُولهمْ عِنْد شرب خمر الْجنَّة، وَهَذَا التَّفْسِير مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وقرىء: ينزفون، بِكَسْر الزَّاي وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا من أنزف الرجل إِذا نفد شرابه، وَالْآخر: يُقَال أنزف، إِذا سكر، وَأما: نزف، إِذا ذهب عقله من الشّرْب فمشهور مسموع.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ دِهَاقاً مُمْتَلِئاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وكأساً دهاقاً} ( النبإ: 43) .
وَفسّر الدهاق بقوله: ممتلئاً، وَوَصله الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب: حَدثنَا مَرْوَان ابْن يحيى عَن مُسلم بن نسطاس قَالَ ابْن عَبَّاس لغلامه: إسقني دهاقاً، قَالَ: فجَاء بهَا الْغُلَام ملأى، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا دهاق، وروى أَيْضا عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { كأساً دهاقاً} ( النبإ: 43) .
قَالَ: ملأى
كَوَاعِبَ نَوَاهِدَ
أشارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وكواعب أَتْرَابًا} ( النبإ: 33) .
فسر كواعب بقوله: نواهد، وَهَذَا التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، والنواهد جمع ناهد، وَهِي الَّتِي بدا نهدها، يُقَال: نهد الثدي إِذا ارْتَفع عَن الصَّدْر، وَصَارَ لَهُ حجم، والأتراب جمع ترب، بِالْكَسْرِ وَهُوَ: الْقرن.

الرَّحِيقُ الخَمْرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
وَفسّر الرَّحِيق بِالْخمرِ، وَهَذَا التَّفْسِير وَصله الطَّبَرِيّ عَن طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
قَالَ: الْخمر ختم بالمسك، وَقيل: الرَّحِيق الْخَالِص من كل شَيْء،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد يشْربهَا أهل الْجنَّة صرفا،.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: ختامه آخر طعمه.

التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أهْلِ الجَنَّةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ومزاجه من تسنيم} ( المطففين: 72) .
وَفَسرهُ بقوله: يَعْلُو شراب أهل الْجنَّة، وَهَذَا وَصله عبد ب حميد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: التسنيم يَعْلُو شراب أهل الْجنَّة، وَهُوَ صرف للمقربين ويمزج لأَصْحَاب الْيَمين.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: التسنيم اسْم مَاء فِي الْجنَّة، سمي بذلك لِأَنَّهُ جرى فَوق الغرف والقصور.

خِتامُهُ طِينُهُ مِسْك
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
وَفسّر الْمَخْتُوم بقوله: ختامه طينه مسك، وَهَذَا وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد فِي قَوْله: ختامه مسك، قَالَ: طينه مسك، وَفِي طَرِيق أبي الدَّرْدَاء فِي قَوْله: ختامه مسك، قَالَ هُوَ شراب أَبيض مثل الْفضة يختمون بِهِ آخر شرابهم.

نَضَّاخَتَانِ فَيَّاضَتَانِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فيهمَا عينان نضاختان} ( الرَّحْمَن: 66) .
وَفسّر النضاختان بقوله: فياضتان، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ والنضخ فِي اللُّغَة بِالْمُعْجَمَةِ أَكثر من الْمُهْملَة.

يُقَالُ: مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ.
ومنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { على سرر موضونة} ( الْوَاقِعَة: 51) .
وَفسّر الموضونة بالمنسوجة، أَي: المنسوجة بِالذَّهَب، وَقيل: بالجواهر واليواقيت، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة.
وَرُوِيَ أَيْضا من طَرِيق الضَّحَّاك فِي قَوْله: موضونة، قَالَ: الْوَضِين التشبيك والنسيج يَقُول: وَسطهَا مشبك منسوج.
قَوْله: ( وَمِنْه) ، أَي: وَمن هَذَا وضين النَّاقة: وَهُوَ البطان إِذا نسج بعضه على بعض مضاعفاً.

والكُوبُ مَا لاَ أُذُنَ لَهُ ولاَ عُرْوَةَ، والأبارِيقُ ذَوَاتُ الآذَانِ والْعُرَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { بأكواب وأباريق} ( الْوَاقِعَة: 81) .
والأكواب جمع كوب، وَفَسرهُ بقوله: والكوب مَا لَا أذن لَهُ وَلَا عُرْوَة، وَقيل: الكوب المستدير لَا عرىً لَهُ، وَيجمع على أكواب، وَيجمع الأكواب على: أكاويب، وروى عبد ابْن حميد من طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: الكوب دون الإبريق لَيْسَ لَهُ عُرْوَة، والأباريق جمع إبريق على وزن إفعيل أَو فعليل.

عُرْبَاً مُثَقَّلَةً واحِدُهَا مثْلُ صَبُورٍ وصبر يُسَمِّيهَا أهْلُ مَكَّةَ العَرَبَةَ وأهْلُ المدِينَة الغَنِجَةَ وأهْلُ العِرَاقِ الشِّكِلَةَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا} الْوَاقِعَة: 63 وَفسّر: عربا، بِقوم مثقلة أَي: مَضْمُومَة الرَّاء، قيل: مُرَادهم بالتثقيل الضَّم وبالتخفيف الإسكان.
قلت: لَيْت شعري هَذَا اصْطِلَاح من أهل الأدبية.
قَوْله: ( واحدتها) أَي: وَاحِدَة الْعَرَب بِضَم الرَّاء: غرُوب، مثل: صبور فِي الْمُفْرد، وصبر بِضَم الْبَاء فِي الْجمع، وَذكر النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) فِي قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهن أَبْكَارًا} ( الْوَاقِعَة: 63) .
عذارى عربا عواشق محببات إِلَى أَزوَاجهنَّ جمع عروب،.

     وَقَالَ  الْحسن: العروب الملقة،.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: غنجة،.

     وَقَالَ  ابْن زيد: شكله بلغَة مَكَّة، مغنوجة بلغَة الْمَدِينَة، وَعَن زيد بن حَارِثَة: حسان الْكَلَام، وَقيل: حَسَنَة الْفِعْل، وَجزم الْفراء: بِأَن العروب الغنجة.
قَوْله: ( العربة) ، بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء وَفتح الْبَاء، وَأخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق تَمِيم بن حدلم فِي قَوْله تَعَالَى: { عربا} ( الْوَاقِعَة: 63) .
قَالَ: العربة الْحَسَنَة التبعل، كَانَت الْعَرَب تَقول إِذا كَانَت الْمَرْأَة حَسَنَة التبعل: إِنَّهَا لعربة، وَمن طَرِيق عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر الْمَكِّيّ، قَالَ: العربة الَّتِي تشْتَهي زَوجهَا.
قَوْله: ( الغنجة) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون وبالجيم: من الغنج، وَهُوَ التكسر والتدلل فِي الْمَرْأَة، وَقد غنجت وتغنجت.
قَوْله: ( الشكلة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْكَاف ذَات الدل.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَوْحٌ جَنَّةٌ ورَخَاءٌ والرَّيْحَانُ الرِّزْقُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} ( الْوَاقِعَة: 98) .
وَفسّر مُجَاهِد: روحاً بجنة ورخاء، وَفسّر الريحان بالرزق.
.

     وَقَالَ  الْفرْيَابِيّ: حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ( فَروح) قَالَ جنَّة { وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: رزق.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي ( الشّعب) من طَرِيق آدم عَن وَرْقَاء بِسَنَدِهِ بِلَفْظ: { فَروح وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: الروج جنَّة ورخاء، وَالريحَان الرزق.
وروى عبد بن حميد فِي ( تَفْسِيره) : حَدثنَا شَبابَُة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: { فَروح وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: رزق، وَحدثنَا أَبُو نعيم عَن عبد السَّلَام بن حَرْب عَن لَيْث عَن مُجَاهِد، قَالَ: الرّوح الْفَرح، وَالريحَان الرزق، وَقيل: روح طيب ونسيم، وَقيل: الاسْتِرَاحَة، وَمن قَرَأَ بِضَم الرَّاء أَرَادَ الْحَيَاة الَّتِي لَا موت مَعهَا، وَعَن الْحسن: الريحان ريحاننا هَذَا.

والمَنْضُودُ المَوْزُ والمَخْضُودُ المُوقَرُ حَمْلاً ويُقَالُ أَيْضا لَا شَوْكَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
الْآيَة وَفسّر قَوْله: { وطلح منضود} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
بِأَنَّهُ: الموز،.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَقع هُنَا تَخْلِيط، وَالصَّوَاب: والطلح الموز، والمنضود: الموقر حملا الَّذِي نضد بعضه على بعض من كَثْرَة حَملَة، واستصوب بَعضهم مَا قَالَه البُخَارِيّ، وَفِي ضمنه رد على عِيَاض، وَالصَّوَاب مَا قَالَه عِيَاض لِأَن المنضود لَيْسَ اسْم الموز وَإِنَّمَا هُوَ صفة الطلح.
.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) : طلح شجر موز، وَعَن السّديّ: شجر يشبه طلح الدُّنْيَا وَلَكِن لَهُ ثَمَر أحلى من الْعَسَل،.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ أَيْضا: حُكيَ أَن رجلا قَرَأَ عِنْد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: { وطلح منضود} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
فَقَالَ عَليّ: وَمَا شَأْن الطلح؟ إِنَّمَا هُوَ: طلع منضود، ثمَّ قَرَأَ , { طلعها هضيم} ( الشُّعَرَاء: 841) .
فَقيل: إِنَّهَا فِي الْمُصحف بِالْحَاء أَفلا نحولها؟ فَقَالَ: إِن الْقُرْآن لَا يهاج الْيَوْم وَلَا يحول، وَعَن الْحسن: لَيْسَ الطلح بالموز وَلكنه شجر لَهُ ظلّ بَادر طيب،.

     وَقَالَ  الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة: الطلح عِنْد الْعَرَب شجر عِظَام لَهَا شوك، وَقيل: هُوَ شجر أم غيلَان وَله نوار كثير طيب الرَّائِحَة.
قلت: وعَلى كل تَقْدِير فِي معنى الطلح فالمنضود صفة وَلَيْسَ باسم، وَمَعْنَاهُ: متراكم قد نضد بِالْحملِ من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ، وَلَيْسَت لَهُ سَاق بارزة.
.

     وَقَالَ  مَسْرُوق: أَشجَار الْجنَّة من عروقها إِلَى أفنائها ثَمَر كُله.
قَوْله: ( والمخضود) ، بالمعجمتين: صفة للسدر كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن.

والعُرُبُ المُحَبَّبَاتُ إِلَى أزْوَاجِهِنَّ
قد ذكر: العُرب، عَن قريب وفسرها بقوله: مثقلة،.

     وَقَالَ : واحدتها عروب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.

ويُقَالُ: مسْكُوبٌ جَارٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَاء مسكوب} ( الْوَاقِعَة: 13) .
وَفَسرهُ بقوله: جَار، وَأَرَادَ بِهِ أَنه قوي الجري كَأَنَّهُ يسْكب سكباً.

وفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وفرش مَرْفُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
بعد قَوْله: { وفاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: المرفوعة الْعَالِيَة، يُقَال بِنَاء مَرْفُوع أَي: عَال، وروى ابْن حبَان وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله: { وفرش مَرْفُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
قَالَ: ارتفاعها خَمْسمِائَة عَام.

لَغْوَاً باطِلاً تأثِيماً كَذِبَاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيماً} ( الْوَاقِعَة: 52) .
وَفسّر اللَّغْو بِالْبَاطِلِ والتأثيم بِالْكَذِبِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد.

أفْنان أغْصانٌ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ذواتا أفنان} ( الرحمان: 84) .
وَفسّر الأفنان بالأغصان، وَكَذَا فسره عِكْرِمَة وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : الأفنان جمع فنن وَهُوَ من قَوْلهم: أفنن فلَان فِي حَدِيثه إِذا أَخذ فِي فنون، وَعَن مُجَاهِد: أفنان أَغْصَان وَاحِدهَا فنن، وَعَن عِكْرِمَة: ظلّ الأغصان على الْحِيطَان، وَعَن الْحسن: ذواتا أفنان ذواتا ظلال، وَخص الأفنان بِالذكر لِأَنَّهَا الغصنة الَّتِي تتشعب من فروع الشَّجَرَة لِأَنَّهَا الَّتِي تورق وتثمر، فَمِنْهَا تمتد الظلال وَمِنْهَا تجتنى الثِّمَار.

{ وجَناى الجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ( الرحمان: 45) .
مَا يُجْتَناى قريب مِنْها
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { متكئين على فرش بطائنها من استبرق.
وجنا الجنتين دَان}
( الرحمان: 45) .
وَفسّر: جنى، بِمَا يجتنى، ودانٍ بقوله: قريب مِنْهَا.
وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وجنا الجنتين ثَمَرهَا دانٍ قريب يَنَالهُ الْقَائِم والقاعد والنائم.

مُدْهَامَّتَانِ سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن دونهمَا جنتان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ: مدهامتان} ( الرحمان: 26 46) .
يَعْنِي: وَمن دون الجنتين الْأَوليين الموعودتين: { لمن خَافَ مقَام ربه جنتان} ( الرحمان: 26 46) .
أخريان: { مدهامتان} ( الرحمان: 26 46) .
وفسرها بقوله: سوداوان من الرّيّ، وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد، وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : مدهامتان ناعمتان سوداوتان من ريهما وَشدَّة خضرتهما، لِأَن الخضرة إِذا اشتدت قربت إِلَى السوَاد والدهمة السوَاد الْغَالِب.



[ قــ :3094 ... غــ :3240 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا ماتَ أحَدُكُمْ فإنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالْغَداةِ والْعَشِيِّ فإنْ كانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ وإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ.
( انْظُر الحَدِيث 9731 وطرفه) .


شرع البُخَارِيّ يذكر فِي هَذَا الْبابُُ خَمْسَة عشر حَدِيثا مطابقات كلهَا للتَّرْجَمَة فِي ذكر الْجنَّة، وَفِي بَعْضهَا وصفهَا، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر الْمُطَابقَة بعد هَذَا فِي أول كل حَدِيث، وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ الْمَيِّت يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :3095 ... غــ :341 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا سَلْمُ بنُ زَرِيرٍ قَالَ حدَّثنا أبُو رَجاءٍ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اطْلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِها الفُقَرَاءَ واطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّساء.
.


أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَسلم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: ابْن زرير، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: العطاردي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء عمرَان بن ملْحَان العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسلم بعد فتح مَكَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ، بلغ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن أبي الْوَلِيد أَيْضا عَن سلم بن زرير وَفِي النِّكَاح عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة جَهَنَّم عَن ابْن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء وَفِي الرقَاق عَن قُتَيْبَة وَعَن بشر بن هِلَال وَعمْرَان ابْن مُوسَى، وَفِيه الِاخْتِلَاف على أبي رَجَاء فَإِن مُسلما رَوَاهُ من حَدِيث الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس، وَمن حَدِيث أبي الْأَشْهب عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس، وَمن حَدِيث ابْن أبي عرُوبَة عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وكلا الإسنادين لَيْسَ فيهمَا مقَال، يحْتَمل أَن يكون أَبُو رَجَاء سمع مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي النِّكَاح من حَدِيث عَوْف عَن أبي رَجَاء،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَقد روى غير عَوْف أَيْضا هَذَا الحَدِيث عَن أبي رَجَاء عَن عمرَان بن حُصَيْن، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث يزِيد بن عبد الله وَمُحَمّد بن عبد الله وَهُوَ متابع لأبي رَجَاء عَن عمرَان.
وَلَفظه: ( أقل سَاكِني الْجنَّة النِّسَاء) ، وَفِي لَفْظَة: ( وَعَامة أهل النَّار النِّسَاء) ، وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا: لَا تدخل النِّسَاء إلاَّ كعدد هَذَا الْغُرَاب مَعَ هَذِه الْغرْبَان، وَفِي ( الْأَخْبَار) للألكائي من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن شبْل مَرْفُوعا: ( إِن الْفُسَّاق هم أهل النَّار) ، ثمَّ فسرهم بِالنسَاء، قَالُوا: يَا رَسُول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قَالَ: بلَى، ( وَلَكِن إِذا أُعطين لم يشكرن وَإِذا ابتلين لم يصبرن) .
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا تسْتَحقّ النِّسَاء النَّار لكفرهن العشير.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا كَانَ النِّسَاء أقل سَاكِني الْجنَّة لما يغلب عَلَيْهِنَّ الْهوى والميل إِلَى عَاجل زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا، ولنقصان عقولهن، فيضعفن عَن عمل الْآخِرَة وَالتَّأَهُّب لَهَا لميلهن إِلَى الدُّنْيَا والتزين بهَا، وأكثرهن معرضات عَن الْآخِرَة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عَن الدّين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إِلَى الْآخِرَة وأعمالها، وَأما الْفُقَرَاء فَلَمَّا كَانُوا فاقدي المَال الَّذِي يتوسل بِهِ إِلَى الْمعاصِي فازوا بِالسَّبقِ.
فَإِن قلت: فقد ظهر فضل الْفقر فَلم استعاذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ؟ قلت: إِنَّمَا استعاذ من شَرّ فتنته كَمَا استعاذ من شَرّ فتْنَة الْغنى.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الْجنَّة عزب وَلكُل رجل زوجان، فكي يكون وصفهن بالقلة فِي الْجنَّة وبالكثرة فِي النَّار؟ قلت: ذكر الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن الْإِكْثَار بِكَوْن النِّسَاء أَكثر أهل النَّار كَانَ قبل الشَّفَاعَة فِيهِنَّ، فعلى كَون زَوْجَيْنِ لكل رجل يكنَّ أَكثر أهل الْجنَّة.





[ قــ :3096 ... غــ :34 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ قالَ بَيْنَا أنَا نائِمٌ رَأيْتُنِي فِي الجَنَّةِ فإذَا امْرَأةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هذَا القَصْرُ فقَالُوا لِعُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرَاً فبَكَى عُمَرُ وقالَ أعَلَيْكَ أغَارُ يَا رسُولَ الله.
.


أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي فضل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن سعيد بن أبي مَرْيَم أَيْضا، وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (رَأَيْت فِي الْجنَّة قصراً من ذهب، فَقلت: لمن هَذَا؟ قَالَ: لعمر بن الْخطاب) .
قَالَ: وَمعنى هَذَا الحَدِيث: أَنِّي دخلت البارحة الْجنَّة، يَعْنِي: رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي دخلت الْجنَّة، هَكَذَا رُوِيَ فِي بعض هَذَا الحَدِيث ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (رُؤْيا الْأَنْبِيَاء حق) ، وَقد روى أَحْمد من حَدِيث معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: (إِن عمر من أهل الْجنَّة) ، وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَا رأى فِي يقظته ومنامه سَوَاء، وَأَنه قَالَ: (بَينا أَنا فِي الْجنَّة إِذْ رَأَيْت فِيهَا جَارِيَة، فَقلت: لمن هَذِه؟ فَقيل: لعمر بن الْخطاب.

قَوْله: (رَأَيْتنِي) ، أَي: رَأَيْت نَفسِي.
قَوْله: (فَإِذا امْرَأَة) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة.
قَوْله: (تتوضأ) ، قَالَ الْكرْمَانِي: تتوضأ من الْوَضَاءَة، وَهِي الْحسن والنظافة، وَيحْتَمل أَن يكون من الْوضُوء،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: فَإِذا امْرَأَة شوهاء، وَإِنَّمَا أسقط الْكَاتِب مِنْهُ بعض الْحُرُوف فَصَارَ: يتَوَضَّأ لالتباس ذَلِك فِي الْخط لِأَنَّهُ لَا عمل فِي الْجنَّة لَا وضوء وَلَا غَيره، والشوهاء بالشين الْمُعْجَمَة.
قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ الْمَرْأَة الْحَسْنَاء، والشوهاء وَاسِعَة الْفَم وَالصَّغِيرَة الْفَم،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الشوهاء القبيحة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: فرس شوهاء صفة محمودة، وَيُقَال: يُرَاد بهَا سَعَة أشداقها، ورد عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ،.

     وَقَالَ : الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: (تتوضأ) ، ووضوء هَذِه الْمَرْأَة إِنَّمَا هُوَ لتزداد حسنا ونوراً لَا أَنَّهَا تزيل وسخاً وَلَا قذراً، إِذْ الْجنَّة منزهة عَن القذر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَذكر عَن الشَّيْخ أبي الْحسن أَنه قَالَ: هَذَا فِيهِ أَن الْوضُوء موصل إِلَى هَذَا الْقصر وَالنَّعِيم.
قَوْله: (فَذكرت غيرته) ، بِالْفَتْح مصدر قَوْلك: غَار الرجل على أَهله من فلَان، وَهِي الحمية والأنفة، يُقَال: رجل غيور، وَامْرَأَة غيور، وَجَاء امْرَأَة غيراء، وَصِيغَة غيور للْمُبَالَغَة.



[ قــ :3097 ... غــ :343 ]
- حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ سَمِعْتُ أبَا عِمْرَانَ الجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ عنْ أبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ الأشْعَرِيِّ عنْ أبِيهِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَ فِي السَّمَاءِ ثَلاثُونَ مِيلاً فِي كلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أهْل لاَ يَرَاهُمُ الآخَرُونَ.
قَالَ أبُو عَبْدِالصَّمَدِ والحَارِثُ بنُ عُبَيْدٍ عنْ أبِي عِمْرَان سِتُّونَ مِيلاً.
( الحَدِيث 343 طرفه فِي: 9784) .


همام، بتَشْديد الْمِيم: ابْن يحيى أبي دِينَار الْبَصْرِيّ وَأَبُو عمرَان عبد الْملك بن حبيب الْجونِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون، وَأَبُو بكر اسْمه عَمْرو بن عبد الله بن قيس بن سليم الْأَشْعَرِيّ مَاتَ فِي ولَايَة خَالِد بن عبد الله وَكَانَ أكبر من أَخِيه ابْن بردة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْجنَّة عَن سعيد بن مَنْصُور وَعَن أبي غَسَّان وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا.

قَوْله: ( الْخَيْمَة) ، بَيت مربع من بيُوت الْأَعْرَاب.
قَوْله: ( درة مجوفة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَالْمُسْتَمْلِي: ( در مجوف طوله) ، ويروى: ( من لؤلؤة) ، ومجوفة بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَة السَّمرقَنْدِي: بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي: المثقوبة الَّتِي قطع داخلها.
قَوْله: ( ثَلَاثُونَ ميلًا) ، والميل ثلث الفرسخ، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: ( الْخَيْمَة درة مجوفة فَرسَخ فِي فَرسَخ لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب) ، وَعَن أبي الدَّرْدَاء: ( الْخَيْمَة لؤلؤة وَاحِدَة لَهَا سَبْعُونَ بابُُا) .
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: يعلم من هَذَا الحَدِيث أَن نوع النِّسَاء الْمُشْتَمل على الْحور والآدميات فِي الْجنَّة أَكثر من نوع رجال بني آدم.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الصَّمد) ، واسْمه عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد الْعمي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
قَوْله: ( والْحَارث بن عبيد) ، أَبُو قدامَة، بِضَم الْقَاف: الأيادي، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة، يَعْنِي: روى هَذَانِ الإثنان هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَا: ( سِتُّونَ ميلًا) بدل قَول همام: ثَلَاثُونَ، وَتَعْلِيق أبي عبد الصَّمد وَصله البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى عَنهُ، وَتَعْلِيق الْحَارِث وَصله مُسلم وَلَفظه: إِن للْعَبد فِي الْجنَّة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولهَا سِتُّونَ ميلًا.





[ قــ :3098 ... غــ :344 ]
- ( حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الله أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر فاقرؤا إِن شِئْتُم فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين) الْحميدِي تكَرر ذكره وَهُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْجنَّة عَن سعيد بن عَمْرو وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر وَهَذَا الحَدِيث يدل على وجود الْجنَّة لِأَن الإعداد غَالِبا لَا يكون إِلَّا لشَيْء حَاصِل قَوْله " مَا لَا عين رَأَتْ " مَا هُنَا إِمَّا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة وَعين وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي فَأفَاد الِاسْتِغْرَاق وَالْمعْنَى مَا رَأَتْ الْعُيُون كُلهنَّ وَلَا عين وَاحِدَة مِنْهُنَّ والأسلوب من بابُُ قَوْله تَعَالَى { مَا للظالمين من حميم وَلَا شَفِيع يطاع} فَيحمل على نفي الرُّؤْيَة وَالْعين مَعًا أَو نفي الرُّؤْيَة فَحسب أَي لَا رُؤْيَة وَلَا عين أَو لَا رُؤْيَة وعَلى الأول الْغَرَض مِنْهُ نفي الْعين وَإِنَّمَا ضمت إِلَيْهِ الرُّؤْيَة ليؤذن بِأَن انْتِفَاء الْمَوْصُوف أَمر مُحَقّق لَا نزاع فِيهِ وَبلغ فِي تحَققه إِلَى أَن صَار كالشاهد على نفي الصّفة وَعَكسه قَوْله " وَلَا خطر على قلب بشر " هُوَ من بابُُ قَوْله تَعَالَى { يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم} وَقَوله
( لَا حب يهتدى بمنارة ... )
أَي لَا قلب وَلَا خطر أَو لَا خطور فعلى الأول لَيْسَ لَهُم خطر فَجعل انْتِفَاء الصّفة دَلِيلا على انْتِفَاء الذَّات أَي إِذا لم يحصل ثَمَرَة الْقلب وَهُوَ الاخطار فَلَا قلب كَقَوْلِه تَعَالَى { إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب أَو ألْقى السّمع} ( فَإِن قلت) لم خص الْبشر هُنَا دون القرينتين السابقتين قلت لأَنهم هم الَّذين يَنْتَفِعُونَ بِمَا أعد لَهُم ويهتمون بِشَأْنِهِ ويخطرونه ببالهم بِخِلَاف الْمَلَائِكَة والْحَدِيث كالتفصيل لِلْآيَةِ فَإِنَّهَا نفت الْعلم والْحَدِيث نفى طرق حُصُوله قَوْله " فاقرؤا إِن شِئْتُم " قَالَ الدَّاودِيّ هُوَ من قَول أبي هُرَيْرَة ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين.

     وَقَالَ  الظَّاهِر خِلَافه وَأَنه من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " قُرَّة أعين " قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله تَعَالَى { فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم} لَا تعلم النُّفُوس كُلهنَّ وَلَا نفس وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَا ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل أَي نوع عَظِيم من الثَّوَاب ادخره الله تَعَالَى لأولئك وأخفاه عَن جَمِيع خلائقه لَا يُعلمهُ إِلَّا هُوَ مِمَّا تقر بِهِ عيونهم وَلَا مزِيد على هَذِه الْعدة وَلَا مطمح وَرَاءَهَا انْتهى وَيُقَال أقرّ الله عَيْنك وَمَعْنَاهُ أبرد الله تَعَالَى دمعتها لِأَن دمعة الْفَرح بَارِدَة حَكَاهُ الْأَصْمَعِي.

     وَقَالَ  غَيره مَعْنَاهُ بلغك الله أمنيتك حَتَّى ترْضى بِهِ نَفسك فَلَا تستشرف إِلَى غَيره -



[ قــ :3099 ... غــ :345 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبَرَنا عبْدُ الله قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ ولاَ يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ ومَجَامِرُهُمْ الألاوَّةُ ورَشْحُهُمْ المِسْكُ ولِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِما مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ لَا اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ولاَ تَباغُضَ قُلُوبُهُمْ قلْبٌ واحدٌ يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وعَشِيَّاً.
.


عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة الْجنَّة أَيْضا عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك أَيْضا،.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح.

قَوْله: ( أول زمرة) أَي: جمَاعَة.
قَوْله: ( تلج) ، أَي: تدخل من: ولج يلج ولوجاً.
قَوْله: ( صورتهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر) أَي: فِي الإضاءة، وَسَيَأْتِي فِي الرقَاق بِلَفْظ: يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا تضيء وُجُوههم إضاءة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، وَيَجِيء هُنَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَالَّذين على آثَارهم كأشد كَوْكَب إضاءة.
قَوْله: ( لَا يبصقون) ، من البصاق ( وَلَا يَمْتَخِطُونَ) من المخاط ( وَلَا يَتَغَوَّطُونَ) من الْغَائِط وَهُوَ كِنَايَة عَن الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ جَمِيعًا، وَزَاد فِي صفة آدم: لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتْفلُونَ، وَيَأْتِي فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: وَلَا يسقمون، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث جَابر: يَأْكُل أهل الْجنَّة وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ طعامهم ذَلِك جشاء كريح الْمسك، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم، قَالَ: جَاءَ رجل من أهل الْكتاب فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم { تزْعم أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ} قَالَ: نعم، إِن أحدكُم ليُعْطى قُوَّة مائَة رجل فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع، قَالَ: الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب تكون لَهُ الْحَاجة، وَلَيْسَ فِي الْجنَّة أَذَى؟ قَالَ: تكون حَاجَة أحدهم رشحاً يفِيض من جُلُودهمْ كَرَشْحِ الْمسك.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: السَّائِل ثَعْلَبَة بن الْحَارِث.
قَوْله: ( آنيتهم الذَّهَب) ، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي: وَالْفِضَّة.
.

     وَقَالَ  فِي الأمشاط عكس ذَلِك، فَكَأَنَّهُ اكْتفى فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر.
قَوْله: ( أمشاطهم) جمع مشط، وَهُوَ مثلث الْمِيم، والأفصح ضمهَا.
قَوْله: ( ومجامرهم) ، جمع مجمرة وَهِي المبخرة، سميت مجمرة لِأَنَّهَا يوضع فِيهَا الْجَمْر ليفوح بِهِ مَا يوضع فِيهَا من البخور، ومجامرهم مُبْتَدأ و: الألوة، خَبره، وَيفهم مِنْهُ نفس الْعود، وَلَكِن فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: وقود مجامرهم الألوة، فعلى هَذَا يكون الْمُضَاف هُنَا محذوفاً.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فِي الْجنَّة نفس المجمرة هِيَ الْعود.
قلت: فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: وعودهم الألوة، فَإِذا كَانَ الألوة عوداً يكون الْحمل غير صَحِيح، لِأَن الْمَحْمُول يكون غير الْمَوْضُوع،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: المجامر جمع مجمرة بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ الَّذِي يوضع النَّار فِيهِ للبخور، وبالضم هُوَ الَّذِي يتبخر بِهِ وَأعد لَهُ الْجَمْر، ثمَّ قَالَ: وَالْمرَاد فِي الحَدِيث هُوَ الأول، وَفَائِدَة الْإِضَافَة أَن الألوة هِيَ الْوقُود نَفسه بِخِلَاف الْمُتَعَارف، فَإِن وقودهم غير الألوة وَقيل: المجامر جمع، والألوة مُفْرد، فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.
وَأجِيب: بِأَن الألوة جنس، وَهُوَ بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا وَضم اللَّام وَتَشْديد الْوَاو، وَهُوَ: الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ، وَرُوِيَ بِكَسْر اللَّام أَيْضا، وَهُوَ مُعرب، وَحكى ابْن التِّين كسر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْوَاو والهمزة أَصْلِيَّة، وَقيل: زَائِدَة.
فَإِن قلت: إِن رَائِحَة الْعود إِنَّمَا تفوح بِوَضْعِهِ فِي النَّار وَالْجنَّة لَا نَار فِيهَا.
قلت: يحْتَمل أَن يشتعل بِغَيْر نَار، وَيحْتَمل أَن يكون بِنَار لَا ضَرَر فِيهَا وَلَا إحراق وَلَا دُخان، وَقيل: تفوح بِغَيْر إشعال، ويشابه ذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: أَن الرجل فِي الْجنَّة ليشتهي الطير فيخر بَين يَدَيْهِ مشوياً.
فَإِن قلت: أَي: حَاجَة لَهُم إِلَى الْمشْط وهم مرد وشعورهم لَا تنسخ؟ وَأي حَاجَة لَهُم إِلَى البخور وريحهم أطيب من الْمسك؟ قلت: نعيم أهل الْجنَّة من أكل وَشرب وَكِسْوَة وَطيب لَيْسَ عَن ألم جوع أَو ظمأ، أَو عري أَو نَتن، وَإِنَّمَا هِيَ لذات مترادفة وَنعم مُتَوَالِيَة، وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَنهم ينعمون بِنَوْع مَا كَانُوا يتنعمون بِهِ فِي دَار الدُّنْيَا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَذْهَب أهل السّنة أَن تنعم أهل الْجنَّة على هَيْئَة تنعم أهل الدُّنْيَا إلاَّ مَا بَينهمَا من التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة، وَدلّ الْكتاب وَالسّنة على أَن نعيمهم لَا انْقِطَاع لَهُ.
قَوْله: ( ورشحهم الْمسك) أَي: عرقهم كالمسك فِي طيب الرَّائِحَة.
قَوْله: ( زوجتان) ، أَي: من نسَاء الدُّنْيَا، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي صفة أدنى أهل الْجنَّة منزلَة: وَأَن لَهُ من الْحور الْعين ثِنْتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة سوى أَزوَاجه من الدُّنْيَا،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: الظَّاهِر أَن التَّثْنِيَة يَعْنِي فِي قَوْله: زوجتان، للتكرير لَا للتحديد كَقَوْلِه تَعَالَى: { فأرجع الْبَصَر كرتين} ( الْملك:) .
لِأَنَّهُ قد جَاءَ أَن للْوَاحِد من أهل الْجنَّة الْعدَد الْكثير من الْحور الْعين.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، وَقيل: يجوز أَن يكون يُرَاد بِهِ نَحْو: لبيْك وَسَعْديك، فَإِن المُرَاد تَلْبِيَة بعد تَلْبِيَة، وَلَيْسَ المُرَاد نفس التَّثْنِيَة، أَو يكون بِاعْتِبَار الصِّنْفَيْنِ نَحْو: زوجه طَوِيلَة وَالْأُخْرَى قَصِيرَة، أَو إِحْدَاهمَا كَبِيرَة وَالْأُخْرَى صَغِيرَة، قيل: اسْتدلَّ أَبُو هُرَيْرَة بِهَذَا الْإِسْنَاد على أَن النِّسَاء فِي الْجنَّة أَكثر من الرِّجَال.
فَإِن قلت: يُعَارضهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْكُسُوف: ( رأيتكن أَكثر أهل النَّار) قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ لَا يلْزم من أكثريتهن فِي النَّار فَفِي أكثريتهن فِي الْجنَّة.
فَإِن قلت: يشكل على هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الآخر: اطَّلَعت فِي الْجنَّة فَرَأَيْت أقل ساكنيها النِّسَاء؟ قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب أَن هَذَا كَانَ قبل الشَّفَاعَة، ثمَّ قَوْله: زوجتان، بِالتَّاءِ وَهِي لُغَة كثرت فِي الحَدِيث، وَالْأَشْهر خلَافهَا، وَبِه جَاءَ الْقُرْآن وَهُوَ الْأَفْصَح، مَعَ أَن الْأَصْمَعِي كَانَ يُنكر التَّاء، وَلَكِن رد عَلَيْهِ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي بشواهد ذكرهَا.
قَوْله: ( يُرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم) ، المخ، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة: مَا فِي دَاخل الْعظم لَا يسْتَتر بالعظم وَاللَّحم وَالْجَلد، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ليرى بَيَاض سَاقهَا من وَرَاء سبعين حلَّة، حَتَّى يرى مخها.
وَفِي رِوَايَة أَحْمد من رِوَايَة أبي سعيد: ينظر وَجهه فِي خدها أصفى من الْمرْآة، وسوق، بِضَم السِّين جمع: سَاق.
وَكلمَة: من، فِي: من الْحسن، يجوز أَن تكون للتَّعْلِيل و: أَن، تكون بَيَانِيَّة.
قَوْله: ( لَا اخْتِلَاف بَينهم) ، أَي: بَين أهل الْجنَّة ( وَلَا تباغض) لصفاء قُلُوبهم ونظافتها من الكدورات.
قَوْله: ( قُلُوبهم) ، مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره: قلب وَاحِد، بِالْإِضَافَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: وَاحِد، مَرْفُوع على أَنه صفة لقلب، وَأَصله على التَّشْبِيه حذفت أداته أَي: كقلب رجل وَاحِد.
قَوْله: { يسبحون الله بكرَة وعشياً} ( الْملك: 4) .
هَذَا التَّسْبِيح لَيْسَ عَن تَكْلِيف وإلزام، وَقد فسره جَابر فِي حَدِيثه عِنْد مُسلم بقوله: يُلْهمُون التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير كَمَا يُلْهمُون النَّفس، وَوجه التَّشْبِيه أَن تنفس الْإِنْسَان لَا كلفة عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ، فَجعل تنفسهم تسبيحاً وَسَببه أَن قُلُوبهم تنورت بِمَعْرِِفَة الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وامتلأت بحبه، وَمن أحب شَيْئا أَكثر من ذكره.
فَإِن قلت: لَا بكرَة وَلَا عَشِيَّة، إِذْ لَا طُلُوع وَلَا غرُوب.
قلت: المُرَاد مِنْهُ مقدارهما أَو دَائِما يتلذذون بِهِ، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: إِذا تلذذوا بِهِ دَائِما يبْقى.
قَوْله: ( بكرَة وعشياً) بِلَا فَائِدَة، وَالظَّاهِر أَن تسبيحهم يكون فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ.
فَإِن قلت: كَيفَ يعْرفُونَ هذَيْن الْوَقْتَيْنِ بِلَا ليل وَلَا نَهَار؟ قلت: قد قيل: إِن تَحت الْعَرْش ستارة معلقَة تطوى وتنشر على يَد ملك، فَإِذا طواها يعلمُونَ أَنهم لَو كَانُوا فِي الدُّنْيَا، كَانَ هَذَا نَهَارا، وَإِذا أسبلها يعلمُونَ أَنهم لَو كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَانَ لَيْلًا، وانتصاب: ( بكرَة وعشياً) على الظَّرْفِيَّة.





[ قــ :3100 ... غــ :346 ]
- حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبرَنا شعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ والَّذِينَ علَى إثْرِهِمْ كأشَدِّ كَوْكبٍ إضَاءَةً قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ولاَ تَباغُضَ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَة منْهُمَا يُرَى مُخُّ ساقِها منْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وعَشِيَّاً لاَ يَسْقَمُونَ ولاَ يَمْتَخِطُونَ ولاَ يَبْصُقُونَ آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ والفِضَّةُ وأمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَقُودَ مَجَامِرِهِمْ الأُلْوَةُ.
قَالَ أبُو اليَمَانِ يَعْنِي العُودَ ورَشْحُهُمْ الِمسْكُ.
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَرُوَاته على هَذَا النسق قد مروا غير مرّة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

قَوْله: ( على إثرهم) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَبِفَتْحِهَا أَيْضا، أَي: الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة عقيب الْأَوَّلين، وَالَّذين يدْخلُونَ بعدهمْ كأشد كَوْكَب إضاءة، وَإِنَّمَا أفرد الْمُضَاف إِلَيْهِ ليُفِيد الِاسْتِغْرَاق فِي هَذَا النَّوْع من الْكَوْكَب، يَعْنِي: إِذا انْقَضتْ كوكباً كوكباً رَأَيْتهمْ كأشد إضاءة.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين هَذَا وَبَين التَّرْكِيب السَّابِق؟ قلت: كِلَاهُمَا مشبهان إِلَّا أَن الْوَجْه فِي الثَّانِي هُوَ الإضاءة فَقَط، وَفِي الأول الْهَيْئَة وَالْحسن والضوء، كَمَا إِذا قلت: إِن زيدا لَيْسَ بِإِنْسَان بل هُوَ فِي صُورَة الْأسد وشجاعته وجراءته.
وَهَذَا التَّشْبِيه قريب من الِاسْتِعَارَة المكنية.
قَوْله: ( آنيتهم الذَّهَب وَالْفِضَّة) ، وَفِي الحَدِيث السَّابِق قَالَ: آنيتهم الذَّهَب، وَهنا زَاد: الْفضة، وَفِي الأمشاط ذكر بعكس ذَلِك فَكَأَنَّهُ اكْتفى فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِذكر أَحدهمَا كَمَا ذكرنَا هُنَاكَ، كَمَا فِي قَوْله: { والَّذِين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} ( التَّوْبَة: 43) .
وخصص الذَّهَب لِأَنَّهُ لَعَلَّه أَكثر من الْفضة كنزاً، أَو لِأَن الذَّهَب أشرف، أَو أَن حَال الزمرة الأولى خَاصَّة، فآنيتهم كلهَا من الذَّهَب لشرفهم وَهَذَا أَعم مِنْهُم، فتفاوت الْأَوَانِي بِحَسب تفَاوت أَصْحَابهَا، وَأما الأمشاط فَلَا تفَاوت بَينهم فِيهَا، فَلم يذكر الْفضة هُنَا، وَلما علم ثمَّة أَن فِي آنِية الزمرة الأولى قد تكون الْفضة فغيرهم بِالطَّرِيقِ الأولى، وَحَقِيقَة هَذِه الْأَحْوَال لَا يعلمهَا إلاَّ الله تَعَالَى.

وقالَ مُجَاهِدٌ الإبْكَارُ أوَّلُ الفَجْرِ والعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إلَى أنْ أُرَاهُ تَغْرُبَ
قَوْله: ( أُراه) أَي: أَظُنهُ، وَهِي جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: ( إِلَى أَن) وَقَوله: ( تغرب) وَكَانَ البُخَارِيّ ظن فِي آخر الْعشي يَعْنِي مبدأ الْعشي مَعْلُوم وَآخره مظنون، و: تغرب، مَنْصُوب بِأَن، وَتَعْلِيق مُجَاهِد وَصله عبد بن حميد والطبري وَغَيرهمَا من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بِلَفْظ: إِلَى أَن تغيب،.

     وَقَالَ : الإبكار، مصدر تَقول: أبكر فلَان فِي حَاجته يبكر إبكاراً إِذا خرج من بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى وَقت الْفجْر، وَأما الْعشي فَمن بعد الزَّوَال، قَالَ الشَّاعِر:
( فَلَا الظل من برد الضُّحَى يستطيعه ... وَلَا الْفَيْء من برد الْعشي يَذُوق)

قَالَ، والفيء يكون عِنْد زَوَال الشَّمْس.
ويتناهى بمغيبها.





[ قــ :3101 ... غــ :347 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي قَالَ حَدثنَا فُضَيْل بن سُلَيْمَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ليدخلن من أمتِي سَبْعُونَ ألفا أَو سَبْعمِائة ألف لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم وُجُوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر) أَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي اسْمه سَلمَة قَوْله " ليدخلن " اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَهُوَ أَيْضا مُؤَكد بالنُّون الثَّقِيلَة وَسَبْعُونَ ألفا فَاعله قَوْله " أَو سَبْعمِائة ألف " شكّ من الرَّاوِي كَذَا قَالَه ابْن التِّين وَفِي حَدِيث مُسلم عَن عمرَان بن حُصَيْن مَرْفُوعا " يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا بِغَيْر حِسَاب " وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا وَثَلَاث حثيات من حثيات رَبِّي عز وَجل.

     وَقَالَ  غَرِيب وَفِي حَدِيث الْبَزَّار من حَدِيث أنس بِلَفْظ " مَعَ كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سَبْعُونَ ألفا " وَفِي كتاب الشَّفَاعَة للْقَاضِي إِسْمَاعِيل من حَدِيث أنس مَرْفُوعا " أَن الله وَعَدَني أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي أَرْبَعمِائَة ألف " فَقَالَ أَبُو بكر زِدْنَا فَقَالَ وَهَكَذَا فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَسبك يَا أَبَا بكر فَقَالَ دَعْنِي يَا عمر وَمَا عَلَيْك أَن يدخلنا الله الْجنَّة كلنا قَالَ عمر إِن شَاءَ الله أَدخل خلقه الْجنَّة بحثية وَاحِدَة فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صدق عمر وروى الكلاباذي من حَدِيث عبد الْعَزِيز الْيَمَانِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت فقدت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات يَوْم فاتبعته فَإِذا هُوَ فِي مشربَة يُصَلِّي فَرَأَيْت على رَأسه ثَلَاثَة أنوار فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ من هَذِه قلت عَائِشَة فَقَالَ هَل رَأَيْت الْأَنْوَار قلت نعم قَالَ " إِن آتٍ أَتَانِي من رَبِّي عز وَجل فبشرني أَن الله تَعَالَى يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب ثمَّ أَتَانِي فِي الْيَوْم الثَّانِي آتٍ من رَبِّي فبشرني أَن الله تَعَالَى يدْخل من أمتِي مَكَان كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سبعين ألفا بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب ثمَّ أَتَانِي فِي الْيَوْم الثَّالِث آتٍ من رَبِّي فبشرني أَن الله تَعَالَى يدْخل من أمتِي مَكَان كل وَاحِد من السّبْعين ألفا المضاعفة سبعين ألفا بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب فَقلت يَا رَبِّي لَا تبلغ هَذَا أمتِي قَالَ يكملون من الْأَعْرَاب مِمَّن لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي.
ثمَّ قَالَ الكلاباذي اخْتلف النَّاس فِي الْأمة من هم فَقَالَ قوم أهل الْملَّة.

     وَقَالَ  آخَرُونَ كل مَبْعُوث إِلَيْهِ وَلَزِمتهُ الْحجَّة بالدعوة وَهَؤُلَاء يخْتَلف أَحْوَالهم فَمنهمْ من بعث إِلَيْهِ ودعي فَلم يجب كَأَهل الْأَدْيَان من أهل الْكتاب وَسَائِر الْمُشْركين فَهَؤُلَاءِ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة أبدا وَمِنْهُم من دعِي فَأجَاب وَلم يتبع من جِهَة اسْتِعْمَال مَا لزمَه بالإجابة فَهُوَ مُؤمن بالإجابة إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ من التَّوْحِيد والرسالة وَإِن لم يسْتَعْمل مَا أَمر بِهِ تشاغلا عَنهُ وخلاعة وتجوزا فَهَؤُلَاءِ من أمة الدعْوَة والإجابة وَلَيْسوا من أمة الِاتِّبَاع وَمِنْهُم من أجَاب إِلَى مَا دعِي وَاسْتعْمل مَا أَمر بِهِ فَهَؤُلَاءِ من أمة الدعْوَة والإجابة والاتباع وَهَؤُلَاء الْأَعْرَاب يجوز أَن يَكُونُوا من أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من طَرِيق الْإِجَابَة إِيمَانًا بِاللَّه وبرسوله وَلم يستعملوا مَا لَزِمَهُم بالإجابة فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا من أمته على معنى الِاتِّبَاع وَمعنى يكملون من الْأَعْرَاب يَعْنِي من هَؤُلَاءِ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَلم يستعملوا مَا لَزِمَهُم بالإجابة قَوْله " لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم " مَعْنَاهُ لَا يدْخل آخِرهم حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَإِلَّا لم يدْخل الآخر آخرا فَيلْزم الدّور وَهَذَا الدّور غير مَمْنُوع لِأَنَّهُ دور معية والممنوع دور التَّقَدُّم وَالْغَرَض مِنْهُ أَنهم يدْخلُونَ كلهم مَعًا صفا وَاحِدًا قَوْله " وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر " جملَة حَالية وَقعت بِلَا وَاو -



[ قــ :310 ... غــ :348 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ قَالَ حدَّثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ قَتَادَةَ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ وكانَ يَنْهَى عنِ الحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمنادِيلُ سَعْدٍ بنِ مُعاذٍ فِي الجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْ هَذَا.
( انْظُر الحَدِيث 516 وطرفه) .


عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيُونُس بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَكَانَ مؤدباً لبني دَاوُد بن عَليّ أَصله بَصرِي وَسكن الْكُوفَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بابُُ قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشْركين، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :3104 ... غــ :350 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ عنْ أبِي حازِمٍ عَنْ سَهلٍ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها.

عَليّ بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
قَوْله: ( خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) ، قَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي فِي الْحسن والبهجة،.

     وَقَالَ  غَيره: يَعْنِي أَنه دَائِم لَا يفنى، فَكَانَ أفضل مِمَّا يفنى.
فَإِن قلت: لم خص السَّوْط بِالذكر؟ قلت: لِأَن من شَأْن الرَّاكِب إِذا أَرَادَ النُّزُول فِي منزل أَن يلقِي سَوْطه قبل أَن ينزل معلما بذلك الْمَكَان الَّذِي يُريدهُ لِئَلَّا يسْبقهُ إِلَيْهِ أحد.