فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صفة أبواب الجنة

( بابُُ صِفَةِ أبْوَاب الجَنَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صفة أَبْوَاب الْجنَّة.
قَالَ بَعضهم: هَكَذَا ترْجم بِالصّفةِ وَلَعَلَّه أَرَادَ بِالصّفةِ الْعدَد أَو التَّسْمِيَة.
قلت: هَذَا تخمين، لِأَنَّهُ لَا وَجه لما ذكره، أما ذكر الصّفة وَإِرَادَة الْعدَد فَفِيهِ مَا فِيهِ، لِأَن الْعدَد اسْم.
قَالَ الْجَوْهَرِي: عددت الشَّيْء عدا أحصيته، وَالِاسْم الْعدَد والعديد، وَالصّفة خَارِجَة عَن ذَات الشَّيْء، وَأما ذكر الصّفة وَإِرَادَة التَّسْمِيَة فتعسف جدا لِأَنَّهُ لَا نُكْتَة فِيهِ حَتَّى يعدل عَن التَّسْمِيَة إِلَى ذكر الصّفة، وَالَّذِي يظْهر أَن ذكره أَبْوَاب الْجنَّة وَاقع فِي مَحَله، لِأَن فِي الْبابُُ ذكر ثَمَانِيَة أَبْوَاب فيطابق التَّرْجَمَة، وَذكر الصّفة إِشَارَة إِلَى قَوْله: الريان، لِأَنَّهُ صفة للبابُ الَّذِي يدْخل مِنْهُ الصائمون.
فَإِن قلت: الْمَذْكُور فِي الحَدِيث يُسمى الريان.
قلت: فِي الْحَقِيقَة صفة لذَلِك الْبابُُ، لِأَن الصائمين الَّذين كابدوا الْعَطش فِي الدُّنْيَا إِذا دخلُوا من هَذَا الْبابُُ إِلَى الْجنَّة يشربون من النَّهر الَّذِي فِيهِ فيروون، فَلَا يحصل لَهُم الظمأ بعد ذَلِك أبدا، فَغلبَتْ الإسمية على الصّفة، كَمَا فِي الْعَبَّاس والْحَارث وَنَحْوهمَا.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بابُُِ الجَنَّةِ
روى هَذَا التَّعْلِيق مُسْندًا مَوْصُولا فِي كتاب الصّيام فِي: بابُُ الريان للصائمين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن معن عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَفِي الْجِهَاد أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: فَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بابُُ الْجِهَاد ... الحَدِيث.

فِيهِ عُبادَةُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبابُُ روى عَن عبَادَة بن الصَّامِت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ فِي ذكر عِيسَى من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من شهد أَن لَا إلاه إلاَّ الله ... الحَدِيث، وَفِيه: أدخلهُ الله من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية أَيهَا شَاءَ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( مُعْجَمه) من حَدِيث ابْن سَلام: عَن أبي أُمَامَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت وَلَفظه: عَلَيْكُم بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ بابُُ من أَبْوَاب الْجنَّة، يُذْهِبُ الله بِهِ الهَمَّ والغَمَّ.



[ قــ :3110 ... غــ :3257 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حدَّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أبْوَابٍ فِيهَا بابٌُ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إلاَّ الصَّائِمُونَ.
( انْظُر الحَدِيث 6981) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثَمَانِيَة أَبْوَاب، وَمُحَمّد بن مطرف، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، والْحَدِيث من أَفْرَاده، قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا الحَدِيث يبين قَوْله تَعَالَى: { وَفتحت أَبْوَابهَا} ( الزمر: 37) .
لِأَن الْوَاو إِنَّمَا تَأتي بعد سَبْعَة.
.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ: الْوَاو زَائِدَة، وَهُوَ خطأ عِنْد الْبَصرِيين، لِأَن الْوَاو تفِيد معنى الْعَطف.
فَلَا يجوز أَن تزاد.
قَوْله: ( الريان) ، أَصله: الرويان، اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فأبدلت الْوَاو يَاء ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، والريان ضد العطشان، من: رويت من المَاء بِالْكَسْرِ أروى رِياً ورَياً، وَرُوِيَ أَيْضا مثل: رَضِي، ورَويت الحَدِيث، بِالْفَتْح رِوَايَة.
قَوْله: ( لَا يدْخلهُ إلاَّ الصائمون) مجازاة لَهُم لما كَانَ يصيبهم من الْعَطش من صِيَامهمْ، وَالله أعلم.