فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صفة النار، وأنها مخلوقة "

( بابُُ صِفَةِ النَّارِ وأنَّهَا مَخْلُوقَةٌ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صفة النَّار، يَعْنِي: نَار جَهَنَّم، وَفِي بَيَان أَنَّهَا مخلوقة مَوْجُودَة، وَفِيه رد على الْمُعْتَزلَة، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي: بابُُ صفة الْجنَّة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن النَّسَفِيّ لم يروِ من أول الْبابُُ إِلَى أول حَدِيث الْبابُُ اللُّغَات الْمَذْكُورَة، وَلم يُوجد فِي نسخته شَيْء من ذَلِك، وأمثال هَذِه مِمَّا سَمعه الْفربرِي عَن البُخَارِيّ عِنْد سَماع الْكتاب، فألحقها هُوَ بِهِ، وَالْأولَى بِوَضْع هَذَا الْجَامِع فقدانها لَا وجدانها، إِذْ مَوْضُوعه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِهَة أَقْوَاله وأفعاله وأحواله، فَيَنْبَغِي أَن لَا يتَجَاوَز الْبَحْث عَن ذَلِك.

غَسَاقَاً يُقالُ غَسَقَتْ عَيْنُهُ ويَغْسِقُ الْجُرْحُ وكأنَّ الغَسَاقَ والغَسَقَ واحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ حميماً وغسَّاقاً} ( النبإ: 52) .
قَوْله: ( يُقَال: غسقت عينه) إِذا سَالَ مِنْهَا المَاء الْبَارِد،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: غسقت عينه إِذا أظلمت، وغسق الْجرْح إِذا سَالَ مِنْهُ مَاء أصفر، وَيُقَال: الغساق المَاء الْبَارِد المنتن يُخَفف ويشدد، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِالتَّشْدِيدِ، وَالْكسَائِيّ بِالتَّخْفِيفِ، وَقيل: الغساق قيح غليظ، قَالَه عبد الله بن عَمْرو،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: هُوَ صديدهم تصهرهم النَّار فيجتمع صديدهم فِي حِيَاض فيسقونه،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: الغساق مَا يقطر من جُلُود أهل النَّار، وَقيل: بَارِد يحرق كَمَا تحرق النَّار،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ حميماً وغساقاً} ( النبإ: 52) .
الْحَمِيم: المَاء الْحَار، والغساق مَا همي وسال.
وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد مَرْفُوعا: ( لَو أَن دلواً من غساق يهراق إِلَى الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا) .
قَوْله: ( كَأَن الغساق والغسق وَاحِد) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: الغسق، بِفتْحَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: الغسيق على وزن: فعيل، وَقد تردد البُخَارِيّ فِي كَون الغساق والغسق وَاحِدًا، وَلَيْسَ بِوَاحِد.
فَإِن الغساق مَا ذَكرْنَاهُ من الْمعَانِي، والغسق: الظلمَة، يُقَال: غسق يغسق غسوقاً فَهُوَ غَاسِق: إِذا أظلم، وأغسق مثله.

غِسْلِينٌ كلُّ شَيْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهْوَ غِسْلِينٌ فِعْلِينٌ مِن الغَسْلِ مِنَ الْجُرْحِ والدَّبَرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا طَعَام إلاَّ من غسلين} ( الحاقة: 63) .
وَقد فسره بقوله: كل شَيْء ... إِلَى آخِره، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَقد روى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الغسلين صديد أهل النَّار.
قَوْله: ( فعلين) ، أَي: وزن غسلين فعلين، وَالنُّون وَالْيَاء فِيهِ زائدتان.
قَوْله: ( والدبر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ مَا يُصِيب الْإِبِل من الْجِرَاحَات.
فَإِن قلت: بَين هَذِه الْآيَة، وَبَين قَوْله تَعَالَى: { لَيْسَ لَهُم طَعَام إلاَّ من ضَرِيع} ( الغاشية: 6) .
مُعَارضَة ظَاهرا.
قلت: جمع بَينهمَا بِأَن الضريع من الغسلين، أَو هم طَائِفَتَانِ: فطائفة يجازون بِالطَّعَامِ من غسلين بِحَسب استحقاقهم لذَلِك، وَطَائِفَة يجازون بِالطَّعَامِ من ضَرِيع، كَذَلِك، وَالله أعلم.

وقالَ عِكْرِمَةُ حَصَبُ جَهَنَّمَ حَطَبٌ بالحَبَشِيَّةِ: وقالَ غَيرُهُ حاصِبَاً الرِّيحُ الْعاصِفُ والحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ ومِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ هُمْ حَصَبُهَا ويُقَالُ حَصَبَ فِي الأرْضِ ذَهَبَ والحَصَبُ مُشْتَق منْ حَصْبَاءِ الحجَارَةِ
تَعْلِيق عِكْرِمَة وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الْملك بن أبجر: سَمِعت عِكْرِمَة بِهَذَا ... وَأخرجه ابْن أبي عَاصِم عَن ابْني سعيد الْأَشَج: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن أبجر سَمِعت عِكْرِمَة،.

     وَقَالَ  ابْن عَرَفَة: إِن كَانَ أَرَادَ بهَا حبشية الأَصْل سَمعتهَا الْعَرَب فتكلمت بهَا فَصَارَت حِينَئِذٍ عَرَبِيَّة، وإلاَّ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن غير الْعَرَبيَّة،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: حصب مَا هيء للوقود من الْحَطب، فَإِن لم يهيأ لذَلِك فَلَيْسَ بحصب، وروى الْفراء عَن عَليّ وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قرآها: ( حطب) ، بِالطَّاءِ وروى الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا بالضاد الْمُعْجَمَة، قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنهم الَّذين تسجر بهم النَّار، لِأَن كل شَيْء هيجت بِهِ النَّار فَهُوَ حصب.
قَوْله: ( وَقَالَ غَيره) ، أَي: غير عِكْرِمَة: حاصباً، أَي: فِي قَوْله تَعَالَى: { أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصباً} ( الْإِسْرَاء: 86) .
هُوَ الرّيح العاصف الشَّديد، كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
قَوْله: ( والحاصب) مَا ترمى بِهِ الرّيح، لِأَن الحصب الرَّمْي، وَمِنْه: حصب جَهَنَّم يرْمى بِهِ فِيهَا، وَيُقَال: الحاصب الْعَذَاب.
قَوْله: ( هم حصبها) ، أَي: أهل النَّار حصب جَهَنَّم، وَهُوَ مُشْتَقّ من حصبهاء الْحِجَارَة، وَهِي الْحَصَى.
قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحَصْبَاء الْحَصَى وحصبت الرجل أحصبه بِالْكَسْرِ، أَي: رميته بالحصباء.

صَدِيدٌ قَيْحٌ ودَمٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ويسقى من مَاء صديد} ( إِبْرَاهِيم: 61) .
وَفَسرهُ: بالقيح وَالدَّم، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.

خَبَتْ طَفِئَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { كلما خبت} ( الْإِسْرَاء: 79) .
وَفَسرهُ بقوله: طفئت، بِفَتْح الطَّاء وَكسر الْفَاء، يُقَال: طفئت النَّار تطفأ طفأ، وَهُوَ من بابُُ: علم يعلم من المهموز، وانطفأت، وَأَنا أطفأتها.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: يَقُولُونَ للنار إِذا سكن لهبها وَعلا الْجَمْر رماد: خبت، فَإِن طفىء مُعظم الْجَمْر يُقَال: خمدت، وَإِن طفىء كُله يُقَال: همدت.

تُورُونَ تَسْتَخْرِجُون: أوْرَيْتُ أوْقَدْتُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} ( الْوَاقِعَة: 17) .
وفسرها بقوله: تستخرجون، وَأَصله من: ورى الزند، بِالْفَتْح يري ورياً: إِذا خرجت ناره، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: وري الزند يري، بِالْكَسْرِ فيهمَا، وأوريته أَنا، وَكَذَلِكَ: وريته تورية، وأصل تورون: توريون، نقلت ضمة الْيَاء إِلَى الرَّاء وحذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين، فَصَارَ: تورون على وزن: تفعون.

لِلْمُقْوِينَ لِلْمُسَافِرِينَ والْقِيُّ القفرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { تذكرة ومتاعاً للمقوين} ( الْوَاقِع: 37) .
وَفسّر المقوين بقوله الْمُسَافِرين، واشتقاقه من: أقوى الرجل إِذا نزل الْمنزل القواء، وَهُوَ الْموضع الَّذِي لَا أحد فِيهِ.
وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: للمقوين للمسافرين، وَمن طَرِيق الضَّحَّاك وَقَتَادَة مثله، وَمن طَرِيق مُجَاهِد قَالَ: للمقوين، أَي: الْمُسْتَحقّين، أَي: الْمُسَافِر والحاضر، وَيُقَال: المقوين من لَا زَاد لَهُ، وَقيل: المقوي الَّذِي لَهُ مَال، وَقيل: المقوي الَّذِي أَصْحَابه وَإِبِله أقوياء، وَقيل: هُوَ من مَعَه دَابَّة.
قَوْله: ( والقي) ، بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء، وَفَسرهُ بقوله: ( القفر) بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْفَاء وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ: مفازة لَا نَبَات فِيهَا وَلَا مَاء، وَيجمع على: قفار.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: صِرَاطُ الجَحِيمُ: سَوَاءُ الجَحِيمِ وَوَسَطُ الجَحِيمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فاهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم} ( الصافات: 32) .
وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { فَاطلع فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} ( الصافات: 55) .
قَالَ: فِي وسط الْجَحِيم، وَمن طَرِيق قَتَادَة وَالْحسن مثله.

لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ ويُساطُ بِالحَمِيمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوباً من حميم} ( الصافات: 76) .
وَفَسرهُ بقوله: يخلط ... إِلَى آخِره، والشوب الْخَلْط.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تَقول الْعَرَب: كل شَيْء خلطته بِغَيْرِهِ فَهُوَ شوب.
قَوْله: ( يساط) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يخلط، وَمِنْه: المسواط، وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يُحَرك بهَا مَا فِيهِ التَّخْلِيط، وَهُوَ بِالسِّين الْمُهْملَة.

زَفِيرٌ وشَهِيقٌ صَوْت شَديدٌ وصَوْتٌ ضَعِيفٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَفِي النَّار لَهُم فِيهَا زفير وشهيق} ( هود: 601) .
وَفسّر الزَّفِير بالصوف الشَّديد، والشهيق بالصوت الضَّعِيف، وَهَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس، أخرجه الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَمن طَرِيق أبي الْعَالِيَة قَالَ: الزَّفِير فِي الْحلق والشهيق فِي الصَّدْر، وَمن طَرِيق قَتَادَة: هُوَ كصوت الْحمار أَو لَهُ زفير وَآخره شهيق.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الشهيق هُوَ الَّذِي يبْقى بعد الصَّوْت الشَّديد من الْحمار.

وِرْداً عِطاشاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} ( مَرْيَم: 68) .
وَفسّر الْورْد بالعطاش، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد: وردا مُنْقَطِعَة أَعْنَاقهم قَالَ أهل اللُّغَة: الْورْد مصدر: ورد، وَالتَّقْدِير عِنْدهم، ذَوي ورد، ويحكى أَنه يُقَال للواردين المَاء: ورد، وَيُقَال: ورد، أَي: وراد، كَمَا يُقَال: قوم زور أَي زوار.
فَإِن قلت: الَّذِي يرد المَاء يُنَافِي الْعَطش.
قلت: لَا يلْزم من الْوُرُود إِلَى المَاء تنَاوله مِنْهُ، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة أَنهم يَشكونَ الْعَطش فَترفع لَهُم جَهَنَّم سراب مَاء، فَيُقَال: أَلا تردون؟ فيردونها فيتساقطون فِيهَا.

غَيَّاً خُسْرَانَاً
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فسوق يلقون غيّاً} ( مَرْيَم: 95) .
وَفسّر الغي بالخسران، وَعَن ابْن مَسْعُود: الغي: وادٍ فِي جَهَنَّم، وَالْمعْنَى فسوق يلقون حر الغي، وَعنهُ: وادٍ فِي جَهَنَّم بعيد القعر خَبِيث الطّعْم.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُسْجَرُونَ، تُوقَدُ بِهِمْ النَّارُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ فِي النَّار يسجرون} ( غَافِر: 27) .
وَفَسرهُ بقوله: توقد بهم النَّار كَأَنَّهُمْ يصيرون وقود النَّار، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: توقد لَهُم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بهم، بِالْبَاء.
ونُحَاسٍ الصُّفْرُ يُصَبُّ علَى رُؤُوسِهِمْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار ونحاس} ( الرَّحْمَن: 53) .
وَفسّر النّحاس بالصفر يصب على رُؤُوس أهل النَّار من الْكفَّار، وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق مَنْصُور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار} ( الرَّحْمَن: 53) .
قَالَ: قِطْعَة من نَار حَمْرَاء، و: نُحَاس، قَالَ: يذاب الصفر فَيصب على رؤوسهم.
قلت: الصفر بِالضَّمِّ النّحاس الْجيد الَّذِي يعْمل مِنْهُ الْآنِية.

ذُوقُوا باشِرُوا وجَرِّبُوا وليْسَ هاذَا مِنْ ذَوْقِ الفَمِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} ( الْأَنْفَال: 52 وَالْحج: 22) .
وَفَسرهُ بقوله: باشروا ... إِلَى آخِره وغرضه أَن الذَّوْق هُنَا بِمَعْنى الْمُبَاشرَة والتجربة لَا بِمَعْنى ذوق الْفَم، وَهَذَا من الْمجَاز أَن يسْتَعْمل الذَّوْق وَهُوَ مِمَّا يتَعَلَّق بالأجسام فِي الْمعَانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى أَيْضا: { فذاقوا وبال أَمرهم} ( الْحَشْر: 51) .

مَارِجٌ خَالِصٌ مِنَ النَّارِ مَرَجَ الأمِيرُ رَعِيَّتَهُ إذَا خَلاَهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ مَرِيجٍ مُلْتَبِسٌ مَرِج أمْرُ النَّاسِ اخْتَلَطَ مَرَجَ البَحْرَيْنِ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَها
أَشَارَ بقوله: مارج، إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَخلق الجان من مارج من نَار} ( الرحمان: 51) .
ثمَّ فسره بقوله: خَالص من النَّار، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { وَخلق الجان من مارج من نَار} ( الرَّحْمَن: 51) .
مَا من خَالص النَّار، وَمن طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: خلقت الْجِنّ من مارج من نَار، وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهب.
قَوْله: ( مرج الْأَمِير رَعيته) يَعْنِي: تَركهم حَتَّى يظلم بَعضهم بَعْضًا.
قَوْله: ( مريج) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فِي أَمر مريج} ( قّ: 5) .
وَفَسرهُ بقوله: ملتبس، وَمِنْه قَوْلهم: مرج أَمر النَّاس، بِكَسْر الرَّاء، إِذا اخْتَلَط، وَأما مرج بِالْفَتْح فَمَعْنَاه: ترك وخلي وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} ( الرَّحْمَن: 91 02) .
أَي: خلاهما لَا يلتبس أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : مرج الْبَحْرين، يَعْنِي: أرسل الْبَحْرين العذب وَالْملح متجاورين يَلْتَقِيَانِ لَا فضل بَين الماءين فِي مرأى الْعين، بَينهمَا برزخ حاجز وَحَائِل من قدرَة الله تَعَالَى، وحكمته لَا يبغيان لَا يتجاوان حديهما، وَلَا يَبْغِي أَحدهمَا على الآخر بالممازجة، وَلَا يختلطان وَلَا يتغيران.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: لَا يطغيان على النَّاس بِالْغَرَقِ.

     وَقَالَ  الْحسن مرج الْبَحْرين يَعْنِي بَحر الرّوم وبحر الْهِنْد.

     وَقَالَ  قَتَادَة بَحر فَارس وَالروم، بَينهمَا برزخ: وَهِي الجزائر،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَالضَّحَّاك: يَعْنِي بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض يَلْتَقِيَانِ كل عَام.
قَوْله: ( مرجت دابتك) بِفَتْح الرَّاء مَعْنَاهُ: تركتهَا.
وَفِي ( الصِّحَاح) : مرجت الدَّابَّة أمرجها بِالضَّمِّ مرجاً: إِذا أرسلتها ترعى.



[ قــ :3111 ... غــ :3258 ]
- حدَّثنا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُهاجِرٍ أبي الحَسَنِ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ فقَالَ أبْرِدْ ثُمَّ قالَ أبْرِدْ حتَّى فاءَ الْفَيْءُ يَعْنِي لِلتُّلُولِ ثُمَّ قَالَ أبْرِدُوا بالصَّلاَةِ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من فيح جَهَنَّم) وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، و: مهَاجر، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من هَاجر: أَبُو الْحسن الصَّائِغ يعد فِي الْكُوفِيّين، وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي، خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَأَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ فِي شدَّة الْحر.
قَوْله: ( حَتَّى فَاء الْفَيْء) يَعْنِي: حَتَّى وَقع الظل تَحت التلول.





[ قــ :311 ... غــ :359 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ ذَكْوَانَ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْرِدُوا بالصَّلاةِ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
( انْظُر الحَدِيث 8354) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من فيح جَهَنَّم) وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش بن سُلَيْمَان، والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي الْبابُُ الَّذِي ذَكرْنَاهُ.





[ قــ :3113 ... غــ :360 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فقالَتْ يَا رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضاً فأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتاءِ ونفَسٍ فِي الصَّيْفِ فأشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الحَرِّ وأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهِرِيرِ.
( انْظُر الحَدِيث 735) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: النَّار، فَإِن المُرَاد مِنْهُ جَهَنَّم وَلَيْسَ المُرَاد نفس النَّار، لِأَن جَهَنَّم فِيهَا النَّار وفيهَا الزَّمْهَرِير، وَهُوَ الْبرد الشَّديد، والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَفظ جَهَنَّم يشملهما، وعَلى غير ذَلِك من أَنْوَاع الْعَذَاب أعاذنا الله من ذَلِك برحمته وَرِجَاله على هَذَا النسق قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي الْبابُُ الْمَذْكُور آنِفا.
وَفِيه: دلَالَة على أَن الله تَعَالَى يخلق فِيهَا أدراكاً، وَقيل: إِن الْجنَّة وَالنَّار أسمع الْمَخْلُوقَات، وَأَن الْجنَّة إِذا سَأَلَهَا عبد أمنت على دُعَائِهِ، وَالنَّار إِذا استجار مِنْهَا أحد أمنت على دُعَائِهِ.





[ قــ :3114 ... غــ :361 ]
- حدَّثني عبدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا أَبُو عامِرٍ هُوَ العَقَدِيُّ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ أبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ كُنْتُ أجَالِسُ ابنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فأخَذَتْنِي الحُمَّى فَقَالَ أبْرُدْها عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فإنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فأبْرِدُوهَا بالمَاءِ أوْ قَال بِمَاءِ زَمْزَمَ شَكَّ هَمَّامٌ.
[/ نه

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من فيح جَهَنَّم) وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي، وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْقَاف، وَهَمَّام: بِالتَّشْدِيدِ: هُوَ ابْن يحيى الْبَصْرِيّ، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء: نصر بن عمرَان الضبعِي.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن الْحسن بن إِسْحَاق.
( وفيح جَهَنَّم) سطوع حرهَا، قَالَه اللَّيْث، وَيُقَال: فاحت الْقدر إِذا غلت، وَأَصله واوي، وَهَذَا من الطِّبّ النَّبَوِيّ الَّذِي لَا يشك فِي حُصُول الشِّفَاء بِهِ، وَكَلَام الْحَكِيم الَّذِي يُخَالف هَذَا وَأَمْثَاله لَغْو فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ.





[ قــ :3115 ... غــ :36 ]
-
حدَّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِيهِ عنْ عَبابَُُةَ بنِ رِفَاعَةَ قَالَ أخْبرَنِي رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ قالَ سَمِعْتُ النَّبِيَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ الحُمَّى منْ فَوْرِ جَهَنَّمَ فأبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ.
( الحَدِيث 63 طرفه فِي: 675) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من فَور جَهَنَّم) وَعَمْرو بن عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة: أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ يروي عَن أَبِيه سعيد بن مَسْرُوق، وعباية: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة المخففة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف: ابْن رِفَاعَة، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة، وَرَافِع بِالْفَاءِ ابْن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة: الأوسي الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن مُسَدّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن هناد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي بكر بن نَافِع وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن حَاتِم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بِهِ، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبيد الله.

قَوْله: ( من فَور جَهَنَّم) أَي: من شدَّة حرهَا، و: فار، أَي: جاش




[ قــ :3117 ... غــ :364 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فأبْرِدُوها بالْمَاءِ.
( الحَدِيث 463 طرفه فِي: 375) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى، وَفِي هَذَا الْبابُُ روى أَبُو نعيم من حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن حُذَيْفَة عَن عمته فَاطِمَة، قَالَت: عدت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد حم، فَأمر بسقاء يعلق على شَجَرَة ثمَّ اضْطجع بجنبه، فَجعل يقطر المَاء على فُؤَاده، فَقلت: ادْع الله أَن يكْشف عَنْك.
فَقَالَ: ( إِن أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) .
وَعَن طَارق بن شهَاب: سَمِعت أُسَامَة يَقُول: قَالَ لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائْتِنِي فِي وَجه الصُّبْح بِمَاء أصبه عَليّ لعَلي أجد خفافاً فَأخْرج إِلَى الصَّلَاة، وروى الْأنْصَارِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن الْحسن الْمَكِّيّ عَن الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: ( الْحمى قِطْعَة من النَّار) ، إِذا حم دَعَا بغرفة من مَاء فأفرغها على قرنه فاغتسل، وَصَححهُ الْحَاكِم، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: الْحمى كير من كير جَهَنَّم فنحوها عَنْكُم بِالْمَاءِ الْبَارِد، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: ( إِذا حم أحدكُم فليستق عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد من السحر ثَلَاثًا) ، وَصَححهُ الْحَاكِم.





[ قــ :3118 ... غــ :365 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبِي أوَيْسٍ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءَاً مِنْ نارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رسولَ الله إنْ كانَتْ لَكافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ علَيْهَا بِتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءاً كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان.
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

قَوْله: (نَاركُمْ) مُبْتَدأ.
وَقَوله: (جُزْء من سبعين جُزْءا) خَبره، وَكلمَة: من، فِي (من نَار جَهَنَّم) للتبيين، وَفِي معنى التَّبْعِيض أَيْضا، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (نَاركُمْ جُزْء وَاحِد من سبعين جُزْءا) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: من مائَة جُزْء وَالْجمع بَينهمَا أَن الحكم للزائد وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث أنس مَرْفُوعا (نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا (من نَار جَهَنَّم، وَلَوْلَا أَنَّهَا اطفئت بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ مَا انتفعتم بهَا، وَأَنَّهَا لتدعو الله عز وَجل، أَن لَا يُعِيدهَا فِيهَا) .
وَذكر ابْن عُيَيْنَة فِي (جَامعه) من حَدِيث ابْن عَبَّاس: (هَذِه النَّار قد ضرب بهَا الْبَحْر سبع مَرَّات، وَلَوْلَا ذَلِك مَا انْتفع بهَا أحد) ، وَعَن ابْن مَسْعُود: (ضرب بهَا الْبَحْر عشر مَرَّات) ، وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَيْضا عَن نَار الدُّنْيَا: مِم خلقت؟ قَالَ: من نَار جَهَنَّم، غير أَنَّهَا طفئت بِالْمَاءِ سبعين مرّة، وَلَوْلَا ذَلِك مَا قربت لِأَنَّهَا من نَار جَهَنَّم، وَمعنى قَوْله: جُزْء من سبعين جُزْءا، أَنه لَو جمع كل مَا فِي الْوُجُود من النَّار الَّتِي يوقدها الآدميون لكَانَتْ جُزْءا من أَجزَاء نَار جَهَنَّم الْمَذْكُورَة، بَيَانه: لَو جمع حطب الدُّنْيَا وأوقد كُله حَتَّى صَارَت نَارا لَكَانَ الْجُزْء الْوَاحِد من أَجزَاء نَار جَهَنَّم الَّذِي هُوَ من سبعين جُزْءا أَشد مِنْهُ.
قَوْله: (إِن كَانَت لكَافِيَة) ، كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة عِنْد الْبَصرِيين، وَهَذِه اللاَّم هِيَ المفرقة بَين إِن، النافية، وَأَن، المخففة من الثَّقِيلَة، وَالْمعْنَى: إِن نَار الدُّنْيَا كَانَت كَافِيَة لتعذيب الجهنميين، وَهِي عِنْد الْكُوفِيّين بِمَعْنى: مَا، وَاللَّام بِمَعْنى: الا، تَقْدِيره عِنْدهم: مَا كَانَت إلاَّ كَافِيَة.
قَوْله: (قَالَ) ، أَي: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جوابهم بِأَن نَار جَهَنَّم (فضِّلت عَلَيْهَا) أَي: على نَار الدُّنْيَا، ويروى: عَلَيْهِنَّ، كَمَا فضلت عَلَيْهَا فِي الْمِقْدَار وَالْعدَد بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءا فضلت عَلَيْهَا فِي الْحر بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءا.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ طابق لفظ: فضلت وعليهن جَوَابا، وَقد علم هَذَا التَّفْضِيل من كَلَامه السَّابِق؟ قلت: مَعْنَاهُ: الْمَنْع من الْكِفَايَة أَي: لَا بُد من التَّفْضِيل ليتميز عَذَاب الله من عَذَاب الْخلق، وروى ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْذر قَالَ لما خلقت النَّار فزعت الْمَلَائِكَة وطارت أفئدتهم وَلما خلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سكن ذَلِك عَنْهُم،.

     وَقَالَ  مَيْمُون بن مهْرَان: لما خلق الله جَهَنَّم أمرهَا فزفرت زفرَة فَلم يبْق فِي السَّمَوَات السَّبع ملك إلاَّ خرَّ على وَجهه، فَقَالَ لَهُم الرب: إرفعوا رؤوسكم، أما علمْتُم أَنِّي خلقتكم للطاعة وَهَذِه خلقتها لأهل الْمعْصِيَة؟ قَالُوا: رَبنَا لَا نأمنها حَتَّى نرى أَهلهَا، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { وهم من خشيَة رَبهم مشفقون} (الْمُؤْمِنُونَ: 75) .
وَعَن عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: (إِن تَحت الْبَحْر نَارا) ، قَالَ عبد الله: الْبَحْر طبق جَهَنَّم، ذكره ابْن عبد الْبر وَضَعفه، وَفِي (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) فِي قَوْله تَعَالَى: { يَوْم تبدل الأَرْض} (إِبْرَاهِيم: 84) .
تجْعَل الأَرْض جَهَنَّم، وَالسَّمَوَات الْجنَّة.





[ قــ :3119 ... غــ :366 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عنْ صَفْوَانَ بنِ يَعْلَى عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ علَى المِنْبَرِ ونَادَو يامالِكُ.
.
ذكره هَذَا هُنَا مَعَ أَنه ذكره فِي: بابُُ ذكر الْمَلَائِكَة، لمطابقة قَوْله: يَا مَالك، للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، لِأَن المُرَاد من: مَالك، هُوَ خَازِن جَهَنَّم، وَهُنَاكَ أخرجه: عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَقد ذكر هُنَاكَ،.

     وَقَالَ  سُفْيَان:.

     وَقَالَ  فِي قراء عبد الله: يَا مَال، بالترخيم، كَمَا ذَكرْنَاهُ.





[ قــ :310 ... غــ :367 ]
- ( حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل قَالَ قيل لأسامة لَو أتيت فلَانا فكلمته قَالَ إِنَّكُم لترون أَنِّي لَا ُأكَلِّمهُ إِلَّا أسمعكم إِنِّي ُأكَلِّمهُ فِي السِّرّ دون أَن أفتح بابُُا لَا أكون أول من فَتحه وَلَا أَقُول لرجل أَن كَانَ عَليّ أَمِيرا إِنَّه خير النَّاس بعد شَيْء سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا وَمَا سمعته يَقُول قَالَ سمعته يَقُول يجاء بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتابه فِي النَّار فيدور كَمَا يَدُور الْحمار برحاه فيجتمع أهل النَّار عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَي فلَان مَا شَأْنك أَلَيْسَ كنت تَأْمُرنَا بِالْمَعْرُوفِ وتنهانا عَن الْمُنكر قَالَ كنت آمركُم بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه وأنهاكم عَن الْمُنكر وآتيه) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَدِيث أَن فِيهِ ذكر النَّار الَّتِي هِيَ جَهَنَّم وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة حب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن بشر بن خَالِد وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر وَابْن نمير وَإِسْحَاق وَأبي كريب خمستهم عَن أبي مُعَاوِيَة وَعَن عُثْمَان عَن جرير ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لَو أتيت " جَوَاب لَو مَحْذُوف أَو هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب قَوْله " فلَانا " أَرَادَ بِهِ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " فكلمته " أَي فِيمَا يَقع من الْفِتْنَة بَين النَّاس وَالسَّعْي فِي إطفاء نائرتها قَالَه الْكرْمَانِي وَفِي التَّوْضِيح أَرَادَ أَن يكلمهُ فِي شَأْن أَخِيه لأمه الْوَلِيد بن عتبَة لما شهد عَلَيْهِ بِمَا شهد فَقيل لأسامة ذَلِك لكَونه كَانَ من خَواص عُثْمَان قَوْله " إِنَّكُم لترون أَنِّي لَا ُأكَلِّمهُ " اي أَنكُمْ لتظنون أَنِّي لَا ُأكَلِّمهُ قَوْله " إِلَّا أسمعكم " أَي أَنِّي لَا ُأكَلِّمهُ إِلَّا بحضوركم وَأَنْتُم تَسْمَعُونَ وأسمعكم بِضَم الْهمزَة من الإسماع ويروى إِلَّا بسمعكم بِصِيغَة الْمصدر قَوْله " إِنِّي ُأكَلِّمهُ سرا " أَي فِي السِّرّ دون أَن أفتح بابُُ من أَبْوَاب الْفِتَن حَاصله ُأكَلِّمهُ طلبا للْمصْلحَة لَا تهييجا للفتنة لِأَن المهاجرة على الْأُمَرَاء بالإنكار يكون فِيهِ نوع الْقيام عَلَيْهِم لِأَن فِيهِ تشنيعا عَلَيْهِم يُؤَدِّي إِلَى افْتِرَاق الْكَلِمَة وتشتيت الْجَمَاعَة قَوْله " لَا أكون أول من فَتحه " أَي أول من فتح بابُُ من أَبْوَاب الْفِتْنَة قَوْله " إِن كَانَ " بِفَتْح الْهمزَة أَي لِأَن كَانَ قَوْله " فتندلق أقتابه " أَي تنصب أمعاؤه من جَوْفه وَتخرج من دبره والاندلاق بِالدَّال الْمُهْملَة وَالْقَاف الْخُرُوج بالسرعة وَمِنْه دلق السَّيْف واندلق إِذا خرج من غير سل والأقتاب جمع قتب بِالْكَسْرِ وَهِي الأمعاء والقتب مُؤَنّثَة وتصغيره قُتَيْبَة وَمِنْه سمي الرجل قُتَيْبَة قَوْله " أَي فلَان " يَعْنِي يَا فلَان مَا شَأْنك أَي مَا حالك الَّتِي أَنْت فِيهَا قَوْله " أَلَسْت " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار قَوْله " بِالْمَعْرُوفِ " وَهُوَ اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وكل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس لَا ينكرونه وَالْمُنكر ضد الْمَعْرُوف وكل مَا قبحه الشَّرْع وَحرمه وَكَرِهَهُ فَهُوَ مُنكر فِيهِ الْأَدَب مَعَ الْأُمَرَاء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قَول النَّاس فيهم ليكفوا عَنهُ هَذَا كُله إِذا أمكن فَإِن لم يُمكن الْوَعْظ سرا فليجعله عَلَانيَة لِئَلَّا يضيع الْحق لما روى طَارق بن شهَاب قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِإِسْنَاد حسن قَالَ الطَّبَرِيّ مَعْنَاهُ إِذا أَمن على نَفسه أَو أَن يلْحقهُ من الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَهُوَ مَذْهَب أُسَامَة.

     وَقَالَ  آخَرُونَ الْوَاجِب على من رأى مُنْكرا من ذِي سُلْطَان أَن يُنكره عَلَانيَة كَيفَ أمكنه رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَأبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

     وَقَالَ  آخَرُونَ الْوَاجِب أَن يُنكر بِقَلْبِه وَيَنْبَغِي لمن أَمر بِمَعْرُوف أَن يكون كَامِل الْخَيْر لَا وصم فِيهِ وَقد قَالَ شُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ إِلَّا أَنه يجب عِنْد الْجَمَاعَة أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر من لَا يفعل ذَيْنك.

     وَقَالَ  جمَاعَة من النَّاس يجب على متعاطي الكاس أَن ينْهَى جمَاعَة الْجلاس وَفِيه وصف جَهَنَّم بِأَمْر عَظِيم روى مُسلم عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا " يُؤْتى بجهنم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها " وَلابْن وهب عَن زيد بن أسلم عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " فَبَيْنَمَا هم يجرونها إِذْ شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً فلوا أَنهم أدركوها لأحرق من فِي الْجمع "
( رَوَاهُ غنْدر عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْفِتَن -