فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟

( بابٌُ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ فِيهِ؟)

بابُُ: إِنَّمَا يكون منوناً إِذا كَانَ خير مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ هَل تصلي الْمَرْأَة فِي ثوبها الَّذِي حَاضَت فِيهِ؟ وَهل، اسْتِفْهَام استفسار، وسؤال، وُجُوبه مَحْذُوف تَقْدِيره يجوز، أَو نَحْو ذَلِك.

وَلَا يخفى وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ، لِأَن هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا فِيمَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْحيض.



[ قــ :308 ... غــ :312 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ نافِعٍ عَنُ ابْنِ أبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ قالَتْ عائِشَةُ مَا كانَ لاحْدانا إلاَّ ثَوْأ واحِدٌ تَحيضُ فِيهِ فَإِذا أصابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ قالَتْ برِيقِها فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِها.


مُطَابقَة لترجمة الْبابُُ من حَيْثُ أما من لم يكن لَهَا إلاَّ ثوب وَاحِد تحيض فِيهِ لَا شكّ أَنَّهَا تصلي فِيهِ، لَكِن بتطهيرها إِيَّاه، دلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا: ( فَإِذا أَصَابَهُ شَيْء من دم إِلَخ) .

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن نَافِع بالنُّون وَالْفَاء، المَخْزُومِي أوثق شيخ بِمَكَّة فِي زَمَانه الثَّالِث: عبد الله بن أبي نجيح، وَاسم أبي نجيح: يسَار ضد الْيَمين، الْمَكِّيّ.
الرَّابِع: مُجَاهِد بن جُبَير، تكَرر ذكره.
الْخَامِس: عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: القَوْل.
قيل هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع ومضطرب، أما الِانْقِطَاع فَإِن أَبَا حَاتِم وَيحيى من معِين وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَشعْبَة وَأحمد قَالُوا: إِن مُجَاهدًا لم يسمع من عَائِشَة، وَأما الِاضْطِرَاب فلرواية أبي دَاوُد لَهُ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن الْحسن بن مُسلم، بدل ابْن أبي نجيح، ورد عَلَيْهِ بِأَن البُخَارِيّ صرح بِسَمَاعِهِ مِنْهَا فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد فِي عدَّة أَحَادِيث، وَكَذَا أثبت سَمَاعه مِنْهَا ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن حبَان مَعَ أَن الْإِثْبَات مقدم على النَّفْي، أما الِاضْطِرَاب الَّذِي ذكره فَهُوَ لَيْسَ باضطراب لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع سَمعه من شيخين، وَشَيخ البُخَارِيّ أَبُو نعيم أحفظ من شيخ أبي دَاوُد وَمُحَمّد بن كثير، وَقد تَابع أَبَا نعيم، خَالِد بن يحيى وَأَبُو حُذَيْفَة والنعمان بن عبد السَّلَام فرجحت رِوَايَته، والمرجوح لَا يُؤثر فِي الرَّاجِح.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع قَالَ: سَمِعت الْحسن يَعْنِي أَبَا سليم يذكر عَن مُجَاهِد.
قَالَ: قَالَت عَائِشَة: مَا كَانَ لإحدانا إلاَّ ثوب وَاحِد فِيهِ تحيض فَإِذا أَصَابَهُ شَيْء من دم بلته بريقها فمصعته بريقها.

ذكر مَا فِيهِ من الْمَعْنى وَالْحكم قَوْلهَا: ( لإحدانا) أَي: من زَوْجَات النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ الْكرْمَانِي: ( فَإِن قلت:) هَذَا النَّفْي لَا يلْزم أَن يكون عَاما لكلهن لصدقه بِانْتِفَاء الثَّوْب الْوَاحِد مِنْهُنَّ.
قلت: هُوَ عَام، إِذْ صدقه بِانْتِفَاء الثَّوْب لكلهن وإلاَّ لَكَانَ لإحداهن الثَّوْب فَيلْزم الْخلف، ثمَّ لفظ الْمُفْرد الْمُضَاف من صِيغ الْعُمُوم على الْأَصَح.
قَوْله: ( تحيض فِيهِ) جمَاعَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا صفة لثوب.
قَوْلهَا: ( قَالَت بريقها) يَعْنِي: صبَّتْ عَلَيْهِ من رِيقهَا، وَقد ذكرتا أَن القَوْل يسْتَعْمل فِي غير مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْمقَام أَو الْمَعْنى: بلته بريقها كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد.
قَوْلهَا: ( فمصعته بظفرها) يَعْنِي فركته، ومادته مِيم وصاد وَعين مهملتان وَفِي رِوَايَة: ( فقصعته) بِالْقَافِ وَالصَّاد وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمعنى: قصعته دلكته بِهِ وَمعنى قصع القملة، إِذا شدخها بَين حأظفاره وَأما قصع الرّطبَة فَهُوَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ أَن يَأْخُذهَا بإصبعه فيغمزها أدنى غمز فَتخرج الرّطبَة خَالِصَة قشرها.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير قصعته أَي: دلكته بظفرها،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: هَذَا فِي الدَّم الْيَسِير الَّذِي يكون معفواً عَنهُ وَأما فِي الْكثير مِنْهُ، فصح عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تغسله.
قلت: هم لَا يرَوْنَ بِأَن الْيَسِير من النَّجَاسَات عَفْو، وَلَا يُعْفَى عِنْدهم مِنْهَا عَن شَيْء سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا، وَهَذَا لَا يمشي إلاَّ على مَذْهَب أبي حنيفَة، فَإِن الْيَسِير عِنْده عَفْو، وَهُوَ مَا دون الدِّرْهَم، فَحِينَئِذٍ الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم حَيْثُ اختصوا فِي إِزَالَة النَّجَاسَة بِالْمَاءِ، لَا يُقَال: إِن هَذَا الحَدِيث معَارض بِحَدِيث أم سَلمَة لِأَن فِيهِ: ( فَأخذت ثِيَاب حيضتي) ، وَهُوَ يدل على تعدد الثَّوْب لِإِمْكَان كَون عدم التَّعَدُّد فِيهِ فِي بَدْء الْإِسْلَام، فَإِنَّهُم كَانُوا حِينَئِذٍ فِي شدَّة وَقلة، وَلما فتح الله الْفتُوح واتسعت أَحْوَالهم اتَّخذت النِّسَاء ثيابًا للْحيض سوى ثِيَاب لبساهن، فَأخْبرت أم سَلمَة عَنهُ.

مِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز إِزَالَة النَّجَاسَة بِغَيْر المَاء فَإِن الدَّم نجس وَهُوَ إِجْمَاع الْمُسلمين وَإِن إِزَالَة النَّجَاسَة لَا يشْتَرط فِيهَا الْعدَد بل المُرَاد الاتقاء.