فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذكر إدريس عليه السلام

( بابُُ ذِكْرِ إدْرِيسَ علَيْهِ السَّلاَمُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذكر إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد سقط هَذَا الْبابُُ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

وهُوَ جَدُّ أبِي نُوحٍ ويُقالُ جَدُّ نُوحٍ علَيْهِمَا السَّلامُ
أَي: إِدْرِيس جد أبي نوح، لِأَن نوحًا ابْن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس.
قَوْله: ( وَيُقَال جد نوح) ، هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن جد نوح هُوَ متوشلخ، أللهم إِلَّا إِذا أطلق على جد أبي نوح، فَإِنَّهُ جد نوح مجَازًا، وَهَذَا لَيْسَ بموجود فِي غَالب النّسخ.

وقَوْلِ الله تَعَالَى { ورَفَعْنَاهُ مَكاناً عَلِيّاً} ( مَرْيَم: 75) .

وَقَول الله، مجرور عطفا على: ذكر إِدْرِيس، أَي: وَفِي بَيَان ذكر قَول الله تَعَالَى: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} ( مَرْيَم: 75) .
أَي: رفعنَا إِدْرِيس مَكَانا عليا وَهُوَ السَّمَاء الرَّابِعَة، وَاسْتشْكل بَعضهم بِأَن غَيره من الْأَنْبِيَاء أرفع مَكَانا مِنْهُ، وَهَذَا الاستشكال لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لم يذكر أَنه أَعلَى من كل أحد.
وَأجَاب بَعضهم: بِأَن المُرَاد مِنْهُ أَنه لم يرفع إِلَى السَّمَاء من هُوَ حَيّ غَيره، ورد بِأَن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَيْضا قد رفع وَهُوَ حَيّ؟ قلت: هَذَا الرَّد موجه على القَوْل الصَّحِيح بِأَنَّهُ رفع وَهُوَ حَيّ، وَأما على قَول من يَأْخُذ بِظَاهِر قَوْله تَعَالَى: { إِنِّي متوفيك ورافعك إليَّ} ( آل عمرَان: 55) .
لَا يرد الرَّد الْمَذْكُور.



[ قــ :3190 ... غــ :3342 ]
- قَالَ عَبْدَانُ أخْبرَنَا عبْدُ الله أخْبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا عَنْبَسَةُ حدَّثَنَا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ أنسٌ كانَ أبُو ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يُحَدَّثُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وأنَا بِمَكَّةَ فنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِىءٍ حِكْمَةً وإيِمَانَاً فأفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أطْبَقَهُ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فعَرَجَ بِي إِلَى السَّماءِ فلَمَّا جاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ قَالَ مَنْ هاذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ قَالَ مَعَكَ أحَدٌ قَالَ مَعِي مُحَمَّدٌ قَالَ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فافْتَحْ فلَمَّا علَوْنَا السَّمَاءَ إذَا رَجُلٌ عنْ يَمِينِهِ أسْوِدَةٌ وعنْ يَسَارِهِ أسْوِدَةٌ فإذَا نظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وإذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى فَقَالَ مَرحَبَاً بالنَّبيِّ الصَّالِحِ والإبْنِ الصَّالِحِ.

قُلْتُ منْ هاذَا يَا جِبرِيلُ قَالَ هَذَا آدَمُ وهَذِهِ الأسْوِدَةُ عنْ يَمِينِه وعَنْ شِمالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فأهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أهْلُ الجَنَّةِ والأسْوِدَةُ الَّتِي عنْ شِمَالِهِ أهْلُ النَّارِ فإذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وإذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حتَّى أتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُ فَفَتَحَع قَالَ أنَسٌ فذَكَرَ أنَّهُ وَجَدَ فِي السَّماوَاتِ آدَمَ وإدْرِيسَ وَمُوساى وعِيسَى وإبْرَاهِيمَ ولَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنازِلُهُمْ غَيْرَ أنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أنَّهُ وجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وإبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ:.

     وَقَالَ  أنَسٌ فلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بإدْرِيسَ قَالَ مَرْحَباً بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأخِ الصَّالِحِ فقُلْتُ مَنْ هاذَا قَالَ هاذَا إدْرِيسُ ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فقالَ مَرْحَبَاً بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأخِ الصَّالِحِ.

قُلْتُ منْ هاذَا قَالَ هَذَا مُوساى ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبَاً بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ والأخِ الصَّالِحِ.

قُلْتُ مَنْ هاذا قَالَ عِيساى ثُمَّ مَرَرْتُ بإبْرَاهِيمَ فقالَ مَرْحَباً بالنَّبيِّ الصَّالِحِ والإبنِ الصَّالِحِ.

قُلْتُ مَنْ هاذَا قَالَ هَذَا إبْرَاهِيمُ قَالَ وأخْبَرَني ابنُ حَزْمٍ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ وأبَا حَبَّةَ الأنْصَارِيَّ كانَا يَقُولاَنِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ عُرِجَ بِي حتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أسْمَعُ صَرِيفَ الأقْلاَمِ: قَالَ ابنُ حَزْمٍ وأنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفَرَضَ الله عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فرَجِعْتُ بِذَلِكَ حتَّى أمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ لِي مُوسَى مَا الَّذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ.

قُلْتُ فُرِضَ علَيْهِمْ خَمْسِينَ صلاَةً قَالَ فَرَاجِعْ رَبَّكَ فإنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فذَكَرَ مِثْلَهُ فوَضَعَ شَطْرَهَا فرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فإنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ فرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ راجِعْ رَبَّكَ فقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ حتَّى أَتَى السِّدْرَةَ المُنْتَهَى فغَشِيَهَا ألْوَانٌ لَا أدْرِي مَا هِي ثُمَّ أُدْخِلْتُ فَإذَا فِيهَا جَنابِذُ اللُّؤْلُؤِ وإذَا تُرَابُهَا المِسْكُ.
( انْظُر الحَدِيث 943 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا مر جِبْرِيل بِإِدْرِيس) وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: ( وجد فِي السَّمَوَات إِدْرِيس) .
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي أول كتاب الصَّلَاة من طَرِيق وَاحِد عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن أنس بن مَالك، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر يحدث ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن عَبْدَانِ، وَلكنه قَالَ: قَالَ عَبْدَانِ، بِالتَّعْلِيقِ هَكَذَا وَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا عَبْدَانِ، وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان، وَقد مر غير مرّة عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أَحْمد بن صَالح بِالتَّحْدِيثِ، وَهُوَ أَحْمد ابْن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن خَالِد، سمع عَمه يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: ( أَسْوِدَة) ، جمع السوَاد، وَهُوَ الشَّخْص.
قَوْله: ( نسم بنيه) ، النسم، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة: جمع نسمَة وَهِي النَّفس.

وَابْن حزم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي: هُوَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حَبَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْمَشْهُور،.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وغلطوه فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ، بالنُّون، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: فَقَالَ أَبُو زرْعَة: عَامر، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: ثَابت،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: مَالك.
قَوْله: ( لمستوًى) ، ويروى: ( بمستوى) ، بِفَتْح الْوَاو أَي: مصعداً.
قَوْله: ( حَتَّى أَتَى السِّدْرَة) ، ويروى: ( حَتَّى أَتَى بِي السِّدْرَة) ، ويروى: ( حَتَّى أَتَى إِلَى السِّدْرَة) .
قَوْله: ( ثمَّ أدخلت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: أدخلت الْجنَّة، ويروى: ( بأظهار الْجنَّة) ، وَالله أعلم.