فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابٌُ يَزِفّونَ النَّسَلاَنُ فِي المَشْيِ)

أَي: هَذَا بابُُ، وَلم يذكر لَهُ تَرْجَمَة، وَهُوَ كالفصل من بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ( النِّسَاء: 561) .
وَقَوله: يزفون النسلان فِي الْمَشْي، إِنَّمَا ذكر فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والباقين: بابُُ، بِغَيْر تَرْجَمَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: لم يذكر: بابُُ، وَفِي شرح الْكرْمَانِي: بابُُ قَالَ الله تَعَالَى: { فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} ( الصافات: 49) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر تَرْجِيح مَا وَقع عِنْد الْمُسْتَمْلِي، وَوهم من وَقع عِنْده: بابُُ يزفون النسلان، فَإِنَّهُ كَلَام لَا معنى لَهُ.
قلت: بل لَهُ معنى جيد، لِأَن قَوْله بابُُ: كالفصل كَمَا ذكرنَا فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ من الْبابُُ السَّابِق، وَقَوله: ( يزفون) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} ( الصافات: 49) .
لِأَنَّهُ من جملَة قصَّة إِبْرَاهِيم مَعَ قومه حِين كسر أصنامهم، قَالَ الله تَعَالَى: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ أَي أَقبلُوا إِلَى إِبْرَاهِيم، يزفون أَي: يسرعون، ثمَّ أَشَارَ بقوله: النسلان فِي الْمَشْي إِلَى الْمَعْنى الْحَاصِل من قَوْله: يزفون، وَهُوَ من زف فِي مَشْيه إِذا أسْرع، وَكَذَلِكَ النسلان هُوَ الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي، يُقَال: نسل ينسل من بابُُ ضرب يضْرب نَسْلًا ونسلاناً.
وَفِي حَدِيث لُقْمَان: وَإِذا سعى الْقَوْم نسل، أَي: إِذا عَدو الْغَارة أَو مَخَافَة أسْرع هُوَ، قَالَ ابْن الْأَثِير: النسلان دون السَّعْي.
قلت: ومادته: نون وسين مُهْملَة وَلَام.



[ قــ :3208 ... غــ :3361 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ نَصْرٍ حدَّثنا أَبُو أُسَامَةَ عنْ أبِي حَيَّانَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْماً بِلَحْمٍ فَقَالَ إنَّ الله يَجْمَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ والآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ واحِدٍ فيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي ويَنْفذُهُمْ البَصَرُ وتَدْنُوا الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَذَكَرَ حدِيثَ الشَّفَاعَةِ فيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ فيَقُولُونَ أنْتَ نَبِيُّ الله وخَلِيلُهُ مِنَ الأرْضِ اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ فيَقُولُ فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى مُوساى.

مطابقته لبابُ { وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ( النِّسَاء: 561) .
فِي قَوْله: ( أَنْت نَبِي الله وخليله فِي الأَرْض) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَأَبُو حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف يحيى بن سعيد التَّيْمِيّ، تيم الربابُُ، الْكُوفِي.
وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء: اسْمه هرم ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي.

والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { إنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} ( نوح: 1) .
عَن قريب.
قَوْله: ( وَينْفذهُمْ) ، رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ بِفَتْح الْيَاء وَبَعْضهمْ بِالضَّمِّ، يُقَال: نفذني بَصَره: إِذا بَلغنِي، وَتجَاوز، وَيُقَال: أنفذت الْقَوْم إِذا أخذتهم، وَمَعْنَاهُ أَنه يُحِيط بهم بصر النَّاظر لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُم شَيْء لِاسْتِوَاء الأَرْض.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَي: يبلغ أَوَّلهمْ وَآخرهمْ حَتَّى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفدت الشَّيْء انفده وأنفدته.
قَوْله: ( فَذكر كذباته) تَفْسِير قَوْله: فَيَقُول.

تَابَعَهُ أنَسٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع أَبَا هُرَيْرَة فِي رِوَايَة الحَدِيث الْمَذْكُور أنس بن مَالك، بيَّن البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي التَّوْحِيد وَغَيره من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يجمع الله الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة كَذَلِك، فَيَقُولُونَ: لَو اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبنَا حَتَّى يُرِيحنَا من مَكَاننَا) الحَدِيث.





[ قــ :309 ... غــ :336 ]
- حدَّثني أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ أبُو عَبْدِ الله حدَّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ عنْ أبِيهِ عنْ أيُّوبَ عنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ يَرْحَمُ الله أمَّ إسْمَاعِيلَ لَوْلاَ أنَّهَا عَجِلَتْ لَكانَ زَمْزَمُ عَيْنَاً مَعِيناً.
.


مطابقته للبابُ الَّذِي تقدم ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي قَضِيَّة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا أخرجه البُخَارِيّ من ثَلَاث طرق: وَهَذَا هُوَ الأول.

وَرِجَاله سَبْعَة: الأول: أَحْمد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْمروزِي الْمَعْرُوف بالرباطي.
الثَّانِي: وهب بن جرير الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ أَبُو الْعَبَّاس.
الثَّالِث: أَبوهُ جرير، بِفَتْح الْجِيم: ابْن حَازِم بن زيد أَبُو النَّصْر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الْخَامِس: عبد الله بن سعيد بن جُبَير الْأَسدي الْكُوفِي.
السَّادِس: أَبوهُ سعيد بن جُبَير بن هِشَام الْأَسدي الْفَقِيه الْوَرع.
السَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما.

ذكر الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي هَذَا الْإِسْنَاد: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن السكن والإسماعيلي من طَرِيق حجاج بن الشَّاعِر عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن أَيُّوب عَن عبد الله بن سعيد بن جُبَير عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزَاد فِي روايتهما: أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سعيد شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي بن كَعْب ... إِلَى آخِره، فأسقط عبد الله بن سعيد بن جُبَير، وَزَاد أبي بن كَعْب.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن سعيد عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن وهب بِهِ، وَفِيه: قلت لأبي حَمَّاد: لَا تذكر أبي بن كَعْب، وَلَا ترفعه،.

     وَقَالَ : أَنا أحفظ كَذَا، وَكَذَا حَدثنِي بِهِ أَيُّوب.
قَالَ وهب: وَحدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عبد الله بن سعيد عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس نَحوه، وَلم يذكر أبي بن كَعْب، وَلم يرفعهُ، قَالَ وهب: فَأتيت سَلام بن أبي مُطِيع فَحَدثني بِهَذَا الحَدِيث عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عبد الله بن سعيد، فَرد ذَلِك ردا شَدِيدا ثمَّ قَالَ لي: فأبوك مَا يَقُول؟ قلت: أبي يَقُول: أَيُّوب عَن سعيد.
فَقَالَ: الْعجب! وَالله مَا يزَال الرجل من أَصْحَابنَا، الْحَافِظ قد غلط، إِنَّمَا هُوَ أَيُّوب عَن عِكْرِمَة بن خَالِد عَن سعيد بن جُبَير.
.

     وَقَالَ  أَبُو مَسْعُود: رَأَيْت جمَاعَة اخْتلفُوا على وهب بن جرير فِي هَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ الجياني: لم يذكر أَبُو مَسْعُود إلاَّ هَذَا، وَأَنا أذكر مَا انْتهى إِلَيّ من الْخلاف على وهب وعَلى غَيره فِي هَذَا الْإِسْنَاد، فَرَوَاهُ عَن حجاج عَن وهب بِهِ بِزِيَادَة أبي بن كَعْب، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق البُخَارِيّ بإسقاطه، وَرَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَنهُ بإثباته، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب فَلم يذكرهُ وَلَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ ابْن علية عَن أَيُّوب، فَقَالَ: نبئت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ أول من سعى بَين الصَّفَا والمروة.
.
الحَدِيث بِطُولِهِ، نَحوا مِمَّا رَوَاهُ معمر عَن أَيُّوب عَن سعيد وَفِيه قصَّة زَمْزَم، وَرَوَاهُ سَلام بن أَب مُطِيع عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة بن خَالِد وَلم يذكر ابْن جُبَير، قَالَ أَبُو عَليّ: وَكَيف يَصح هَذَا وَفِيه من الْخلاف مَا عرفت؟ فَنَقُول: إِذا ميزه النَّاظر ميز مِنْهُ مَا ميزه البُخَارِيّ وَحكم بِصِحَّتِهِ وَعلم أَن الْخلاف الظَّاهِر فِيهِ إِنَّمَا يعود إِلَى وفَاق، وَأَنه لَا يدْفع بعضه بَعْضًا، وَالِاخْتِلَاف إِذا كَانَ دائراً على ثِقَات حفاظ لَا يضر، فَلَا يلْتَفت إِلَى عيب الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ إِخْرَاجه رِوَايَة أَيُّوب لاضطرابها، وَلَا يلْتَفت أَيْضا إِلَى إِنْكَار سَلام بن أبي مُطِيع على كَون مخرج الحَدِيث عَن سعيد رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من حمال المحابر.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (رحم الله أم إِسْمَاعِيل) هِيَ: هَاجر وقصتها ملخصة مَا ذكره السّديّ: أَن سارة زوج إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَلَفت أَن لَا تساكن هَاجر، فحملها إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مَعهَا إِلَى مَكَّة على الْبراق، وَمَكَّة إِذْ ذَاك عضاه وَسلم وَسمر، وَمَوْضِع الْبَيْت يَوْمئِذٍ ربوة، فوضعهما مَوضِع الْحجر ثمَّ انْصَرف، فاتبعته هَاجر، فَقَالَت: إِلَى من تكلنا؟ فَالله أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: نعم، فَقَالَت: إِذن لَا يضيعنا، ثمَّ انْصَرف رَاجعا إِلَى الشَّام، وَكَانَ مَعَ هَاجر شنة مَاء وَقد نفد فعطشت وعطش الصَّبِي، فَقَامَتْ وصعدت الصَّفَا فتسمعت هَل تسمع صَوتا أَو ترى إنْسَانا فَلم تسمع صَوتا وَلم تَرَ أحدا، ثمَّ ذهبت إِلَى الْمَرْوَة فَصَعدت عَلَيْهَا وَفعلت مثل ذَلِك، فَلم تزل تسع بَينهمَا حَتَّى سعت سبع مَرَّات.
وأصل السَّعْي من هَذَا، ثمَّ سَمِعت صَوتا فَجعلت تَدْعُو: اسْمَع أيل يَعْنِي: إسمع يَا الله قد هَلَكت وَهلك من معي، فَإِذا هِيَ بِجِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ لَهَا: من أَنْت؟ قَالَت: سَرِيَّة إِبْرَاهِيم تركني وَابْني هَهُنَا.
قَالَ: إِلَى من وكلكما؟ قَالَت: إِلَى الله تَعَالَى، قَالَ: وكلكما إِلَى كافٍ، ثمَّ جَاءَ بهما إِلَى مَوضِع، زَمْزَم فَضرب بعقبه ففارت عينا، فَلذَلِك يُقَال لزمزم، ركضة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا نبع المَاء أخذت هَاجر شنتها وَجعلت تستقي فِيهَا تدخره، وَهِي تَفُور، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يرحم الله أم إِسْمَاعِيل، لَوْلَا أَنَّهَا عجلت لكَانَتْ زَمْزَم عينا معينا، وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم أَي سَائِلًا جَارِيا على وَجه الأَرْض، يُقَال: عين معِين، أَي ذَات عين جَارِيَة، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: مُعينَة، والتذكير إِمَّا حملا على اللَّفْظ، أَو لِوَهم أَنه فعيل بِمَعْنى مفعول، أَو على تَقْدِير ذَات معِين، وَهُوَ المَاء يجْرِي على وَجه الأَرْض.





[ قــ :309 ... غــ :3363 ]
- وَقَالَ الأنْصَارِيُّ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ أمَّا كَثِيرُ بنُ كَثِيرٍ فحَدَّثَني قَالَ إنِّي وعُثْمَانَ بنَ أبِي سُلَيْمانَ جُلوسَّ مَعَ سَعِيدِ بنِ جُبَيْر فَقَالَ مَا هَكذَا حدَّثني ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ أقْبَلَ إبْرَاهِيمُ بإسْمَاعِيلَ وأمِّهِ علَيْهِمُ السَّلاَمُ وهْيَ تُرْضِعُهُ مَعَها شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ ثُمَّ جاءَ بِهَا إبْرَاهِيمُ وبِإبْنِهَا إسْمَاعِيلَ.
.


هَذَا طَرِيق ثَان أخرجه مُعَلّقا عَن الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس مَاتَ سنة أَربع عشرَة أَو خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج،، قَالَ: أما كثير بن كثير ضد الْقَلِيل فِي الْإِثْنَيْنِ، ابْن الْمطلب بتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر اللاَّم ابْن أبي ودَاعَة، بِفَتْح الْوَاو وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة: السَّهْمِي، مر فِي كتاب الشّرْب وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم الْقرشِي.
قَوْله: ( جُلُوس) أَي: جالسان.
قَوْله: ( وَأمه) ، يَعْنِي: هَاجر.
وَالْوَاو فِي: وَهِي ترْضِعه، للْحَال.
قَوْله: ( شنة) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: وَهِي الْقرْبَة الْيَابِسَة.
قَوْله: ( لم يرفعهُ) أَي: الحَدِيث، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) : عَن فاروق بن عبد الْكَبِير حَدثنَا أَبُو خَالِد عبد الْعَزِيز بن مُعَاوِيَة الْقرشِي عَن الْأنْصَارِيّ، وَلكنه أوردهُ مُخْتَصرا.





[ قــ :310 ... غــ :3364 ]
- وحدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ السَّخْتِيانيِّ وكَثِيرِ ابنِ كَثِيرِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ أبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أحَدُهُمَا علَى الآخَرِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرِ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّساءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقَاً لِتُعَفِّي أثَرَها علَى سارَةَ ثُمَّ جاءَ بِهَا إبْرَاهِيمُ وبابُْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهْيَ تُرْضِعُهُ حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ عنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أعْلَى المَسْجِدِ وليْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أحَدٌ وليْسَ بِهَا ماءٌ فوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ ووضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابَاً فِيهِ تَمْرٌ وسِقاءً فيهِ ماءٌ ثُمَّ قَفَّى إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقَاً فتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ يَا إبْرَاهِيمُ أيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنا بِهاذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فيهِ إنْسٌ ولاَ شَيْءٌ فقالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارَاً وجعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إليْهَا فقالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِي أمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نعَمْ قالتْ إذَنْ لاَ يُضَيِّعَنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤلاَءِ الكَلِمَاتِ ورَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَبِّ أنِّي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حتَّى بلَغَ يَشْكُرُونَ وجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ ترْضع إِسْمَاعِيل وتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ حتَّى إذَا نَفِذَ مَا فِي السِّقاءِ عَطِشَتْ وعَطِشَ ابْنُهَا وجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ يتَلَوَّى أوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ فوَجَدَتْ الصَّفَا أقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأرْضِ يَلِيهَا فقامَتْ علَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِي تَنْظُرُ هَلْ تَرَي أحَدَاً فَلَمْ تَرَ أحَدَاً فهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حتَّى إذَا بلَغَتِ الوَادِيَ رفَعَتْ طرَفَ دِرْعِه ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإنْسَانِ الْمَجْهُودِ حتَّى جاوَزَتِ الوَادِي ثُمَّ أتتْ المَرْوَةَ فقامَتْ عَلَيْهَا ونَظَرَتْ هَلْ تَرَى أحَدَاً فلَمْ تَرَ أحَدَاً ففَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فلَمَّا أشْرَفَتْ علَى المَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتَاً فقالَتْ صَهْ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضا فقَالَتْ قَدْ أسْمَعْتَ إنْ كانَ عِنْدَكَ غُوَاثٌ فإذَا هِيَ بالمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعٍ زَمْزَمَ فبَحَثَ بِعَقِبِهِ أوْ قَالَ بِجَناحِهِ حتَّى ظَهَرَ المَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وتَقولُ بِيَدِها هَكَذَا وجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ فِي سِقَائِهَا وهْوَ يَفورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْحَمُ الله أُمَّ إسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ لَكانَتْ زَمْزَمُ عَيْنَاً مَعِيناً قَالَ فشَرِبَتْ وأرْضَعَتْ ولدَهَا فَقَالَ لَهَا المَلَكُ لاَ تَخافُوا الضَّيْعَةَ فإنَّ هاهُنَا بَيْتَ الله يَبْنِيهِ هاذَا الغُلاَمُ وأبوهُ وإنَّ الله لَا يُضَيِّعُ أهْلَهُ وكانَ البَيْتُ مُرْتَفِعَاً مِنَ الأرْضِ كالرَّابِيَةِ تأتِيهِ السُّيُولُ فتأخُذُ عنْ يَمِينِهِ وشِمَالِهِ فَكانَتْ كَذَلِكَ حتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ منْ جُرْهُمَ أوْ أهْلُ بَيْت مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فنَزَلُوا فِي أسْفَل مَكَّةَ فرَأوْا طائِرَاً عائفَاً فقالُوا إنَّ هذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ علَى ماءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الوَادِي وَمَا فِيهِ ماءٌ فأرْسَلُوا جَرِيّاً أوْ جَرِيَّيْنِ فإذَا هُمْ بِالْمَاءِ فرَجَعُوا فأخْبَرُوهُمْ بالمَاءِ فأقْبَلُوا قَالَ وأُمُّ إسْمَاَعِيلَ عِنْدَ الماءِ فقَالُوا أتأذَنِينَ لَنا أنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فقالَتْ نَعَمْ ولَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي المَاءِ قالُوا نَعَمْ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألْفَى ذَلِكَ أُم إسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُحِبُّ الإُنْسَ فَنَزَلُوا وأرْسَلُوا إِلَى أهْلِيهِمْ فنَزَلُوا مَعَهُمْ حتَّى إذَا كانَ بِهَا أهْلُ أبْياتٍ مِنْهُمْ وشَبَّ الغُلاَمُ وتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وأنفَسَهُمْ وأعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فلَمَّا أدْرَكَ زَوَّجُوهُ امرَأةً مِنْهُمْ وماتَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَجاءَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ يُطالِعُ تَرِكَتَهُ فلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ فَسألَ امْرَأتَهُ عَنْهُ فقالَتْ خرجَ يَبْتَغِي لَنا ثُمَّ سألَهَا عنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فقالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وشِدَّةٍ فَشَكَتْ إلَيْهِ قَالَ فإذَا جاءَ زَوْجُكِ فاقْرَئِي علَيْهِ السَّلاَمَ وقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بابُِهِ فلَمَّا جاءَ إسْمَاعِيلُ كأنَّهُ آنَسَ شَيْئاً فَقَالَ هَلْ جاءَكُمْ مِنْ أحَدٍ قالَتْ نَعَمْ جاءَنَا شَيْخٌ كذَا وكَذَا فسَألَنَا عَنْكَ فأخْبرْتُهُ وسألَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فأخْبَرْتُهُ أنَّا فِي جَهْدٍ وشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أوْصَاكِ بِشَيْءٍ قالَتْ نَعَمْ أمَرَنِي أنْ أقْرَأ علَيْكَ السَّلامَ ويَقولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بابُِكَ قَالَ ذَاكَ أبي وقدْ أمَرَنِي أنْ أُفَارِقَكِ الحَقِي بأهْلِكِ فَطلقَها وتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فلَبِثَ عَنْهُمْ إبْرَاهِيمُ مَا شاءَ الله ثُمَّ أتَاهُمْ بَعْدُ فلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ علَى امْرَأتِهِ فسَألَهَا عَنْهُ فقالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنا قَالَ كَيْفَ أنْتُمْ وسألَهَا عنْ عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ فقالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وسِعَةٍ وأثْنَتْ علَى الله فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قالَتِ اللَّحْمُ قَالَ فَما شَرَابُكُمْ قالَتِ الْمَاءُ قَالَ أللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ والماءِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ ولَوْ كانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فإذَا جاءَ زَوْجُكِ فاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ ومُرِيهِ يُثْبِتْ عَتَبَةَ بابُِهِ فلَمَّا جاءَ إسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أتاكُمْ مِنْ أحَدٍ قالَتْ نَعمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وأثْنَتْ عليْهِ فسَألَنِي عَنْكَ فأخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فأخْبَرْتُهُ أنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فأوْصَاكِ بِشَيْءٍ قالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأ عَلَيْكَ السَّلاَمَ ويأمُرُكَ أنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بابُِكَ قَالَ ذَاكِ أبي وأنْتِ الْعَتَبَةُ أمَرَنِي أنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شاءَ الله ثُمَّ جاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وإسْمَاعِيلُ يَبْرِي لَهُ نَبْلاً تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيباً مِنْ زَمْزَمَ فلَمَّا رَآهُ قامِ إلَيْهِ فصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الوَالِدُ بالوَلَدِ والوَلَدُ بالوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إسْمَاعِيلُ إنَّ الله أمَرَنِي بِأمْرَ قَالَ فاصْنَعْ مَا أمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وأُعِينُكَ قَالَ فإنَّ الله أمَرَنِي أنْ أبْنِيَ هاهُنَا بَيْتَاً وأشارَ إلَى أكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ علَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذالِكَ رفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فجَعَلَ إسْمَاعِيلُ يأتِي بالحِجَارَةِ وإبْرَاهِيمُ يَبْنِي حتَّى إذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ جاءَ بِهاذَا الحَجَرَ فوَضَعَهُ لَهُ فَقامَ عَليْهِ وهْوَ يَبْنِي وإسْمَاعِيلُ يُناوِلُهُ الحِجَارَةَ وهُمَا يَقُولانَ رَبَّنَا تقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ قَالَ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حتَّى يَدُورَا حَوْلَ البَيْتِ وهُمَا يَقولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
.


هَذَا من تَتِمَّة الحَدِيث الأول، لِأَن الحَدِيث الأول جُزْء يسير مِنْهُ، وَهَذَا يُوضح الْقِصَّة كَمَا يَنْبَغِي، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الرَّزَّاق بن همام، وَمعمر بن رَاشد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( الْمنطق) ، بِكَسْر الْمِيم مَا يشد بِهِ الْوسط أَي: اتَّخذت أم اسماعيل منطقاً، وَكَانَ أول الإتخاذ من جِهَتهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا تزيت بزِي الخدم إشعاراً بِأَنَّهَا خَادِمهَا، يَعْنِي: خَادِم سارة لتستميل خاطرها وتجبر قَلبهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: النُّطْق، بِضَم النُّون والطاء، وَهُوَ جمع: منطق، وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن سارة كَانَت وهبت هَاجر لإِبْرَاهِيم فَحملت مِنْهُ بِإِسْمَاعِيل، فَلَمَّا وَلدته غارت مِنْهَا، فَحَلَفت لتقطعن مِنْهَا ثَلَاثَة أَعْضَاء، فاتخذت هَاجر منقطقاً فشدت بِهِ وَسطهَا وَجَرت ذيلها لتخفي أَثَرهَا على سارة، وَهُوَ معنى قَوْله: ( لتعفي أَثَرهَا) ، أَي: لِأَن تعفي، يُقَال عَفا على مَا كَانَ مِنْهُ: إِذا أصلح بعد الْفساد، وَيُقَال: إِن إِبْرَاهِيم شفع فِيهَا،.

     وَقَالَ  لسارة: حللي يَمِينك بِأَن تثقبي أذنيها وتخفضيها، فَكَانَت أول من فعل ذَلِك، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن علية عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: أول مَا أحدث الْعَرَب جر الذيول عَن أم إِسْمَاعِيل.
قَوْله: ( ثمَّ جَاءَ بهَا إِبْرَاهِيم) قيل: كَانَ على الْبراق، وَقيل: كَانَ تطوى لَهُ الأَرْض.
قَوْله: ( وَهِي ترْضِعه) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، أَي: هَاجر ترْضع إِسْمَاعِيل، قَوْله: ( عِنْد الْبَيْت) أَي: عِنْد مَوضِع البيع، لِأَنَّهُ لم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت بَيت وَلَا بِنَاء.
قَوْله: ( فوضعهما) عِنْد الْبَيْت، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى وضعهما.
قَوْله: ( عِنْد دوحة) ، بِفَتْح الدَّال والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهِي الشَّجَرَة الْعَظِيمَة.
قَوْله: ( فَوق زَمْزَم) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَوق الزمزم.
قَوْله: ( وَفِي أَعلَى الْمَسْجِد) ، أَي: فِي أَعلَى مَكَان الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ لم يكن حِينَئِذٍ بنى الْمَسْجِد.
قَوْله: ( جرابا) ، بِكَسْر الْجِيم، وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ من الْجلد يوضع فِيهِ الزوادة.
قَوْله: ( وسقاء) بِالنّصب، عطف على: جراباً، وَهُوَ بِكَسْر السِّين، وَهُوَ قربَة صَغِيرَة، وَفِي رِوَايَة تَأتي: شنة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون، وَهِي الْقرْبَة العتيقة الْيَابِسَة.
قَوْله: ( ثمَّ قفى) ، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء من التقفية، وَهِي الْأَعْرَاض، والتولي.
.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: معنى قفَّى ولَّى، يَعْنِي: ولَّى رَاجعا إِلَى الشَّام، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: فَانْصَرف إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَى أَهله بِالشَّام وَترك إِسْمَاعِيل وَأمه عِنْد الْبَيْت.
قَوْله: ( مُنْطَلقًا) نصب على الْحَال.
قَوْله: ( فتبعته أم إِسْمَاعِيل) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: ( فاتبعته) ، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: ( فَأَدْرَكته بِكَذَا) .
قَوْله: ( إِذن لَا يضيعنا) ، وَفِي رِوَايَة عَطاء: ( لن يضيعنا) ، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: ( حسبي) ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن كثير، فَقَالَت: ( رضيت بِاللَّه) .
قَوْله: ( عِنْد الثَّنية) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ فِي الْجَبَل كالعقبة، وَقيل: هُوَ الطَّرِيق العالي فِيهِ، وَقيل: أَعلَى المسيل فِي رَأسه.
قَوْله: ( رب) ، يَعْنِي: يَا رب، ويروى: ( رَبِّي) ، بِالْيَاءِ هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني: ( رب) ، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( رَبنَا) ، كَمَا فِي الْقُرْآن، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوى إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون} ( إِبْرَاهِيم: 73) .
قَوْله: ( بواد غير ذِي زرع) ، هُوَ مَكَّة.
قَوْله: ( الْمحرم) ، وصف الْبَيْت بالمحرم لِأَن الله تَعَالَى حرم التَّعَرُّض لَهُ والتهاون بِهِ، وَلِأَنَّهُ حرم على الطوفان، أَي: منع مِنْهُ.
قَوْله: ( ليقيموا الصَّلَاة عِنْد بَيْتك الْمحرم) يتَعَلَّق بقوله: أسكنت أَي: مَا أسكنتهم بِهَذَا الْوَادي الْخَلَاء البلقع إلاَّ ليقيموا الصَّلَاة عِنْد بَيْتك الْمحرم.
قَوْله: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس) أَي: من أَفْئِدَة النَّاس، وَهِي جمع فؤاد، وَهِي الْقُلُوب، وَقد يعبر عَن الْقلب بالفؤاد، وَقيل: جمع: وُفُود من النَّاس وَلَو قَالَ: أَفْئِدَة للنَّاس، لحجت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، قَالَه سعيد بن جُبَير.
قَوْله: ( تهوي إِلَيْهِم) ، أَي: تقصدهم وتسكن إِلَيْهِم.
قَوْله: ( وارزقهم من الثمرات) ، أَي: الَّتِي تكون فِي بِلَاد الرِّيف حَتَّى يُحِبهُمْ النَّاس.
فَقبل الله دعاءه، وَأنْبت لَهُم بِالطَّائِف سَائِر الْأَشْجَار لَعَلَّهُم يشكرون النِّعْمَة.
قَوْله: ( حَتَّى إِذا نفد مَا فِي السقاء) أَي: حَتَّى إِذا فرغ المَاء الَّذِي فِي السقاء.
قَوْله: ( وعطش ابْنهَا) أَي: إِسْمَاعِيل، بِكَسْر الطَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ، قيل: كَانَ عمره فِي ذَلِك الْوَقْت سنتَيْن، وَقيل: كَانَ لَبنهَا انْقَطع.
قَوْله: ( يتلوى) أَي: يتمرغ وينقلب ظهرا لبطن ويميناً وَشمَالًا، واللوى: وجع فِي الْبَطن.
قَوْله: ( وَقَالَ: يتلبط) بِالْبَاء الْمُوَحدَة قبل الطَّاء الْمُهْملَة أَي: يتمرغ وَيضْرب بِنَفسِهِ الأَرْض،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هُوَ أَن يُحَرك لِسَانه وشفتيه كَأَنَّهُ يَمُوت.
قَالَ الْخَلِيل: لبط فلَان بفلان الأَرْض إِذا صرعه صرعاً عنيفاً،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: اللبط بِالْيَدِ والخبط بِالرجلِ، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب، فَلَمَّا ظمأ إِسْمَاعِيل جعل يضْرب الأَرْض بعقبيه، وَفِي رِوَايَة معمر والكشميهني يتلمظ بِالْمِيم والظاء الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي) ، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب، والوادي يَوْمئِذٍ عميق.
قَوْله: ( تنظر) ، جملَة وَقعت حَالا.
قَوْله: ( فَهَبَطت) بِفَتْح الْبَاء.
قَوْله: ( ثمَّ سعت سعي الْإِنْسَان المجهود) ، أَي: الَّذِي أَصَابَهُ الْجهد، وَهُوَ الْأَمر الْمشق.
قَوْله: ( سبع مَرَّات) ، وَفِي حَدِيث أبي جهم: وَكَانَ ذَلِك أول من سعى بَين الصَّفَا والمروة.
قَوْله: ( فَقَالَت: صه) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء وبكسرها منونة، وَالْمعْنَى: لما سَمِعت الصَّوْت قَالَت لنَفسهَا: صه، أَي: أسكتي.
وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع وَابْن جريج: فَقَالَت: أَغِثْنِي إِن كَانَ عنْدك خير.
قَوْله: ( ثمَّ تسمعت) ، أَي: تكلفت فِي السماع وَاجْتَهَدت فِيهِ، وَهُوَ من بابُُ التفعل وَمَعْنَاهُ التَّكَلُّف.
قَوْله: ( قد أسمعت) بِفَتْح التَّاء من الإسماع.
قَوْله: ( غواث) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَتَخْفِيف الْوَاو وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، قيل: وَلَيْسَ فِي الْأَصْوَات: فعال، بِفَتْح أَوله غَيره، وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي ضم أَوله، وَحكى ابْن قرقول كسر أَوله أَيْضا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الضَّم، وَالْفَتْح للأصيلي، وَضَبطه الدمياطي بِالضَّمِّ، وَضَبطه ابْن التِّين بِالْفَتْح، وعَلى كل حَال هُوَ مُشْتَقّ من الْغَوْث، وَجَزَاء الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن كَانَ عنْدك غواث اغثني.
قَوْله: ( فَإِذا هِيَ بِالْملكِ) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع وَابْن جريج: فَإِذا جِبْرِيل، وَفِي حَدِيث عَليّ عِنْد الطَّبَرِيّ بِإِسْنَاد حسن: فناداها جِبْرِيل، فَقَالَ: من أَنْت؟ قَالَت: أَنا هَاجر أم ولد إِبْرَاهِيم، قَالَ: فَإلَى من وكلكما؟ قَالَت: إِلَى الله.
قَالَ: وكلكما إِلَى كافٍ.
قَوْله: ( فبحث بعقبه) ، الْبَحْث طلب الشَّيْء فِي التُّرَاب وَكَأَنَّهُ حفر بِطرف رجله.
قَوْله: ( أَو قَالَ بجناحه) ، شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: وَمعنى: قَالَ، بجناجه، أَشَارَ بِهِ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع، فَقَالَ: بعقبه هَكَذَا، وغمز عقبه على الأَرْض، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فركض جِبْرِيل بِرجلِهِ، وَفِي حَدِيث عَليّ: ففحص الأَرْض بإصبعه فنبعت زَمْزَم.
قَوْله: ( حَتَّى ظهر المَاء) ، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَفَاضَ المَاء، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: فانبثق أَي: تفجر.
قَوْله: ( وَجعلت تحوضه) ، أَي: تَجْعَلهُ كالحوض لِئَلَّا يذهب المَاء، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: فدهشت أم إِسْمَاعِيل فَجعلت تحفر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من رِوَايَة ابْن نَافِع: تحفن، بالنُّون بدل الرَّاء، وَالْأول أصوب، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: فَجعلت تفحص الأَرْض بِيَدِهَا.
قَوْله: ( وَتقول بِيَدِهَا) ، هَكَذَا هُوَ حِكَايَة فعلهَا، وَهَذَا من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل.
قَوْله: ( عينا معينا) ، قد مر تَفْسِيره عَن قريب، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: كَانَ المَاء ظَاهرا.
قَوْله: ( لَا تخافوا الضَّيْعَة) أَي: الْهَلَاك، ويروى: لَا تخافي، وَفِي حَدِيث أبي جهم: لَا تخافي أَن ينْفد المَاء، ويروى: لَا تخافي على أهل هَذَا الْوَادي ظمأً وَأَنَّهَا عين تشرب بهَا ضيفان الله، وَزَاد فِي حَدِيث أبي جهم: فَقَالَت: بشرك الله بِخَير.
وَفِيه: أَن الْملك يتَكَلَّم مَعَ غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام.
قَوْله: ( يَبْنِي هَذَا الْغُلَام) ، كَذَا هُوَ بِغَيْر ذكر الْمَفْعُول، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( يبنيه) ، بِإِظْهَار الْمَفْعُول.
قَوْله: ( كالرابية) ، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع.
قَوْله: ( رفْقَة) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْفَاء وَفتح الْقَاف، وَهِي: الْجَمَاعَة المختلطون سَوَاء كَانُوا فِي سفرهم أَو لَا.
قَوْله: ( من جرهم) ، بِضَم الْجِيم وَالْهَاء، حَيّ من الْيمن وَهُوَ ابْن قحطان بن عَابِر بن شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ جرهم وَأَخُوهُ قطورا أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ عِنْد تبلبل الألسن، وَكَانَ رَئِيس جرهم مضاض بن عَمْرو، وَرَئِيس قطورا السميدع، وَيُطلق على الْجَمِيع: جرهم، وَقيل: إِن أصلهم من العمالقة، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: وَكَانَت جرهم يَوْمئِذٍ بوادٍ قريب من مَكَّة.
قَوْله: ( أَو أهل بَيت من جرهم) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( مُقْبِلين) ، حَال من الإقبال، وَهُوَ التَّوَجُّه إِلَى الشَّيْء قَوْله: ( من طَرِيق كداء) ، بِفَتْح الْكَاف وبالمد وَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَاعْترض بَعضهم بِأَن كداء بِالْفَتْح وَالْمدّ: مَحل فِي أَعلَى مَكَّة وَأما الَّذِي فِي أَسْفَلهَا بِضَم الْكَاف وَالْقصر، وَالصَّوَاب هُنَا هَذَا: يَعْنِي: بِالضَّمِّ وَالْقصر، ورد بِأَنَّهُ: لَا مَانع من أَن يدخلوها من الْجِهَة الْعليا وينزلوا من الْجِهَة السُّفْلى.
قَوْله: ( عائفاً) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالفاء، وَهُوَ الَّذِي يتَرَدَّد على المَاء ويحوم حوله وَلَا يمْضِي عَنهُ.
قَالَه الْخَلِيل.
والعائف: الرجل الَّذِي يعرف مَوَاضِع المَاء من الأَرْض.
قَوْله: ( لعهدنا) ، اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( بِهَذَا الْوَادي) ، ظرف مُسْتَقر لَا لَغْو.
قَوْله: ( وَمَا فِيهِ مَاء) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( فأرسلوا جَريا) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ الرَّسُول، وَيُطلق على الْوَكِيل والأجير، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى مرسله أَو مُوكله، أَو لِأَنَّهُ يجْرِي مسرعاً فِي حَوَائِجه.
قَوْله: ( أَو جريين) ، شكّ من الرَّاوِي، هَل أرْسلُوا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ؟ وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: ( فأرسلوا رَسُولا) .
قَوْله: ( فَإِذا هم بِالْمَاءِ) ، كلمة إِذا للمفاجأة.
فَإِن قلت: الْمَذْكُور: جرى، بِالْإِفْرَادِ أَو جريين بالتثنة، فَمَا وَجه الْجمع؟ قلت: يحْتَمل كَون نَاس آخَرين مَعَ الجري من الخدم والأتباع.
قَوْله: ( فَأَقْبَلُوا) ، أَي: جرهم أَقبلُوا إِلَى جِهَة المَاء.
قَوْله: ( وَأم إِسْمَاعِيل عِنْد المَاء) ، جملَة حَالية أَي: كائنة عِنْد المَاء مُسْتَقِرَّة.
قَوْله: ( فقالو) ، أَي: جرهم قَالُوا بعد حضورهم عِنْد أم إِسْمَاعِيل.
قَوْله: ( فَقَالَت: نعم) ، أَي: قَالَت أم إِسْمَاعِيل: نعم أَذِنت لكم بالنزول.
قَوْله: ( فألفى ذَلِك) ، بِالْفَاءِ أَي: وجد.
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: وجد ذَلِك الجرهمي أم إِسْمَاعِيل محبَّة للمؤانسة بِالنَّاسِ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فألفى ذَلِك: أَي وجد، وَأم إِسْمَاعِيل، بِالنّصب على المفعولية، وَلم يبين فَاعل: وجد، من هُوَ كَأَنَّهُ خَفِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ خَفِي على الْكرْمَانِي حَتَّى جعل فَاعل: ألفى، الجرهمي، وَالْفَاعِل لقَوْله: فألفى هُوَ قَوْله: ذَلِك، وَأم إِسْمَاعِيل مَفْعُوله، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى اسْتِئْذَان جرهم وَالْمعْنَى: فَأتى اسْتِئْذَان جرهم بالنزول أم إِسْمَاعِيل، وَالْحَال أَنَّهَا تَحت الْأنس لِأَنَّهَا كَانَت وَحدهَا وَإِسْمَاعِيل صَغِير والوحشة متمكنة، وَنَظِير مَا ذكرنَا من هَذَا نَظِير مَا فِي قَول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا ألفاه السَّحر عِنْدِي إلاَّ نَائِما، وَفَسرهُ ابْن الْأَثِير وَغَيره: أَي مَا أَتَى عَلَيْهِ السَّحر إلاَّ وَهُوَ نَائِم، يَعْنِي: بعد صَلَاة اللَّيْل، وَالْفِعْل فِيهِ للسحر.
قَوْله: ( الْأنس) ، بِضَم الْهمزَة وَيجوز بِالْكَسْرِ أَيْضا لِأَن الْأنس بِالْكَسْرِ جِنْسهَا.
قَوْله: ( وشب الْغُلَام) ، أَي: إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي حَدِيث أبي جهم: وَنَشَأ إِسْمَاعِيل بَين ولدانهم، أَي ولدان جرهم.
قَوْله: ( وَتعلم الْعَرَبيَّة مِنْهُم) أَي: من جرهم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه تَضْعِيف لقَوْل من روى: أَنه أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقع ذَلِك عِنْد الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: ( أول من نطق بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل) .
قلت: لَيْسَ فِيهِ تَضْعِيف ذَلِك لِأَن الْمَعْنى: أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ من أَوْلَاد إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن إِبْرَاهِيم وَأَهله كلهم لم يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ فالأولية أَمر نسبي، فبالنسبة إِلَيْهِم هُوَ أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جرهم.
قَوْله: ( وأنفسهم) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أنفسهم، بِلَفْظ الْمَاضِي أَي: رغبهم فِيهِ وَفِي مصاهرته، يُقَال: أنفسني فلَان فِي كَذَا، أَي: رغبني فِيهِ ( وأعجبهم) أَي: أعجبهم فِي نفاسته،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أنفسهم، بِفَتْح الْفَاء بِلَفْظ أفعل التَّفْضِيل: من النفاسة أَي: كثرت رغبتهم فِيهِ انْتهى.
قلت: قَوْله: أفعل التَّفْضِيل، غلط وَمَا هُوَ إلاَّ فعل ماضٍ من الإنفاس، وَالْفَاعِل فِيهِ: إِسْمَاعِيل، وَهُوَ عطف على: تعلم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي ( النِّهَايَة) : وَحَدِيث إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه تعلم الْعَرَبيَّة وأنفسهم أَي: رغبهم وأعجبهم وَصَارَ عِنْدهم نفيساً، يُقَال: أنفسني فِي كَذَا: أَي: رغبني فِيهِ.
قَوْله: ( زوجوه إمرأة مِنْهُم) ، قَالَ السُّهيْلي: اسْمهَا جداء بنت سعد.
وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق: أَن اسْمهَا عمَارَة بنت سعد بن أُسَامَة، وَفِي حَدِيث أبي جهم: أَنَّهَا بنت صدي، وَلم يسمهَا،.

     وَقَالَ  عمر بن شبة: اسْمهَا حَيَّة بنت أسعد بن عملق، وَعَن ابْن إِسْحَاق: أَن إِسْمَاعِيل خطبهَا إِلَى أَبِيهَا فَزَوجهَا مِنْهُ.
قَوْله: ( وَمَاتَتْ أم إِسْمَاعِيل) يَعْنِي: فِي خلال ذَلِك، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: فَقدم إِبْرَاهِيم وَقد مَاتَت هَاجر، عَلَيْهَا السَّلَام، وَكَانَ عمرها تسعين سنة، فدفنها إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْحجر.
قَوْله: ( يطالع تركته) ، بِكَسْر الرَّاء أَي: يتفقد حَال مَا تَركه هُنَاكَ، والتركة، بِكَسْر الرَّاء وسكونها: بِمَعْنى المتروكة، وَالْمرَاد بهَا أَهله، والمطالعة النّظر فِي الْأُمُور،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هَذَا يشْعر بِأَن الذَّبِيح إِسْحَاق، لِأَن الْمَأْمُور بذَبْحه كَانَ عِنْدَمَا بلغ السَّعْي، وَقد قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِن إِبْرَاهِيم تَركه رضيعاً وَعَاد إِلَيْهِ وَهُوَ متزوج، فَلَو كَانَ هُوَ الْمَأْمُور بذَبْحه لذكر فِي الحَدِيث أَنه عَاد إِلَيْهِ فِي خلال ذَلِك بَين زمَان الرَّضَاع وَالتَّزْوِيج، وَأجَاب الْكرْمَانِي: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نفي مَجِيئه مرّة أُخْرَى قبل مَوتهَا وتزوجه.
قلت: بل لَيْسَ فِيهِ نفي الْمَجِيء أصلا، بل فِيهِ الْمَجِيء مَرَّات، فَإِنَّهُ جَاءَ فيخبر أبي جهم: كَانَ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يزور هَاجر كل شهر على الْبراق، يَغْدُو غدْوَة فَيَأْتِي مَكَّة ثمَّ يرجع فيقيل فِي منزله بِالشَّام.
قَوْله: ( خرج يَبْتَغِي لنا) ، أَي: يطْلب لنا الرزق، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: وَكَانَ عَيْش إِسْمَاعِيل الصَّيْد، يخرج فيتصيد، وَفِي حَدِيث أبي جهم: وَلَكِن إِسْمَاعِيل يرْعَى مَاشِيَة وَيخرج متنكباً قوسه فَيَرْمِي الصَّيْد.
قَوْله: ( ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم) ، وَزَاد فِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب،.

     وَقَالَ : هَل عنْدك من ضِيَافَة؟ قَوْله: ( فَقَالَت: نَحن فِي ضيق وَشدَّة) ، وَفِي حَدِيث أبي جهم: فَقَالَ لَهَا: هَل من منزل؟ فَقَالَت: لَاها الله إِذا.
قَالَ: فَكيف عيشكم؟ قَالَ: فَذكرت جهداً، فَقَالَت: أما الطَّعَام فَلَا طَعَام، وَأما الشَّاء فَلَا نحلب إلاَّ الْمصر، أَي: الشخب، وَأما المَاء فعلى مَا ترى من الغلظ.
الشخب: بِفَتْح الشين وَسُكُون الْخَاء المعجمتين وبباء مُوَحدَة: السيلان.
قَوْله: ( يُغير عتبَة بابُُه) ، العتبة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة من فَوق وَالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهِي أُسْكُفَّة الْبابُُ، وَهِي هَهُنَا كِنَايَة عَن الْمَرْأَة.
قَوْله: ( جَاءَنَا شيخ كَذَا وَكَذَا) ، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: كالمستخف بِشَأْنِهِ.
قَوْله: ( فسألنا عَنْك) ، بِفَتْح اللَّام.
قَوْله: ( ذَاك أبي) أَي: ذَاك الَّذِي هُوَ أبي إِبْرَاهِيم.
قَوْله: ( وَتزَوج مِنْهُم أُخْرَى) ، أَي: تزوج من جرهم امْرَأَة أُخْرَى، ذكر الْوَاقِدِيّ: أَن اسْمهَا سامة بنت مهلهل، وَقيل: اسْمهَا عَاتِكَة، وَقيل: بشامة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبشين مُعْجمَة خَفِيفَة: بنت مهلهل بن سعد بن عَوْف، وَقيل: اسْمهَا نجدة بنت الْحَارِث بن مضاض، وَحكى ابْن سعد عَن إِبْنِ إِسْحَاق: أَن اسْمهَا رعلة بنت يشجب بن يعرب بن يوذان بن جرهم، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ: أَن اسْمهَا سيدة بنت مضاض،.

     وَقَالَ  الجواني: اسْمهَا هَالة بنت الْحَارِث بن مضاض، وَيُقَال: سلمى، وَيُقَال: الحنفاء.
قَوْله: ( نَحن بِخَير وسعة) ، وَفِي حَدِيث أبي جهم: نَحن فِي خير عَيْش بِحَمْد الله، وَنحن فِي لبن كثير وَلحم كثير وَمَاء طيب.
قَوْله: ( أللهم بَارك لَهُم فِي اللَّحْم وَالْمَاء) .
وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: أللهم بَارك لَهُم فِي طعامهم وشرابهم.
قَوْله: ( فهما لَا يخلوان عَلَيْهِمَا) أَي: فاللحم وَالْمَاء لَا يعْتَمد عَلَيْهِمَا أحد بِغَيْر مَكَّة إلاَّ لم يوافقاه، وَالْغَرَض: أَن المداومة على اللَّحْم وَالْمَاء لَا يُوَافق الأمزجة وينحرف المزاج عَنْهُمَا إلاَّ فِي مَكَّة فَإِنَّهُمَا يوافقانه، وَهَذَا من جملَة بركاتها وَأثر دُعَاء إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يخلوان، بِصِيغَة التَّثْنِيَة، يُقَال: خلوت بالشَّيْء وأختليت: إِذا لم تخلط بِهِ غَيره، وَيُقَال: أخلى الرجل اللَّبن إِذا غَيره، وَفِي حَدِيث أبي جهم: لَيْسَ أحد يَخْلُو على اللَّحْم وَالْمَاء بِغَيْر مَكَّة إلاَّ اشْتَكَى بَطْنه.
قَوْله: ( هَل أَتَاكُم من أحد؟) وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل وجد ريح أَبِيه، فَقَالَ لامْرَأَته: هَل جَاءَك أحد؟ قَالَت: نعم شيخ أحسن النَّاس وَجها وَأطيب ريحًا.
قَوْله: ( أَن تثبت عتبَة بابُك) وَفِي حَدِيث أبي جهم: فَإِنَّهَا فلاح الْمنزل.
قَوْله: ( أَن أمسكك) زَاد فِي حَدِيث أبي جهم: وَلَقَد كنت عَليّ كَرِيمَة، وَلَقَد ازددت عَليّ كَرَامَة، فَولدت لإسماعيل عشرَة ذُكُور، قلت: ولدت اثْنَي عشر رجلا، وهم: نابت وقيدار وإذميل وميشى ومسمع وذوما وماش وآزر وفطور ونافش وظميا وقيدما، وَكَانَت لَهُ ابْنة تسمى: نسمَة.
قَوْله: ( يبري) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ( والنبل) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: السهْم، قبل أَن يركب فِيهِ نصله وريشه، وَهُوَ السهْم الْعَرَبِيّ.
قَوْله: ( دوحة) ، وَهِي الَّتِي نزل إِسْمَاعِيل وَأمه تحتهَا أول قدومهما، وَوَقع فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع، من رواء زَمْزَم.
قَوْله: ( كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ وَالْولد بالوالد) ، يَعْنِي من الاعتناق والمصافحة وتقبيل الْيَد.
قَوْله: ( إِن الله أَمرنِي بِأَمْر) قيل: كَانَ عمر إِبْرَاهِيم فِي ذَلِك الْوَقْت مائَة سنة، وَعمر إِسْمَاعِيل ثَلَاثِينَ سنة.
قَوْله: ( وتعينني؟) قَالَ: وأعينك.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فأعينك، بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: إِن الله قد أَمرنِي أَن تعينني عَلَيْهِ، قَالَ: إِذن إفعل.
بِالنّصب.
قَوْله: ( أكمة) بفتحين، وَهِي: الرابية.
قَوْله: ( على مَا حولهَا) ، يتَعَلَّق بقوله: ابْني.
قَوْله: ( رفعا الْقَوَاعِد) جمع قَاعِدَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس: الْقَوَاعِد الَّتِي رَفعهَا إِبْرَاهِيم كَانَت قَوَاعِد الْبَيْت قبل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُجَاهِد عِنْد ابْن أبي حَاتِم: أَن الْقَوَاعِد كَانَت فِي الأَرْض السَّابِعَة، وَفِي حَدِيث أبي جهم: فَبلغ إِبْرَاهِيم من الأساس أس آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَجعل طوله فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع وَعرضه فِي الأَرْض، يَعْنِي: دوره ثَلَاثِينَ ذِرَاعا، كَانَ ذَلِك بذراعهم، زَاد أَبُو جهم: وَأدْخل الْحجر فِي الْبَيْت، وَكَانَ قبل ذَلِك زرباً لغنم إِسْمَاعِيل، وَإِنَّمَا بناه بحجارة بَعْضهَا على بعض وَلم يَجْعَل لَهُ سقفاً، وَجعل لَهُ بابُُا وحفر لَهُ بِئْرا عِنْد بابُُه خزانَة للبيت يلقِي فِيهَا مَا يهدى للبيت، وَفِي حَدِيثه أَيْضا: أَن الله أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن اتبع السكينَة، فحلقت على مَوضِع الْبَيْت كَأَنَّهَا سَحَابَة فحفراه: يُرِيد أَن أساس آدم الأول.
.

     وَقَالَ  ابْن جرير: حَدثنَا هناد بن السّري حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن سماك عَن خَالِد بن عرْعرة: أَن رجلا قَامَ إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: أَلا تُخبرنِي عَن الْبَيْت أهوَ أول بَيت وضع فِي الأَرْض؟ فَقَالَ: لَا، وَلكنه أول بَيت وضع للبركة مقَام إِبْرَاهِيم، وَمن دخله كَانَ آمنا، وَإِن شِئْت أَنْبَأتك كَيفَ بني: إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن ابنِ لي بَيْتا فِي الأَرْض.
قَالَ: فَضَاقَ إِبْرَاهِيم بذلك ذرعاً، فَأرْسل الله السكينَة، وَهِي ريح خجوج وَلها رأسان، فَاتبع أَحدهمَا صَاحبه حَتَّى انْتَهَت إِلَى مَكَّة فتطوت على مَوضِع الْبَيْت كطي الْجحْفَة، وَأمر إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِر السكينَة، فَبنى إِبْرَاهِيم وَبَقِي حجر، فَقَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: إئتني حجرا كَمَا أَمرك الله.
قَالَ: فَانْطَلق الْغُلَام يلْتَمس لَهُ حجرا، فَأَتَاهُ بِهِ فَوَجَدَهُ قد ركب الْحجر الْأسود فِي مَكَانَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَت، من أَتَاك بِهَذَا الْحجر؟ قَالَ: أَتَانِي بِهِ من لَا يتكل على بنائك، جَاءَ بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من السَّمَاء فأتماه.
وَفِي رِوَايَة السّديّ: لما بنيا الْقَوَاعِد فبلغا مَكَان الرُّكْن، قَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: يَا بني أطلب لي حجرا حسنا أَضَعهُ هَهُنَا.
قَالَ: يَا أبتِ إِنِّي كسلان.
قَالَ: عَليّ ذَلِك، فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا،، وَجَاء جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود من الْهِنْد، وَكَانَ أَبيض ياقوتة بَيْضَاء مثل الثغامة، وَكَانَ آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَبَط بِهِ من الْجنَّة فاسودَّ من خَطَايَا النَّاس، فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيل بِحجر فَوَجَدَهُ عِنْد الرُّكْن، فَقَالَ: يَا أَبَت! من جَاءَك بِهَذَا؟ قَالَ: جَاءَ بِهِ من هُوَ أنشط مِنْك، فَبَيْنَمَا هما يدعوان الْكَلِمَات الَّتِي ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيم ربه فَقَالَ: { رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} ( الْبَقَرَة: 71) .
.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا عَمْرو بن رَافع حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن مُعَاوِيَة عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن عليان ابْن أَحْمَر: أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة فَوجدَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بنيا قَوَاعِد الْبَيْت من خَمْسَة أجبل، فَقَالَ: مَا لَكمَا ولأرضي؟ فَقَالَا: نَحن عَبْدَانِ مأموران، أمرنَا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة، قَالَ: فهاتا الْبَيِّنَة على مَا تدعيان، فَقَامَتْ خَمْسَة أكبش، فَقُلْنَ: نَحن نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران، أمرا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة، فَقَالَ: قد رضيت وسلمت، ثمَّ مضى.
وَذكر الْأَزْرَقِيّ فِي ( تَارِيخ مَكَّة) : أَن ذَا القرنين طَاف مَعَ إِبْرَاهِيم بِالْبَيْتِ.
قلت: ريح خجوج أَي: شَدِيدَة الْمُرُور فِي غير اسْتِوَاء.
قَوْله: ( فتطوت) ، وَفِي رِوَايَة: ( فتطوقت) .
قَوْله: ( مثل الثغامة) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة، وَهِي طير أَبيض كَبِير.
قَوْله: ( من خَمْسَة أجبل) ، وَعند ابْن أبي حَاتِم: بناه من خَمْسَة أجبل: حراء وثبير ولبنان وجبل الطّور وجبل الْخمر، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: جبل الْخمر يَعْنِي: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة هُوَ: جبل بَيت الْمُقَدّس،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق: عَن ابْن جريج عَن عَطاء: أَن آدم بناه من خَمْسَة أجبل: حراء وطور زيتا وطور سينا والجودي ولبنان، وَكَانَ ربضه من حراء، وَمن طَرِيق مُحَمَّد بن طَلْحَة اليتهمي: قَالَ: سَمِعت أَنه أسس الْبَيْت من سِتَّة أجبل: من أبي قبيس وَمن الطّور وَمن قدس وَمن ورقان وَمن رضوى وَمن أحد.
قلت: حراء، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمدّ وَهُوَ جبل من جبال مَكَّة مَعْرُوف، وثبير، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة جبل من جبال مَكَّة، و: لبنان، بِضَم اللاَّم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: جبل بِالشَّام من أعظم الْجبَال وَأَصله ممتد من الْحجاز إِلَى الرّوم، و: جبل الطّور، على مسيرَة سَبْعَة أَيَّام من مصر وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي كلم الله تَعَالَى مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَلَيْهِ.
و: طور زينا: جبل بالقدس، و: الجودي، جبل مطل على جَزِيرَة ابْن عمر على دجلة فَوق الْموصل، و: طور سينا، اخْتلف فِيهِ، فَقيل: هُوَ جبل بِقرب أَيْلَة، وَقيل: هُوَ جبل بِالشَّام، و: قدس، بِفَتْح الْقَاف إثنان: قدس الْأَبْيَض وَقدس الْأسود، وهما جبلان عِنْد ورقان، وورقان على وزن قطران: جبل أسود بَين العرج والرويثة على يَمِين الْمَار من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة.
و: العرج، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره جِيم: قَرْيَة جَامِعَة من أَعمال الْفَرْع على أَيَّام من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة.
و: الرُّوَيْثَة، بِضَم الرَّاء وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: وَهِي قَرْيَة جَامِعَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سَبْعَة عشر فرسخاً، و: رضوى، من جبل تهَامَة بَينه وَبَين الْمَدِينَة سبع مراحل وَهُوَ من الينبع على يَوْم.
قَوْله: ( جَاءَ بِهَذَا الْحجر) ، أَرَادَ بِهِ الْحجر الْمَشْهُور بمقام إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: حَتَّى ارْتَفع الْبناء وَضعف الشَّيْخ عَن نقل الْحِجَارَة، فَقَامَ على حجر الْمقَام، وَزَاد فِي حَدِيث عُثْمَان: وَنزل عَلَيْهِ الرُّكْن وَالْمقَام، فَكَانَ إِبْرَاهِيم يقوم على الْمقَام يَبْنِي عَلَيْهِ وَيَرْفَعهُ لَهُ إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا بلغ الْموضع الَّذِي فِيهِ الرُّكْن وَضعه يَوْمئِذٍ مَوْضِعه، وَأخذ الْمقَام فَجعله لاصقاً بِالْبَيْتِ.
قَوْله: ( حَتَّى يدورا) ، من الدوران، ويروى: ( حَتَّى يدورا) ، من التدوير.





[ قــ :311 ... غــ :3365 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أَبُو عامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  حدَّثنا إبْرَاهِيمُ ابنُ نَافِعٍ عنْ كَثِيرِ بنِ كَثير عَن سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمَّا كانَ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وبَيْنَ أهْلِهِ مَا كانَ خَرَج بإسْمَاعِيلَ وأُمِّ إسْمَاعِيلَ ومَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيها مَاءٌ فجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا علَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكِّةَ فوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إبْرَاهِيمُ إِلَى أهْلِهِ فاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ حتَّى لَمَّا بَلَغُوا كدَاءً نادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنا قَالَ إِلَى الله قالَتْ رَضِيتُ بِاللَّه قَالَ فرَجَعَتْ فجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ ويَدِرُّ لبَنُهَا علَى صَبِيِّهَا حتَّى لما فَنِي الماءُ قالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أحدا قَالَ فَذَهَبتْ فصَعِدَتِ الصَّفا فنَظَرَتْ ونَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أحَداً فلَمْ تُحِسُّ أحدَاً فلَمَّا بَلَغَتِ الوَادِي سَعَتْ وأتَتِ المَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذلِكَ أشْوَاطاً ثُمَّ قالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فنَظَرْتُ مَا فَعَلَ تَعْنِي الصَّبِيَّ فذَهَبَتْ فنَظَرَتْ فإذَا هُوَ عَلَى حالِهِ كأنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ فلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُها فقالَتْ لوْ ذَهَبْتُ فنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أحدَاً فذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فنَظَرَتْ ونَظَرَتْ فلَمْ تُحِسَّ أحَدَاً حتَّى أتَمَّتْ سبْعاً ثُمَّ قالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فنَظَرْتُ مَا فَعَلَ فإذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقالَتْ أغِثْ إنْ كانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فإذَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقال بِعقِبِهِ هَكَذَا وغَمَزَ عَقِبَهُ علَى الأرْضِ قَالَ فانْبَثَقَ المَاءُ فدَهشَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِرُ قَالَ فَقَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ تَرَكَتْهُ كانَ المَاءُ ظِاهِرَاً قَالَ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ ويَدِرُّ لَبَنُهَا علَى صَبِيِّهَا قَالَ فَمَرَّ ناسٌ مِنْ جرهم بِبَطْنِ الوَادِي فإذَا هُمْ بِطَيْرٍ كأنَّهُمْ أنْكَرُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إلاَّ علَى ماءٍ فبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فنَظَرَ فإذَا هُمْ بالمَاءِ فأتاهُمْ فأخْبَرَهُمْ فأتَوْا إلَيْهَا فَقَالُوا يَا أُمَّ إسْمَاعِيلَ أتأذَنِينَ لَنَا أنْ نَكُونَ مَعَكِ أوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فبَلَغَ ابنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأةٍ قَالَ ثُمَّ إنَّهُ بدَا لإبْرَاهِيمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأهْلِهِ إنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجاءَ فسَلَّمَ فقالَ أيْنَ إسْمَاعِيلُ فقالَتِ امْرَأتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ قَالَ قُولِي لَهُ إذَا جاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بابُِكَ فلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ قَالَ أنْتِ ذَاكِ فاذْهَبِي إِلَى أهْلِكِ قَالَ ثُمَّ إنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأِهْلِهِ إنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجاءَ فَقَالَ أيْنَ إسْمَاعِيلُ فقالَتِ امْرَأتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ فقالَتْ ألاَ تَنْزِلُ فتَطْعَمَ وتَشْرَبَ فَقَالَ وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ قالَتْ طَعَامُنا اللَّحْمُ وشَرَابُنَا الماءُ قالَ الَّلهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وشَرَابِهِمْ قَالَ فَقَالَ أبُو القَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برَكَةٌ بِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثُمَّ إنَّهُ بدَا لإبْرَاهِيمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأِهْلِهِ إنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي فَجاءَ فَوَافَقَ إسْمَاعِيلَ مِنْ ورَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ فَقَالَ يَا إسْمَاعِيلُ إنَّ رَبَّكَ أمَرَنِي أنْ أبْنِيَ لَهُ بَيْتَاً قَالَ أطِعْ رَبَّكَ قَالَ إنَّهُ أمَرَنِي أنْ تُعِينَنِي علَيْهُ قَالَ إذَنْ أفْعَل أوْ كَمَا قَالَ قَالَ فقاما فجَعَلَ إبْرَاهِيمُ يَبْنِي وإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ ويَقُولاَنِ رَبَّنَا تقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ قَالَ حتَّى ارْتَفَعَ البِنَاءُ وضَعُفَ الشَّيْخُ علَى نَقْلِ الحِجَارَةِ فقامَ علَى حَجَرِ المقَامِ فجَعَلَ يُناوِلُهُ الحِجَارَةَ ويَقُولانِ ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمَيعُ العَلِيمُ.
.


هَذَا طَرِيق ثَالِث لحَدِيث ابْن عَبَّاس، وَعبد الله بن مُحَمَّد البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَأَبُو عَامر هُوَ الْعَقدي، وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع المَخْزُومِي الْمَكِّيّ.

قَوْله: ( وَبَين أَهله) ، يَعْنِي: سارة لما ولدت هَاجر إِسْمَاعِيل، وَقد تقدّمت قصَّتهَا.
قَوْله: ( مَا كَانَ) ، أَي: من جنس الْخُصُومَة الَّتِي هِيَ مُعْتَادَة بَين الضرائر.
قَوْله: ( لما بلغُوا) ، أَي: نادته حِين الْبلُوغ.
قَوْله: ( كداء) ، قد مر الْكَلَام فِيهِ مَعَ الْخلاف فِي ضَبطه.
قَوْله: ( كَأَنَّهُ ينشغ) ، بالنُّون والشين والغين المعجمتين: وَهُوَ الشهيق من الصَّدْر حَتَّى كَاد يبلغ بِهِ الغشي، أَي: يَعْلُو نَفسه كَأَنَّهُ شهيق من شدَّة مَا يرد عَلَيْهِ.
قَوْله: ( فَلم تقرها نَفسهَا) ، من الْإِقْرَار فِي الْمَكَان، و: نَفسهَا، مَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعله.
قَوْله: ( فَقَالَ بعقبه) ، أَي: أَشَارَ بِهِ، وَهَذَا من الْمَوَاضِع الَّتِي يسْتَعْمل فِيهَا: قَالَ، فِي غير مَعْنَاهُ.
قَوْله: ( فانبثق) ، أَي: انخرق وتفجر، ومادته بَاء مُوَحدَة وثاء مُثَلّثَة وقاف.
قَوْله: ( وتحفر) ، بالراء، ويروى: تحفن، بالنُّون أَي: تملأ الْكَفَّيْنِ.
قَوْله: ( فَبلغ) ، الْفَاء فِيهِ فصيحة أَي: فَأَذنت فَكَانَ كَذَا فَبلغ.
قَوْله: ( بدا) ، أَي: ظهر لإِبْرَاهِيم التَّوَجُّه إِلَى هَاجر.
قَوْله: ( بركَة) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هِيَ بركَة، أَو بِالْعَكْسِ، أَي: زَمْزَم بركَة أَو فِي طَعَام مَكَّة وشرابها بركَة، وَسِيَاق الْكَلَام يدل عَلَيْهِ قَوْله: ( عتبَة بابُك) ، ويروى: ( بَيْتك) .
قَوْله: ( على نقل الْحِجَارَة) ، ويروى: ( عَن نقل الْحِجَارَة) .





[ قــ :31 ... غــ :3366 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا الأعْمَشُ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ.

قُلْتُ يَا رسُولَ الله أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أوَّلَ قَالَ المَسْجِدُ الحَرَامُ قَالَ.

قُلْتُ ثُمَّ أيٌّ قَالَ المسْجِدُ الأقْصَى.

قُلْتُ كَمْ كانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أرْبَعُونَ سنَةً ثُمَّ أيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فإنَّ الفَضْلَ فيهِ.
( الحَدِيث 6633 طرفه فِي: 543) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الْمَسْجِد الْحَرَام) لِأَنَّهُ بناه إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْمرَاد بالترجمة الَّتِي فِي قَوْله: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ( النِّسَاء: 561) .
وَالْبابُُ الْمُجَرّد الَّذِي بعده قد قُلْنَا: إِنَّه كالفصل، فالاعتبار للبابُ المترجم دون الْمُجَرّد.

وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ هُوَ ابْن يزِيد يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك بن طَارق التَّيْمِيّ عداده فِي أهل الْكُوفَة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عمر بن حَفْص بن غياث فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان} ( ص: 03) .
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كَامِل وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَعَن عَليّ بن حجر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن بشر بن خَالِد وَفِيه وَفِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن حجر، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَعَن عَليّ بن مَيْمُون.

قَوْله: ( أول) ، بِضَم اللاَّم ضمة بِنَاء لقطعه عَن الْإِضَافَة مثل: قبل وَبعد، وَيجوز فتحهَا إِذا كَانَ غير منصرف، وَيجوز بِالنّصب إِذا كَانَ منصرفاً، وَالْمعْنَى: أَي: مَسْجِد وضع أَولا للصَّلَاة؟ قَوْله: ( ثمَّ أَي) ، بِالتَّنْوِينِ، أَي: ثمَّ أَي مَسْجِد بني بعد الْمَسْجِد الْحَرَام؟ قَوْله: ( قَالَ) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بني بعده الْمَسْجِد الْأَقْصَى، قيل لَهُ: الْأَقْصَى لبعد الْمسَافَة بَينه وَبَين الْكَعْبَة.
وَقيل: لِأَنَّهُ لم يكن وَرَاءه مَوضِع عبَادَة وَقيل: لبعده عَن الأقذار والخبائث، فَإِنَّهُ مقدس أَي: مطهر.
قَوْله: ( كم بَينهمَا؟) أَي: بَين بِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام وَبِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
قَوْله: ( أَرْبَعُونَ سنة) ، أَي: بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ إِشْكَال، لِأَن إِبْرَاهِيم بنى الْكَعْبَة وَسليمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بنى بَيت الْمُقَدّس، وَبَينهمَا أَكثر من ألف سنة، وَالْجَوَاب عَنهُ مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ: إِن الْآيَة الْكَرِيمَة والْحَدِيث لَا يدلان على أَن إِبْرَاهِيم وَسليمَان، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، ابتدآ وضعهما، بل كَانَ تجديداً لما أسس غَيرهمَا، وَقد رُوِيَ أَن أول من بنى الْبَيْت آدم، وعَلى هَذَا فَيجوز أَن يكون غَيره من وَلَده رفع بَيت الْمُقَدّس بعده بِأَرْبَعِينَ عَاما، ويوضحه من ذكره ابْن هِشَام فِي كِتَابه ( التيجان) : إِن آدم لما بنى الْبَيْت أمره جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالْمَسِيرِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَأَن يبنيه فبناه ونسك فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: أول مَا جعله مَسْجِدا إِسْرَائِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا أَمر سُلَيْمَان بتجديده وإحكامه، لَا أَنه أول من بنى.
وَذكر الثَّعْلَبِيّ: أَن دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بني إِسْرَائِيل أَن يتخذوا مَسْجِدا فِي صَعِيد بَيت الْمُقَدّس، فَأخذُوا فِي بنائِهِ لإحدى عشرَة سنة مَضَت من ملك دَاوُد، وَكَانَ دَاوُد ينْقل لَهُم الْحِجَارَة على عَاتِقه، فَأوحى الله إِلَى دَاوُد: إِنَّك لست بانيه وَلَكِن لَك ابْن أملكهُ بعْدك اسْمه سُلَيْمَان فأقضي إِتْمَامه على يَدَيْهِ، وَرُوِيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار: أَن سُلَيْمَان بنى بَيت الْمُقَدّس على أساس قديم كَانَ اسسه سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن أَحْمد الوَاسِطِيّ فِي ( تَارِيخ بَيت الْمُقَدّس) : أَن سُلَيْمَان اشْترى أرضه بسبعة قناطير ذَهَبا،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون الْمَسْجِد الْأَقْصَى أول مَا وضع بناءه بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قبل دَاوُد وَسليمَان، ثمَّ بناه دَاوُد وَسليمَان فزادا فِيهِ ووسعاه فأضيف إِلَيْهِمَا بِنَاؤُه، قَالَ: وَقد ينْسب هَذَا الْمَسْجِد إِلَى إيلياء فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ بانيه أَو غَيره، وَلست أحقق لِمَ أضيف إِلَيْهِ.
وَفِي قَوْله: فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ بانيه نظر، لِأَن إيليا اسْم الْبَلَد، فأضيف إِلَى الْمَسْجِد كَمَا يُقَال: مَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد مَكَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد فِي ( مُعْجم الْبلدَانِ) : إيلياء مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس فِيهَا ثَلَاث لُغَات: مد آخِره وقصره وَحذف الْيَاء الأولى.
قَوْله: ( بعد) ، بِضَم الدَّال، أَي: بعد إِدْرَاك وَقت الصَّلَاة.
قَوْله: ( فَصله) ، الْهَاء فِيهِ للسكت، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فصل، بِلَا هَاء.
قَوْله: ( فَإِن الْفضل فِيهِ) أَي: فِي فعل الصَّلَاة إِذا حضر وَقتهَا.





[ قــ :313 ... غــ :3367 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طلع لَهُ أحد فَقَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي أحرم مَا بَين لابتيها) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أَن إِبْرَاهِيم وَعَمْرو بن أبي عَمْرو وَاسم أبي عَمْرو ميسرَة مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب الْقرشِي المَخْزُومِي أَبُو عُثْمَان الْمدنِي والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي آخر حَدِيث مطول فِي بابُُ من غزا بصبي للْخدمَة قَوْله طلع لَهُ أَي ظهر لَهُ جبل أحد قَوْله يحبنا إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا مجَازًا وَمن بابُُ الْإِضْمَار أَي يحبنا أَهله قَوْله لابتيها تَثْنِيَة لابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ ( رَوَاهُ عبد الله بن زيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي كتاب الْبيُوع فِي بابُُ بركَة صَاع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مُوسَى عَن وهيب عَن عَمْرو بن يحيى عَن عباد بن تَمِيم الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن يزِيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى آخِره -



[ قــ :314 ... غــ :3368 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله أنَّ ابنِ أبِي بَكْرٍ أخْبَرَ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ألَمْ تَرَيْ أنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله ألاَ تَرُدُّهَا علَى قَوَاعِدَ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بالكُفْرِ فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ لَئِنْ كانَتْ عائِشَةُ سَمِعَتْ هذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُرَى أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيانِ الحِجْرَ إلاَّ أنَّ البَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيم.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَابْن أبي بكر هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر أَخُو الْقَاسِم قتل بِالْحرَّةِ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ فضل مَكَّة وبنيانها، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

وقَالَ إسْمَاعِيلُ عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبِي بَكْر
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله إِبْنِ أُخْت مَالك بن أنس، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن إِسْمَاعِيل روى هَذَا الحَدِيث وَبَين ابْن ابْن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي فِيهِ هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث إِسْمَاعِيل فِي التَّفْسِير.





[ قــ :315 ... غــ :3369 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرَنَا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقَيِّ قَالَ أخبرَنِي أبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُمْ قَالُوا يَا رسولَ الله كيْفَ نُصَلِّي علَيْكَ فَقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا أللَّهُمَّ صلِّ علَى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كمَا صَلَّيْتَ على آلِ إبْرَاهِيمَ وبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
( الحَدِيث 9633 طرفه فِي: 0636) .


مطابقته للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: ( كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) وَعَمْرو بن سليم، بِضَم السِّين: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف، وَأَبُو حميد، بِضَم الْحَاء عبد الرَّحْمَن السَّاعِدِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن القعْنبِي.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَوَات عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَعَن أبي السَّرْح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن عمار بن طالوت.

قَوْله: ( أللهم صل على مُحَمَّد) ، مَعْنَاهُ: عظمه فِي الدُّنْيَا بإعلاء ذكره وَإِظْهَار دَعوته وإبقاء شَرِيعَته، وَفِي الْآخِرَة بتشفيعه فِي أمته وتضعيف أجره ومثوبته، وَقيل: لما أمرنَا الله بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلم نبلغ قدر الْوَاجِب فِي ذَلِك أحلنا على الله وَقُلْنَا: أللهم صلِّ على مُحَمَّد.
قَوْله: ( كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) هَذَا لَيْسَ من بابُُ إِلْحَاق النَّاقِص بالكامل، بل من بابُُ بَيَان حَال مَا لَا يعرف بِمَا يعرف وَمَا عرف من الصَّلَاة على إِبْرَاهِيم وَآله وَأَنه لَيْسَ إلاَّ فِي قَوْله تَعَالَى: رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت: أَنه حميد مجيد، قيل: سِيَاق الْكَلَام يَقْتَضِي أَن يُقَال: على إِبْرَاهِيم، بِدُونِ لفظ الْآل، وَأجِيب: أَن لفظ الْآل مقحم.
قَوْله: ( وَبَارك على مُحَمَّد) أَي: أثبت لَهُ وأدم مَا أَعْطيته من التشريف والكرامة، وَهُوَ من برك الْبَعِير إِذا ناخ من مَوضِع وَلَزِمَه، وَتطلق الْبركَة أَيْضا على الزِّيَادَة، وَالْأَصْل الأول.





[ قــ :316 ... غــ :3370 ]
- حدَّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ ومُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَا حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ حدَّثنا أبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بنُ سالِمٍ الهَمْدَانِيُّ قَالَ حدَّثنِي عَبْدُ الله بنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ فقالَ أَلاَ أهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ بَلَى فأهْدِهَا لي فَقَالَ سألَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْنَا يَا رسولَ الله كَيْفَ الصَّلاةُ علَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ فإنَّ الله قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ قَالَ قُولُوا أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صلَّيْتَ على إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ أللَّهُمَّ بَارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( على إِبْرَاهِيم) فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ التَّبُوذَكِي، وَعبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، واسْمه يسَار، وَكَعب بن عجْرَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالراء: البلوي، حَلِيف الْأَنْصَار شهد بيعَة الرضْوَان، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين بِالْمَدِينَةِ وَله خمس وَسَبْعُونَ سنة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن آدم، وَفِي التَّفْسِير عَن سعيد بن يحيى، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن بنْدَار وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن مُحَمَّد بن بكار.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عَمْرو عَن مُسَدّد وَعَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قَاسم بن زَكَرِيَّاء وَعَن سُوَيْد بن نصر، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَعَن بنْدَار وَقد عزى الْحَافِظ الْمزي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة هَذَا إِلَى الصَّلَاة وَهُوَ وهم مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي الصَّلَاة، واغتر بذلك صَاحب ( التَّلْوِيح) وَتَبعهُ فِيهِ وَتبع صَاحب ( التَّلْوِيح) صَاحب ( التَّوْضِيح) أَيْضا وَقد مر تَفْسِير الحَدِيث فِيمَا قبله.

قَوْله: ( أهل الْبَيْت) ، مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص.
قَوْله: ( فَإِن الله قد علمنَا) ، يَعْنِي: فِي التَّشَهُّد، وَهُوَ قَول الْمُصَلِّي: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.