فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين "} [النمل: 55]

( بابٌُ { ولُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الْفَاحِشَةَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ أئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاَّ أنْ قالُوا أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فأنْجَيْنَاهُ وأهْلَهُ إلاَّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ وأمْطَرْنَا عَلَيهِمْ مَطَرَاً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذِرِينَ} .
)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { ولوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} إِلَى آخِره، و: لوطاً، مَنْصُوب بِتَقْدِير وَاذْكُر لوطاً، أَو بِتَقْدِير: أرسلنَا لوطاً بِدلَالَة قَوْله فِيمَا قبله: { وَلَقَد أرسلنَا إِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} ( لوط: 38) .
وَكلمَة: إِذْ، بدل على الأول ظرف على الثَّانِي.
قَوْله: { أتأتون الْفَاحِشَة} أَي: الفعلة القبيحة الشنيعة وَهِي اللواطة.
قَوْله: { وَأَنْتُم تبصرون} ، أَي: وَالْحَال أَنكُمْ تعلمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَة لم تسبقوا إِلَيْهَا، وتبصرون من بصر الْقلب وَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلق الْأُنْثَى للذّكر وَلم يخلق الذّكر للذّكر وَلَا الْأُنْثَى للْأُنْثَى.
وَقيل: وَأَنْتُم تبصرون أَي: يبصر بَعْضكُم بَعْضًا لأَنهم كَانُوا فِي ناديهم يرتكبونها مجاهرين بهَا لَا يستترون عتواً مِنْهُم وتمرداً وخلاعة ومجانة.
قَوْله: ( أئنكم لتأتون الرِّجَال؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار.
قَوْله: ( شهورة) أَي: لأجل الشَّهْوَة.
قَوْله: ( تجهلون) أَي: عَاقِبَة الْعِصْيَان وَيَوْم الْجَزَاء وَقيل: تجهلون مَوضِع قَضَاء الشَّهْوَة، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: فسرت: تبصرون، بِالْعلمِ وَبعده: بل أَنْتُم قوم تجهلون، فَكيف يكونُونَ عُلَمَاء جهلاء؟ قلت: أَرَادَ: تَفْعَلُونَ فعل الْجَاهِلين بِأَنَّهَا فَاحِشَة مَعَ علمكُم بذلك، وَاجْتمعت الْغَيْبَة والمخاطبة فِي قَوْله تَعَالَى: { بل أَنْتُم قوم تجهلون} فَغلبَتْ المخاطبة، فَقيل: تجهلون، لِأَن المخاطبة أقوى وأرسخ أصلا من الْغَيْبَة.
قَوْله: ( فَمَا كَانَ جَوَاب قومه) أَي: قوم لوط إلاَّ أَن قَالُوا، كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: إلاَّ قَوْلهم.
قَوْله: ( يتطهرون) من أدبار الرِّجَال يَقُولُونَهُ استهزاء بهم وتهكما.
قَوْله: ( فأنجيناه) ، أَي: أنجينا لوطاً من الْعَذَاب وأنجينا أَهله إلاَّ امْرَأَته قدرناها أَي: جعلناها بتقديرنا وقضائنا عَلَيْهَا من الغابرين أَي: البَاقِينَ فِي الْعَذَاب.
قَوْله: ( وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا) أَي: الْحِجَارَة، فسَاء مطر الْمُنْذرين الَّذين أنذروا بِالْعَذَابِ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَيْنَمَا كَانَ الْمَطَر فِي كتاب الله فَهُوَ الْعقَاب، وَالْمَذْكُور فِي التَّفْسِير أَنه يُقَال: أمطر فِي الْعَذَاب، ومطر فِي الرَّحْمَة، وَأهل اللُّغَة يَقُولُونَ: مطرَت السَّمَاء وأمطرت.



[ قــ :3221 ... غــ :3375 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَغْفِرُ الله لِلُوطٍ إنْ كانَ لَيأوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَهَؤُلَاء على هَذَا النسق مروا مرَارًا كَثِيرَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ قَوْله عز وَجل { ونبِّئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم} ( الْحجر: 15) .
قَوْله: ( إِن كَانَ) كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من المثقلة أَي: إِنَّه كَانَ.
قَوْله: ( إِلَى ركن شَدِيد) أَي: إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيُشِير بذلك إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} ( الْحجر:) .
أَي: إِلَى عشريته لكنه لم يأوِ إلِيهم وَلكنه آوى إِلَى الله،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يجوز أَنه لما اندهش بِحَال الأضياف قَالَ ذَلِك، أَو أَنه التجأ إِلَى الله تَعَالَى فِي بَاطِنه، وَأظْهر هَذَا القَوْل للأضياف إعتذاراً وسمى الْعَشِيرَة ركنا لِأَن الرُّكْن يسْتَند إِلَيْهِ وَيمْتَنع بِهِ فشبههم بالركن من الْجَبَل لشدتهم ومنعتهم.