فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون} [الحجر: 62]

( بابٌُ { فَلَمَّا جاءَ آلُ لُوطٍ المُرْسَلُونَ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} ( الْحجر: 26) .
)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا جَاءَ} ( الْحجر: 26) .
إِلَى آخِره، وفاعل جَاءَ هُوَ قَوْله: المُرْسَلُونَ، وهم الْمَلَائِكَة المُرْسَلُونَ من عِنْد الله لهلاك قوم لوط.
قَوْله: ( آل لوط) بِالنّصب مفعول: جَاءَ.
قَوْله: ( قَالَ) أَي: لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( إِنَّكُم قوم منكرون) أَي: لَا أعرفكُم، قَالُوا: بل جئْنَاك بِالْحَقِّ، أَي: الْيَقِين، وَإِنَّا لصادقون فِي قَوْلنَا، ثمَّ حكى الله تَعَالَى بَقِيَّة الْقِصَّة، بقوله: فأسرِ بأهلك ... إِلَى آخرهَا.

بِرُكْنِهِ بِمَنْ مَعَهُ لأِنَّهُمْ قُوَّتُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَتَوَلّى بركنه.

     وَقَالَ  ساحراً أَو مَجْنُون}
.
وَأول الْآيَة { وَفِي مُوسَى إِذْ أرسلناه إِلَى فِرْعَوْن بسُلْطَان مُبين فَتَوَلّى بركته} .
قَوْله: ( وَفِي مُوسَى) عطف على قَوْله: { وَفِي الأَرْض آيَات} قَوْله: ( بركنه) يَعْنِي: بقَوْمه وَمن مَعَه يَعْنِي: المنعة والعشير،.

     وَقَالَ  المُورج بجانبه وَجَمِيع بدنه وَهُوَ كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة عَن الْإِعْرَاض وَالْإِنْكَار، والركن مَا ركن إِلَيْهِ الْإِنْسَان من مَال وجند وَقُوَّة.
قَوْله: { وَقَالَ سَاحر أَو مَجْنُون} .
أَي:.

     وَقَالَ  فِرْعَوْن: مُوسَى سَاحر أَو مَجْنُون.
وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ هَهُنَا لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ فِي قصَّة مُوسَى، والترجمة فِي قصَّة لوط، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَعَ هَذَا أَن التفاسير الَّتِي ذكرهَا هُنَا لم تُوجد إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده.

تَرْكَنُوا تَمِيلُوا أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} ( هود: 311) .
أَي: لَا تميلوا إِلَيْهِم، وَهَذَا أَيْضا لَا تعلق لَهُ بِقصَّة لوط، وَقيل: كَأَنَّهُ ذكره هُنَاكَ لوُجُود مَادَّة: ركن.
قلت: هَذَا بعيد، حَيْثُ لم يذكرهُ بمعية مَا وَقع فِي قصَّة لوط.

فأنْكَرَهُمْ ونَكِرَهُمْ واسْتَنْكَرَهُمْ واحِدٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم} ( هود: 07) .
وَهَذَا أَيْضا لَا وَجه لَهُ، لِأَن هَذَا الْإِنْكَار فِي الْآيَة من إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ غير إِنْكَار لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَذَلِكَ لِأَن الْمَلَائِكَة الْأَرْبَعَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ عَن قريب، لما دخلُوا على إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي صور مُردٍ حِسان جَاءَ إِلَيْهِم بعجل حِينَئِذٍ فأمسكوا أَيْديهم، { فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة قَالُوا لَا تخف إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم لوط} ( هود: 07) .
وَأما إِنْكَار لوط فَفِي مَجِيء قومه إِلَيْهِم كَمَا هُوَ الْمَذْكُور فِي قصَّته.

يُهْرَعُونَ يُسْرِعُونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ} ( هود: 87) .
أَي: جَاءَ لوطاً قومه يهرعون، أَي: يسرعون ويهرولون، وَذَلِكَ أَن امْرَأَة لوط هِيَ الَّتِي أَخْبَرتهم بمجيء هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة فِي صُورَة الرِّجَال المردان، وقصته مَشْهُورَة.

دَابِرَ آخِرَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمر أَن دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع} ( الْحجر: 66) .
أَي: آخِرهم مَقْطُوع مستأصل.

صَيْحَةً هَلَكَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن كَانَت إلاَّ صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون} ( ي س: 92) .
وَهَذَا أَيْضا لَا وَجه لَهُ هَهُنَا لِأَن هَذِه الْآيَة لَا تعلق لَهَا بِقصَّة لوط.

لِلْمُتَوَسِّمِينَ لِلنَّاظِرِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} ( الْحجر: 57) .
وَفَسرهُ بقوله: للناظرين، وَهَكَذَا فسره الضَّحَّاك،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: مَعْنَاهُ للمتفرسين،.

     وَقَالَ  الْفراء: للمتفكرين.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: للمتبصرين، وَحَقِيقَته من توسمت الشَّيْء: نظرته، نظر تثبت.

لَبِسَبِيلٍ لَبِطَرِيقٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِنَّهَا لبسبيل مُقيم} ( الْحجر: 67) .
وَفسّر السَّبِيل بِالطَّرِيقِ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَإِنَّهَا، يرجع إِلَى: مَدَائِن قوم لوط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: إِلَى الْآيَات.



[ قــ :3222 ... غــ :3376 ]
- حدَّثنا مَحْمُودٌ حَدَّثَنا أَبُو أحْمَدَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قرَأ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِّرْ} ( الْقَمَر: 51، 71، 22، 23، 04، و 15) .
.


هَذَا قد مر فِي: بابُُ قَوْله عز وَجل: { وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر} ( الحاقة: 6) .
وَوجه مُنَاسبَة ذكره هُنَا هُوَ أَنه ذكر فِي قصَّة لوط، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { كذبت قوم لوط بِالنذرِ} ( الْقَمَر: 33) .
إِلَى قَوْله: { فَذُوقُوا عَذَابي ونذرِ} ( الْقَمَر: 73 و 93) .
ثمَّ قَالَ: { وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدَّكر} ( الْقَمَر: 15) .
وَكَذَلِكَ ذكر عقيب قصَّة عَاد وقصة ثَمُود أَيْضا، وَكلهَا فِي سُورَة الْقَمَر.
قَوْله: { فَهَل من مدكر} بِالدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، بالغين الْمُعْجَمَة، وَأَبُو أَحْمد هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الزبيرِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَمْرو، وَالْأسود بن يزِيد وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.