فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} [مريم: 16] "

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { واذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أهْلِهَا مَكانَاً شَرْقِيّاً} ( مَرْيَم: 61) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول الله تَعَالَى: { وَاذْكُر ... } إِلَى آخِره، يَعْنِي: أذكر يَا مُحَمَّد فِي الْكتاب أَي: فِي الْقُرْآن مَرْيَم بنت عمرَان بن ماثان.
قَوْله: ( إِذا انتبذت) ، كلمة: إِذْ، بدل من: مَرْيَم، بدل الاشتمال، انتبذت أَي: اعتزلت وانفردت وَجَلَست وتخلت لِلْعِبَادَةِ من أَهلهَا مَكَانا أَي: فِي مَكَان شرقياً مِمَّا يَلِي شَرْقي الْمُقَدّس، أَو شرقياً من دارها، وَقيل: قعدت فِي مشرقة للاغتسال من الْحيض، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: اتَّخذت النَّصَارَى الْمشرق قبْلَة لِأَن مَرْيَم انتبذت مَكَانا شرقياً.

{ إِذْ قالَتِ المَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} ( آل عمرَان: 54) .

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِذْ قَالَت، بدل من { وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله اصفاك وطهرك} ( آل عمرَان: 24) .
وَيجوز أَن يُبدل من: إِذْ، يختصمون، على أَن الِاعْتِصَام والبشارة وَقعا فِي زمَان.
قَوْله: ( بِكَلِمَة مِنْهُ) ، أَي: بِولد يكون وجوده بِكَلِمَة من الله، أَي: بقوله: كن فَيكون اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم، يَعْنِي: يكون مَشْهُورا بِهَذَا فِي الدُّنْيَا يعرفهُ الْمُؤْمِنُونَ بذلك.

{ إنَّ الله اصْطَفى آدَمَ ونُوحَاً وآلَ إبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ علَى العَالَمِينَ} إِلَى قَوْلِهِ { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ( آل عمرَان: 33) .

يخبر تَعَالَى أَنه اصْطفى آدم أَي: اخْتَار آدم لِأَنَّهُ خلقه بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه وأسجد لَهُ مَلَائكَته وَعلمه أَسمَاء كل شَيْء وَأَسْكَنَهُ جنته وَاصْطفى نوحًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعله أول رَسُول بَعثه إِلَى أهل الأَرْض لما عبد النَّاس الْأَوْثَان، وَاصْطفى آل إِبْرَاهِيم وَمِنْهُم سيد الْبشر وَخَاتم الْأَنْبِيَاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم آل عمرَان وَالِد مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِم.
قَوْله: ( إِلَى قَوْله) أَي: إقرأ إِلَى قَوْله: ( يرْزق من يَشَاء) ، وَهُوَ: { ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وَالله سميع عليم} ، وَبعده ثَلَاث آيَات أُخْرَى آخرهَا: { بِغَيْر حِسَاب} ( آل عمرَان: 33) .

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وآلُ عِمْرَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ وآلِ عِمْرَانَ وآلِ يَاسِينَ وآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ { إنَّ أوْلَى النَّاسُ بإبْرَاهِيمَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} ( آل عمرَان: 86) .
وهم الْمُؤْمِنُونَ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان} ، عَام وَأُرِيد بِهِ الْخُصُوص، وَهُوَ أَن المُرَاد الْمُؤْمِنُونَ من آل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان، كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( وَآل ياسين) ، المُرَاد مِنْهُم الَّذين فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين} ( آل عمرَان: 86) .
وَقيل: إِدْرِيس، وَقيل: غَيره.
قَوْله: ( يَقُول إِن أولى النَّاس بإبراهيم) إِلَى آخِره، أَي: يَقُول ابْن عَبَّاس: { أَن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ} ( آل عمرَان: 86) .
وهم الْمُؤْمِنُونَ وَالَّذين لم يتبعوه لَا يعدون من الْآل، وَحَاصِل هَذَا التَّأْكِيد بِأَن المُرَاد من هَذَا الْعُمُوم الْخُصُوص كَمَا ذكرنَا.
ويُقَالُ آلَ يَعْقُوبَ أهْلُ يَعْقُوبَ فإذَا صَغَّرُوا آلَ ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الأصْلِ قَالُوا أُهَيْلٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أصل: آل، أهل، ألاَ ترى أَنهم إِذا أَرَادوا أَن يصغروه يَقُولُونَ: أهيل، لِأَن التصغير يرد الإشياء إِلَى أُصُولهَا، وَلَكِن فِيهِ خلاف، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور، وَقيل: أصل آل: أول، من آل يؤول إِذا رَجَعَ، لِأَن الْإِنْسَان يرجع إِلَى آله فقلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا.



[ قــ :3274 ... غــ :3431 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وابْنِهَا ثُمَّ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ { وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ( آل عمرَان: 63) .
( انْظُر الحَدِيث 6823 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ، وَقد مضى نَحوه فِي: بابُُ صفة إِبْلِيس، عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة) إِلَى آخِره، مَوْقُوف عَلَيْهِ.
<