فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ذكر عن بني إسرائيل

( بابُُ مَا ذُكِرَ عنْ بَنِي إسْرَائِيلَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل، أَي: عَن ذُريَّته من الْعَجَائِب والغرائب.
وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وأصل سَبَب تَسْمِيَة يَعْقُوب بإسرائيل مَا ذكره السّديّ: أَن إِسْحَاق أَب يَعْقُوب كَانَ قد تزوج رفقا بنت بثويل بن ناحور بن آزر بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَولدت لإسحاق عيصو وَيَعْقُوب بَعْدَمَا مضى من عمره سِتُّونَ سنة، وَلها قصَّة عَجِيبَة، وَهِي أَنه: لما قربت ولادتهما اقتتلا فِي بطن أمهما، فَأَرَادَ يَعْقُوب أَن يخرج أَولا قبل عيصو، فَقَالَ عيصو: وَالله لَئِن خرجت قبلي لأعترضن فِي بطن أُمِّي لأقتلها، فَتَأَخر يَعْقُوب وَخرج عيصو قبله، فَسُمي عيصو لِأَنَّهُ عصى، وَسمي يَعْقُوب لِأَنَّهُ خرج آخرا بعقب عيصو، وَكَانَ يَعْقُوب أكبرهما فِي الْبَطن، وَلَكِن عيصو خرج قبله، فَلَمَّا كبرا كَانَ عيصو أحبهما إِلَى أَبِيه، وَكَانَ يَعْقُوب أحبهما إِلَى أمه، فَوَقع بَينهمَا مَا يَقع بَين الْأَخَوَيْنِ فِي مثل ذَلِك، فخافت أمه عَلَيْهِ من عيصو أَن يُوقع بِهِ فعلا، فَقَالَت: يَا ابْني إلحق بخالك فاكمن عِنْده، خشيَة أَن يقْتله عيصو، فَانْطَلق يَعْقُوب إِلَى خَاله فَكَانَ يسري بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ، فَلذَلِك سمي: إِسْرَائِيل، وَهُوَ أول من سرى بِاللَّيْلِ، فَأتى خَاله لابان بِبابُُِل، وَقيل: بحران.



[ قــ :3292 ... غــ :3450 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ قَالَ قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَمْرِو لِحُذَيْفَةَ ألاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إذَا خَرَجَ مَاء ونارَاً فأمَّا الَّذي يراى النَّاسُ أنَّها النَّارُ فَماءٌ بارِدٌ وأمَّا الذِي يرَى النَّاسُ أنَّهُ ماءٌ بارِدٌ فَنارٌ تُحْرِقُ فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَراى أنَّهَا نارٌ فإنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ.
قالَ حُذَيْفَةُ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ رَجُلاً كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ أتاهُ المَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَقِيلَ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ قَالَ مَا أعْلَمُ قِيلَ لَهُ انْظُرْ قَالَ مَا أعْلَمُ شَيْئاً غَيْرَ أنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فأُجَازِيهِمْ فأُنْظِرُ المُوسِرَ وأتَجاوَزُ عنِ المُعْسِرِ فأدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ.
فقَالَ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ المَوْتُ فلَمَّا يَئِسَ مِنَ الحَياةِ أوْصاى أهْلَهُ إذَا أَنا مُتُّ فاجْمَعُوا لِي حَطَبَاً كَثِيرَاً وأوْقِدُوا فِيهِ نَارَاً حَتَّى إذَا أكَلَتْ لَحْمِي وخَلَصَتْ إلَى عَظْمِي فامْتَحَشَتْ فَخُذُوهَا فاطْحَنُوهَا ثُمَّ انْظُرُوا يَوْماً رَاحا فاذْرُوهُ فِي اليَمِّ ففَعَلُوا فَجَمَعَهُ الله فَقَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَغَفَرَ الله لَهُ: قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَمْرُو وأنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ وكانَ نبَّاشَاً.

هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحَادِيث: الأول: حَدِيث الدَّجَّال.
وَالثَّانِي وَالثَّالِث: فِي رجلَيْنِ كل وَاحِد فِي رجل، والمطابقة للتَّرْجَمَة فِي الثَّانِي وَالثَّالِث والْحَدِيث الثَّانِي قد مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ من أنظر مُوسِرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن مَنْصُور عَن ربعي بن خرَاش ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَهنا أخرج الثَّلَاثَة: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن أبي عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَعَن عبد الْملك بن عُمَيْر الْكُوفِي عَن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة: ابْن حِرَاش، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: الْغَطَفَانِي، وَكَانَ من العبّاد يُقَال: إِنَّه تكلم بعد الْمَوْت، وَعقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ المعروب بالبدري، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمَّ إِن البُخَارِيّ روى هَذَا الحَدِيث عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة كَمَا رَأَيْته، وَهُوَ الصَّوَاب، كَمَا قَالَ أَبُو ذَر لَا كَمَا وَقع فِي بعض نسخه: حَدثنَا مُسَدّد، وَوَقع فِي كَلَام الجياني: أَنه سَاقه أَولا بِكَمَالِهِ عَن مُسَدّد، ثمَّ سَاق الْخلاف فِي لَفظه من الْمَتْن عَن مُوسَى، وَالَّذِي فِي الْأُصُول مَا ذكره سِيَاقَة وَاحِدَة، لَا كَمَا قَالَه، وَهَذَا الْموضع مَوضِع تنبه وتيقظ.

قَوْله: ( مَاء) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: إِن، و: نَارا، عطف عَلَيْهِ.
قَوْله: ( يرى) بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا، هَذَا من جملَة فتنته امتحن الله بهَا عباده فيحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل، ثمَّ يَفْضَحهُ وَيظْهر للنَّاس عَجزه.
قَوْله: ( قَالَ حُذَيْفَة) ، شُرُوع فِي الحَدِيث الثَّانِي.
قَوْله: ( وسمعته يَقُول) ، أَي: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول.
قَوْله: ( فأجازيهم) ، أَي: أتقاضاهم الْحق، والمجازي المتقاضي، يُقَال: تجازيت ديني عَن فلَان إِذا تقاضيته، وَحَاصِله أَخذ مِنْهُم وَأعْطى، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وأجازفهم، من المجازفة، وَوَقع فِي أُخْرَى: وأحاربهم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء، وَكِلَاهُمَا تَصْحِيف.
قَوْله: ( فَقَالَ، وسمعته) ، شُرُوع فِي الحَدِيث الثَّالِث، ويروى:.

     وَقَالَ ، بِالْوَاو.
قَوْله: ( وخلصت) ، بِفَتْح اللَّام أَي: وصلت.
قَوْله: ( فامتحشت) ، أَي: احترقت، وَهُوَ على صِيغَة بِنَاء الْفَاعِل، كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي، وَضَبطه بَعضهم على بِنَاء صِيغَة الْمَجْهُول، وَله وَجه وَهُوَ من الامتحاش ومادته: مِيم وحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة، والمحش: احتراق الْجلد وَظُهُور الْعظم.
قَوْله: ( يَوْمًا رَاحا) أَي: يَوْمًا شَدِيد الرّيح، وَإِذا كَانَ طيب الرّيح يُقَال: يَوْم ريِّح، بِالتَّشْدِيدِ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يَوْم رَاح أَي: ذُو ريح، كَمَا يُقَال: رجل مَال، أَي: ذُو مَال.
قَوْله: ( فاذروه) أَمر من الإذراء، يُقَال: ذرته الرّيح وأذرته تَذْرُوهُ وتذريه أَي: أطارته.
قَوْله: ( قَالَ عقبَة بن عَمْرو) ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُود البدري ( وَأَنا سمعته) يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي أَن الَّذِي سَمعه أَبُو مَسْعُود هُوَ الحَدِيث الْأَخير فَقَط، لَكِن رِوَايَة شُعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر نبئت أَنه سمع الْجَمِيع، فَإِنَّهُ أوردهُ فِي الْفِتَن فِي قصَّة الَّذِي كَانَ يُبَايع النَّاس من حَدِيث حُذَيْفَة،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: قَالَ أَبُو مَسْعُود وَأَنا سمعته، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الَّذِي أوصى بنيه، كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِي حَدِيث فِي أَوَاخِر هَذَا الْبابُُ.
قَوْله: ( وَكَانَ نباشاً) ظَاهره أَنه من زِيَادَة أبي مَسْعُود فِي الحَدِيث، لَكِن أوردهُ ابْن حبَان من طَرِيق ربعي عَن حُذَيْفَة، قَالَ: توفّي رجل كَانَ نباشاً، فَقَالَ لأولاده: أحرقوني، فَدلَّ على أَن قَوْله: ( وَكَانَ نباشاً) من رِوَايَة حُذَيْفَة وَأبي مَسْعُود، مَعًا وَالله أعلم.





[ قــ :39 ... غــ :3454 ]
- حدَّثني بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عبْدُ الله أخْبَرَنِي مَعْمَرٌ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ عائِشَةَ وابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم قالاَ لَ مَّا نَزَلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلى وجْهِهِ فإذَا اغْتَمَّ كشَفَهَا عنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وهْوَ كذَلِكَ لَعْنَةُ الله علَى اليَهُودِ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: ( لعنة الله على الْيَهُود) لأَنهم من بني إِسْرَائِيل، وهم أقدم من النَّصَارَى.
وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بابُُ مُجَرّد عقيب: بابُُ الصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله: ( لما نزل برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي: الْمَوْت.





[ قــ :396 ... غــ :3455 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أبَا حازِمٍ قَالَ قاعَدْتُ أبَا هُرَيْرَةً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ خَمْسَ سِنِينَ فسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلفه نَبِي وإنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قالُوا فَمَا تأمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فإنَّ الله سائِلُهُم عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن بشار هُوَ بنْدَار، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وفرات، بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: ابْن أبي عبد الرَّحْمَن الْقَزاز، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الزَّاي الأولى الْبَصْرِيّ ثمَّ الْكُوفِي، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعبد الله ابْن براد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( قاعدت أَبَا هُرَيْرَة) إِنَّمَا ذكره بِبابُُ المفاعلة ليدل على قعوده مُتَعَلقا بِأبي هُرَيْرَة وَلأَجل تعلقه بِالْآخرِ جَاءَ مُتَعَدِّيا، لِأَن أَصله لَازم كَمَا فِي قَوْلك: كارمت زيدا، فَإِن أَصله لَازم نَحوه، قَوْله: ( تسوسهم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي: تتولى أُمُورهم: كَمَا تفعل الْأُمَرَاء والولاة بالرعية، والسياسة الْقيام على الشَّيْء بِمَا يصلحه وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا إِذا أظهرُوا الْفساد بعث الله نَبيا يزِيل الْفساد عَنْهُم وَيُقِيم لَهُم أَمرهم ويزيل مَا غيروا من حكم التَّوْرَاة.
قَوْله: ( خَلفه نَبِي) ، بِفَتْح اللَّام المخففة، يَعْنِي: يقوم مقَام الأول، وَالْخلف، بِفَتْح اللَّام وسكونها: كل من يَجِيء بعد من مضى إلاَّ أَنه بِالتَّحْرِيكِ فِي الْخَيْر، وبالسكون فِي الشَّرّ.
قَالَ الله تَعَالَى: { فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة} ( الْأَعْرَاف: 961) .
قَوْله: ( لَا نَبِي بعدِي) ، يَعْنِي: لَا يَجِيء بعدِي نَبِي فيفعل مَا يَفْعَلُونَ.
قَوْله: ( خلفاء) ، جمع خَليفَة.
قَوْله: ( فيكثرون) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة من الْكَثْرَة، وَحكى عِيَاض عَن بَعضهم بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ تَصْحِيف، وَوجه بِأَن المُرَاد إكبار قبايح فعلهم.
قَوْله: ( فوا) بِالضَّمِّ أَمر لجَماعَة من: وفى يَفِي، وَالْأَمر مِنْهُ: فِ، فيا فوا، وَأَصله: أَوْفوا، وَأَصله أوفيوا، نقلت حَرَكَة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا، فَالتقى ساكنان فحذفت الْيَاء فَصَارَ أَوْفوا، ثمَّ حذفت الْوَاو اتبَاعا لحذفها فِي الْمُضَارع لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، فَصَارَ: أفوا، ثمَّ حذفت الْهمزَة للاستغناء عَنْهَا، فَصَارَ: فوا، على وزن: عوا.
قَوْله: ( بيعَة الأول فَالْأول) مَعْنَاهُ: إِذا بُويِعَ لخليفة بعد خَليفَة فبيعة الأول صَحِيحَة يجب الْوَفَاء بهَا، وبيعة الثَّانِي بَاطِلَة يحرم الْوَفَاء بهَا سَوَاء عقدوا للثَّانِي عَالمين بِعقد الأول أَو جاهلين، وَسَوَاء كَانَا فِي بلدين أَو أَكثر، وَسَوَاء كَانَ أَحدهمَا فِي بلد الإِمَام الْمُنْفَصِل أم لَا، وَلم يبين حكم الثَّانِي فِي هَذَا، وَهُوَ مُبين فِي رِوَايَة أُخْرَى: فاضربوا عُنُقه، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنا من كَانَ.
قَوْله: ( أعطوهم حَقهم) ، أَي: أطيعوهم وعاشروهم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، فَإِن الله يحاسبهم بِالْخَيرِ وَالشَّر عَن حَال رعيتهم.





[ قــ :397 ... غــ :3456 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ حدَّثني زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسارٍ عنْ أبِي سَعيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرَاً بِشِبْرٍ وذِرَاعاً بِذِراع حتَّى لَوْ سلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لسَلَكْتُمُوهُ قُلْنا يَا رسُولَ الله اليَهُودَ والنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ.
( الحَدِيث 6543 طرفه فِي: 037) .


وَجه الْمُطَابقَة بَين حَدِيث الْبابُُ وَبَين التَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: ( سنَن مَنْ قَبلَكم) لِأَنَّهُ يَشْمَل بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم.
وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالنون: واسْمه مُحَمَّد بن مطرف، مر فِي الصَّلَاة، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام: عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز.
وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن سُوَيْد بن سعيد، وَهَذَا من الْأَحَادِيث المقطوعة فِي مُسلم لِأَنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْقدر: وحَدثني عدَّة من أَصْحَابنَا عَن سعيد بن أبي مَرْيَم الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ، وَوَصله عَنهُ رَاوِي كِتَابه إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم.

قَوْله: ( لتتبعن) ، بِضَم الْعين وَتَشْديد النُّون.
قَوْله: ( سنَن من قبلكُمْ) ، أَي: طَرِيق الَّذين كَانُوا قبلكُمْ، وَالسّنَن بِفَتْح السِّين: السَّبِيل والمنهاج،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى بِالضَّمِّ.
قَوْله: ( شبْرًا بشبر) ، نصب بِنَزْع الْخَافِض تَقْدِيره: لتتبعن سنَن من قبلكُمْ اتبَاعا بشبر ملتبس بشبر وذراع ملتبس بِذِرَاع، وَهَذَا كِنَايَة عَن شدَّة الْمُوَافقَة لَهُم فِي المخالفات والمعاصي، لَا فِي الْكفْر، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( لَو سلكوا جُحر ضَب) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء، والضب: دويبة تشبه الورن تَأْكُله الْأَعْرَاب، وَالْأُنْثَى ضبة، وَتقول الْعَرَب: هُوَ قَاضِي الطير والبهائم، يَقُولُونَ: اجْتمعت إِلَيْهِ أول مَا خلق الله الْإِنْسَان فوصفته لَهُ، فَقَالَ الضَّب: تَصِفِينَ خلقا ينزل الطير من السَّمَاء وَيخرج الْحُوت من المَاء، فَمن كَانَ لَهُ جنَاح فليطر، وَمن كَانَ ذَا مخلب فليحتفر، وَوجه التَّخْصِيص: بجحر الضَّب، لشدَّة ضيقه ورداءته، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُم لاقتفائهم آثَارهم واتباعهم طرائقهم لَو دخلُوا فِي مثل هَذَا الضّيق الرَّدِيء لوافقوهم.
قَوْله: ( الْيَهُود) ، يَعْنِي: قَالُوا: يَا رَسُول الله! هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
قَوْله: ( قَالَ فَمن؟) أَي: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمن غَيرهم، وَهَذَا اسْتِفْهَام على وَجه الْإِنْكَار، أَي: لَيْسَ المُرَاد غَيرهم.





[ قــ :398 ... غــ :3457 ]
- حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حدَّثنا خَالِدٌ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ ذَكَرُوا النَّارَ والنَّاقُوسَ فذَكَرُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى فَأمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وأنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ.
.


ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا يُمكن أَن يكون لأجل ذكر الْيَهُود فِيهِ، وهم من بني إِسْرَائِيل، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ بَدْء الْأَذَان بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن عمرَان بن ميسرَة، وَكَذَلِكَ مضى مُخْتَصرا من غير هَذَا الطَّرِيق عَن أنس فِي: بابُُ الآذان مثنى مثنى، وَبابُُ الْإِقَامَة وَاحِدَة، و: عبد الْوَارِث الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد.





[ قــ :399 ... غــ :3458 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها كانَتْ تَكْرَهُ أنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خاصِرَتهِ وتَقُولُ إنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ.


وَجه ذكر هَذَا هُنَا هُوَ الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش بن سُلَيْمَان وَأَبُو الضُّحَى، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة مَقْصُور: هُوَ مُسلم بن صبيح.

قَوْله: ( أَن يَجْعَل) ، أَي: الْمُصَلِّي، وَهَذَا مُطلق وَلكنه مُقَيّد بِحَال الصَّلَاة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم من طَرِيق أَحْمد بن الْفُرَات عَن مُحَمَّد بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظ: أَنَّهَا كرهت الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة،.

     وَقَالَ ت: إِنَّمَا يفعل ذَلِك الْيَهُود، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ بِهَذَا الْإِسْنَاد، يَعْنِي: وضع الْيَد على الخاصرة، وَهُوَ فِي الصَّلَاة، والخاصرة الشاكلة، وَيُقَال هُوَ: فعل الْجَبابُُِرَة، وَيُقَال: هُوَ استراحة أهل النَّار، وَيُقَال هُوَ فعل من دهته مُصِيبَة، وَيُقَال: لما طرد الشَّيْطَان نزل إِلَى الأَرْض مُخْتَصرا.

تابَعَهُ شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ
أَي: تَابع سُفْيَان شُعْبَة فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة ابْن أبي شيبَة من طَرِيقه.





[ قــ :3300 ... غــ :3459 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا لَ يْثٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّما أجَلُكُمْ فِي أجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأممِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وإنَّما مَثَلُكُمْ ومَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارَى كرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاَةٍ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاةِ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ علَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ ألاَ فأنْتُمْ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ علَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ألاَ لَكُمْ الأجْرُ مَرَّتَيْنِ فغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصَارى فقالُوا نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً وأقَلُّ عَطَاءً قَالَ الله هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئَاً قالُوا لاَ قَالَ فإنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ.
.


وَجه الْمُطَابقَة مَا ذكر فِيمَا قبله، وَمثل هَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن مُسلم بن عبد الله عَن أَبِيه.
قَوْله: ( من خلا) أَي: من مضى.
قَوْله: ( عمالاً) ، بِضَم الْعين: جمع عَامل.





[ قــ :3301 ... غــ :3460 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وعنْ طَاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قاتَلَ الله فُلاناً ألَمْ يَعْلَمْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَعَنَ الله اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوها فَبَاعُوهَا.
( انْظُر الحَدِيث 3) .


وَجه الْمُطَابقَة فِي ذكر الْيَهُود.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ لَا يذاب شَحم الْميتَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( قَاتل الله) ، أَي: لعن الله.
قَوْله: ( فجملوها) ، بِالْجِيم أَي: أذابوها.

تابَعَهُ جابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع ابْن عَبَّاس جَابر بن عبد الله.
وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَوَاخِر الْبيُوع فِي: بابُُ بيع الْميتَة والأصنام.
قَوْله: ( وَأَبُو هُرَيْرَة) ، أَي: وَتَابعه أَبُو هُرَيْرَة أَيْضا، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بابُُ لَا يذاب شَحم الْميتَة، فَإِنَّهُ أخرجه عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله بن يُونُس إِلَى آخِره.





[ قــ :330 ... غــ :3461 ]
- حدَّثنا أبُو عاصِمِ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ أخبرَنا الأوْزَاعِيُّ حدَّثنا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ عنْ أبِي كَبْشَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَلِّغُوا عَنِّي ولَوْ آيَةً وحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ولاَ حَرَجَ ومنْ كَذَبَ علَيَّ مُتَعَمِّدَاً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَأَبُو كَبْشَة السَّلُولي اسْمه هُوَ كنيته.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت.

وَقَوله: ( وَلَو آيَة) ، أَي: عَلامَة ظَاهِرَة فَهُوَ تتميم ومبالغة، أَي: وَلَو كَانَ الْمبلغ فعلا أَو إِشَارَة وَنَحْوهَا، قَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّمَا قَالَ: آيَة، أَي: من الْقُرْآن، وَلم يقل: حَدِيثا، فَإِن الْآيَات مَعَ تكفل الله بحفظها وَاجِبَة التَّبْلِيغ، فتبليغ الحَدِيث يفهم مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الأولى، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ: آيَة، ليسارع كل سامع إِلَى تَبْلِيغ مَا وَقع لَهُ من الْآي، وَلَو قل ليشْمل بذلك نقل جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل) يَعْنِي: مِمَّا وَقع لَهُم من الْأُمُور العجيبة والغريبة، وَقيل: المُرَاد ببني إِسْرَائِيل أَوْلَاد إِسْرَائِيل نَفسه، وهم أَوْلَاد يَعْقُوب، وَالْمرَاد: حدثوا عَنْهُم بقصتهم مَعَ أخيهم يُوسُف، وَهَذَا بعيد وَفِيه تضييق.
.

     وَقَالَ  مَالك: المُرَاد جَوَاز التحديث عَنْهُم بِمَا كَانَ من أمرٍ حسن، وَأما مَا علم كذبه فَلَا.
وَقيل: الْمَعْنى حدثوا عَنْهُم مثل مَا ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح، وَقيل: المُرَاد جَوَاز التحدث عَنْهُم بِأَيّ صُورَة وَقعت من انْقِطَاع أَو بَلَاغ لتعذر الإتصال فِي التحديث عَنْهُم، بِخِلَاف الْأَحْكَام الإسلامية، فَإِن الأَصْل فِي التحديث بهَا الِاتِّصَال وَلَا يتَعَذَّر ذَلِك لقرب الْعَهْد.
قَوْله: ( وَلَا حرج) أَي: وَلَا ضيق عَلَيْكُم فِي الحَدِيث عَنْهُم، وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَا حرج، لِأَنَّهُ كَانَ قد تقدم مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزّجر عَن الْأَخْذ عَنْهُم وَالنَّظَر فِي كتبهمْ، ثمَّ حصل التَّوَسُّع فِي ذَلِك، وَكَانَ النَّهْي قبل اسْتِقْرَار الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَالْقَوَاعِد الدِّينِيَّة خشيَة الْفِتْنَة، ثمَّ لما زَالَ الْمَحْذُور وَقع الْإِذْن فِي ذَلِك لما فِي ذَلِك من الِاعْتِبَار عِنْد سَماع الْأَخْبَار الَّتِي وَقعت فِي زمانهم.
وَقيل: لَا حرج أَي: لَا تضيق صدوركم بِمَا سمعتموه عَنْهُم من الْأَعَاجِيب فَإِن ذَلِك وَقع لَهُم كثيرا.
وَقيل: لَا حرج فِي أَن لَا تحدثُوا عَنْهُم، لِأَن قَوْله أَولا: حدثوا، صِيغَة أَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَأَشَارَ إِلَى عدم الْوُجُوب، وَإِن الْأَمر فِيهِ للْإِبَاحَة، بقوله: وَلَا حرج، أَي: فِي ترك التحديث عَنْهُم.
وَقيل: المُرَاد رفع الْحَرج عَن حاكي ذَلِك لما فِي أخبارهم من الْأَلْفَاظ المستبشعة، نَحْو قَوْلهم: { إذهب أَنْت وَرَبك فَقَاتلا} ( الْمَائِدَة: 4) .
وَقَوْلهمْ: { إجعل لنا إل هَا} ( الْأَعْرَاف: 831) .
قَوْله: صِيغَة أَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب، لَيْسَ ذَلِك على إِطْلَاقه، وَإِنَّمَا الْأَمر إِنَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُوب بصيغته إِذا تجرد عَن الْقَرَائِن، وَهنا قَوْله: وَلَا حرج، قرينَة على أَنه لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا هُوَ للنَّدْب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْأَمر للْإِبَاحَة إِذْ لَا وجوب وَلَا ندب فِيهِ بِالْإِجْمَاع.
قَوْله: ( وَمن كذب عَليّ) إِلَى آخِره، قد مر نَحوه فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ إِثْم من كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن البُخَارِيّ روى فِي هَذَا الْبابُُ عَن خَمْسَة من الصَّحَابَة، وهم: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، وَأنس بن مَالك، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع، وَأَبُو هُرَيْرَة.
وروى أَيْضا فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ مَا يكره من النِّيَاحَة عَن الْمُغيرَة، وروى أَيْضا هَهُنَا عَن عبد الله بن عَمْرو، وَقد تكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: ( فَليَتَبَوَّأ) بِكَسْر اللَّام هُوَ الأَصْل وبالسكون هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ أَمر من التبوء، وَهُوَ اتِّخَاذ المباءة، أَي: الْمنزل.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: تبوأت منزلا أَي: نزلته.





[ قــ :3303 ... غــ :346 ]
- حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمان إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ اليَهُودَ والنَّصارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ.
( الحَدِيث 643 طرفه فِي: 9985) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الْيَهُود) .
وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عبيد الله بن سعد بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( لَا يصبغون) ، أَي: شيب الشّعْر، وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بمخالفتهم.
فَإِن قلت: ورد النَّهْي عَن إِزَالَة الشيب؟ قلت: لَا تعَارض بَينهمَا هُنَا لِأَن الصَّبْغ لَا يَقْتَضِي الْإِزَالَة.
وَقيل: المُرَاد بالإزالة النتف، وَسُئِلَ مَالك عَن النتف؟ فَقَالَ: مَا أعلمهُ حَرَامًا وَتَركه أحب إِلَيّ، وَالْإِذْن فِيهِ مُقَيّد بِغَيْر السوَاد، لما روى مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غيروه وجنبوه السوَاد.
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: ( يكون قوم فِي آخر الزَّمَان يخضبون كحواصل الْحمام لَا يَجدونَ ريح الْجنَّة) .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ.
والْحَدِيث صَحِيح، وَلَكِن الْكَلَام فِي رَفعه وَوَقفه وعَلى تَقْدِيره تَرْجِيح وَقفه، فَمثله لَا يدْرك بِالرَّأْيِ، فَحكمه الرّفْع وَلِهَذَا اخْتَار النَّوَوِيّ أَن الصَّبْغ بِالسَّوَادِ يكره كَرَاهَة تَحْرِيم.
وَعَن الْحَلِيمِيّ: أَن الْكَرَاهَة خَاصَّة بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء، فَيجوز ذَلِك للْمَرْأَة لأجل زَوجهَا.
.

     وَقَالَ  مَالك: الْحِنَّاء والكتم وَاسع والصبغ بِغَيْر السوَاد أحب إِلَيّ، وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْمُجَاهِد اتِّفَاقًا.

وَقد اخْتلف: هَل كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يصْبغ؟ فَقَالَ ابْن عمر فِي الْمُوَطَّأ: أما الصُّفْرَة فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بهَا، وَأَنا أحب أَن أصبغ، وَقيل: كَانَ يصفر لحيته، وَقيل: أَرَادَ بالصفرة فِي حَدِيث ابْن عمر صفرَة الثِّيَاب، وَقيل: صبغ مرّة،.

     وَقَالَ  مَالك: لم يصْبغ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عَليّ وَلَا أبي بن كَعْب وَلَا ابْن الْمسيب، وَلَا السَّائِب بن يزِيد، وَلَا ابْن شهَاب.
قَالَ: وَالدَّلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصْبغ أَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يصْبغ، فَلَو كَانَ صبغ لبدأت بِهِ.
.

     وَقَالَ  مَالك: والصبغ بِالسَّوَادِ مَا سَمِعت فِيهِ شَيْئا، وَغَيره من الصَّبْغ أحب إِلَيّ، والصبغ بِالْحِنَّاءِ والكتم وَاسع.