فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب علامات النبوة في الإسلام


[ قــ :3419 ... غــ :3581 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عَن أبِيهِ حدَّثنا أبُو عُثْمَانَ أنَّهُ حدَّثَهُ عبْدُ الرِّحمانِ ابنُ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ أصْحَابَ الصُّفَةِ كانُوا أُنَاسَاً فُقَرَاءَ وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَرَّةً مَنْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ ومَنْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ أرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أوْ سادِسٍ أوْ كَما قالَ وأِنَّ أبَا بَكْرٍ جاءَ بِثَلاَثَةٍ وانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَشَرَةٍ وأبُو بَكْرٍ وثَلاثَةٍ قَالَ فَهْوَ أَنا وأبِي وأُمِّي ولاَ أدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأتِي وخادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وبَيْنَ بَيْتِ أبِي بَكْرٍ وأنَّ أبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ لَبِثَ حتَّى صَلَّى العِشَاءَ ثُمَّ رَجَعَ فلَبِثَ حتَّى تَعَشَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله قالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ مَا حَبَسَكَ عنْ أضْيَافِكَ أوْ ضَيْفِكَ قَالَ أوَ عَشَّيْتِهِمْ قالَتْ أبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عَرَضُوا علَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ فَذَهَبْتُ فاخْتَبَأتُ فَقَالَ يَا غُنْثَر فَجَدَّعَ وسَبَّ.

     وَقَالَ  كُلُوا.

     وَقَالَ  لَا أطْعَمُهُ أبَدَاً قَالَ وايْمُ الله مَا كُنَّا نأخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إلاَّ رَبَا مِنْ أسْفَلِهَا أكْثَرُ مِنْهَا حتَّى شَبِعُوا وصارَتْ أكْثَرَ مِمَّا كانَتْ قَبْلُ فنَظَرَ أبُو بَكْرٍ فإذَا شَيءٌ أوْ أكْثَرُ قَالَ لإمْرَأتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ قالَتْ لاَ وقُرَّةِ عَيْنِي لَهْيَ الآنَ أكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلاثِ مَرَّاتٍ فأكَلَ مِنْهَا أبُو بَكْرٍ.

     وَقَالَ  إنَّمَا كانَ الشَّيْطَانُ يَعْنِي يَمينَهُ ثُمَّ أكَلَ مِنْهَا لُقْمَة ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَيّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأصْبَحَتْ عِنْدَهُ وكانَ بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فمَضَي الأجَلُ ففَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاٍ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ الله أعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجلٍ غَيْرَ أنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ قَالَ أكَلُوا مِنْهَا أجْمَعُونَ أوْ كَمَا قَالَ.

قيل: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة هُنَا، لِأَن التَّرْجَمَة فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، والْحَدِيث فِي كَرَامَة الصّديق.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ يجوز أَن تظهر المعجزة على يَد الْغَيْر، أَو أستفيد الإعجاز من آخِره حَيْثُ قَالَ: أكلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.

ومعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان وَهُوَ من صغَار التَّابِعين، وَفِي رِوَايَة أبي النُّعْمَان الَّتِي مَضَت فِي كتاب الصَّلَاة: حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان حَدثنَا أبي وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بابُُ السمر مَعَ الْأَهْل والضيف.

قَوْله: ( إِن أَصْحَاب الصّفة) هِيَ مَكَان فِي مُؤخر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ مظلل أعد لنزول الغرباء فِيهِ مِمَّن لَا مأوى لَهُ وَلَا أهل، وَكَانُوا يكثرون فِيهِ ويقلون بِحَسب من يتَزَوَّج مِنْهُم أَو يَمُوت أَو يُسَافر.
قَوْله: ( فليذهب بثالث) ، أَي: من أهل الصّفة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فليذهب بِثَلَاثَة، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب رِوَايَة البُخَارِيّ لموافقتها لسياق بَاقِي الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِن حمل على ظَاهره فسد الْمَعْنى لِأَن الَّذِي عِنْده طَعَام إثنين إِذا ذهب مَعَه بِثَلَاثَة لزم أَن يَأْكُلهُ فِي خَمْسَة وَحِينَئِذٍ لَا يكفيهم وَلَا يسد رمقهم، بِخِلَاف مَا إِذا ذهب مَعَه بِوَاحِد فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْكُلهُ من ثَلَاثَة، وَأجَاب النَّوَوِيّ عَنهُ: بِأَن التَّقْدِير فليذهب بِمن يتم من عِنْده ثَلَاثَة، أَو فليذهب بِتمَام ثَلَاثَة.
قَوْله: ( وَأَبُو بكر وَثَلَاثَة) أَي: وَانْطَلق أَبُو بكر وَثَلَاثَة مَعَه، وَإِنَّمَا كرر بِثَلَاثَة لِأَن الْغَرَض من الأول الْإِخْبَار بِأَن أَبَا بكر كَانَ من المكثرين مِمَّن عِنْده طَعَام أَرْبَعَة فَأكْثر، وَأما الثَّانِي فَهُوَ مِمَّا يَقْتَضِي سوق الْكَلَام على تَرْتِيب الْقِصَّة، ذكره.
قَوْله: ( قَالَ) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر.
قَوْله: ( فَهُوَ أَنا) أَي: الشَّأْن أَنا وَأبي وَأمي فِي الدَّار، وَالْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان أَن فِي منزله هَؤُلَاءِ، فَلَا بُد أَن يكون عِنْده طعامهم، وَأم عبد الرَّحْمَن هِيَ أم رُومَان مَشْهُورَة بكنيتها وَاسْمهَا زَيْنَب، وَقيل: وَعلة بنت عَامر بن عُوَيْمِر كَانَت تَحت الْحَارِث بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ فَمَاتَ بعد أَن قدم مَكَّة وَخلف مِنْهَا ابْنه الطُّفَيْل، فَتَزَوجهَا أَبُو بكر فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، وَأسْلمت أم رُومَان قَدِيما وَهَاجَرت وَعَائِشَة مَعهَا، وَأما عبد الرَّحْمَن فَتَأَخر إِسْلَامه وهجرته إِلَى هدنة الْحُدَيْبِيَة، فَقدم فِي سنة سبع أَو أول سنة ثَمَان، وَاسم امْرَأَته أُمَيْمَة بنت عدي بن قيس السهمية، وَهِي وَالِدَة أكبر أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن أبي عَتيق مُحَمَّد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: ( وَلَا أَدْرِي هَل قَالَ) الْقَائِل هُوَ أَبُو عُثْمَان الرَّاوِي عَن عبد الرَّحْمَن، كَأَنَّهُ شكّ فِي ذَلِك.
قَوْله: ( وخادمي) بِالْإِضَافَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِغَيْر إِضَافَة.
قَوْله: ( بَين بيتنا وَبَيت أبي بكر) يَعْنِي: خدمتها مُشْتَركَة بَين بيتنا وَبَيت أبي بكر.
وَقَوله: ( بَين) طرف للخادم.
قَوْله: ( إِن أَبَا بكر تعشي عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي مُسلم، قَالَ: وَإِن أَبَا بكر، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَإِن أَبَا بكر تعشى عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( ثمَّ لبث) ، أَي: مكث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى صلى الْعشَاء، وَفِيمَا تقدم فِي: بابُُ السمر مَعَ الْأَهْل: ثمَّ لبث حَتَّى صليت الْعشَاء الْآخِرَة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( ثمَّ رَجَعَ) ثمَّ رَجَعَ أَبُو بكر إِلَى منزله، هَذَا الَّذِي يفهم من ظَاهر الرِّوَايَة، والرواة مَا اتَّفقُوا على هَذَا، لِأَن فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ثمَّ ركع، بِالْكَاف، أَي: ثمَّ صلى النَّافِلَة، وَالْحَاصِل على هَذَا أَن أَبَا بكر مكث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صلى الْعشَاء ثمَّ صلى النَّافِلَة فَلبث أَبُو بكر عِنْده حَتَّى تعشى أَو حَتَّى نعس، يَعْنِي أَخذ فِي النّوم على مَا نذكرهُ الْآن.
قَوْله: ( فَلبث) مَعْنَاهُ: فَلبث عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن رَجَعَ إِلَيْهِ حَتَّى تعشى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ثمَّ رَجَعَ فَلبث حَتَّى نعس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من النعاس الَّذِي هُوَ مُقَدّمَة النّوم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: شرح الْكرْمَانِي: يَعْنِي هَذَا الْموضع بِأَن المُرَاد: أَنه لما جَاءَ بِالثَّلَاثَةِ إِلَى منزله لبث فِي منزله إِلَى وَقت صَلَاة الْعشَاء، ثمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلبث عِنْده حَتَّى تعشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا لَا يَصح، لِأَنَّهُ يُخَالف صَرِيح قَوْله فِي حَدِيث الْبابُُ: وَإِن أَبَا بكر تعشى عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
انْتهى.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي هَذَا مثل الَّذِي ذكره، وَإِنَّمَا قَالَ فَإِن قلت: هَذَا يشْعر بِأَن التعشي عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بعد الرُّجُوع إِلَيْهِ وَمَا تقدم بِأَنَّهُ كَانَ بعده قلت: الأول: بَيَان حَال أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي عدم احْتِيَاجه إِلَى الطَّعَام عِنْد أَهله، وَالثَّانِي: هُوَ سوق الْقِصَّة على التَّرْتِيب الْوَاقِع.
أَو الأول: تعشى الصّديق وَالثَّانِي تعشى الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو الأول: من الْعشَاء، بِكَسْر الْعين، وَالثَّانِي: مِنْهُ بِفَتْحِهَا.
انْتهى.
هَذَا لفظ الْكرْمَانِي فَلْينْظر المتأمل هَل نِسْبَة هَذَا الْقَائِل عدم الصِّحَّة إِلَى الْكرْمَانِي صَحِيحَة أم لَا؟ وَحل تركيب هَذَا الحَدِيث يحْتَاج إِلَى دقة نظر وَتَأمل كثير.
قَوْله: ( أَو ضيفك) ، شكّ من الرَّاوِي، وعَلى هَذَا فالضيف كَانُوا ثَلَاثَة فَكيف قَالَ بِالْإِفْرَادِ؟ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الضَّيْف اسْم جنس يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو الضَّيْف، مصدر يتَنَاوَل الْمثنى وَالْجمع.
قلت: لَا يَصح هَذَا الْفساد الْمَعْنى.
قَوْله: ( أوَعشيتهم؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَو مَا عشيتهم؟ بِزِيَادَة: مَا النافية، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعد الْهمزَة، ويروى: أوعشيتهم، بِالْيَاءِ الساكنة بعد تَاء الْخطاب.
قَوْله: ( قَالَت: أَبَوا) ، أَي: امْتَنعُوا إِلَى أَن تَجِيء رفقا بِهِ لظنهم أَنه لَا يجد عشَاء فصبروا حَتَّى يَأْكُل مَعَهم.
قَوْله: ( قد عرضوا) ، بِفَتْح الْعين أَي: قد عرض الْأَهْل والخدم.
قَوْله: ( فغلبوهم) ، أَي: إِن آل بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عرضوا على الأضياف الْعشَاء فامتنعوا، فعالجوهم فامتنعوا حَتَّى غلبوهم، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي: بابُُ السمر مَعَ الْأَهْل.
قَوْله: ( فَذَهَبت) ، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَذَهَبت، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ: فَذَهَبت أَنا.
قَوْله: ( فاختبأت) ، أَي: اختفيت خوفًا مِنْهُ.
قَوْله: ( فَقَالَ: يَا غنثر) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره رَاء: مَعْنَاهُ الْجَاهِل، وَقيل: غنثر الذُّبابُُ، وَأَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظ عَلَيْهِ حَيْثُ خاطبه بِشَيْء فِيهِ التحقير، وَقد مر فِي الصَّلَاة كَلَام كثير فِيهِ فَليرْجع إِلَيْهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( فجدع) أَي: جدع أَبُو بكر، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: أَي: دَعَا بالجدع، وَهُوَ قطع الْأنف وَالْأُذن وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( وَسَب) ، أَي: شتم ظنا مِنْهُ أَن عبد الرَّحْمَن فرط فِي حق الأضياف.
قَوْله: ( وَقَالَ: كلوا) ، أَي: قَالَ أَبُو بكر: كلوا، وَفِي رِوَايَة الصَّلَاة: كلوا لَا هَنِيئًا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، إِنَّمَا قَالَه لما حصل لَهُ من الْحَرج والغيظ بتركهم الْعشَاء بِسَبَبِهِ، وَقيل: إِنَّه لَيْسَ بِدُعَاء إِنَّمَا هُوَ خبر أَي: لم تهنوا بِهِ فِي وقته.
قَوْله: ( فَقَالَ: لَا أطْعمهُ أبدا) ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: كل ذَلِك من أبي بكر على ابْنه ظنا مِنْهُ أَنه فرط فِي حق الأضياف، فَلَمَّا تبين لَهُ أَن ذَلِك كَانَ من الأضياف أدبهم.
بقوله: كلوا لَا هَنِيئًا، وَحلف أَن لَا يطعمهُ، وَفِي رِوَايَة الْجريرِي، فَقَالَ: إِنَّمَا انتظرتموني؟ وَالله لَا أطْعمهُ أبدا، فَقَالَ الْآخرُونَ: وَالله لَا نطعمه أبدا حَتَّى تطعمه، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: فَقَالَ أَبُو بكر: فَمَا منعكم؟ قَالُوا: مَكَانك.
قَالَ: وَالله لَا أطْعمهُ أبدا، ثمَّ اتفقَا، فَقَالَ: لم أر من الشَّرّ كالليلة، وَيْلكُمْ؟ مَا أَنْتُم؟ لم لَا تقبلون عَنَّا قراكم؟ هَات طَعَامك.
فَوضع فَقَالَ: بِسم الله الأولى من الشَّيْطَان فَأكل وأكلوا.
قَوْله: الأولى من الشَّيْطَان، أَرَادَ بِهِ يَمِينه.
قَالَ القَاضِي: وَقيل: مَعْنَاهُ اللُّقْمَة الأولى من أجل قمع الشَّيْطَان وإرغامه ومخالفته فِي مُرَاده بِالْيَمِينِ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: فِيهِ أَن من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فعل ذَلِك وَكفر عَن يَمِينه، كَمَا جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
قَوْله: ( وأيم الله) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: وأيم الله، هَذَا من أَلْفَاظ الْيَمين وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، أَي: وأيم الله قسمي، وهمزته همزَة وصل لَا يجوز قطعه عِنْد الْأَكْثَرين، وَقد أطلنا الْكَلَام فِيهِ فِي التَّيَمُّم فِي: بابُُ الصَّعِيد الطّيب.
قَوْله: ( إلاَّ رَبًّا من أَسْفَلهَا) ، أَي: زَاد من أَسْفَلهَا، أَي: من الْموضع الَّذِي أخذت مِنْهُ.
قَوْله: ( فَإِذا شَيْء) ، أَي: فَإِذا هُوَ شَيْء كَمَا كَانَ أَو أَكثر، ويروى لَهَا: فَإِذا هِيَ شَيْء، أَي الْبَقِيَّة أَو الْأَطْعِمَة.
قَوْله: ( قَالَ لامْرَأَته) أَي: قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأمرأته: ( يَا أُخْت بني فراس) قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ: يَا من هِيَ من بني فراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، قَالَ القَاضِي: فراس هُوَ ابْن غنم بن مَالك بن كنَانَة، وَقد تقدم أَن أم رُومَان من ذُرِّيَّة الْحَارِث بن غنم، وَهُوَ أَخُو فراس بن غنم، فَلَعَلَّ أَبَا بكر نَسَبهَا إِلَى بني فراس لكَوْنهم أشهر من بني الْحَارِث، وَقد يَقع مثل هَذَا كثيرا، وَقيل: الْمَعْنى: يَا أُخْت الْقَوْم المنتسبين إِلَى بني فراس.
قَوْله: ( قَالَت: لَا، وقرة عَيْني) ، كلمة: لَا، زَائِدَة للتَّأْكِيد، وَيحْتَمل أَن تكون نَافِيَة، وثمة مَحْذُوف أَي: لَا شَيْء غير مَا أَقُول، وَهُوَ قَوْلهَا: وقرة عَيْني، وَالْوَاو فِيهِ للقسم، وقرة الْعين، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: يعبر بهَا عَن المسرة ورؤية مَا يحب الْإِنْسَان، وَقد طولنا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ السمر مَعَ الْأَهْل والضيف.
قَوْله: ( لهي الْآن أَكثر) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَقيل بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( ثَلَاث مَرَّات) وَقيل: ثَلَاث مرار.
قَوْله: ( فَأكل مِنْهَا) أَي: من الْأَطْعِمَة.
قَوْله: ( إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَان) يَعْنِي: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَان الْحَامِل على يَمِينه الَّتِي حَلفهَا، وَهِي قَوْله: ( وَالله لَا أطْعمهُ) وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من الشَّيْطَان، يَعْنِي: يَمِينه، وَهَذَا أقرب.
قَوْله: ( فَأَصْبَحت عِنْده) أَي: أَصبَحت الْأَطْعِمَة الَّتِي فِي الْجَفْنَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَالهَا، وَإِنَّمَا لم يَأْكُلُوا مِنْهَا فِي اللَّيْل لكَون ذَلِك وَقع بعد أَن مضى من اللَّيْل مُدَّة طَوِيلَة.
قَوْله: ( عهد) ، أَي: عهد مهادنة، ويروى: وَكَانَت بَيْننَا، والتأنيث بِاعْتِبَار المهادنة.
قَوْله: ( فَمضى الْعَهْد) أَي: مَضَت مُدَّة الْعَهْد.
قَوْله: ( ففرقنا) من التَّفْرِيق، فالراء فِيهِ مَفْتُوحَة وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكلمَة: نَا، مَفْعُوله، و: الْفَاء، فِيهِ فَاء الفصيحة أَي: فجاؤا إِلَى الْمَدِينَة، أَي: جعل كل رجل مَعَ اثْنَي عشرَة فرقة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَعرفنَا: بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء الْمُشَدّدَة أَي: جعلنَا عرفاء نقباء على قَومهمْ.
وَفِيه: دَلِيل لجَوَاز تَعْرِيف العرفاء على العساكر وَنَحْوهَا، وَفِي ( سنَن أبي دَاوُد) : العرافة حق، وَلما فِيهِ من مصلحَة النَّاس وليتيسر ضبط الجيوش على الإِمَام وَنَحْوهَا باتخاذ العرفاء.
فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث: العرفاء فِي النَّار.
قلت: هُوَ مَحْمُول على العرفاء الْمُقَصِّرِينَ فِي ولايتهم المرتكبين فِيهَا مَا لَا يجوز،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: فقرينا، بقاف وَرَاء وياء آخر الْحُرُوف، من الْقرى، وَهِي: الضِّيَافَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلم أَقف على ذَلِك.
قلت: لَا يلْزم من عدم وُقُوفه على ذَلِك الْإِنْكَار عَلَيْهِ، لِأَن من لم يقف على شَيْء أَكثر مِمَّن وقف عَلَيْهِ.
قَوْله: ( اثْنَا عشر رجلا) وَفِي رِوَايَة مُسلم: اثْنَي عشر، بِالنّصب وَهُوَ ظَاهر، وَأما رواي الرّفْع فعلى لُغَة من يَجْعَل الْمثنى بِالْألف فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { إِن هَذَانِ لساحران} ( طه: 36) .
قَوْله: ( غير أَنه بعث) أَي: غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مَعَهم نصيب أَصْحَابهم إِلَيْهِم.
قَوْله: ( أَو كَمَا قَالَ) ، شكّ من أبي عُثْمَان، وَالْمعْنَى: أَن جَمِيع الْجَيْش أكلُوا من تِلْكَ الْأَطْعِمَة الَّتِي أرسلها أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَفْنَة، فَظهر بذلك أَن تَمام الْبركَة فِيهَا كَانَت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالَّذِي وَقع فِي بَيت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ ظُهُور أَوَائِل الْبركَة فِيهَا، والفوائد الَّتِي استفيدت من الحَدِيث الْمَذْكُور ذَكرنَاهَا فِي: بابُُ السمر مَعَ الْأَهْل والضيف.





[ قــ :340 ... غــ :358 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ وعنْ يُونُسَ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أصابَ أهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ علَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إذْ قامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رسُولَ الله هَلَكَتِ الكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ فادْعُ الله يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ ودَعَا قَالَ أنَسٌ وإنَّ السَّمَاءَ كَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيح أنْشأتْ سَحابَاً ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ المَاءَ حَتَّى أتَيْنَا مَنَازِلَنَا فلَمْ تَزَلُ تُمْتِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأخْرَى فقامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رسُولَ الله تَهَدَّمَتِ البيُوتُ فادْعُ الله يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا فنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ المَدِينَةِ كأنَّهُ إكْلِيلٌ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الاسْتِسْقَاء مطولا ومختصراً من عشرَة وُجُوه.
الأول: عَن مُحَمَّد عَن أبي ضَمرَة عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن أنس بن مَالك.
وَالثَّانِي: عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن شريك عَن أنس.
وَالثَّالِث: عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس.
وَالرَّابِع: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن شريك عَن أنس.
وَالْخَامِس: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن شريك عَن أنس.
وَالسَّادِس: عَن الْحسن بن بشر عَن معافى بن عمرَان عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس.
وَالسَّابِع: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن شريك عَن أنس.
وَالثَّامِن: عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن مُعْتَمر عَن عبيد الله بن ثَابت عَن أنس.
وَالتَّاسِع: عَن أَيُّوب بن سُلَيْمَان، مُعَلّقا عَن أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن أنس.
والعاشر: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس.
وَالْوَجْه الْحَادِي عشر: أخرجه فِي كتاب الْجُمُعَة عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله عَن أنس.
وَالثَّانِي عشر: أخرجه فِي الْجُمُعَة أَيْضا من طَرِيقين، كَمَا أخرجه هَهُنَا نَحوه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز ابْن صُهَيْب عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن يُونُس بن عبيد الْبَصْرِيّ عَن ثَابت عَن أنس، وَالْحَاصِل أَن لحماد إسنادين: أَحدهمَا عَال، وَالْآخر نَازل، وَذكر الْبَزَّار أَن حماداً تفرد بطرِيق يُونُس بن عبيد، فَالطَّرِيقَانِ أخرجهُمَا أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد بِإِسْنَادِهِ نَحوه.

قَوْله: ( قحط) ، أَي: جَدب، يُقَال: قحط الْمَطَر وقحط بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا: إِذا احْتبسَ وَانْقطع، وأقحط النَّاس إِذا لم يمطروا.
قَوْله: ( على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: على زَمَنه وأيامه.
قَوْله: ( إِذا قَامَ) ، جَوَاب بَينا.
قَوْله: ( رجل) ، قيل: هُوَ خَارِجَة بن حصن الْفَزارِيّ.
قَوْله: ( الكراع) ، بِضَم الْكَاف، وَحكى عَن رِوَايَة الْأصيلِيّ كسرهَا، وخطيء.
وَالْمرَاد بِهِ: الْخَيل هُنَا لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ.
( وَهَلَكت الشَّاء) وَقد يُطلق على غَيرهَا، وَالشَّاء جمع شَاة، وأصل الشَّاة، شاهة فحذفت لامها،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: جمع الشَّاة شَاءَ وشياه وشوًى.
قَوْله: ( كَمثل الزجاجة) ، أَي: فِي شدَّة الصفاء لَيْسَ فِيهِ شَيْء من السَّحَاب، وَمن الكدورات.
قَوْله: ( فهاجت) ، أَي: ثارت ريح أنشأت سحاباً.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : فِيهِ نظر، إِنَّمَا يُقَال: نَشأ السَّحَاب إِذا ارْتَفع، وأنشأه الله، وَمِنْه ينشيء السَّحَاب الثقال أَي: يبديها.
قَوْله: ( عزاليها) ، جمع: عزلاء، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي، وَهُوَ فَم الراوية من أَسْفَلهَا، وَفِي الْجمع: يجوز كسر اللاَّم وَفتحهَا كَمَا فِي الصحارى، وَقد مر عَن قريب.
قَوْله: ( مَنَازلنَا) ، ويروى: منزلنا بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: ( فَلم تزل تمطر) ، بِضَم التَّاء أَي: لم تزل السَّمَاء تمطر، وَيجوز أَن يكون: لم نزل، بنُون الْمُتَكَلّم، وَكَذَلِكَ: نمطر، وَلَكِن على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( أَو غَيره) ، أَي: أَو غير ذَلِك الرجل الَّذِي قَامَ فِي تِلْكَ الْجُمُعَة، شكّ فِيهِ أنس، وَتارَة يجْزم بذلك الرجل.
وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي كتاب الاسْتِسْقَاء.
قَوْله: ( تصدع) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: تتصدع وَهُوَ الأَصْل، وَلَكِن حذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ.
قَوْله: ( إكليل) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ شبه عِصَابَة مزينة بالجواهر، وَهُوَ التَّاج، وَكَانَت مُلُوك الْفرس تستعملها.





[ قــ :341 ... غــ :3583 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى بنُ كَثِيرٍ أبُو غَسَّانَ حدَّثنا أبُو حَفْص واسْمُهُ عُمَرُ بنُ العَلاءِ أخُو أبِي عَمْرِو بنِ العَلاَءِ قَالَ سَمِعْتُ نافِعاً عنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ فلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فأتاهُ فمَسَحَ يَدَهُ علَيْهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي حنين الْجذع.
وَيحيى بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن دِرْهَم أَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة: الْعَنْبَري، بِسُكُون النُّون: الْبَصْرِيّ، مَاتَ بعد الْمِائَتَيْنِ، وَأَبُو حَفْص بالمهملتين عمر بن الْعَلَاء بن عمَارَة الْبَصْرِيّ الْمَازِني،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الكاشف) : الْأَصَح أَنه معَاذ بن الْعَلَاء لَا عمر، وَقيل: لم تقع تَسْمِيَة أبي حَفْص بعمر بن الْعَلَاء إلاَّ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَالظَّاهِر أَنه هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بنْدَار عَن يحيى بن كثير، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو حَفْص بن الْعَلَاء فَذكر الحَدِيث وَلم يسمه، وَذكر الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي تَرْجَمَة أبي حَفْص فِي ( الكنى) فساقه من طَرِيق عبد الله بن رَجَاء الفداني حَدثنَا أَبُو حَفْص بن الْعَلَاء، فَذكر حَدِيث الْبابُُ وَلم يقل اسْمه عمر، ثمَّ سَاقه من طَرِيق عُثْمَان بن عمر عَن معَاذ بن الْعَلَاء بِهِ، ثمَّ أخرج من طَرِيق مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن معَاذ بن الْعَلَاء أبي غَسَّان، قَالَ: وَكَذَا ذكر البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ) : أَن معَاذ بن الْعَلَاء يكنى أَبَا غَسَّان، قَالَ الْحَاكِم: ألله أعلم أَهما أَخَوان أَحدهمَا يُسمى عَمْرو وَالْآخر يُسمى معَاذًا وحدثا مَعًا عَن نَافِع بِحَدِيث الْجذع، أَو إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ غير مَحْفُوظ لِأَن الْمَشْهُور أَن الْعَلَاء أَبُو عَمْرو، صَاحب القراآت وَأَبُو سُفْيَان ومعاذ، فَأَما أَبُو حَفْص عمر فَلَا أعرفهُ إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقيل: لَيْسَ لِمعَاذ وَلَا لعمر فِي البُخَارِيّ ذكر فِي هَذَا الْموضع، وَأما أَبُو عَمْرو ابْن الْعَلَاء فَهُوَ أشهر الْأُخوة وأجلهم، وَهُوَ إِمَام القراآت بِالْبَصْرَةِ وَشَيخ الْعَرَبيَّة بهَا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ أَيْضا رِوَايَة وَلَا ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَاخْتلف فِي إسمه اخْتِلَافا كثيرا، وَالْأَظْهَر أَن إسمه كنيته، وَأما أَخُوهُ أَبُو سُفْيَان بن الْعَلَاء فَأخْرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ، وَحَدِيث الْبابُُ أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ الفلاس عَن عُثْمَان بن عمر وَيحيى بن كثير أبي غَسَّان الْعَنْبَري، كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن الْعَلَاء بِهِ.
.

     وَقَالَ  الْمزي: وَقيل: إِن قَوْله: عمر بن الْعَلَاء، وهمٌ وَالصَّوَاب: معَاذ بن الْعَلَاء، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ.

قَوْله: ( إِلَى جذع) أَي: مُسْتَندا إِلَيْهِ.
قَوْله: ( فَأَتَاهُ) أَي: فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْجذع فَمسح يَده عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فسكن،.

     وَقَالَ : لَو لم أفعل لما سكن.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الدَّارمِيّ بِلَفْظ: ( لَو لم أحتضنه لحنَّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) ، وَفِي حَدِيث أنس عِنْد أبي عوَانَة وَابْن خُزَيْمَة وَأبي نعيم: ( وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو لم ألتزمه لما زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حزنا على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أَمر بِهِ فَدفن) .
وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد الدَّارمِيّ: ( فَأمر بِهِ أَن يحْفر لَهُ ويدفن) .
فَإِن قلت: وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب: ( فَأخذ أبي بن كَعْب ذَلِك الْجذع لما هدم الْمَسْجِد، فَلم يزل عِنْده حَتَّى بلي وَعَاد رفاتاً) .
قلت: هَذَا لَا يُنَافِي مَا تقدم من دَفنه، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه ظهر بعد الْهدم عِنْد التَّنْظِيف، فَأَخذه أبي بن كَعْب.

وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيدِ أخْبَرَنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ أخْبَرَنَا مُعاذُ بنُ العَلاَءِ عنْ نافِعٍ بِهَذَا هَذَا التَّعْلِيق أخرجه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ فِي ( مُسْنده) عَن عُثْمَان بن عمر بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَعبد الحميد مَا ترْجم لَهُ أحد من رجال البُخَارِيّ، وَلَكِن الْمزي وَمن تبعه جزموا بِأَنَّهُ: عبد بن حميد الْحَافِظ الْمَشْهُور، وَقَالُوا: كَانَ اسْمه عبد الحميد، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: عبد، بِغَيْر إِضَافَة لأجل التَّخْفِيف، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ، ومعاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن الْعَلَاء بِالْمدِّ الْمَازِني أَخُو أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.

ورَواهُ أَبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ رَوَّادٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ الْكِبَار عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو، واسْمه: مَيْمُون الْمروزِي، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن عَمْرو عَن أبي عَاصِم مطولا، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن عَليّ عَن أبي عَاصِم مُخْتَصرا.





[ قــ :34 ... غــ :3584 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ قالَ سَمِعْتُ أبِي عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إلَى شَجَرَةٍ أوْ نَخْلَةٍ فقالَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ أوْ رَجُلٌ يَا رسُولَ الله أَلا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرَا قالَ إنْ شِئْتُمْ فجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرَاً فلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمْعَةِ دُفِعَ إلَى المِنْبَرِ فَصاحَتِ النَّخْلَةُ صِياحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَمَّهُ إلَيْهِ تَئِنُّ أنِينَ الصَّبِيَّ الَّذِي يُسَكِّنُ قَالَ كانَتْ تَبْكِي علَى مَا كانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن وَعبد الْوَاحِد بن أَيمن ضد الْأَيْسَر المَخْزُومِي مولى أبي عَمْرو أَو مولى ابْن أبي عَمْرو الْمَكِّيّ، يروي عَن أَبِيه أَيمن الحبشي عِنْد البُخَارِيّ وَحده.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ التُّجَّار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن خَلاد بن يحيى عَن عبد الْوَاحِد بن أَيمن إِلَى آخِره.

قَوْله: ( إِلَى شَجَرَة أَو نَخْلَة) شكّ من الرَّاوِي وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق وَكِيع عَن عبد الْوَاحِد، فَقَالَ: إِلَى نَخْلَة، وَلم يشك.
قَوْله: ( امْرَأَة من الْأَنْصَار أَو رجل) شكّ من الرَّاوِي، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي الْجُمُعَة.
.

     وَقَالَ  مَالك: غُلَام لرجل من الْأَنْصَار، وَهُوَ غُلَام سعد بن عبَادَة،.

     وَقَالَ  غَيره: غُلَام لإمرأة من الْأَنْصَار، أَو للْعَبَّاس، وَكَانَ ذَلِك سنة سبع.
وَقيل: ثَمَان.
قَوْله: ( فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة) أَي: وَقت الْخطْبَة.
قَوْله: ( دفع) بِضَم الدَّال، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم الرَّاء.
قَوْله: ( فضمه إِلَيْهِ) أَي: الْجذع، وَذكر الضَّمِير بِاعْتِبَار الْجذع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَضمهَا، أَي: الشَّجَرَة أَو النَّخْلَة.
قَوْله: ( يسكن) على صِيغَة الْمَجْهُول من التسكين.





[ قــ :343 ... غــ :3585 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانُ بنِ بِلاَلٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ أخْبَرَنِي حَفْصُ بنُ عُبيْدِ الله بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنهُ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ كانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفَاً علَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ وكانَ عَلَيْهِ فسَمِعْنَا لِذالِكَ الجِذْعَ صَوْتَاً كَصَوْتِ العِشَارِ حَتَّى جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَضَعَ يَدَهُ علَيْهَا فَسَكَنَتْ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه أبي بكر عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال الْقرشِي التَّيْمِيّ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن حَفْص بن عبيد الله، وَرِوَايَته عَنهُ من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُ فِي طبقته.

وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَن صَحَابِيّ.

والْحَدِيث أخرجه فِي الْجُمُعَة فِي: بابُُ الْخطْبَة على الْمِنْبَر عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أبي كثير عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن أنس: أَنه سمع جَابر بن عبد الله وَلم يسمه، وَذكر أَبُو مَسْعُود أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا قَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن يحيى عَن ابْن أنس وَلم يسمه، لِأَن مُحَمَّد بن جَعْفَر يَقُول فِيهِ: عَن يحيى عَن عبيد الله بن حَفْص ابْن أنس، فَقَالَ البُخَارِيّ: عَن ابْن أنس ليَكُون أقرب إِلَى الصَّوَاب.

قَوْله: (كَانَ الْمَسْجِد مسقوفاً على جُذُوع من نخل) أَرَادَ: أَن الْجُذُوع كَانَت لَهُ كالأعمدة.
قَوْله: (إِلَى جذع مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الْجُذُوع، وَكَانَ إِذا خطب يسْتَند إِلَى جذع مِنْهَا.
قَوْله: (كصوت العشار) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ جمع: عشراء، وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا من يَوْم أرسل عَلَيْهَا الْفَحْل عشرَة أشهر، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد النَّسَائِيّ من (الْكُبْرَى: اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السارية كحنين النَّاقة الحلوج.
انْتهى.
والحلوج، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم اللَّام الْخَفِيفَة، وَآخره جِيم: النَّاقة الَّتِي انتزع مِنْهَا وَلَدهَا.
وَفِي حَدِيث أنس عِنْد ابْن خُزَيْمَة فحنت الْخَشَبَة حنين الوالدة، وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى عِنْد الدَّارمِيّ: خار ذَلِك الْجذع كخوار الثور، وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد أَحْمد والدارمي وَابْن مَاجَه: فَلَمَّا جاوزه خار الْجذع حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ، وروى الدَّارمِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: اختر أغرسك فِي الْمَكَان الَّذِي كنت فِيهِ كَمَا كنت؟ يَعْنِي: قبل أَن تصير جذعاً، وَإِن شِئْت أَن أغرسك فِي الْجنَّة فَتَشرب من أنهارها فَيحسن نبتك وتثمر، فتأكل مِنْك أَوْلِيَاء الله تَعَالَى، فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْتَار أَن تغرسي فِي الْجنَّة.





[ قــ :344 ... غــ :3586 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ وحدَّثني بِشْرُ بنُ خَالِد حدَّثنا مُحَمَّدٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ يُحَدَّثُ عنْ حُذَيْفَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفِتْنَةِ فقالَ حُذَيْفَةُ أنَا أحْفَظُ كَما قالَ قَالَ هاتِ إنَّكَ لَجَرِيءٌ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ ومالِهِ وجارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ والصَّدَقَةُ والأمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عنِ المُنْكَرِ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ ولَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ قَالَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَأسَ عَلَيْكَ مِنْهَا إنَّ بَيْنَكَ وبَيْنَهَا بابَُاً مُغْلَقَاً قَالَ يُفْتَحُ البابُُُ أوْ يُكْسَرُ قالَ لَا بَلْ يُكْسَرُ قالَ ذَاكَ أحْرَى أنْ لاَ يُغْلَقَ قُلْنَا عَلِمَ الْبابَُ قَالَ نَعَمْ كَما أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ إنِّي حدَّثْتُهُ حَدِيثَاً لَيْسَ بالأغَالِيط فَهَبْنَا أنْ نَسْأَلَهُ وأمَرْنا مَسْرُوقَاً فسَألَهُ فَقَالَ مَنِ البابُُ قالَ عُمَرُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأُمُور الْآتِيَة بعده، وَهَذَا أَيْضا معْجزَة من معجزاته.

وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن مُحَمَّد بن بشار وَابْن أبي عدي وَهُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي عدي أَبُو عَمْرو الْبَصْرِيّ، وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة.
وَالثَّانِي: عَن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري الْفَرَائِضِي عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر الَّذِي يُقَال لَهُ غنْدر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بابُُ الصَّلَاة كَفَّارَة، عَن مُسَدّد عَن يحيى ابْن سعيد، وَفِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ فلنذكر بعض شَيْء.

قَوْله: ( فِي الْفِتْنَة) ، المُرَاد بالفتنة مَا يعرض للْإنْسَان من الشَّرّ أَو أَن يَأْتِي لأجل النَّاس بِمَا لَا يحل لَهُ أَو يخل بِمَا يجب عَلَيْهِ.
قَوْله: ( هَات) ، تَقول: هَات يَا رجل بِكَسْر التَّاء، أَي: أَعْطِنِي، وللأثنين: هاتيا مثل: آتِيَا، وللجمع: هاتوا، وللمرأة: هَاتِي، وللمرأتين: هاتيا، وللنساء: هَاتين، مثل: عاطين.
قَالَ الْخَلِيل: أصل هَات من: آتِي يُؤْتِي، فقلبت الْألف: هَاء.
قَوْله: ( لجرىء) من الجراءة، وَهُوَ الْإِقْدَام على الشَّيْء من غير تخوف.
قَوْله: ( فتْنَة الرجل فِي أَهله) ، بالميل إلَيْهِنَّ أَو عَلَيْهِنَّ فِي الْقِسْمَة والإيثار.
قَوْله: ( وَمَاله) ، أَي: وَفِي مَاله بالاشتغال بِهِ عَن الْعِبَادَة وبحبسه عَن إِخْرَاج حق الله تَعَالَى.
قَوْله: ( وجاره) ، أَي: وَفِي جَاره بِالْحَسَدِ والمفاخرة والمزاحمة فِي الْحُقُوق، وَإِنَّمَا خص الرجل بِالذكر لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب صَاحب الحكم فِي دَاره وَأَهله، وإلاَّ فالنساء شقائق الرِّجَال فِي الحكم، وَذكر هُنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء ثمَّ إِنَّه ذكر ثَلَاثَة أَشْيَاء تكفرها، فَذكر من عبَادَة الْأَفْعَال: الصَّلَاة وَالصِّيَام، وَمن عبَادَة المَال الصَّدَقَة، وَمن عبَادَة الْأَقْوَال الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
قَوْله: ( لَيست هَذِه) ، أَي: لَيست الْفِتْنَة الَّتِي أريدها هَذِه وَلَكِن أُرِيد الْفِتْنَة الَّتِي تموج كموج الْبَحْر، وموج الْبَحْر يكون عِنْد اضطرابه وهيجانه، وكنى بذلك عَن شدَّة الْمُخَاصمَة وَكَثْرَة الْمُنَازعَة وَمَا ينشأ عَن ذَلِك من المشاتمة والمقاتلة.
وَقَوله: ( الْفِتْنَة) مَنْصُوب بِلَفْظ أُرِيد الْمُقدر.
قَوْله: ( يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ) أَي: قَالَ حُذَيْفَة لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: ( لَا بَأْس عَلَيْك مِنْهَا) ، أَي: من هَذِه الْفِتْنَة الَّتِي تموج كموج الْبَحْر.
قَوْله: ( إِن بَيْنك وَبَينهَا) أَي: وَبَين هَذِه الْفِتْنَة بابُُا مغلقاً، يَعْنِي: لَا يخرج مِنْهَا شَيْء فِي حياتك، وَفِيه تَمْثِيل الْفِتَن بِالدَّار، وحياة عمر بِالْبابُُِ الَّذِي لَهَا مغلق، وَمَوته بِفَتْح ذَلِك الْبابُُ، فَمَا دَامَت حَيَاة عمر مَوْجُودَة فالبابُ مغلق لَا يخرج مِنْهَا شَيْء، فَإِذا مَاتَ فقد انْفَتح الْبابُُ فَخرج مَا فِي تِلْكَ الدَّار.
قَوْله: ( قَالَ: لَا بل يكسر) ، أَي: قَالَ حُذَيْفَة: لَا يفتح، بل: يكسر.
قَوْله: ( قَالَ ذَلِك) أَي: قَالَ عمر: ذَلِك أَحْرَى، أَي: أَجْدَر، قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَادة أَن الغلق إِنَّمَا يَقع فِي الصَّحِيح فَأَما مَا انْكَسَرَ فَلَا يتَصَوَّر غلقه حَتَّى يجْبر.
انْتهى.
وَقيل: إِنَّمَا قَالَ عمر ذَلِك اعْتِمَادًا على مَا عِنْده من النُّصُوص الصَّرِيحَة فِي وُقُوع الْفِتَن فِي هَذِه الْأمة وَوُقُوع الْبَأْس بَينهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَقد وَافق حُذَيْفَة على رِوَايَته هَذِه أَبُو ذَر، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات أَنه: لَقِي عمر فَأخذ بِيَدِهِ فغمزها، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَر: أرسل يَدي يَا قفل الْفِتْنَة، وَفِيه: أَن أَبَا ذَر.
قَالَ: لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ فِيكُم، وَأَشَارَ إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( إِنِّي حدثته) ، من بَقِيَّة كَلَام حُذَيْفَة.
قَوْله: ( بالأغاليط) ، جمع أغلوطة وَهُوَ مَا يغالط بِهِ، يَعْنِي: حدثته حَدِيثا صدقا محققاً من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا عَن اجْتِهَاد، وَلَا عَن رَأْي.
قَوْله: ( فهبنا أَن نَسْأَلهُ) ، من كَلَام أبي وَائِل، أَي: خفنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة وأمرنا مَسْرُوق بن الأجدع فَسَأَلَهُ أَي: فَسَأَلَ مسروقٌ حُذَيْفَة، ومسروق من كبار التَّابِعين وَمن أخصاء أَصْحَاب حُذَيْفَة، وَعبد الله بن مَسْعُود وَغَيرهمَا من كبار الصَّحَابَة، وَفِي ذَلِك مَا يدل على حسن تأدبهم مَعَ كبارهم.



[ قــ :345 ... غــ :3587 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرَنَا شُعَيْبٌ حدَّثنَا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأعْيُنِ حُمُرَ الوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوف كأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ.
وتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأمْرِ حتَّى يَقَعَ فِيهِ والنَّاسُ مَعادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمُ.
ولَيَأْتِيَنَّ عَلَيَّ أحَدِكُمْ زَمانٌ لأنْ يَرَانِي أحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أنْ يَكُونَ لَهُ مثْلُ أهْلِهِ ومالِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْأُمُور الْآتِيَة بعده، فَوَقَعت من ذَلِك أَشْيَاء وستقع أُخْرَى.

وَأَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن.

وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن أَرْبَعَة أَحَادِيث أَولهَا: قتال التّرْك، أوردهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: قَوْله: ( لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر) .
وَالْآخر: قَوْله: ( وَحَتَّى تقاتلوا التّرْك صغَار الْأَعْين حمر الْوُجُوه) إِلَى قَوْله: ( المطرقة) ! وَقد مر هَذَانِ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ قتال التّرْك، و: بابُُ الَّذين ينتعلون الشّعْر.
الثَّانِي: هُوَ قَوْله: ( وتجدون) إِلَى قَوْله: ( فِيهِ) .
قَوْله: ( لهَذَا الْأَمر) أَي: الْإِمَارَة والحكومة.
الثَّالِث: قَوْله: ( وَالنَّاس معادن) إِلَى قَوْله: ( فِي الْإِسْلَام) ، وَقد مر هَذَا فِي: بابُُ المناقب عَن أبي هُرَيْرَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة.
الرَّابِع: هُوَ قَوْله: ( وليأتين) إِلَخ.
ولنتكلم فِي بعض أَلْفَاظه وَإِن كَانَ مكرراً لزِيَادَة الْفَائِدَة.

قَوْله: فِي الحَدِيث الأول: ( تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر) ، وَفِي الثَّانِي: ( تقاتلوا التّرْك) ، وهما جِنْسَانِ من التّرْك كثيران، وَقيل: المُرَاد من الْقَوْم الأكراد، فوصف الأول بِأَن نعَالهمْ الشّعْر، وَقيل: المُرَاد تطول شُعُورهمْ حَتَّى تصير أطرافها فِي أَرجُلهم مَوضِع النِّعَال، وَقيل: المُرَاد أَن نعَالهمْ من شعر: بِأَن يجعلوها من شعر مضفور، وَفِي رِوَايَة لمُسلم ( يلبسُونَ الشُّعُور) وَزعم ابْن دحْيَة: أَن المُرَاد القندس الَّذِي يلبسونه فِي الشرابيش، قَالَ: وَهُوَ جلد كلب المَاء، وَوصف الثَّانِي بصغر الْعُيُون كَأَنَّهَا مثل خرق المسلة، وبحمرة الْوَجْه كَأَن وُجُوههم مطلية بالصبغ الْأَحْمَر، وبذلافة الأنوف، فَقَالَ: ( ذلف الأنوف) والذلف، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة: جمع أذلف، وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضا وَهُوَ: صغر الْأنف مستوى الأرنبة، وَقيل: الذلافة تشمير الْأنف عَن الشّفة الْعليا، وَجَاء: فطس الأنوف، والفطاسة انفراش الْأنف.
قَوْله: ( كالمجان) ، وَهُوَ جمع: مجن، وَهُوَ الترس والمطرقة، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الطَّاء وَفتح الرَّاء،.

     وَقَالَ  عِيَاض: الصَّوَاب فِيهِ المطرقة، بتَشْديد الرَّاء، وَذكر ابْن دحْيَة عَن شَيْخه أبي إِسْحَاق: أَن الصَّوَاب سُكُون الطَّاء وَفتح الرَّاء، وَهِي الَّتِي أطرقت بالعقب أَي: ألبست حَتَّى غلظت فَكَأَنَّهَا ترس على ترس، وَمِنْه: طارقت النَّعْل إِذا ركبت جلدا على جلد وخرزته.





[ قــ :346 ... غــ :3590 ]
- حدَّثني يَحْيَى حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقَاتِلُوا خُوزاً وكِرْمَانَ مِنَ الأعَاجِمُ حُمْر الوُجُوهِ فُطْسَ الأُنُوفِ صِغَارَ الأعْيُنِ كأنَّ وُجُوهَهُمْ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ.
.


هَذَا طَرِيق آخر من وَجه آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أخرجه عَن يحيى بن مُوسَى الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، أَو هُوَ يحيى بن جَعْفَر البيكندي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بتَشْديد الْمِيم: ابْن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة.

قَوْله: ( خوز) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي، قَالَ الْكرْمَانِي: خوز بِلَاد الأهواز، وتستر، ( وكرمان) بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا، وَهُوَ الْمُسْتَعْمل عِنْد أَهلهَا: هُوَ بَين خُرَاسَان وبحر الْهِنْد وَبَين عراق الْعَجم وسجستان، وَالْمعْنَى: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا أهل خوز وَأهل كرمان.
قَوْله: ( من الْأَعَاجِم) يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الصِّنْفَيْنِ من الْأَعَاجِم، قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسُوا من التّرْك، ورد بِأَنَّهُ: لَا إِشْكَال فِيهِ، لِأَن هَذَا الحَدِيث غير حَدِيث قتال التّرْك، وَلَا مَانع من اشْتِرَاك الصِّنْفَيْنِ فِي الصِّفَات الْمَذْكُورَة مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذَانِ الإقليمان لَيْسُوا على هَذِه الصِّفَات، ثمَّ قَالَ: أما أَن بَعضهم كَانُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَاف فِي ذَلِك الْوَقْت أَو سيصيرون كَذَلِك فِيمَا بعد، وَإِمَّا أَنهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرَب كالتوابع للترك، وَقيل: إِن بِلَادهمْ فِيهَا مَوضِع، يُقَال لَهُ: كرمان، وَقيل ذَلِك لأَنهم يتوجهون من هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لَعَلَّ المُرَاد بهما صنفان من التّرْك فَإِن أحد أصُول أَحدهمَا من خوز، وَأحد أصُول الآخر من كرمان.
.

     وَقَالَ  ابْن دحْيَة: خوز، قيدناه فِي البُخَارِيّ بالزاي، وَقَيده الْجِرْجَانِيّ: خور كرمان بالراء الْمُهْملَة مُضَاف إِلَى كرمان، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بالراء مَعَ الْإِضَافَة، وَحَكَاهُ عَن الإِمَام أَحْمد،.

     وَقَالَ  غَيره: تَصْحِيف، وَقيل: إِذا أضيف خور، فبالمهملة لَا غير، وَإِذا عطفت كرمان عَلَيْهِ فبالزاي لَا غير.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : هما جِنْسَانِ من التّرْك، وَكَانَ أول خُرُوج هَذَا الْجِنْس متغلباً فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فعاثوا فِي الْبِلَاد وأظهروا فِي الأَرْض الْفساد، وخربوا جَمِيع الْمَدَائِن حَتَّى بَغْدَاد، وربطوا خيولهم إِلَى سواري الْجَوَامِع، كَمَا فِي الحَدِيث، وعبروا الْفُرَات وملكوا أَرض الشَّام فِي مُدَّة يسيرَة، وعزموا على دُخُولهمْ إِلَى مصر، فَخرج إِلَيْهِم ملكهَا قطز المظفر، فَالْتَقوا بِعَين جالوت فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِم من النَّصْر وَالظفر كَمَا كَانَ لطالوت، فانجلوا عَن الشَّام منهزمين، وَرَأَوا مَا لم يشاهدوه مُنْذُ زمَان وَلَا حِين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.
ثمَّ إِنَّهُم فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين ملك عَلَيْهِم رجل يُسمى غازان، زعم أَنه من أهل الْإِيمَان، ملك جملَة من بِلَاد الشَّام وعاث جَيْشه فِيهَا عيث عباد الْأَصْنَام، فَخرج إِلَيْهِم الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فكسرهم كسراً لَيْسَ مَعَه انجبار، وتفلل جَيش التتار، وَذهب معظمهم إِلَى النَّار وَبئسَ الْقَرار.
انْتهى كَلَام صَاحب ( التَّلْوِيح) : قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ على الأَصْل وَالْوَجْه، لِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم لَيْسُوا من خوز وَلَا من كرمان، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ من أَوْلَاد جنكز خَان، وَكَانَ ابْتِدَاء ملكه فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم يزل فِي الترقي إِلَى أَن صَار يركب فِي نَحْو ثَمَان مائَة مقَاتل، وأفسد فِي الْبِلَاد وَكَانَ قد استولى على سَمَرْقَنْد وبخارى وخوارزم الَّذِي كرسيها تبريز، والري وهمدان، وَلم يكن هُوَ دخل بَغْدَاد، وَإِنَّمَا خرب بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة هلاون بن طلوخان بن خرخان الْمَذْكُور، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه، وَقتل من أَهله وقرابته خلق كثير، وَشعر بِنصب الْخلَافَة بعده، وَكَانَ قَتله فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة، ثمَّ بعد ذَلِك توجه هلاون إِلَى حلب فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة ودخلها فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة، وَبَقِي السَّيْف مبذولاً وَدم الْإِسْلَام ممطولاً سَبْعَة أَيَّام ولياليها، وَقتلُوا من أَهلهَا خلقا لَا يُحصونَ، وَسبوا من النِّسَاء والذراري زهاء مائَة ألف، ثمَّ رَحل هلاون من حلب وَنزل على حمص وَأرْسل أكبر نوابه كتيعانو مَعَ إثني عشر طومان، كل طومان عشرَة آلَاف إِلَى مصر ليأخذها، وَكَانَ صَاحب مصر حِينَئِذٍ الْملك المظفر، فتجهز وَخرج وَمَعَهُ مِقْدَار اثْنَي عشر ألف نفس مقاتلين فِي سَبِيل الله، فتلاقوا على عين جالوت، فنصره الله تَعَالَى على التتار وَهَزَمَهُمْ بعون الله ونصرته يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان من سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة، وَقتل كتيعانو فِي المعركة، وَقتل غَالب من مَعَه، وَالَّذين هربوا قَتلهمْ الْعَرَب فِي البراري والمفاوز.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) تَابعا لصَاحب ( التَّلْوِيح) : إِنَّه فِي سنة ثَمَانمِائَة وَتِسْعين، وَيُسمى غازان إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قلت: هَذَا أَيْضا كَلَام فِيهِ خباط، وَهَذَا غازان، بالغين وَالزَّاي المعجمتين: يُسمى أَيْضا قازان، بِالْقَافِ مَوضِع الْغَيْن، واسْمه مَحْمُود، تولى مملكة جنكزخان فِي العراقين وَمَا والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون، وَكَانَ قتل لسوء سيرته، وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة، وَالْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاو لم يجْتَمع بقازان وَلَا حصلت بَينهمَا الملاقاة وَلَا وَقع بَينهمَا حَرْب، نعم خرج الْملك النَّاصِر لأجل حَرَكَة قازان فِي سنة سَبْعمِائة، ثمَّ عَاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط وَالْبرد الشَّديد الَّذِي قتل غَالب الغلمان والأتباع، ثمَّ خرج فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَسَبْعمائة لأجل حَرَكَة التتار، وَحصل الْقِتَال بَينه وَبَين قطلوشاه من أكبر أُمَرَاء قازان، فنصر الله تَعَالَى النَّاصِر، وَانْهَزَمَ التتار وَعَاد عَسْكَر الْمُسلمين منصوراً، قَوْله: ( فطس الأنوف) بِضَم الْفَاء، جمع: أفطس، وَقد فسرناه عَن قريب.
تابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ عنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
أَي: تَابع غير يحيى شيخ البُخَارِيّ فِي رِوَايَته عَنهُ عَن عبد الرَّزَّاق بن همام وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه.





[ قــ :348 ... غــ :359 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا جَرِير بنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمَاً يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وتُقَاتِلُونَ قَوْمَاً كانَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ.
( انْظُر الحَدِيث 79) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقِتَال مَعَ قومين قبل أَن يَقع، وَشَيْء من ذَلِك وَقع، وَشَيْء سيقع.

وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ قتال التّرْك، عَن أبي النُّعْمَان عَن جرير بن حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.



[ قــ :349 ... غــ :3593 ]
- حدَّثنا الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ أخبرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قالَ أخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ تُقاتِلُكُمُ اليَهُودُ فتُسَلَّطُونَ علَيْهِم ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ.
( انْظُر الحَدِيث 59) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَار من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَمر سيقع، وَهُوَ أَيْضا من عَلَامَات نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى نَحوه فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ قتال الْيَهُود من حَيْثُ مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، وَالْحكم، بِفَتْح الْكَاف: هُوَ أَبُو الْيَمَان.
قَوْله: ( ثمَّ يَقُول الْحجر) ، وروى: حَتَّى يَقُول الْحجر.
قَوْله: ( ورائي) ، أَي: أختفى خَلْفي.