فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب علامات النبوة في الإسلام


[ قــ :3456 ... غــ :3622 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى أُرَاهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أنَّهَا اليَمَامَةُ أوْ هَجَرُ فإذَا هَيَ المَدِينَةُ يَثرِبُ ورَأيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفاً فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ بأُخْرَى فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنينَ ورَأيْتُ فِيها بَقَرا وَالله خَيْرٌ فإذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ وثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا الله بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن رُؤْيَاهُ الصدْق ووقوعها مثل مَا عبرها بِهِ، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ دَال مُهْملَة: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، يروي عَن جده أبي بردة واسْمه الْحَارِث، وَقيل: عَامر، وَقيل: اسْمه كنيته ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع من الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء.
وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن أبي كريب وَعبد الله بن براد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، أربعتهم عَن أبي أُسَامَة عَنهُ بِهِ.

قَوْله: ( أرَاهُ) بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ.
قَوْله: ( وهلي) بِفَتْح الْهَاء يَعْنِي: وهمي واعتقادي، وَيجوز فِيهِ إسكان الْهَاء مثل نهر ونهر، يُقَال: وهلت إِلَى الشَّيْء إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ، يُقَال: وَهل يهل وهلاً.
وَعَن أبي زيد: وهلت فِي الشَّيْء.
وَعنهُ أهل وهلاً: إِذا نسيت وغلطت فِيهِ، وَضَبطه بِكَسْر الْهَاء.
قَوْله: ( أَو الهجر) ، بِفَتْح الْجِيم، وَهِي مَدِينَة بِالْيمن وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين، وَيُقَال بِدُونِ الْألف وَاللَّام، بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل.
قَوْله: ( فَإِذا هِيَ الْمَدِينَة) كلمة: إِذا، للمفاجأة وَهِي ترجع إِلَى أَرض بهَا نخل، و: هُوَ، مُبْتَدأ، و: الْمَدِينَة، بِالرَّفْع خَبره، قَوْله: ( يثرب) بِالرَّفْع أَيْضا عطف بَيَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء ثمَّ بَاء مُوَحدَة، وَالنَّهْي الَّذِي ورد عَن تَسْمِيَة الْمَدِينَة بِيَثْرِب إِنَّمَا كَانَ للتنزيه، وَإِنَّمَا جمع بَين الإسمين هُنَا لأجل خطاب من لَا يعرفهَا، وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَقد نهى عَن التَّسْمِيَة بِيَثْرِب حَتَّى قيل: من قَالَهَا وَهُوَ عَالم كتبت عَلَيْهِ خَطِيئَة، وَسَببه مَا فِيهِ من معنى التثريب، والشارع من شَأْنه تَغْيِير الْأَسْمَاء القبيحة إِلَى الْحَسَنَة، وَيجوز أَن يكون هَذَا قبل النَّهْي، كَمَا أَنه سَمَّاهَا فِي الْقُرْآن إِخْبَارًا بِهِ عَن تَسْمِيَة الْكفَّار لَهَا قبل أَن ينزل تَسْمِيَتهَا.
قَوْله: ( وثواب الْفَتْح) ، أَرَادَ بِالْفَتْح فتح مَكَّة، أَو هُوَ مجَاز عَن اجْتِمَاع الْمُؤمنِينَ وَإِصْلَاح حَالهم.
قَوْله: ( بقرًا) قَالَ النَّوَوِيّ: قد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات هَكَذَا: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا إِذا نحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة بِأحد.
قَوْله: ( وَالله خير) قَالَ القَاضِي: ضبطناه، وَالله خير، بِرَفْع الْهَاء وَالرَّاء على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، قيل مَعْنَاهُ ثَوَاب الله خير أَي: صنع الله بالمقتولين خير لَهُم من مقامهم فِي الدُّنْيَا، وَالْأولَى قَول من قَالَ: إِنَّه من جملَة الرُّؤْيَا، فَإِنَّهَا كلمة سَمعهَا فِي الرُّؤْيَا عِنْد رُؤْيَاهُ الْبَقر بِدَلِيل تَأْوِيله لَهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ) قَوْله: ( وثواب الصدْق) إِلَى آخِره، يُرِيد بِهِ بعد أحد وَلَا يريدها كَانَ قبل أحد.
قَوْله: ( بعد يَوْم بدر) قَالَ القَاضِي، بِضَم دَال، بعد، وبنصب: يَوْم، قَالَ: وَرُوِيَ بِنصب الدَّال وَمَعْنَاهُ: مَا جَاءَ الله بِهِ بعد بدر الثَّانِيَة من تثبيت قُلُوب الْمُؤمنِينَ لِأَن النَّاس جمعُوا لَهُم وخوفوهم فَزَادَهُم ذَلِك إِيمَانًا: { قَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} ( آا عمرَان: 371) .
وتفرق البدو عَنْهُم هَيْبَة لَهُم.





[ قــ :3457 ... غــ :363 ]
- حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكرِيَّاءُ عنْ فِرَاسٍ عنْ عامِرٍ عنْ مسْرُوق عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ أقْبَلَتْ فاطِمَةُ تَمْشِي كأنَّ مَشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرْحَباً بابُْنَتِي ثُمَّ أجْلَسَهَا عنْ يَمِينِهِ أوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثاً فبَكَتْ فقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثاً فَضَحكت فقُلْتُ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ فرَحَاً أقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسألْتُهَا عَمَّا قَالَ فقالَتْ مَا كُنْتُ لأِفْشِي سِرَّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَألْتُهَا فقَالَتْ أسَرَّ إلَيَّ أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ فِي كلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وإنَّهُ عارَضَنِي العامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إلاَّ حَضَرَ أجَلِي وإنَّكَ أوَّلُ أهْلِ بَيْتِي لَحاقَاً بِي فَبَكَيْتُ فَقَالَ أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِساءِ أهْلِ الجَنِّةِ أوْ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ فضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه أخبر عَن حُضُور أَجله، وَمن حَيْثُ إِنَّه أخبر أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وفراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَبعد الْألف سين مُهْملَة: ابْن يحيى الْمكتب، مر فِي الزَّكَاة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَفِي بعض النّسخ لفظ الشّعبِيّ مَذْكُور، ومسروق بن الأجدع.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كَامِل الجحدري وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة عَن مُحَمَّد بن معمر وَفِي المناقب عَن عَليّ بن حجر وَفِي أَوله زِيَادَة.

قَوْله: ( كَأَن مشيتهَا) بِكَسْر الْمِيم، لِأَن الفعلة بِالْكَسْرِ للحالة وبالفتح للمرة.
قَوْله: ( مشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر: كَأَن، بِالتَّشْدِيدِ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَشى كَأَنَّهُ ينحدر من صبب أَي: من مَوضِع منحدر.
قَوْله: ( أَو شِمَاله) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( يعارضني الْقُرْآن) من الْمُعَارضَة: وَهِي الْمُقَابلَة، وَمِنْه: عارضت الْكتاب بِالْكتاب أَي: قابلت بِهِ.
قَوْله: ( مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ فَرحا أقرب من حزن) أَي: كَانَ الْفَرح قريب الْحزن.
قَوْله: ( لأفشي) من الإفشاء وَهُوَ الْإِظْهَار.
قَوْله: ( حَتَّى قبض) مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي: لم يقل حَتَّى قبض.
قَوْله: ( وَلَا أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي) بِضَم الْهمزَة أَي: وَلَا أَظُنهُ إلاَّ أَن موتِي قرب، وبكاؤها فِي هَذِه الرِّوَايَة كَانَ من أجل قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَاهُ إلاَّ حضر أَجلي، وضحكها كَانَ لأجل إخْبَاره لَهَا أَنَّهَا سيدة نسَاء أهل الْجنَّة، أَو سيدة نسَاء الْمُسلمين، وَأما بكاؤها فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي الْآن كَانَ لأجل قَوْله: إِنَّه يقبض فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، وضحكها كَانَ لأجل أَنه قَالَ: فَأَخْبرنِي أَنِّي أول أهل بَيته أتبعه، وَمَاتَتْ فَاطِمَة بعد أَبِيهَا بِسِتَّة أشهر، قَالَت عَائِشَة: وَذَلِكَ فِي رَمَضَان عَن خمس وَعشْرين سنة، وَقيل: مَاتَت بعده بِثَلَاثَة أشهر.

وَفِيه: أَن الْمَرْء لَا يحب الْبَقَاء بعد محبوبه، قَالَ ابْن عمر فِي عَاصِم:
( فلَيت المنايا كن خلفن عَاصِمًا فعشن جَمِيعًا أَو ذهبن بِنَا مَعًا)

وَفِيه: أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة، قَالَ الْكرْمَانِي: فَهِيَ أفضل من خَدِيجَة وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قلت: الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، وَلَكِن اللَّازِم من الحَدِيث ذَلِك إلاَّ أَن يُقَال: إِن الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، والمتبادر إِلَى الذِّهْن من لفظ الْمُؤمنِينَ غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفا، وَدخُول الْمُتَكَلّم فِي عُمُوم كَلَامه مُخْتَلف فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ.





[ قــ :3458 ... غــ :365 ]
- حدَّثني يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ دَعا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فيهِ فَسارَّهَا بِشَيْءٍ فبَكَتْ ثُمَّ دَعاهَا فسارَّهَا فضَحِكَتْ قالَتْ فسَألْتُهَا عنْ ذَلِكَ.
.





[ قــ :3459 ... غــ :367 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ كانَ عُمْرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُدْنِي ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ إنَّ لَنا أبْناً مِثْلَهُ فَقَالَ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ فسألَ عُمَرُ ابنَ عبَّاسٍ عنْ هاذِهِ الآيَةِ { إذَا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ} ( الْفَتْح: 1) .
فَقَالَ أجَلُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْلَمَهُ إيَّاهُ قَالَ مَا أعْلَمُ مِنْهَا إلاَّ مَا تَعْلَمُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أعلمهُ إِيَّاه) أَي: أعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَبَّاس أَن هَذِه السُّورَة فِي أجَل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا إِخْبَار قبل وُقُوعه، وَوَقع الْأَمر كَذَلِك، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي النُّعْمَان وَفِي التَّفْسِير عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عرْعرة أَيْضا.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَعَن عبد بن حميد،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.

قَوْله: ( يدني) أَي: يقرب وَفِيه الْتِفَات.
قَوْله: ( إِن لنا إبناً مثله) أَي: مثل ابْن عَبَّاس فِي الْعُمر، وغرضه: أننا شُيُوخ وَهُوَ شَاب فَلم تقدمه علينا وتقربه من نَفسك؟ قَالَ: أقربه وأقدمه من جِهَة علمه.

( وَالْعلم يرفع كل من لم يرفع)

قَوْله: ( من حَيْثُ تعلم) أَي: من أجل أَنَّك تعلم أَنه عَالم، وَكَانَ ذَلِك ببركة دُعَائِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل.
قَوْله: ( أجَلُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: مَجِيء النَّصْر وَالْفَتْح وَدخُول النَّاس فِي الدّين عَلامَة وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر الله رَسُوله بذلك.





[ قــ :3460 ... غــ :368 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سُلَيْمانَ بنِ حَنْظَلَةَ بنُ الغَسِيلِ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسماءَ حَتَّى جَلَسَ علَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى علَيْهِ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ ويَقِلُّ الأنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ المِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئاً يَضُرُّ فِيهِ قَوْمَاً ويَنْفَعُ فيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويَتَجَاوَزْ عنْ مُسِيئِهِمْ فَكانَ ذَلِك آخِرَ مَجْلِس جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
( انْظُر الحَدِيث 79 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه أخبر بِكَثْرَة النَّاس وَقلة الْأَنْصَار بعده، وَأَن مِنْهُم من يتَوَلَّى أُمُور النَّاس وَأَنه وصّى إِلَيْهِم بِمَا ذكر فِيهِ.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن حَنْظَلَة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وباللام: ابْن أبي عَامر الراهب، قد مر فِي الْجُمُعَة قَوْله: ( ابْن الغسيل) ويروى: حَنْظَلَة الغسيل بِدُونِ لفظ: الابْن، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَلَكِن بِشَرْط أَن يرفع الإبن على أَنه صفة لعبد الرَّحْمَن، فَافْهَم، وحَنْظَلَة من سَادَات الصَّحَابَة وَهُوَ مَعْرُوف بغسيل الْمَلَائِكَة، فسألوا امْرَأَته فَقَالَت: سمع الهيعة وَهُوَ جنب فَلم يتَأَخَّر للاغتسال، وَكَانَ يَوْم أحد فَقَالَت حَتَّى قتل، قَتله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب،.

     وَقَالَ : حَنْظَلَة بحنظلة يَعْنِي بِابْنِهِ حَنْظَلَة الْمَقْتُول ببدر، فَلَمَّا قتل شَهِيدا أخبر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الْمَلَائِكَة غسلته، فَسُمي حَنْظَلَة الغسيل.

والْحَدِيث أخرجه فِي الْجُمُعَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبان عَن ابْن الغسيل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( بعصابة دسماء) قَالَ الْخطابِيّ: أَي بعصابة سَوْدَاء.
قَوْله: ( بِمَنْزِلَة الْملح) ، وَجه التَّشْبِيه الْإِصْلَاح بِالْقَلِيلِ دون الْإِفْسَاد بالكثير، كَمَا فِي قَوْلهم: النَّحْو فِي الْكَلَام كالملح فِي الطَّعَام، أَو كَونه قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر أَجزَاء الطَّعَام.
قَوْله: ( فَكَانَ ذَلِك آخر مجْلِس) إِلَى آخِره، من كَلَام ابْن عَبَّاس، قَوْله: ( جلس بِهِ) ويروى: جلس فِيهِ.





[ قــ :3461 ... غــ :369 ]
- حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ حدَّثنا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ عنْ أبي مُوسَى عنِ الحَسَنِ عنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ يَوْمٍ الحَسَنَ فصَعِدَ بِهِ علَى المِنْبَرِ فَقَالَ ابْني هَذَا سَيِّدٌ ولَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِأَن الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يصلح بِهِ بَين الفئتين من الْمُسلمين، وَقد وَقع مثل مَا أخبر فَإِنَّهُ ترك الْخلَافَة لمعاوية وارتفع النزاع بَين الطَّائِفَتَيْنِ.

وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي صَاحب الثَّوْريّ، وحسين بن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء: نِسْبَة إِلَى جعفى ابْن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، قَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، وَأَبُو مُوسَى إِسْرَائِيل بن مُوسَى الْبَصْرِيّ نزل الْهِنْد، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصُّلْح، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( ذَات يَوْم) مَعْنَاهُ: قِطْعَة من الزَّمَان ذَات يَوْم.
قَوْله: ( ابْني) دَلِيل على أَن ابْن الْبِنْت يُطلق عَلَيْهِ الإبن، وَلَا اعْتِبَار بقول الشَّاعِر:
( بنونا بَنو أَبْنَائِنَا، وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد)

قَوْله: ( فئتين) أَي: طائفتين.





[ قــ :346 ... غــ :3630 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنُ أنَسِ بنِ مالِك رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى جَعْفَراً وزَيْدَاً قَبْلَ أنْ يَجِيءَ خبَرُهُمْ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بقتل جَعْفَر بن أبي طَالب وَزيد بن حَارِثَة، بمؤته قبل أَن يَجِيء خبرهما، وَهَذَا من عَلَامَات النُّبُوَّة، وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي غَزْوَة مُؤْتَة مفصلا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن هِلَال بن هُبَيْرَة أَبُو نصر الْبَصْرِيّ.

وَمضى الحَدِيث فِي الْجَنَائِز عَن أبي معمر عبد الله بن عَمْرو، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( خبرهم) ، ويروى: خبرهما، أَي: خبر جَعْفَر وَزيد، وَالضَّمِير فِي الرِّوَايَة الأولى يرجع إِلَيْهِمَا وَإِلَى من قتل مَعَهُمَا، أَو المُرَاد أهل مُؤْتَة وَمَا جرى بَينهم.
قَوْله: ( وَعَيناهُ) الْوَاو فِيهِ للْحَال، أَي: وعينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَذْرِفَانِ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة، يَعْنِي تسيلان دمعاً.





[ قــ :3463 ... غــ :3631 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثنا ابنُ مَهْدِيُ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلْ لَكُمْ مِنْ أنْمَاطٍ.

قُلْتُ وأنَّى يَكُونُ لَنَا الأنْمَاطُ قَالَ أمَا إنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأنْمَاطُ فَأَنا أقُولُ لَهَا يَعْنِي امْرَأتَهُ أخِّرِي عَنِّي أنْمَاطَك فتَقُولُ ألَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهَا ستَكُونُ لَكُمُ الأنْمَاطُ فأدَعُهَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِأَنَّهُ سَيكون لَهُم الأنماط، وَقد كَانَ ذَلِك، وَهِي جمع: نمط، بِفَتَحَات وَهُوَ: بِسَاط لَهُ خمل رَقِيق.

وَعَمْرو بن عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة: أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ من أَفْرَاده، يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، يروي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن مُحَمَّد بن بشار.

قَوْله: ( هَل لكم من أنماط؟) إِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك لجَابِر لما تزوج.
قَوْله: ( وأنَّى يكون؟) أَي: وَمن أَيْن يكون لنا الأنماط؟ قَوْله: ( أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَهِي: من مُقَدمَات الْيَمين وطلائعه كَقَوْل الشَّاعِر:
( أما وَالَّذِي لَا يعلم الْغَيْب غَيره)

وَلما ذكر ابْن هِشَام: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف، وَذكر أَنْوَاعهَا قَالَ: واختها: أما من مُقَدمَات الْيَمين وطلائعه.
قَوْله: ( فَأَنا أَقُول لَهَا) ، أَي: قَالَ جَابر: أَنا أَقُول لَهَا يَعْنِي لامْرَأَته، قَوْله: ( فَتَقول) أَي: امْرَأَته.
قَوْله: ( فأدعها) أَي: اتركها بِحَالِهَا مفروشة.





[ قــ :3464 ... غــ :363 ]
- حدَّثني أحْمَدُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ عَمْرٍ وبنِ مَيْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرَاً قَالَ فنَزَلَ عَلى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ أبِي صَفْوَانَ وكانَ أُمَيَّةُ إذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأمِ فَمَرَّ بالمَدِينَةِ نَزَلَ عَلى سَعْدٍ فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إذَا أبُو جَهْلٍ فقالَ مَنْ هذَا الَّذِي يَطُوفُ بالكَعْبَةِ فَقَالَ سعْدٌ أنَا سَعْدٌ فقالَ أبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بالْكَعْبَةِ آمِنَاً وقَدْ أوَيْتُمْ مُحَمَّداً وأصْحَابَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَتَلاحَيَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أبِي الحَكَمُ فإنَّهُ سَيِّدُ أهْلِ الوَادِي ثُمَّ قالَ سَعْدً وَالله لَئِنْ مَنَعْتَني أنْ أطُوفَ بالبَيْتِ لأقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بالشَّأمِ قَالَ فجَعَلَ أُمَيَّةُ يقُولُ لِسَعْدَ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ وجَعَلَ يُمْسِكُهُ فغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ دَعْنَا عَنْكَ فإنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَزْعُمُ أنَّهُ قاتِلكَ قَالَ إيَّايَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَالله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إذَا حَدَّثَ فرَجَعَ إِلَى امْرَأتِهِ فَقَالَ أمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أخِي اليَثْرِبِيُّ قالَتْ وَمَا قالَ قَالَ زَعَمَ أنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَاً يَزْعُمُ أنَّهُ قَاتِلِي قالتْ فَوَالله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ قَالَ فلَمَّا خَرَجُوا إلَى بَدْرٍ وجاءَ الصَّرِيخُ قالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ أمَا ذَكَرْتَ مَا قالَ لَكَ أخُوكَ اليَثْرِبِيُّ قَالَ فأرَادَ أنْ لَا يَخْرُجْ فَقَالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ إنَّكَ مِنْ أشْرَافِ الوَادِي فَسِرْ يَوْمَاً أوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ يَوْمَيْنِ مَعَهُمْ فقَتَلَهُ الله.
( الحَدِيث 363 طرفه فِي: 0593) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بقتل أُميَّة بن خلف فَقتل فِي وقْعَة بدر، قَتله رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: قَتله معَاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشْتَركُوا فِيهِ، وَهُوَ أُميَّة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: أَحْمد بن إِسْحَاق بن الْحصين بن جَابر أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري، وسرمار قَرْيَة من قرى بُخَارى.
الثَّانِي: عبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ.
الثَّالِث: إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي.
الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
الْخَامِس: عَمْرو بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة.
السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي أول الْمَغَازِي فِي: بابُُ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يقتل ببدر.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( سعد بن معَاذ) بن النُّعْمَان بن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن النبيت، وَهُوَ عَمْرو بن مَالك الْأَوْس الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي، يكنى أَبَا عَمْرو، وَأسلم بِالْمَدِينَةِ بَين الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة على يَدي مُصعب بن عُمَيْر، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، فَرمي يَوْم الخَنْدَق بِسَهْم فَعَاشَ شهرا ثمَّ انتفض جرحه فَمَاتَ مِنْهُ.
قَوْله: ( مُعْتَمِرًا) نصب على الْحَال وَكَانُوا يعتمرون من الْمَدِينَة قبل أَن يعْتَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَنزل) أَي: سعد بن معَاذ حِين دخل مَكَّة لأجل الْعمرَة ( على أُميَّة ابْن خلف) بن وهب يكنى بِأبي صَفْوَان من كبار الْمُشْركين.
قَوْله: ( وَكَانَ أُميَّة إِذا انْطلق إِلَى الشَّام) ، يَعْنِي: لأجل التِّجَارَة.
( فَمر بِالْمَدِينَةِ) لِأَنَّهَا على طَرِيقه، فَنزل على سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ مؤاخياً مَعَه قَوْله: ( وَقَالَ أُميَّة لسعد: إنتظر حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وغفل النَّاس) لِأَنَّهُ وَقت غَفلَة وقائله ( انْطَلَقت فطفت) بِالتَّاءِ الْمَفْتُوحَة فيهمَا لِأَنَّهُ خطاب أُميَّة لسعد، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي: أول الْمَغَازِي: فَلَمَّا قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة انْطلق سعد مُعْتَمِرًا فَنزل على أُميَّة بِمَكَّة، فَقَالَ لأمية: أنظر لي سَاعَة خلْوَة لعَلي أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ، فَخرج بِهِ قَرِيبا من نصف النَّهَار.
قَوْله: ( فَبَيْنَمَا سعد يطوف إِذا أَبُو جهل) يَعْنِي: قد حضر، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي: فَإِذا بِهِ، أَي: فَخرج أَبُو أُميَّة بِسَعْد قَرِيبا من نصف النَّهَار فلقيهما أَبُو جهل، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان، يَعْنِي: يَقُول لأمية، من هَذَا مَعَك؟ قَالَ: فَقَالَ: هَذَا سعد، فَقَالَ أَبُو جهل، يَعْنِي لسعد: ألاَ أَرَاك تَطوف بِمَكَّة آمنا؟ يَعْنِي: حَال كونك آمنا؟ وَقد أويتم الصباة، وزعمتم أَنكُمْ تنصرونهم وتغيثونهم، أما وَالله لَو أَنَّك مَعَ أبي صَفْوَان مَا رجعت إِلَى أهلك سالما، قَوْله ( الصباة) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: صابيء، مثل قَضَاهُ جمع قاضٍ، وَكَانُوا يسمون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه الَّذين هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة: صباة من صَبأ إِذا مَال عَن دينه.
قَوْله: ( فتلاحيا) أَي: تخاصما وتنازعا، وَقيل: تسابا يَعْنِي: سعد بن معَاذ وَأَبُو جهل.
قَوْله: ( على أبي الحكم) ، بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ عَدو الله أَبُو جهل، واسْمه: عَمْرو بن هِشَام المَخْزُومِي وكناه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِأبي جهل.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ سيد أهل الْوَادي) أَي: فَإِن أَبَا جهل سيد أهل الْوَادي، أَرَادَ بِهِ: أهل مَكَّة.
قَوْله: ( ثمَّ قَالَ سعد) أَي: لأبي جهل: ( وَالله لَئِن منعتني من أَن أَطُوف) أَي: من طواف الْبَيْت.
( لأقطعن متجرك بِالشَّام) أَي: تجارتك، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي: أما وَالله لَئِن منعتني هَذَا لأمنعنك مَا هُوَ أَشد عَلَيْك مِنْهُ، طريقك على الْمَدِينَة.
قَوْله: ( قَالَ: دَعْنَا عَنْك) أَي: فَقَالَ سعد لأمية بن خلف، دَعْنَا عَنْك، أَي: أترك محاماتك لأبي جهل، فَإِنِّي سَمِعت مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قَاتلك، وَالْخطاب لأمية، وَفِي الْمَغَازِي: دَعْنَا عَنْك يَا أُميَّة، فوَاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: ( أَنه قَاتلك) ، وَفِي رِوَايَة: ( إِنَّهُم قاتلوك) .
قَالَ: بِمَكَّة؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
قَوْله: ( قَالَ: إيَّايَ؟) أَي: قَالَ أُميَّة: إيَّايَ؟ قَالَ سعد: نعم إياك.
قَوْله: ( فَرجع إِلَى امْرَأَته) ، أَي: فَرجع أُميَّة إِلَى امْرَأَته، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي، فَفَزعَ لذَلِك أُميَّة فَزعًا شَدِيدا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهله قَالَ: يَا أم صَفْوَان: ألم تري مَا قَالَ لي سعد؟ وَهنا قَالَ لَهَا: أتعلمين مَا قَالَ لي أخي اليثربي؟ أَرَادَ بِهِ سَعْدا، فنسبه إِلَى يثرب مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: أخي، يَعْنِي: فِي المصاحبة دون النّسَب وَلَا الدّين.
قَوْله: ( قَالَ: فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد) ، أَي: قَالَ أُميَّة: مَا يكذب مُحَمَّد، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفا عِنْدهم بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَإِن كَانُوا لَا يصدقونه.
قَوْله: ( فَلَمَّا خَرجُوا) ، أَي: أهل مَكَّة إِلَى بدر، وَجَاء الصَّرِيخ.
قَالَ فِي ( التَّوْضِيح) : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَهُوَ أَن الصَّرِيخ جَاءَهُم فَخَرجُوا إِلَى بدر، أخْبرهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه خَرجُوا إِلَى عير أبي سُفْيَان، فَخرجت قُرَيْش أشرين بطرين موقنين عِنْد أنفسهم أَنهم غالبون، فَكَانُوا ينحرون يَوْمًا عشرَة من الأبل، وَيَوْما تِسْعَة، والصريخ: فعيل من الصُّرَاخ، وَهُوَ صَوت المستصرخ أَي: المستغيث.
قَوْله: ( فَأَرَادَ أَن لَا يخرج) ، أَي: أَرَادَ أُميَّة أَن لَا يخرج من مَكَّة مَعَ قُرَيْش إِلَى بدر، وَفِي الْمَغَازِي: فَقَالَ أُميَّة: وَالله لَا أخرج من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر اسْتنْفرَ أَبُو جهل النَّاس فَقَالَ: أدركوا عِيركُمْ، فكره أُميَّة أَن يخرج، فَأَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان { إِنَّك مَتى يراك النَّاس قد تخلفت وَأَنت سيد أهل الْوَادي تخلفوا مَعَك فَلم يزل بِهِ أَبُو جهل حَتَّى قَالَ: أما إِذا غلبتني فوَاللَّه لأشترين أَجود بعير بِمَكَّة، ثمَّ قَالَ أُميَّة: يَا أم صَفْوَان} جهزيني.
فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَان! أونسيت مَا قَالَ لَك أَخُوك اليثربي؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيد أَن أجوز مَعَهم إلاَّ قَرِيبا، فَلَمَّا خرج أُميَّة جعل لَا ينزل منزلا إِلَّا عقل بعيره، فَلم يزل بذلك حَتَّى قَتله الله، عز وَجل، ببدر، وَإِنَّمَا سقت مَا فِي الْمَغَازِي لِأَنَّهُ كالشرح لما هُنَا، وَقد ذكر الْكرْمَانِي هُنَا شَيْئا بِغَيْر نظر وَلَا تَأمل، حَتَّى نسب بذلك إِلَى التغفل عِنْد بعض الشُّرَّاح، وَهُوَ أَنه قَالَ: فَإِن قلت: أَيْن مَا أخبر بِهِ سعد من كَون أبي جهل قَاتله أَي قَاتل أُميَّة؟ قلت: أَبُو جهل كَانَ السَّبَب فِي خُرُوجه، فَكَأَنَّهُ قَتله، إِذْ الْقَتْل كَمَا يكون مُبَاشرَة قد يكون تسبباً.
انْتهى.
وَإِنَّمَا حمله على هَذَا الْأَمر العجيب لِأَنَّهُ فهم أَن قَول سعد لأمية: إِنَّه قَاتلك، أَي: إِن أَبَا جهل قَاتلك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أَرَادَ سعد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يقتل أُميَّة، فَلَمَّا فهم هَذَا الْفَهم اسْتشْكل ذَلِك بِكَوْن أبي جهل على دين أُميَّة، ثمَّ تعسف بِالْجَوَابِ كَذَلِك.





[ قــ :3465 ... غــ :3633 ]
- حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ شَيْبَةَ حدَّثنا عبْدُ الرحْمانِ بنُ الْمُغِيرَةِ عنْ أبِيهِ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سَالِمِ بنِ عبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعينَ فِي صَعيدٍ فقامَ أبُو بَكْرٍ فنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغفِرُ لَهُ ثُمَّ أخَذَهَا عُمَرُ فاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْباً فلَمْ أرَ عَبْقَرِياً فِي النَّاسِ يَفْري فَرْيَهُ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ.

     وَقَالَ  هَمَّامٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَعَ أبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر عَمَّا رَآهُ فِي الْمَنَام فِي أَمر خلَافَة الشَّيْخَيْنِ، وَقد وَقع مثل مَا قَالَ على مَا نذكرهُ، ورؤيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حق بِلَا خلاف.

وَعبد الرحمان بن شيبَة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن شيبَة أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم الْمدنِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خَالِد بن حزَام بن خويلد أَبُو الْقَاسِم الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، يروي عَن أَبِيه الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، وَهُوَ يروي عَن مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ الإِمَام، وَهُوَ يروي عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن أَحْمد بن يُونُس.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أَحْمد بن يُونُس بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يُوسُف ابْن سعيد.

قَوْله: ( فِي صَعِيد) ، هُوَ فِي اللُّغَة وَجه الأَرْض.
قَوْله: ( ذنوباً) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدَّلْو الممتليء مَاء،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: هُوَ الدَّلْو الْعَظِيم.
قَوْله: ( أَو ذنوبين) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( وَفِي بعض نَزعه) ، أَي: فِي استقائه.
قَوْله: ( ضعف) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَضمّهَا لُغَتَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ حط من فَضِيلَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن حَال ولَايَته، فَإِنَّهُ اشْتغل بِقِتَال أهل الرِّدَّة فَلم يتفرغ لفتح الْأَمْصَار وجباية الْأَمْوَال، ولقصر مدَّته فَإِنَّهَا سنتَانِ وَثَلَاثَة أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( وَالله يغْفر لَهُ) لَيْسَ فِيهِ تنقيص لَهُ وَلَا إِشَارَة إِلَى ذَنْب، وَإِنَّمَا هِيَ كلمة يدعمون بهَا كَلَامهم، ونعمت الدعامة.
قَوْله: ( ثمَّ أخدها) أَي: الذُّنُوب،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَي فَأخذ الْخلَافَة.
قلت: لفظ الْخلَافَة غير مَذْكُور، وَإِنَّمَا الذُّنُوب الَّتِي استحالت غرباً كِنَايَة عَن خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( فاستحالت بِيَدِهِ غرباً) ، أَي: تحولت من الصغر إِلَى الْكبر، والغرب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء: الدَّلْو الْعَظِيم يسقى بِهِ الْبَعِير، فَهِيَ أكبر من الذُّنُوب، وهيه الْحَال إِنَّمَا حصله لَهُ لطول أَيَّامه وَمَا فتح الله لَهُ من الْبِلَاد وَالْأَمْوَال والغنائم فِي عَهده، وَأَنه مصَّر الْأَمْصَار، ودوَّن الدَّوَاوِين،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا الْمَنَام مِثَال لما جرى للخليفتين من ظُهُور آثارهما وانتفاع النَّاس بهما، وكل ذَلِك مَأْخُوذ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ هُوَ صَاحب الْأَمر، فَقَامَ بِهِ أكمل قيام وَقرر الْقَوَاعِد، ثمَّ خَلفه أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنتَيْن فقاتل أهل الرِّدَّة وَقطع دابرهم، ثمَّ خَلفه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاتسع الْإِسْلَام فِي زَمَنه، فقد شبه أَمر الْمُسلمين بقليب فِيهِ المَاء الَّذِي بِهِ حياتهم وصلاحهم، وسقيهما قيامهما بمصالحهم، وسقيه هُوَ قِيَامه بمصالحهم، قَوْله: ( عبقرياً) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، والعبقري: هُوَ الحاذق فِي عمله، وَهَذَا عبقري قومه أَي سيدهم، وَقيل: أصل هَذَا من عبقر وَهِي أَرض يسكنهَا الْجِنّ، فَصَارَ مثلا لكل مَنْسُوب إِلَى شَيْء غَرِيب فِي جودة صَنعته وَكَمَال رفعته، وَقيل: عبقر قَرْيَة يعْمل فِيهَا الثِّيَاب الْحَسَنَة فينسب إِلَيْهَا كل شَيْء جيد.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: العبقري كل شَيْء يبلغ النِّهَايَة فِي الْخَيْر وَالشَّر.
قَوْله: ( يفري فريه) ، يفري: بِكَسْر الرَّاء، و: فريه، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، ويروى: فريه، بِفَتْح الْفَاء وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: يعْمل عملا مصلحاً وَيقطع قِطْعَة مجيداً، يُقَال: فلَان، يفري فريه، إِذا كَانَ يَأْتِي بالعجب فِي عمله،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: يُقَال فِي الشجاع: مَا يفري أحد فريه، مُخَفّفَة الْيَاء وَمن شدد أَخطَأ، يُقَال: مَعْنَاهُ مَا كل أحد يفري على عمله.
قَوْله: ( حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن) ، والعطن مبرك الْإِبِل حول موردها لتشرب عللاً بعد نهل، وتستريح مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: ظَاهر لفظ: ( حَتَّى ضرب النَّاس) أَنه عَائِد إِلَى خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: يعود إِلَى خِلَافَتهمَا، لِأَن بتدبيرهما وقيامهما بمصالح الْمُسلمين تمّ هَذَا الْأَمر، لِأَن أَبَا بكر جمع شملهم وابتدأ الْفتُوح وتكامل فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: ( وَقَالَ همام) أَي: همام بن مُنَبّه ( عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذنوبين) يَعْنِي: من غير شكّ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّعْبِير من هَذَا الْوَجْه من غَيره.