فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب علامات النبوة في الإسلام

( بابُُ عَلاَماتِ النُّبُوَّةِ فِي الإسْلاَمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان عَلَامَات النُّبُوَّة، والعلامات جمع عَلامَة، إِنَّمَا لم يقل: معجزات النُّبُوَّة لِأَن الْعَلامَة أَعم مِنْهَا، وَمن الْكَرَامَة، وَالْفرق بَينهمَا ظَاهر، لِأَن المعجزة لَا تكون إلاَّ عِنْد التحدي بِخِلَاف الْكَرَامَة.
قَوْله: ( فِي الْإِسْلَام) ، أَي: فِي زمن الْإِسْلَام.



[ قــ :3409 ... غــ :3571 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا سَلْمُ بنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أبَا رَجاءٍ قَالَ حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ أنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسِيرٍ فأدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إذَا كانَ وَجْهُ الصِّبْحِ عَرَّسُوا فغَلَبَتْهُمْ أعْيُنُهُمْ حتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَكانَ أوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ أبُو بَكْرٍ وكانَ لَا يُوقِظِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَنَامِهِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ فاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فقَعَدَ أبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأسِهِ فجَعَلَ يُكَبِّرُ ويَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَلَ وصَلَّى بِنَا الغَدَاةَ فاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا فلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا فُلانُ مَا يَمْنَعُكَ أنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا قَالَ أصَابَتْنِي جَنابَة فأمَرَهُ أنْ يَتَيَمَّمَ بالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى وجَعَلَنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وقَدْ عَطِشْنَا عَطَشَاً شَدِيداً فبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إذَا نَحْنُ بامْرَأةٍ سادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ فَقُلْنَا لَهَا أيْنَ المَاءُ فقالَتْ إيهِ لَا مَاءَ فقُلْنَا كَمْ بَيْنَ أهْلِكِ وبَيْنَ المَاءِ قالَتْ يَوْم ولَيْلَةٌ فَقُلْنَا انْطَلِقِي إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ ومَا رَسُولُ الله فلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أمْرِهَا حتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدَّثْتُهُ بِمِثْلِ الَّذِي حدَّثَتْنَا غيْرَ أنَّهَا حَدَّثَتْهُ أنَّهَا مُؤْتِمَةٌ فأمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فمَسَحَ فِي العزْلاَوَيْنِ فشَرِبْنَا عِطَاشاً أرْبَعِينَ رَجُلاً حتَّى رَوِينَا فمَلأْنا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وإدَاوَةٍ غَيْرَ أنَّهُ لَمْ نَسْق بَعِيراً وَهْيَ تَكادُ تَنِضُّ مِنَ المِلْءِ ثُمَّ قَالَ هاتُوا مَا عِنْدَكُمْ فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ والتَّمْرِ حَتَّى أتَتْ أهْلَهَا قالَتْ لَقِيتُ أسْحَرَ النَّاسِ أوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا فَهَداى الله ذَلِكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ المَرْأةِ فأسْلَمَتْ وأسْلَمُوا.
( انْظُر الحَدِيث 443 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي تَكْثِير المَاء الْقَلِيل ببركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَسلم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: ابْن زرير، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى، وَقد مر فِي بَدْء الْخلق، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف عمرَان بن ملْحَان العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم بعد الْفَتْح وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ.

والْحَدِيث مر فِي كتاب التَّيَمُّم فِي: بابُُ الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم، بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فأدلجوا) ، من الإدلاج يُقَال: أدْلج الْقَوْم إِذا سَارُوا أول اللَّيْل، وَإِذا سَارُوا فِي آخر اللَّيْل يُقَال: أدلجوا، بتَشْديد الدَّال.
قَوْله: ( عرسوا) ، من التَّعْرِيس وَهُوَ: نزُول الْقَوْم آخر اللَّيْل يقفون فِيهِ وَقْفَة للاستراحة.
قَوْله ( وَكَانَ لَا يوقظ) على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: ( فَجعل يكبر) أَي: فَجعل أَبُو بكر يكبر رَافعا صَوته، وَقد تقدم فِي كتاب التَّيَمُّم: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الَّذِي كَانَ يكبر وَيرْفَع صَوته حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا وَقع فِي مُسلم فِي الصَّلَاة من حَدِيث عَوْف الْأَعرَابِي عَن أبي رَجَاء: أَن عمر كَانَ رجلا جليداً، فَكبر وَرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا مُنَافَاة، إِذْ لَا منع للْجمع بَينهمَا لاحْتِمَال أَن كلاًّ مِنْهُمَا فعل ذَلِك.
قَوْله: ( فِي ركُوب) ، بِالضَّمِّ جمع: رَاكب، وَبِفَتْحِهَا: مَا يركب.
قَوْله: ( سادلة) ، أَي: مُرْسلَة رِجْلَيْهَا، يُقَال: سدل ثَوْبه إِذا أرخاه.
قَوْله: ( مزادتين) ، تَثْنِيَة مزادة، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي: الراوية، وَسميت بهَا لِأَنَّهَا يُزَاد فِيهَا جلد آخر من غَيرهَا، وَلِهَذَا قيل: إِنَّهَا أكبر من الْقرْبَة.
قَوْله: ( إيه) ، بِلَفْظ الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ ويروي: أَيهَا،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَيهَا، بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى: هَيْهَات، ويروى: أيهات، على وزن: هَيْهَات، وَمَعْنَاهُ.
قَوْله: ( مؤتمة) ، من أيتمت الْمَرْأَة إِذا صَار أَوْلَادهَا أيتاماً فَهِيَ مؤتمة، بِكَسْر التَّاء، ويروى بِفَتْحِهَا.
قَوْله: ( فَمسح فِي العزلاوين) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فسمح بالعزلاوين، وَهِي تَثْنِيَة: عزلاء، بِسُكُون الزَّاي وبالمد، وَهُوَ: فَم الْقرْبَة، قَالَه بَعضهم قلت: العزلاء فَم المزادة الْأَسْفَل.
قَوْله: ( فشربنا عطاشاً) ، أَي شربنا حَالَة كوننا عطاشا قَوْله ( اربعين) بِالنّصب رِوَايَة الْكشميهني وَوجه النصب أَن بَيَان لقَوْله ( عطاشا) ويروى: أَرْبَعُونَ، بِالرَّفْع أَي: وَنحن أَرْبَعُونَ نفسا.
قَوْله: ( حَتَّى روينَا) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْوَاو: من الرّيّ.
قَوْله: ( تبض) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الضَّاد الْمُعْجَمَة المثقلة: أَي تسيل.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: تبض أَي: تَنْشَق فَيخرج مِنْهُ المَاء، يُقَال: بض المَاء من الْعين إِذا نبع، وَحكى القَاضِي عِيَاض عَن بعض الروَاة بالصَّاد الْمُهْملَة: من البصيص، وَهُوَ اللمعان، وَفِيه بعد، ويروى: تنض، بالنُّون عوض الْبَاء الْمُوَحدَة، وروى أَبُو ذَر عَن الْكشميهني: تنصب، من الانصبابُ، ويروى: تنضرج، من الضرج بالضاد الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْجِيم، وَهُوَ: الشق، ويروى: تيصر، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وصاد مُهْملَة وَرَاء، ذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن: أَن مَعْنَاهُ تَنْشَق.
قَالَ: وَمِنْه: صير الْبابُُ، أَي: شقَّه، ورده ابْن التِّين وَهُوَ أَجْدَر بِالرَّدِّ لِأَن فِيهِ تكلفاً من جِهَة الصّرْف، وَغير مَوْجُود فِي شَيْء من الرِّوَايَات.
قَوْله: ( ذَلِك الصرم) ، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء: وَهُوَ أَبْيَات مجتمعة نزُول على المَاء.





[ قــ :3410 ... غــ :357 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيُ عنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإنَاءٍ وهْوَ بالزَّوْرَاءِ فوَضَعَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ فجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصابِعِهِ فَتوَضَّأ الْقَوْمُ قَالَ قَتَادَةُ.

قُلْتُ لأِنَسٍ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَلاثَمِائَةٍ أوْ زُهاءٍ ثَلاثِمِائَةٍ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد بن أبي عدي.
واسْمه إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أبي مُوسَى.

قَوْله: ( وَهُوَ بالزوراء) ، جملَة حَالية، والزوراء بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْوَاو وبالراء وبالمد: مَوضِع بسوق الْمَدِينَة، وَوَقع فِي رِوَايَة همام عَن قَتَادَة عَن أنس: ( شهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَصْحَابه عِنْد الزَّوْرَاء وَعند بيُوت الْمَدِينَة) .
أخرجه أَبُو نعيم، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة شريك بن أبي نمر عَن أنس: أَنه هُوَ الَّذِي أحضر المَاء وَأَنه أحضرهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيت أم سَلمَة، وَأَنه رده بعد فراغهم إِلَى أم سَلمَة.
قَوْله: ( وَالْمَاء يَنْبع) ، إِمَّا أَنه يخرج من نفس الإصبع وينبع من ذَاتهَا، وَإِمَّا أَنه يكثر فِي ذَاته فيفور من بَين أَصَابِعه، وَهُوَ أعظم فِي الإعجاز من نبعه من الْحجر، لِأَن خُرُوج المَاء من الْحِجَارَة مَعْهُود بِخِلَاف خُرُوجه من بَين اللَّحْم وَالدَّم، وَيجوز فِي بَاء: يَنْبع، الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر.
قَوْله: ( زهاء) ، بِضَم الزاء ممدوداً: الْمِقْدَار.





[ قــ :3411 ... غــ :3573 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ قَالَ رأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحَانَتْ صَلاةُ العَصْرِ فالْتُمِسَ الوَضُوءُ فلَمْ يَجِدُوهُ فأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَضُوءٍ فوَضَعَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإنَاءِ فأمَرَ النَّاسَ أنْ يَتَوَضَّؤا مِنْهُ فرَأيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أصَابِعِهِ فتَوضَّأ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس.
وَقد مضى هَذَا فِي كتاب الطهار فِي: بابُُ التمَاس الْوضُوء إِذا حانت الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: ( من عِنْد آخِرهم) كلمة: من، هَهُنَا بِمَعْنى: إِلَى، وَهِي لُغَة.
.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ: يجوز مُطلقًا وضع حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مقَام بعض.



[ قــ :341 ... غــ :3574 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مُبَارَكٍ حدَّثنا حَزْم قَالَ سَمِعْتُ الحَسَنَ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْضِ مَخارِجِهِ ومعَهُ نَاس مِنْ أصْحَابِهِ فانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فحَضَرَتِ الصَّلاةُ فلَمْ يَجِدُوا مَاء يتَوَضَّؤنَ فانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ ماءٍ يَسيرٍ فأخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَوَضَّأ ثُمَّ مَدَّ أصَابِعَهُ الأرْبَعَ على القَدَحِ ثُمَّ قالَ قُومُوا فَتَوَضَّؤا فَتَوَضَّأ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الوَضُوءِ وكانُوا سَبْعِينَ أوْ نَحْوَهُ.
.


هَذَا الحَدِيث لأنس أَيْضا من وَجه آخر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك بن عبد الله الْعَبْسِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، ويروي عَن حزم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي: ابْن أبي حزم واسْمه مهْرَان، مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَمِائَة.
وَهُوَ يروي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض مخارجه) أَرَادَ بِهِ بعض أَسْفَاره.
قَوْله: ( وَمَعَهُ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.





[ قــ :3413 ... غــ :3575 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ أخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ حَضَرَتِ الصَّلاةُ فقامَ مَنْ كانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ المَسْجِدِ يَتَوَضَّأ وبَقِي قَوْمٌ فأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فيهِ ماءٌ فوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ المِخْضَبُ أنْ يَبْسُطَ فيِهِ كَفَّهُ فَضَمَّ أصَابِعَهُ فوَضَعَهَا فِي المِخْضَبِ فتَوَضَّأ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً.

قُلْتُ كَمْ كَانُوا قَالَ ثَمَانُونَ رَجُلاً.
.


هَذَا طَرِيق رَابِع فِي حَدِيث أنس الأول عَن قَتَادَة، وَالثَّانِي عَن إِسْحَاق، وَالثَّالِث عَن الْحسن، وَالرَّابِع عَن حميد، فَفِيهَا مُغَايرَة وَاضِحَة فِي الْمَتْن وَتَعْيِين الْمَكَان وَعدد من حضر وَغير ذَلِك، فَدلَّ هَذَا كُله على تعدد الْقَضِيَّة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: قصَّة نبع المَاء من أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكَرَّرت مِنْهُ فِي عدَّة مَوَاضِع فِي مشَاهد عَظِيمَة، ووردت من طرق كَثْرَة يُفِيد مجموعها الْعلم الْقطعِي الْمُسْتَفَاد من التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ، قَالَ: وَلم يسمع بِمثل هَذِه المعجزة من غير نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ نبع المَاء من بَين عصبه وعظبه ولحمه وَدَمه.

وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون: الْمروزِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون بن زادان أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( بمخضب) ، بِكَسْر الْمِيم وبالمعجمتين: المركن، وَهُوَ إِنَاء من حِجَارَة يغسل فِيهَا الثِّيَاب وَيُسمى الإجانة أَيْضا.





[ قــ :3414 ... غــ :3576 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا حُصَيْنٌ عنْ سالِمِ بنِ أبِي الجَعْدِ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ والنَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فتَوَضَّأ فجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ مَا لَكُمْ قالُوا لَيْسَ عِنْدَنا ماءٌ نَتَوَضَّأُولاَ نَشْرَبُ إلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فجَعَلَ الماءُ يَثُورُ بَيْنَ أصَابِعِهِ كأمْثَالِ العُيُونِ فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأنَا.

قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألْفٍ لكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم أَبُو زيد الْقَسْمَلِي الْمروزِي، سكن الْبَصْرَة، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الْكُوفِي، وَسَالم بن أبي الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: واسْمه رَافع الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يُوسُف بن عِيسَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَعَن رِفَاعَة ابْن الْهَيْثَم وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن الْحُسَيْن.

قَوْله: ( يَوْم الْحُدَيْبِيَة) ، وَهِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، وَالْحُدَيْبِيَة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة مِثَال دويهية وَهِي بِئْر على مرحلة من مَكَّة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: سميت الْحُدَيْبِيَة بشجرة حدباء كَانَت هُنَاكَ،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا لَا يُرِيد حَربًا، وَخرج مَعَه نَاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن لحق بِهِ من الْعَرَب، وَكَانَ مَعَه من الْهَدْي سَبْعُونَ بَدَنَة، وَكَانُوا خمس عشرَة مائَة على مَا ذكره جَابر.
وَعَن الْبَراء: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشرَة مائَة، رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: كَانُوا سَبْعمِائة، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِك تفقهاً من تِلْقَاء نَفسه من حَيْثُ إِن الْبدن كَانَت سبعين بَدَنَة.
قَوْله: ( بَين يَدَيْهِ ركوة) بِفَتْح الرَّاء وَهِي: إِنَاء صَغِير من جلد يشرب مِنْهَا المَاء، وَالْجمع: ركا.
قَوْله: ( فجهش النَّاس) بِفَتْح الْجِيم وَالْهَاء بعْدهَا شين مُعْجمَة، وَهُوَ فعل مَاض، وَالنَّاس فَاعله، وَمَعْنَاهُ: أَسْرعُوا إِلَى أَخذ المَاء، وَالْفَاء فِي أَوله رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِدُونِ الْفَاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وجهش من الجهش وَهُوَ أَن يفزع الْإِنْسَان إِلَى غَيره وَيُرِيد الْبكاء، كَالصَّبِيِّ يفزع إِلَى أمه وَقد تهَيَّأ للبكاء.
قَوْله: ( يثور) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يفور، بِالْفَاءِ مَوضِع الثَّاء، وهما بِمَعْنى وَاحِد.





[ قــ :3415 ... غــ :3577 ]
- حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أرْبَعَ عَشْرَةَ مائَةً والحدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فنَزَحْنَاهَا حتَّى لَمْ نَتْرُكْ فيهَا قَطْرَةً فجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى شَفِيرِ البِئْرِ فدَعَا بِمَاءٍ فمَضْمَضَ ومَجَّ فِي البِئْرِ فمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حتَّى رَوِينَا ورَوِيَتْ أوْ صَدَرَتْ ركابُنَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله عَن الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( أَربع عشرَة مائَة) كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: ألفا وَأَرْبَعمِائَة، لَكِن قد يسْتَعْمل بترك الْألف وَاعْتِبَار المئات أَيْضا.
وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي رِوَايَة جَابر: كُنَّا خمس عشرَة مائَة، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: ألفا وَخَمْسمِائة، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه.
قَالَ: قدمنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن أَربع عشرَة مائَة، وَفِي ( التَّوْضِيح) فِي قَول جَابر: كُنَّا خمس عشرَة مائَة، قَالَ ابْن الْمسيب: هَذَا وهم، وَكَانُوا أَربع عشرَة مائَة، وعَلى هَذَا مَالك وَأكْثر الروَاة.
وَقيل: كَانُوا ثَلَاث عشرَة مائَة، فَإِذا كَانَ أَكثر الروَاة على أَربع عشرَة مائَة يحمل قَول من يزِيد على هَذَا مائَة أَو ينقص مائَة على عدد من انْضَمَّ إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من الْعَرَب، فَمنهمْ من جعل المضافين إِلَيْهِم مائَة، وَمِنْهُم من جعل الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثَلَاث عشرَة مائَة، وَلم يعدوا المضافين إِلَيْهِم لكَوْنهم أتباعاً.
قَوْله: ( على شَفير الْبِئْر) أَي: حَده وطرفه.
قَوْله: ( وَرويت) بِكَسْر الْوَاو.
قَوْله: ( أَو صدرت) أَي: رجعت.
قَوْله: ( رِكَابنَا) بِكَسْر الرَّاء أَي: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْقَوْم.





[ قــ :3416 ... غــ :3578 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِك يَقُولُ أبُو طَلْحَةَ لأِمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَعِيفاً أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ فهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ قالَتْ نَعَمْ فأخْرَجَتْ أقْرَاصَاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أخْرَجَتْ خِمَارَاً لَهَا فلَفتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي ولاَ ثْتنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فوَجَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ ومعَهُ النَّاسُ فقُمْتُ علَيْهِمْ فَقَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ فقُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِطَعامٍ فقُلْتُ نعَمْ فقالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ معَهُ قُومُوا فانْطَلَقَ وانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ أبُو طَلْحَة يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قدْ جاءَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنَّاسِ ولَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فقالَتِ الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فانْطَلَقَ أبُو طَلْحَةَ حتَّى لَقِيَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقْبَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طلْحَةَ مَعَهُ فَقَالَ رسوُلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فأتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزَ فَأمَرَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفُتَّ وعَصَرَتْ أمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فأدْمَتْهُ ثُمَّ قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ مَا شاءَ الله أنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذِنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذَنْ لِعَشَرَة فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذِنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ حتَّى شَبِعُوا والقَوْمُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم وَالِدَة أنس، وَقد اتّفقت الطّرق على أَن الحَدِيث الْمَذْكُور من مُسْند أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْمَاعِيل وَفِي النذور عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى ابْن يحيى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( ضَعِيفا أعرف فِيهِ الْجُوع) فِيهِ الْعَمَل بالقرائن، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طاوياً، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة بلغه أَنه لَيْسَ عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام، فَذهب فأجر نَفسه بِصَاع من شعير، فَعمل بَقِيَّة يَوْمه ذَلِك ثمَّ جَاءَ بِهِ.
وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أنس، قَالَ: رأى أَبُو طَلْحَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا يتقلب ظهرا لبطن، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أنس، قَالَ: جِئْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدته جَالِسا مَعَ أَصْحَابه يُحَدِّثهُمْ وَقد عصب بَطْنه بعصابة، فَسَأَلت بعض أَصْحَابه فَقَالُوا: من الْجُوع.
فَذَهَبت إِلَى أبي طَلْحَة فَأَخْبَرته، فَدخل على أم سليم، فَقَالَ: هَل من شَيْء ... الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب عَن أنس: جَاءَ أَبُو طَلْحَة إِلَى أم سليم فَقَالَ: أعندك شَيْء فَإِنِّي مَرَرْت على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقرىء أَصْحَاب الصّفة سُورَة النِّسَاء وَقد ربط على بَطْنه حجرا من الْجُوع.
قَوْله: ( فأخرجت أقراصاً من شعير) .
وَعند أَحْمد من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن سِيرِين عَن أنس قَالَ: عَمَدت أم سليم إِلَى نصف مد من شعير فطحنته.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَأتي عَن أنس: أَن أمه أم سليم عَمَدت إِلَى مد من شعير جرشته ثمَّ عملته، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَمُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أنس: أَتَى أَبُو طَلْحَة بمدين من شعير فَأمر بِهِ فَصنعَ طَعَاما.
فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: لَا مُنَافَاة لاحْتِمَال تعدد الْقِصَّة: أَو أَن بعض الروَاة حفظ مَا لم يحفظه الآخر، وَقيل: يُمكن أَن يكون الشّعير من الأَصْل كَانَ صَاعا فأفردت بعضه لِعِيَالِهِ وَبَعضه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( ولاثتني) ، من الإلتياث، وَهُوَ الِالْتِفَات، وَمِنْه: لاث الْعِمَامَة على رَأسه أَي: عصبها وَأَصله من: اللوث، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ اللف وَمِنْه: لاث بِهِ النَّاس إِذا استداروا حوله، وَالْحَاصِل أَنَّهَا لفت بعضه على رَأسه وَبَعضه على أبطه، وَفِي الْأَطْعِمَة للْبُخَارِيّ: عَن إِسْمَاعِيل بن أويس عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: فلفت الْخبز بِبَعْضِه ودست الْخبز تَحت ثوبي وردتني بِبَعْضِه، يُقَال: دس الشَّيْء يدسه دساً إِذا أدخلهُ فِي الشَّيْء بقهر وَقُوَّة.
قَوْله: ( قَالَ: فَذَهَبت بِهِ) ، أَي: قَالَ أنس: فَذَهَبت بالخبز الَّذِي أرْسلهُ أَبُو طَلْحَة وَأم سليم.
قَوْله: ( أرسلك أَبُو طَلْحَة) .
بِهَمْزَة ممدودة للاستفهام على وَجه الاستخبار.
قَوْله: ( فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمن مَعَه) أَي: من الصَّحَابَة: ( قومُوا) ظَاهر هَذَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم أَن أَبَا طَلْحَة استدعاه إِلَى منزله، فَلذَلِك قَالَ لمن مَعَه: قومُوا.
فَإِن قلت: أول الْكَلَام يَقْتَضِي أَن أَبَا طَلْحَة وَأم سليم أرسلا الْخبز مَعَ أنس.
قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بإرسال الْخبز مَعَ أنس أَن يَأْخُذهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيأكله، فَلَمَّا وصل أنس وَرَأى كَثْرَة النَّاس حول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحيى وَظهر لَهُ أَن يَدْعُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقوم مَعَه وَحده إِلَى الْمنزل.
وَهنا وَجه آخر، وَهُوَ أَنه: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على رَأْي من أرْسلهُ عهد إِلَيْهِ أَنه إِذا رأى كَثِيرَة النَّاس أَن يَسْتَدْعِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحده خشيَة أَن لَا يكفيهم ذَلِك الشَّيْء، وَقد عرفُوا إِيثَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه لَا يَأْكُل وَحده، وَرِوَايَات مُسلم تَقْتَضِي: أَن أَبَا طَلْحَة استدعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْوَاقِعَة، فَفِي رِوَايَة سعد بن سعيد عَن أنس: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأدعوه، وَقد جعل لَهُ طَعَاما، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أنس: أَمر أَبُو طَلْحَة أم سليم أَن تصنع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنَفسِهِ خَاصَّة، ثمَّ أرسلتني إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس: فَدخل أَبُو طَلْحَة على أُمِّي، فَقَالَ: هَل من شَيْء؟ فَقَالَت: نعم عِنْدِي كسر من خبز، فَإِن جَاءَنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده أشبعناه، وَإِن جَاءَ أحد مَعَه قلَّ عَنْهُم.
وروى أَبُو نعيم من حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس، قَالَ لي أَبُو طَلْحَة: يَا أنس إذهب فَقُمْ قَرِيبا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يتفرق أَصْحَابه ثمَّ اتبعهُ حَتَّى إِذا قَامَ على عتبَة بابُُه، فَقل لَهُ: إِن أبي يَدْعُوك.
وروى أَحْمد من حَدِيث النَّضر بن أنس عَن أَبِيه، قَالَت لي أم سليم: إذهب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقل لَهُ: إِن رَأَيْت أَن تغدى عندنَا فافعل، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب، فَقَالَ: ( يَا بني { إذهب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَادعه وَلَا تدع مَعَه غَيره وَلَا تفضحني) .
قَوْله: ( وَلَيْسَ عندنَا مَا نطعمهم) ، أَي: قدر مَا يكفيهم.
قَوْله: ( فَقَالَت: الله وَرَسُوله أعلم) كَأَنَّهَا عرفت أَنه فعل ذَلِك عمدا لتظهر الْكَرَامَة فِي تَكْثِير ذَلِك الطَّعَام، وَدلّ ذَلِك على فطنة أم سليم ورجحان عقلهَا.
قَوْله: ( فَانْطَلق أَبُو طَلْحَة حَتَّى لَقِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَاسْتَقْبلهُ أَبُو طَلْحَة.
فَقَالَ: ( يَا رَسُول الله} مَا عندنَا إلاَّ قرص عملته أم سليم)
.
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عبد الله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: إِنَّمَا هُوَ قرص.
فَقَالَ: إِن الله سيبارك فِيهِ.
وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب.
فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا رَسُول الله! إِنَّمَا أرْسلت أنسا يَدْعُوك وَحدك وَلم يكن عندنَا مَا يشْبع من أرى.
فَقَالَ: أدخِل، فَإِن الله سيبارك فِيمَا عنْدك.
وَفِي رِوَايَة النَّضر بن أنس عَن أَبِيه: فَدخلت عَليّ أم سليم وَأَنا مندهش، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أَن أَبَا طَلْحَة قَالَ: يَا أنس فضحتنا.
وللطبراني فِي ( الْأَوْسَط) : فَجعل يرميني بِالْحِجَارَةِ.
قَوْله: ( هَلُمِّي يَا أم سليم) ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة: هَلُمَّ، وَهِي لُغَة حجازية، فَإِن عِنْدهم لَا يؤنث وَلَا يثنى وَلَا يجمع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} ( الْأَحْزَاب: 81) .
وَالْمرَاد بذلك طلب مَا عِنْدهَا.
قَوْله: ( عكة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: إِنَاء من جلد مستدير يَجْعَل فِيهِ السّمن غَالِبا وَالْعَسَل، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَقَالَ: هَل من سمن؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: قد كَانَ فِي العكة شَيْء، فجَاء بهَا فَجعلَا يعصرانها حَتَّى خرج، ثمَّ مسح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبابُته، ثمَّ مسح القرص فانتفخ.

     وَقَالَ : بِسم الله، فَلم يزل يصنع ذَلِك والقرص ينتفخ حَتَّى رَأَيْت القرص فِي الْجَفْنَة يتميع.
قَوْله: ( فأدمته) ، أَي: جعلته أداماً للمفتوت تَقول: أَدَم دلان الْخبز بِاللَّحْمِ يأدمه، بِالْكَسْرِ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: أدمته، أَي: أصلحته بالأدام.
قَوْله: ( إئذن لعشرة) ، أَي: إئذن بِالدُّخُولِ لعشرة أنفس، إِنَّمَا أذن لعشرة عشرَة ليَكُون أرْفق بهم، فَهَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل منزل أبي طَلْحَة وَحده، وَجَاء بذلك صَرِيحًا فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَلَفظه: فَلَمَّا انْتهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبابُُ، فَقَالَ لَهُم: اقعدوا، وَدخل.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة يَعْقُوب: أَدخل عَليّ ثَمَانِيَة، فَمَا زَالَ حَتَّى دخل عَلَيْهِ ثَمَانُون رجلا، ثمَّ دَعَاني ودعا أُمِّي ودعا أَبَا طَلْحَة فأكلنا حَتَّى شبعنا.
قلت: هَذَا يحمل على تعدد الْقِصَّة، وَأكْثر الرِّوَايَات: عشرَة عشرَة، سوى هَذِه، فَإِنَّهُ أدخلهم ثَمَانِيَة ثَمَانِيَة، وَالله أعلم.
قَوْله: ( فَأَكَلُوا) ، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: فَوضع يَده فِي وسط القرص، قَالَ: كلوا بِسم الله، فَأَكَلُوا من حوالي الْقَصعَة حَتَّى شَبِعُوا، وَفِي رِوَايَة بكر بن عبد الله: فَقَالَ لَهُم: كلوا من بَين أصابعي.
قَوْله: ( وَالْقَوْم سَبْعُونَ أَو ثَمَانُون) ، كَذَا وَقع بِالشَّكِّ، وَفِي غير هَذَا الْموضع الْجَزْم بالثمانين، وَفِي رِوَايَة مبارك بن فضَالة: حَتَّى أكل مِنْهُ بضعَة وَثَمَانُونَ رجلا، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: كَانُوا نيفاً وَثَمَانِينَ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن أبي طَلْحَة: وأفضلوا مَا بلغُوا جيرانهم، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عبد الله: وفضلت فضلَة فأهدينا لجيراننا، وَفِي رِوَايَة لسعد بن أبي سعيد: ثمَّ أَخذ مَا بَقِي فَجَمعه ثمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبركَةِ، فَعَاد كَمَا كَانَ.





[ قــ :3417 ... غــ :3579 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الآياتِ بَرَكَةً وأنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفاً كُنَّا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ المَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ فَجاؤُا بإنَاءٍ فِيهِ ماءٌ قَلِيلٌ فأدْخَلَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ والبَرَكَةُ مِنَ الله فلَقَدْ رأيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وهْوَ يُؤْكَلُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي نبع المَاء من بَين أَصَابِعه وَفِي تَسْبِيح الطَّعَام بَين يَدَيْهِ وهم يسمعونه، وَأَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الزبيرِي الْأَسدي الْكُوفِي، وَقد مر غير مرّة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن الْقَيْس، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار.

قَوْله: ( كُنَّا نعد الْآيَات) وَهِي الْأُمُور الخارقة للْعَادَة.
قَوْله: ( وَأَنْتُم تعدونها تخويفاً) أَي: لأجل التخويف، فَكَأَن ابْن مَسْعُود أنكر عَلَيْهِم عد جَمِيع الْآيَات تخويفاً، فَإِن بَعْضهَا يَقْتَضِي بركَة من الله: كشبع الْخلق الْكثير من الطَّعَام الْقَلِيل، وَبَعضهَا يَقْتَضِي تخويفاً من الله: ككسوف الشَّمْس وَالْقَمَر.
قَوْله: ( فِي سفر) ، جزم الْبَيْهَقِيّ أَنه فِي الْحُدَيْبِيَة، لَكِن لم يخرج مَا يُصَرح بِهِ، وَعند أبي نعيم فِي ( الدَّلَائِل) : أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة خَيْبَر، فَأخْرج من طَرِيق يحيى بن سَلمَة بن كهيل عَن أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة خَيْبَر، فَأصَاب النَّاس عَطش شَدِيد، فَقَالَ: يَا عبد الله إلتمس لي مَاء، فَأَتَيْته بِفضل ماءٍ فِي إداوة.
قَوْله: ( حَيّ على الطّهُور) أَي: هلموا إِلَى الطّهُور، وَهُوَ بِفَتْح الطَّاء، وَالْمرَاد بِهِ المَاء، وَيجوز ضمهَا وَيُرَاد الْفِعْل، أَي: تطهروا.
قَوْله: ( وَالْبركَة) ، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره.
قَوْله: ( من الله) وَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَن الإيجاد من الله تَعَالَى.
قَوْله: ( لقد كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل) ، أَي: فِي حَالَة الْأكل، وَذَلِكَ فِي عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :3418 ... غــ :3580 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حدَّثني عامِرٌ قَالَ حدَّثني جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ أباهُ تُوُفِّيَ وعلَيْهِ دَيْنٌ فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ إنَّ أبي تَرَكَ علَيْهُ دَيْناً ولَيْسَ عِنْدِي إلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلَهُ ولاَ يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سَنَتَيْنِ مَا عَلَيْهِ فانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْلاَ يُفْحِشَ علَيَّ الغُرَمَاءُ فمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فدَعَا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ علَيْهِ فَقَالَ انْزِعُوهُ فأوْفَاهُمْ الَّذِي لَهُمْ وبَقِيَ مِثْلُ مَا أعْطَاهُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ حُصُول الْبركَة الزَّائِدَة بمشيه حول البيادر حَتَّى بلغ مَا أخرج نخله ماعليه، وَفضل مثل ذَلِك، وَهَذِه أَيْضا من معجزاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.

والْحَدِيث مضى مطولا ومختصراً فِي مَوَاضِع فِي الاستقراض وَفِي الْجِهَاد وَفِي الشُّرُوط وَفِي الْبيُوع وَفِي الْوَصَايَا وَمر الْكَلَام فِي الْجَمِيع.

قَوْله: ( إلاَّ مَا يخرج نخله) من الْإِخْرَاج، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( وَلَا يبلغ مَا يخرج) من الْإِخْرَاج.
قَوْله: ( سنتَيْن) ، أَي: فِي مُدَّة سنتَيْن، وَهِي تَثْنِيَة سنة، ويروى بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: ( مَا عَلَيْهِ) ، مفعول قَوْله: ( وَلَا يبلغ) أَي: مَا على أبي من الدّين.
قَوْله: ( لكيلا يفحش) ، من الإفحاش.
قَوْله: ( عليَّ) بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( الْغُرَمَاء) ، بِالرَّفْع فَاعل يفحش.
قَوْله: ( فَمشى حول بيدر) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَقَالَ: نعم، فَانْطَلق فوصل إِلَى الْحَائِط فَمشى حول بيدر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الدَّال الْمُهْملَة: كالجرن للحب.
قَوْله: ( فَدَعَا) ، أَي: فِي ثمره بِالْبركَةِ.
قَوْله: ( ثمَّ آخر) أَي: ثمَّ مَشى حول بيدر آخر فَدَعَا.
قَوْله: ( فَقَالَ: انزعوه) أَي: إنزعوه من البيدر.
قَوْله: ( وَبَقِي مثل مَا أَعْطَاهُم) ، أَي: مثل مَا أعْطى أَصْحَاب الدُّيُون، وَفِي رِوَايَة مُغيرَة: وَبَقِي تمري كَأَنَّهُ لم ينقص مِنْهُ شَيْء، وَوَقع فِي رِوَايَة وهب بن كيسَان: فأوفاهه ثَلَاثِينَ وسْقا وفضلت لَهُ سَبْعَة عشر وسْقا.
وَيجمع بِالْحملِ على تعدد الْغُرَمَاء فَكَأَن أصل الدّين كَانَ مِنْهُ لِلْيَهُودِيِّ ثَلَاثُونَ وسْقا من صنف وَاحِد فأوفاه وَفضل من ذَلِك البيدر سَبْعَة عشر وسْقا، وَكَانَ مِنْهُ لغير ذَلِك الْيَهُودِيّ أَشْيَاء أخر من أَصْنَاف أُخْرَى فأوفاهم وَفضل من الْمَجْمُوع قدر الدّين الَّذِي أوفاه.