فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم «

( بابٌُ فِي فَضائِلِ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فَضَائِل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والفضائل جمع الْفَضِيلَة وَهِي خلاف النقيصة، كَمَا أَن الْفضل خلاف النَّقْص، وَالْفضل فِي اللُّغَة الزِّيَادَة من: فضل يفضل من بابُُ نصر ينصر، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فضل يفضل، من بابُُ علم يعلم، حَكَاهَا ابْن السّكيت، وَفِيه لُغَة مركبة مِنْهُمَا: فضِل بِالْكَسْرِ يفضُل بِالضَّمِّ، وَهُوَ شاذٌ لَا نَظِير لَهُ،.

     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: هَذَا عِنْد أَصْحَابنَا إِنَّمَا يَجِيء على لغتين، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ فضل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده: فَضَائِل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا بِدُونِ لَفْظَة: بابُُ، وَالْمرَاد بالفضائل: الْخِصَال الحميدة والخلال المرضية المشكورة، وَالْأَصْحَاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ، قَالَه الْجَوْهَرِي: وَالصَّحَابَة، بِالْفَتْح: الْأَصْحَاب وَهِي فِي الأَصْل مصدر وَجمع الْأَصْحَاب أصاحيب من صَحبه يَصْحَبهُ صُحْبَة، بِالضَّمِّ وصحابة بِالْفَتْح، وَجمع الصاحب صحب، مثل: رَاكب وَركب، وصحبة بِالضَّمِّ مثل: فاره وفرهة، وصحاب مثل: جَائِع وجياع، وصحبان مثل: شَاب وشبان.
وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أصْحَابِهِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَعْرِيف الصاحب، وَفِيه أَقْوَال:
الأول: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ من الْمُسلمين فَهُوَ من أَصْحَابه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يَعْنِي الصَّحَابِيّ مُسلم صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ، وَضمير الْمَفْعُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفَاعِل للْمُسلمِ على الْمَشْهُور الصَّحِيح، وَيحْتَمل الْعَكْس لِأَنَّهُمَا متلازمان عرفا.
فَإِن قلت: الترديد يُنَافِي التَّعْرِيف.
قلت: الترديد فِي أَقسَام الْمَحْدُود يَعْنِي الصَّحَابِيّ: قِسْمَانِ لكل مِنْهُمَا تَعْرِيف.
فَإِن قلت: إِذا صَحبه فقد رَآهُ.
قلت: لَا يلْزم، إِذْ عبد الله بن أم مَكْتُوم صَحَابِيّ اتِّفَاقًا مَعَ أَنه لم يره.
انْتهى.
قلت: من، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَهِي مَوْصُولَة، و: صحب، صلتها، وَقَوله: أوراه، عطف عَلَيْهِ أَو رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصاحب وَيحْتَمل الْعَكْس، كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي، لَكِن الأول أولى ليدْخل فِيهِ مثل ابْن أم مَكْتُوم.
وَقَوله: ( فَهُوَ من أَصْحَابه) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ، وَدخُول الْفَاء لتضمن الْمُبْتَدَأ الشَّرْط.
وَقَوله: ( من الْمُسلمين) قيد ليخرج بِهِ من صَحبه أَو رَآهُ من الْكفَّار، فَإِنَّهُ لَا يُسمى صحابياً، قيل: فِي كَلَام البُخَارِيّ نقص مَا يحْتَاج إِلَى ذكره، وَهُوَ: ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، والعبارة السالمة من الِاعْتِرَاض أَن يُقَال: الصَّحَابِيّ من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، ليخرج من ارْتَدَّ وَمَات كَافِرًا: كَابْن خطل وَرَبِيعَة بن أُميَّة وَمقيس بن صبابَُُة وَنَحْوهم، وَمِنْهُم من اشْترط فِي ذَلِك أَن يكون حِين اجتماعه بِهِ بَالغا، وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يخرج مثل الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما، وَنَحْوه من أَحْدَاث الصَّحَابَة.

القَوْل الثَّانِي: إِنَّه من طَالَتْ صحبته لَهُ وَكَثُرت مُجَالَسَته مَعَ طَرِيق التبع لَهُ وَالْأَخْذ عَنهُ، هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ عَن الْأُصُولِيِّينَ،.

     وَقَالَ : إِن اسْم الصَّحَابِيّ يَقع على ذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة، وَالظَّاهِر قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يطلقون إسم الصَّحَابَة على كل من روى عَنهُ حَدِيثا أَو كلمة يتوسعون حَتَّى يعدون من رَآهُ رُؤْيَة من الصَّحَابَة وَمن ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لَكِن لم يره ثَانِيًا بعد عوده، فَالصَّحِيح أَنه مَعْدُود فِي الصَّحَابَة لإطباق الْمُحدثين على عد الْأَشْعَث بن قيس وَنَحْوه مِمَّن وَقع لَهُ ذَلِك، وإخراجهم أَحَادِيثهم فِي المسانيد،.

     وَقَالَ  الْآمِدِيّ: الْأَشْبَه أَن الصَّحَابِيّ من رَآهُ وَحَكَاهُ عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب أَيْضا، لِأَن الصُّحْبَة تعم الْقَلِيل وَالْكثير، وَفِي كَلَام أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأبي دَاوُد مَا يَقْتَضِي أَن الصُّحْبَة أخص من الرُّؤْيَة، فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي طَارق بن شهَاب: لَهُ رُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، قَالَ شَيخنَا: وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعد فِي ( الطَّبَقَات) : عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن شُعْبَة عَن مُوسَى السينَانِي قَالَ: أتيت أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت: أَنْت آخر من بَقِي من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قد بَقِي قوم من الْأَعْرَاب، فَأَما من أَصْحَابه فَأَنا آخر من بَقِي، قَالَ ابْن الصّلاح: إِسْنَاده جيد.

القَوْل الثَّالِث: مَا روى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَا يعد الصَّحَابِيّ إلاَّ من أَقَامَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة أَو سنتَيْن، وغزا مَعَه غَزْوَة أَو غزوتين، وَهَذَا فِيهِ ضيق يُوجب أَن لَا يعد من الصَّحَابَة جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَمن شَاركهُ فِي فقد ظَاهر مَا اشْتَرَطَهُ فيهم مِمَّن لَا نعلم خلافًا فِي عده من الصَّحَابَة، قَالَ شَيخنَا: هَذَا عَن ابْن الْمسيب لَا يَصح، لِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف فِي الحَدِيث.

القَوْل الرَّابِع: إِنَّه يشْتَرط مَعَ طول الصُّحْبَة الْأَخْذ عَنهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن عَمْرو بن بَحر أبي عُثْمَان الجاحظ من أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة، قَالَ فِيهِ ثَعْلَب: إِنَّه غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَلَا يُوجد هَذَا القَوْل لغيره.

القَوْل الْخَامِس: أَنه من رَآهُ مُسلما بَالغا عَاقِلا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن أهل الْعلم وَالتَّقْيِيد بِالْبُلُوغِ شَاذ وَقد مر عَن قريب.

القَوْل السَّادِس: إِنَّه من أدْرك زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُسلم، وَإِن لم يره، وَهُوَ قَول يحيى بن عُثْمَان الْمصْرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَن دفن أَي بِمصْر من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن أدْركهُ وَلم يسمع مِنْهُ أَبُو تَمِيم الجيشاني، واسْمه عبد الله بن مَالك.
انْتهى.
وَإِنَّمَا هَاجر أَبُو تَمِيم إِلَى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِاتِّفَاق أهل السّير، وَمِمَّنْ حكى هَذَا القَوْل من الْأُصُولِيِّينَ: القرافى فِي ( شرح التَّنْقِيح) وَكَذَلِكَ، إِن كَانَ صَغِيرا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ.

فَائِدَة: وتعرف الصُّحْبَة إِمَّا بالتواتر: كَأبي بكر وَعمر وَبَقِيَّة الْعشْرَة وَخلق مِنْهُم، وَإِمَّا بالإستفاضة والشهرة القاصرة عَن التَّوَاتُر: كعكاشة بن مُحصن وضمام بن ثَعْلَبَة وَغَيرهمَا، وَإِمَّا بِإِخْبَار بعض الصَّحَابَة عَنهُ أَنه صَحَابِيّ: كحميمة بن أبي حميمة الدوسي الَّذِي مَاتَ بأصبهان مبطوناً، فَشهد لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكم لَهُ بِالشَّهَادَةِ، ذكر ذَلِك أَبُو نعيم فِي ( تَارِيخ أَصْبَهَان) وَإِمَّا بإخباره عَن نَفسه أَنه صَحَابِيّ بعد ثُبُوت عَدَالَته قبل إخْبَاره بذلك، هَكَذَا أطلق ابْن الصّلاح تبعا للخطيب،.

     وَقَالَ  شَيخنَا: لَا بُد من تَقْيِيد مَا أطلق من ذَلِك بِأَن يكون ادعاؤه لذَلِك يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر، أما لَو ادَّعَاهُ بعد مُضِيّ مائَة سنة من حِين وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ لَا يقبل، وَإِن كَانَ قد ثبتَتْ عَدَالَته قبل ذَلِك لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح: أَرَأَيْتُم ليلتكم هَذِه، فَإِنَّهُ على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى أحد مِمَّن على وَجه الأَرْض، يُرِيد انخرام ذَلِك الْقرن، فَإِن ذَلِك فِي سنة وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد اشْترط الأصوليون فِي قبُول ذَلِك مِنْهُ أَن يكون عرفت معاصرته للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْآمِدِيّ: فَلَو قَالَ من عاصره: أَنا صَحَابِيّ مَعَ إِسْلَامه وعدالته، فَالظَّاهِر صدقه.



[ قــ :3482 ... غــ :3649 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يقُولُ حدَّثنا أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتِي على النَّاسِ زَمانٌ فيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النًّاسِ فيَقُولُونَ أفِيكُمْ مَنْ صاحَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ لَهُمْ نعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يأتِي علَى النَّاسِ زَمانٌ فيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسَ فيُقالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صاحَبَ أصْحَابَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَأتِي على النَّاسِ زَمانٌ فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ فيُقال هَلْ فِيكُمْ مَنْ صاحبَ مَنْ صاحَبَ أصْحَابَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَقُولُونَ نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُمْ.
( انْظُر الحَدِيث 7982 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ من اسْتَعَانَ بالضعفاء وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فِئَام) ، بِكَسْر الْفَاء: الْجَمَاعَة من النَّاس لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، والعامة تَقول: فيام، بِلَا همزَة.





[ قــ :3483 ... غــ :3650 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ حدَّثنَا النَّضْرُ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بنَ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ: قالَ عِمْرَانُ فَلاَ أدْرِي أذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثَاً ثُمَّ إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَشْهَدُونَ ولاَ يُسْتَشْهَدُونَ ويَخُونُونَ ولاَ يُؤْتَمَنُونَ ويَنْذِرُونَ ولاَ يَفُونَ ويَظْهَرُ فِيهُمُ السِّمَنُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَبِذَلِك جزم ابْن السكن وَأَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِسْحَاق إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم وَإِمَّا ابْن مَنْصُور، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل مصغر الشمل بِالْمُعْجَمَةِ، مر فِي الْوضُوء، وَأَبُو جَمْرَة، بِفَتْح الْجِيم وبالراء: نضر بن عمرَان صَاحب ابْن عَبَّاس، وزهدم، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره مِيم: ابْن مضرب بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة: الْجرْمِي، بِفَتْح الْجِيم.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بابُُ لَا يشْهد على جور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( خير أمتِي قَرْني) أَي: أهل قَرْني، وهم الصَّحَابِيّ، والقرن أهل زمَان وَاحِد مُتَقَارب اشْتَركُوا فِي أَمر من الْأُمُور الْمَقْصُودَة وَاخْتلف فِي الْقرن من عشرَة إِلَى مائَة وَعشْرين، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه ثَلَاثُونَ سنة.
قَوْله: ( ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي: الْقرن الَّذِي بعدهمْ، وهم التابعون.
قَوْله: ( فَلَا أَدْرِي) شكّ عمرَان بعد قرنه: هَل ذكر قرنين أَو ذكر ثَلَاثَة؟ وَجَاء أَكثر طرق هَذَا الحَدِيث بِغَيْر شكّ، وروى مُسلم من حَدِيث عَائِشَة، قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! أَي النَّاس خير؟ قَالَ: الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث، وروى الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عمر يرفعهُ: خير أمتِي الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ وَالثَّانِي ثمَّ الثَّالِث.
وَوَقع فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ إِثْبَات الْقرن الرَّابِع، وَلَفظه: خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الْآخرُونَ أردى، وَرِجَاله ثِقَات إلاَّ أَن جعدة بن هُبَيْرَة مُخْتَلف فِي صحبته.
فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير أحد التَّابِعين بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليدركن الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُم لمثلكم أَو خير ثَلَاثًا، وَلنْ يخزى الله أمة أَنا أَولهَا والمسيح آخرهَا، وروى ابْن عبد الْبر من حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: أفضل الْخلق إِيمَانًا قوم فِي أصلاب الرِّجَال يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني.
قلت: لَا يُقَاوم الْمسند الصَّحِيح وَالثَّانِي ضَعِيف.
قَوْله: ( ثمَّ إِن من بعدكم قوما) بنضب قوما عِنْد الْأَكْثَرين، ويروى: قوم، بِالرَّفْع قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لَا يكْتب الْألف فِي الْمَنْصُوب، وَيحْتَمل أَن يكون: إِن، تقريرية بِمَعْنى: نعم، وَفِيه بعد وتكلف.
انْتهى.
قلت: الِاحْتِمَال الأول أبعد من الثَّانِي، وَالْوَجْه فِيهِ أَن يكون ارْتِفَاع قوم على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَن بعدكم يَجِيء قوم، قَوْله: ( يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون) مَعْنَاهُ: يظْهر فيهم شَهَادَة الزُّور.
قَوْله: ( ويخونون وَلَا يؤتمنون) قيل: يطْلبُونَ الْأَمَانَة، ثمَّ يخونون فِيهَا، وَقيل: لَيْسُوا مِمَّن يوثق بهم.
قَوْله: ( وينذرون) بِضَم الذَّال وَكسرهَا.
قَوْله: ( وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح الْمِيم، قيل: مَعْنَاهُ يكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، وَقيل: يجمعُونَ الْأَمْوَال من أَي وَجه كَانَ، وَقيل: يغفلون عَن أَمر الدّين ويقللون الاهتمام بِهِ، لِأَن الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ وَقَالُوا: المذموم مِنْهُ مَا يتكسبه، وَأما الخلقي فَلَا.





[ قــ :3484 ... غــ :3651 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ ويَمِينُهُ شَهَادَتَهُ.
قَالَ إبرَاهِيمُ وكانُوا يَضْرِبُونَا علَى الشَّهَادَةِ والعَهْدِ ونَحْنُ صِغَارٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن قيس بن عَمْرو السَّلمَانِي، بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام: الْمرَادِي، قَالَ الْعجلِيّ: هُوَ جاهلي أسلم قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ وَكَانَ أَعور.

والْحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن مضى فِي الشَّهَادَات فِي: بابُُ لَا يشْهد على شَهَادَة جور، وَهَذَا مُكَرر حَقِيقَة، غير أَن هُنَا لفظ: وَنحن صغَار، لَيْسَ هُنَاكَ.

قَوْله: ( وَيَمِينه شَهَادَته) أَي: ويسبق يَمِينه شَهَادَته، قيل: هَذَا دور، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بَيَان حرصهم على الشَّهَادَة وترويجها يحلفُونَ على مَا يشْهدُونَ بِهِ، فَتَارَة يحلفُونَ قبل أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ وَتارَة يعكسون، أَو هُوَ مثل فِي سرعَة الشَّهَادَة وَالْيَمِين وحرص الرجل عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلَّة مبالاته فِي الدّين.
قَوْله: ( يضربونا) وروى يضربوننا، أَي: على الْجمع بَين الْيَمين وَالشَّهَادَة، وَالْمرَاد من الْعَهْد هُنَا الْيَمين.