فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مناقب المهاجرين وفضلهم "

( بابُُ مَناقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وفَضْلِهِمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، والمناقب جمع منقبة، وَهُوَ ضد المثلبة والمهاجرون هم الَّذين هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة إِلَى الله تَعَالَى، وَقيل: المُرَاد بالمهاجرين من عدا الْأَنْصَار، وَمن أسلم يَوْم الْفَتْح وهلم جراً، فالصحابة من هَذِه الْحَيْثِيَّة ثَلَاثَة أَصْنَاف وَالْأَنْصَار هم الْأَوْس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم، وَسقط لفظ: بابُُ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

مِنْهُمْ أبُو بَكْرٍ عَبْدُ الله بنُ أبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَي: من الْمُهَاجِرين وَمن سادتهم أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَجزم البُخَارِيّ بِأَن اسْمه: عبد الله، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَفِي ( التَّلْوِيح) : كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: عبد الْكَعْبَة، وَسمي فِي الْإِسْلَام: عبد الله، وَكَانَت أمه تَقول:
( يَا رب عبد الْكَعْبَة ... اسْتمع بِهِ يَا ربه)

( فَهُوَ بصخر أشبه)

وصخر اسْم أبي أمه، وَاسْمهَا: سلمى بنت صَخْر بن مَالك بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب وَكَانَت تكنى أم الْخَيْر.
قَوْله: ( ابْن أبي قُحَافَة) ، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف فَاء، واسْمه عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب، وَالْبَاقِي ذَكرْنَاهُ الْآن يلتقي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مرّة ابْن كَعْب، أسلم أَبَوَاهُ وَأمه أَيْضا هَاجَرت، وَذَلِكَ مَعْدُود من مناقبه لِأَنَّهُ انتظم إِسْلَام أَبَوَيْهِ وَجَمِيع أَوْلَاده، وَسمي أَيْضا الصّديق فِي الْإِسْلَام لتصديقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر ابْن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لما أسرِي بِهِ قَالَ لجبريل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن قومِي لَا يصدقوني، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: يصدقك أَبُو بكر، وَهُوَ الصّديق) ، وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يُسمى الأوَّاه، وَكَانَ يُسمى أَيْضا عتيقاً لقدمه فِي الْإِسْلَام.
وَفِي الْخَيْر، وَقيل لحسنه وجماله، وَسُئِلَ أَبُو طَلْحَة لِمَ سُمي أَبُو بكر عتيقاً، فَقَالَ: كَانَت أمه لَا يعِيش لَهَا ولد، فَلَمَّا وَلدته اسْتقْبلت بِهِ الْبَيْت، ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ إِن هَذَا عتيقك من الْمَوْت فهبه لي،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُعَلَّى، فَكَانَت أمه إِذا نقزته، قَالَت:
( عَتيق مَا عَتيق ... ذُو المنظر الأنيق)

( رشفت مِنْهُ ريق ... كالزرنب الْعَتِيق)

وَقيل: سمي بالعتيق لِأَنَّهُ عَتيق من النَّار، وَفِي ( ربيع الْأَبْرَار) للزمخشري: قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ لأبي قُحَافَة ثَلَاثَة من الْوَلَد أَسمَاؤُهُم عَتيق ومعتق ومعيتق، وَفِي ( الوشاح) لِابْنِ دُرَيْد: كَانَ يلقب ذُو الْخلال لعباءة كَانَ يخلها على صَدره،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: وَكَانَ يلقب أَمِير الشَّاكِرِينَ، وَأجْمع المؤرخون وَغَيرهم على أَنه يلقب خَليفَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حاشى ابْن خالويه فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب ( لَيْسَ) : الْفرق بَين الْخَلِيفَة والخالفة أَن الخالفة الَّذِي يكون بعد الرئيس الأول، قَالُوا لأبي بكر: أَنْت خَليفَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنِّي لست خَليفَة، وَلَكِنِّي خَلِيفَته، كنت بعده، أَي بقيت بعده واستخلفت فلَانا جعلته خليفتي، وَقد ردوا عَلَيْهِ ذَلِك، وَولي أَبُو بكر الْخلَافَة بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنتَيْن وَنصفا، وَقيل: سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر إلاَّ عشر لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر إلاَّ خمس لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر وَسبع لَيَال، وَقيل: ثَلَاثَة أشهر واثني عشر يَوْمًا، وَقيل: عشْرين شهرا، واستكمل بخلافته سنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب فِي الْمَسْجِد وَدفن لَيْلًا فِي بَيت عَائِشَة مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنزل فِي قَبره عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثمان، وَقيل: لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { لِلْفُقَرَاءِ المهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله ورِضْوَانَاً ويَنْصُرُونَ الله ورَسُولَهُ أولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ( الْحَشْر: 8) .
.

     وَقَالَ  الله تَعَالَى: { إلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} إِلَى قَوْلِهِ { إنَّ الله معَنَا} ( التَّوْبَة: 04) .

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، الْمَجْرُور بِإِضَافَة الْبابُُ إِلَيْهِ، وعَلى قَول أبي ذَر وَقَول الله، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ عطف على لفظ: مَنَاقِب الْمَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذِه مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، قَوْله تَعَالَى: للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: للْفُقَرَاء، بدل من قَوْله: لذِي الْقُرْبَى، والمعطوف وَهُوَ قَوْله: { مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} ( الْحَشْر: 7) .
قَوْله: ( الَّذين أخرجُوا) أَي: أخرجهم كفار مَكَّة من دِيَارهمْ.
قَوْله: ( يَبْتَغُونَ فضلا) أَي: يطْلبُونَ بهجرتهم فضل الله وغفرانه.
قَوْله: ( وينصرون الله) ، أَي: دين الله وَشرع نبيه.
قَوْله: ( أُولَئِكَ هم الصادقون) أَي: حققوا أَقْوَالهم بأفعالهم إِذْ هجروا دِيَارهمْ لجهاد أَعدَاء الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ تنصروه} يَعْنِي: إلاَّ تنصرُوا رَسُوله فَإِن الله ناصره ومؤيده وحافظه وكافيه، كَمَا تولى نَصره إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا.
قَوْله: ( إِلَى قَوْله: إِن الله مَعنا) ، فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، هَكَذَا: إِلَى قَوْله: إِن الله مَعنا، ويروي الْآيَة، وتمامها: { إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ وأيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى وَكلمَة الله هِيَ الْعليا وَالله عَزِيز حَكِيم} ( التَّوْبَة: 04) .
قَوْله: ( إِذا أخرجه) ، أَي: حِين أخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم الَّذين كفرُوا، وهم أهل مَكَّة من كفار قُرَيْش.
قَوْله: ( ثَانِي اثْنَيْنِ) حَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا، يُقَال: ثَانِي اثْنَيْنِ، يَعْنِي أحد الْإِثْنَيْنِ، وهما: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الصّديق، ويروى أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أمره بِالْخرُوجِ قَالَ: من يخرج معي؟ قَالَ: أَبُو بكر، وقرىء: ثَانِي اثنني، بِالسُّكُونِ قَوْله: ( إِذْ هما) بدل من قَوْله ( إِذْ أخرجه) والغار ثقب فِي أَعلَى ثَوْر جبل من جبال مَكَّة على مسيرَة سَاعَة قَوْله ( إِذْ يَقُول) ، بدل ثَان، وَصَاحبه: هُوَ أَبُو بكر، وَقَالُوا: من أنكر صُحْبَة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كَلَام الله، وَلَيْسَ ذَلِك لسَائِر الصَّحَابَة.
قَوْله: ( فَأنْزل الله سكينته) أَي: تأييده وَنَصره عَلَيْهِ، أَي: على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ، وَقيل: على أبي بكر، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، قَالُوا: لِأَن الرَّسُول لم تزل مَعَه سكينَة، وَهَذَا لَا يُنَافِي تجدّد سكينَة خَاصَّة بِتِلْكَ الْحَال.
قَوْله: ( وأيده بِجُنُود) أَي: الْمَلَائِكَة.
قَوْله: ( وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى) قَالَ ابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِكَلِمَة الَّذين كفرُوا: الشّرك، وَأَرَادَ بِكَلِمَة الله: لَا إلاه إلاَّ الله.
{ وَالله عَزِيز} فِي انتقامه من الْكَافرين: { حَكِيم} فِي تَدْبيره.

قالَتْ عَائِشَةُ وأبُو سَعِيدٍ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم وكانَ أبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الغَارِ
أما قَول عَائِشَة فَسَيَأْتِي مطولا فِي: بابُُ الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة، وَفِيه: ثمَّ لحق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَار فِي جبل ثَوْر، وَأما قَول أبي سعيد فقد أخرجه ابْن حبَان من طَرِيق أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَنهُ فِي قصَّة بعث أبي بكر إِلَى الْحَج، وَفِيه: فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت أخي وصاحبي فِي الْغَار، وَأما قَول ابْن عَبَّاس، فقد أخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم من طَرِيق عَمْرو بن مَيْمُون عَنهُ، قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يرْمونَ عليا وهم يظنون أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَفِيه: فَانْطَلق أَبُو بكر فَدخل مَعَه الْغَار.



[ قــ :3485 ... غــ :3652 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ رجَاء حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ قَالَ اشْتَرَي أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مِنْ عازِبٍ رَحْلاً بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لِعازِبٍ مُرِ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إلَيَّ رَحْلِي فَقَالَ عازِبٌ لاَ حَتَّى تُحَدِّثَنا كَيْفَ صَنَعْتَ أنْتَ وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ والمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ قَالَ ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فأحْيَيْنَا أوْ سَرَيْنا لَيْلَتَنَا ويَوْمَنَا حتَّى أظْهَرْنا وَقَامَ قائِمُ الظَّهِيرَةِ فرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أرَى مِنْ ظِلٍّ فآوَى إلَيْهِ فإذَا صَخْرَة أتَيْتُهَا فنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ثُمَّ.

قُلْتُ لَهُ اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ الله فاضْطَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ انْطَلَقْتُ أنْظُرُ مَا حَوْلِي هَلْ أرَي مِنَ الطَّلَبِ أحَدَاً فإذَا أَنا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أرَدْنَا فسألْتُهُ فقُلْتُ لَهُ لِمَنْ أنْتَ يَا غُلاَمُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فعَرَفْتُهُ فقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ.

قُلْتُ فَهَلْ أنْتَ حالِبٌ لَبَناً قَالَ نعَمْ فأمَرْتُهُ فاعْتَقَلَ شَاة مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أمَرْتُهُ أنْ يَنْفُضَ ضَرْعَها مِنَ الغُبارِ ثُمَّ أمَرْتُهُ أنْ ينفضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا ضرَبَ إحْدَى كَفَّيْهِ بالأخْرَى فحَلَبَ لِي كُثبَة مِنْ لَبَنٍ وقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إدَاوَةً علَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فصَبَبْتُ علَى اللَّبَنِ حتَّى بَرَدَ أسْفَلهُ فانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فقُلْتُ لَهُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله فَشَربَ حَتَّى رَضيتُ ثُمَّ.

قُلْتُ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رسُولَ الله قَالَ بَلَى فارْتَحَلْنَا والقَوْمُ يَطْلُبُونا فلَمْ يُدْرِكْنا أحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشَمٍ على فرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ هذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنا يَا رَسُولَ الله فَقالَ لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من حَيْثُ إِن فِيهِ فَضِيلَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
وَعبد الله بن رَجَاء، بِالْجِيم وَالْمدّ: ابْن الْمثنى الفداني أَبُو عَمْرو الْبَصْرِيّ، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، واسْمه عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي، والبراء بن عَازِب بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي الأوسي.

والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ عَلَامَات النُّبُوَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر هُنَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.

قَوْله: ( أَو سرينا) شكّ من الرَّاوِي، من: السرى، وَهُوَ الْمَشْي فِي اللَّيْل قَوْله: ( حَتَّى أظهرنَا) كَذَا عِنْد أبي ذَر بِالْألف، وأسقطها غَيره وَالصَّوَاب الأول، أَي: صرنا فِي وَقت الظّهْر.
قَوْله: ( قلت: قد آن الرحيل) أَي: دخل وقته، وَقد تقدم فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ألم يأنِ الرَّحيل؟ وَلَا مُنَافَاة لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا.
قَوْله: ( هَذَا الطّلب) جمع الطَّالِب.
قَوْله: ( إِن الله مَعنا) اقْتصر فِيهِ على هَذَا الْمِقْدَار، وَقد روى الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث عَن أبي خَليفَة عَن عبد الله بن رَجَاء شيخ البُخَارِيّ فَزَاد فِيهِ فِي آخِره: وَمضى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَة لَيْلًا، فَتَنَازَعَ الْقَوْم أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ.
فَذكر الْقِصَّة مُطَوَّلَة.

تُرِيحُونَ بالْعَشِيِّ وتَسْرَحُونَ بالغَدَاةِ
هَذَا إِشَارَة إِلَى تَفْسِير قَوْله: { وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} ( النَّحْل: 6) .
وَلَا مُنَاسبَة لذكره هُنَا أصلا إلاَّ أَنه ذكر فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده، وَالصَّوَاب أَن يذكر هَذَا عِنْد حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة الْهِجْرَة، فَإِن فِيهِ: ويرعى عَلَيْهَا عَامر بن فهَيْرَة ويريحها عَلَيْهَا، وَلَا مُنَاسبَة لَهُ فِي حَدِيث الْبَراء، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ هَذِه اللَّفْظَة.





[ قــ :3486 ... غــ :3653 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سنانٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ ثابِتٍ البُنَانِيِّ عنْ أنَسٍ عنْ أبي بَكْر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ.

قُلْتُ لِ لنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ي الغارِ لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ نظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ الله ثالِثُهُمَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ منقبة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمُحَمّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين بَينهمَا ألف: أَبُو بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وَهُوَ من أَفْرَاده، وهما بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ ابْن أسلم الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبنانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّفْسِير عَن عبد الله بهَا مُحَمَّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبد بن حميد وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن زِيَاد بن أَيُّوب.

قَوْله: ( عَن ثَابت) ، فِي رِوَايَة خبان بن هِلَال فِي التَّفْسِير عَن همام: حَدثنَا ثَابت.
قَوْله: ( عَن أنس عَن أبي بكر) فِي رِوَايَة حبَان بن هِلَال: حَدثنَا أنس حَدثنِي أَبُو بكر.
قَوْله: ( قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا فِي الْغَار) ، وَفِي رِوَايَة حبَان الْمَذْكُورَة، فَرَأَيْت آثَار الْمُشْركين، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن همام، فَرفعت رَأْسِي فَإِذا أَنا بأقدام الْقَوْم.
قَوْله: ( مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟) أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالاثنين نَفسه وَأَبا بكر، وَمعنى ثالثهما: بِالْقُدْرَةِ والنصرة والإعانة، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أَسمَاء، فَقَالَ: أسكت يَا أَبَا بكر: إثنان الله ثالثهما، فَقَوله: إثنان، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: نَحن اثْنَان، الله ناصرهما ومعينهما، وَالله تَعَالَى أعلم.