فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب، إلا باب أبي بكر»

(بابُُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُدّوا الأبْوَابَ إلاَّ بابَُ أبِي بَكْر قالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، هَذَا وَصله البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة بِلَفْظ: سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد، وَهَذَا هُنَا نقل بِالْمَعْنَى، وَلَفظه: فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن سِنَان، وَلَفظه: لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد بابُُ إلاَّ سُدَّ إلاَّ بابُُ أبي بكر.
وَالثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ وَلَفظه: سدوا عني كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

[ قــ :3487 ... غــ :3654 ]
- حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أبُو عامِرٍ حدَّثنَا فُلَيْحٌ قَالَ حدَّثني سالِمٌ أبُو النَّضْرِ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خطَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاسَ.

     وَقَالَ  إنَّ الله خَيَّرَ عَبْدَاً بيْنَ الدُّنْيَا وبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ الله قَالَ فبَكَى أبُو بَكْرٍ فعَجِبْنَا لِبُكائِهِ أنْ يُخْبِرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ المُخَيَّرَ وكانَ أبُو بَكْرٍ أعْلَمَنَا بِهِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِنْ أمَنِّ النَّاسِ علَيَّ فِي صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبَا بَكْرٍ ولَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلامِ ومَوَدَّتُهُ لاَ يَبْقَيَن فِي المَسْجِدِ بابٌُ إلاَّ سُدَّ إلاَّ بابَُ أبِي بَكْرٍ.
(انْظُر الحَدِيث 664 وطرفه) .


هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد، وَقد أخرجه عَن مُحَمَّد بن سِنَان كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَهُوَ يرْوى عَن فليح، وَهنا أخرجه: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن أبي عَامر الْعَقدي، واسْمه عبد الْملك بن عَمْرو الْبَصْرِيّ عَن فليح، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ وَكَانَ اسْمه عبد الله، وفليح لقبه، وَهُوَ يروي عَن سَالم أبي النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي عَن بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد مولى الْحَضْرَمِيّ من أهل الْمَدِينَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده) ، وَفِي لفظ: (بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَين مَا عِنْده) .
قَوْله: (وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (إِن من أمنِّ النَّاس) ، ويروي: (إِن أَمن النَّاس) .
قَوْله: (أَبَا بكر) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرُوِيَ: أَبُو بكر، بِالرَّفْع وَتكلم الشُّرَّاح فِي وَجه الرّفْع بالتعسفات فَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك، بل وَجه الرّفْع إِن صَحَّ على رِوَايَة: (إِن أَمن النَّاس) ، بِدُونِ لَفْظَة: من، وَلَفظ: أَمن، أفعل تَفْضِيل من الْمَنّ وَهُوَ الْعَطاء والبذل، والمعني: إِن أبذل النَّاس لنَفسِهِ وَمَاله، لَا من الْمِنَّة.
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (مَا لأحد عندنَا يَد إلاَّ كافأناه عَلَيْهَا مَا خلا أَبَا بكر، فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة) .
وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: (مَا أحد أعظم مني يدا من أبي بكر، واساني بِنَفسِهِ وَمَاله، وأنكحني ابْنَته) .
وَفِي حَدِيث مَالك بن دِينَار عَن أنس رَفعه: إِن أعظم النَّاس علينا منا أَبُو بكر، زَوجنِي ابْنَته وواساني بِنَفسِهِ، وَإِن خير الْمُسلمين مَالا أَبُو بكر أعتق بِلَالًا وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة، أخرجه ابْن عَسَاكِر، وَجَاء عَن عَائِشَة مِقْدَار المَال الَّذِي أنفقهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فروى ابْن حبَان من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: أنْفق أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، وَرُوِيَ عَن الزبير بن بكار عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، أَنه: لما مَاتَ أَبُو بكر مَا ترك دِينَارا وَلَا درهما.
قَوْله: (وَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا) قَالَ الدَّاودِيّ: لَا يُنَافِي هَذَا قَول أبي هُرَيْرَة وَأبي ذَر وَغَيرهمَا: أَخْبرنِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن ذَلِك جَائِز لَهُم، وَلَا يجوز لأحد مِنْهُم أَن يَقُول: أَنا خَلِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلِهَذَا يَقُول: إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، وَلَا يُقَال: الله خَلِيل إِبْرَاهِيم.
وَاخْتلف فِي معنى الْخلَّة واشتقاقها، فَقيل: الْخَلِيل الْمُنْقَطع إِلَى الله تَعَالَى الَّذِي لَيْسَ فِي انْقِطَاعه إِلَيْهِ ومحبته لَهُ اختلال، وَقيل: الْخَلِيل الْمُخْتَص، وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل غير وَاحِد، وَقيل: أصل الْخلَّة الاستصفاء، وَسمي إِبْرَاهِيم خَلِيل الله لِأَنَّهُ يوالي فِيهِ ويعادي فِيهِ، وخلة الله لَهُ نَصره، وَجعله إِمَامًا لمن بعده، وَقيل: الْخَلِيل أَصله الْفَقِير الْمُحْتَاج الْمُنْقَطع، مَأْخُوذ من الْخلَّة وَهِي الْحَاجة، فَسُمي إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، خَلِيلًا لِأَنَّهُ قصر حَاجته على ربه وَانْقطع إِلَيْهِ بهمه، وَلم يَجعله قبل غَيره.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر بن فورك: الْخلَّة صفاء الْمَوَدَّة الَّتِي توجب الِاخْتِصَاص بتخلل الْأَسْرَار، وَقيل: أصل الْخلَّة الْمحبَّة، وَمَعْنَاهَا: الْإِسْعَاف والإلطاف، وَقيل: الْخَلِيل من لَا يَتَّسِع قلبه لسواه.

وَاخْتلف الْعلمَاء أَرْبابُُ الْقُلُوب أَيهمَا أرفع دَرَجَة: دَرَجَة الْخلَّة أَو دَرَجَة الْمحبَّة؟ فجعلهما بَعضهم سَوَاء، فَلَا يكون الحبيب إلاَّ خَلِيلًا، وَلَا يكون الْخَلِيل إلاَّ حبيباً، لكنه خص إِبْرَاهِيم بالخلة وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا السَّلَام، بالمحبة، وَبَعْضهمْ قَالَ: دَرَجَة الْخلَّة أرفع، وَاحْتج بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي، فَلم يَتَّخِذهُ وَقد أطلق، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمحبَّة لفاطمة وابنيها وَأُسَامَة وَغَيرهم.
وَأَكْثَرهم جعل الْمحبَّة أرفع من الْخلَّة لِأَن دَرَجَة الحبيب نَبينَا أرفع من دَرَجَة الْخَلِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وأصل الْمحبَّة الْميل إِلَى مَا يُوَافق الْمُحب، وَلَكِن هَذَا فِي حق من يَصح الْميل مِنْهُ وَالِانْتِفَاع بالوفق وَهِي دَرَجَة الْمَخْلُوق، وَأما الْخَالِق عز وَجل فمنزه عَن الْأَعْرَاض فمحبته لعَبْدِهِ تَمْكِينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أَسبابُُ الْقرب وإفاضة رَحمته عَلَيْهِ، وقصواها كشف الْحجاب عَن قلبه حَتَّى يرَاهُ بِقَلْبِه وَينظر إِلَيْهِ ببصيرته، فَيكون كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث: (فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَلسَانه الَّذِي ينْطق بِهِ) ، وَلَا يَنْبَغِي أَن يفهم من هَذَا سوى التجرد لله تَعَالَى والانقطاع إِلَيْهِ والإعراض عَن غَيره، وصفاء الْقلب وإخلاص الحركات لَهُ.
وَنقل ابْن فورك عَن بعض الْمُتَكَلِّمين كلَاما فِي الْفرق بَين الْمحبَّة والخلة بِكَلَام طَوِيل ملخصه: الْخَلِيل يصل بالواسطة من قَوْله: { وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض} (الْأَنْعَام: 57) .
والحبيب يصل لحبيبه بِهِ من قَوْله: { فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} (النَّجْم: 9) .
والخليل الَّذِي تكون مغفرته فِي حد الطمع من قَوْله: { وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} (الشُّعَرَاء: 28) .
والحبيب الَّذِي مغفرته فِي حد الْيَقِين من قَوْله عز وَجل: { ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2) .
والخليل، قَالَ: { وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} (الشُّعَرَاء: 78) .
والحبيب قيل لَهُ: يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي، فابتدأ بالبشارة قبل السُّؤَال، والخليل قَالَ فِي الْمحبَّة: حسبي الله، والحبيب قيل لَهُ: { يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله} (الْأَنْفَال: 46) .
والخليل قَالَ: { وَاجعَل لي لِسَان صدق} (الشُّعَرَاء: 78) .
والحبيب قيل لَهُ: { ورفعنا لَك ذكرك} (الشَّرْح: 4) .
أعطي بِلَا سُؤال.
والخليل قَالَ: { واجنبني وبنيَّ أَن نعْبد الْأَصْنَام} (إِبْرَاهِيم: 53) .
والحبيب قيل لَهُ: { إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} (الْأَحْزَاب: 33)
قَوْله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) أخوة الْإِسْلَام مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، نَحْو: أفضل من كل أخوة، ومودة لغير الْإِسْلَام.
وَقيل: وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خوة الْإِسْلَام، بِغَيْر الْألف، فَقَالَ ابْن بطال: لَا أعرف معنى هَذِه الْكَلِمَة وَلم أجد خوة بِمَعْنى خلة فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَكِن وجدت فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خلة الْإِسْلَام، وَهُوَ الصَّوَاب.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لَعَلَّ الْألف سَقَطت من الْكَاتِب فَإِن الْألف ثَابِتَة فِي سَائِر الرِّوَايَات،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك فِي تَوْجِيهه: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى النُّون فحذفت الْألف، وَجوز مَعَ حذفهَا ضم نون: لَكِن، وسكونها، وَلَا يجوز مَعَ إِثْبَات الْهمزَة إلاَّ سُكُون النُّون فَقَط.
انْتهى.
قلت: هَذَا تَوْجِيه بعيد لَا يُوَافق الْأُصُول.
قَوْله: (لَا يبْقين) ، بِفَتْح أَوله وبنون التَّأْكِيد، وَرُوِيَ بِالضَّمِّ وَإِضَافَة النَّهْي إِلَى الْبابُُ: تجوز لِأَن عدم بَقَائِهِ لَازم للنَّهْي عَن إبقائه، فَكَانَ الْمَعْنى: لَا تبقوه حَتَّى لَا تبقى.
قَوْله: (إلاَّ سُدَّ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (إلاَّ بابُُ أبي بكر) ، اسْتثِْنَاء مفرغ، وَمَعْنَاهُ: لَا تبقوا بابُُا غير مسدود إلاَّ بابُُ أبي بكر فاتركوه بِغَيْر سد.
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي آخر هَذَا الحَدِيث: فَإِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ نورا.
فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسد الْأَبْوَاب الشارعة فِي الْمَسْجِد وَترك بابُُ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) .
وَإِسْنَاده قوي، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) زِيَادَة وَهِي: فَقَالُوا يَا رَسُول الله { .
سدت أبوابنا؟ فَقَالَ: مَا أَنا سددتها وَلَكِن الله سدها.
وَنَحْوه عَن زيد بن أَرقم أخرجه أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس، فَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبابُُ.
قلت: جمع بَينهمَا بِأَن المُرَاد بِالْبابُُِ فِي حَدِيث عَليّ الْبابُُ الْحَقِيقِيّ.
وَالَّذِي فِي حَدِيث أبي بكر يُرَاد بِهِ الخوخة، كَمَا صرح بِهِ فِي بعض طرقه.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ فِي (مُشكل الْآثَار) : بَيت أبي بكر كَانَ لَهُ بابُُ من خَارج الْمَسْجِد وخوخة إِلَى دَاخله، وَبَيت عَليّ لم يكن لَهُ بابُُ إلاَّ من دَاخل الْمَسْجِد.
قلت: فَلذَلِك لم يَأْذَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأحد أَن يمر من الْمَسْجِد، وَهُوَ جنب إلاَّ لعَلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن بَيته كَانَ فِي الْمَسْجِد، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَام الْقُرْآن).

     وَقَالَ  الْخطابِيّ وَابْن بطال وَغَيرهمَا: فِي هَذَا الحَدِيث اخْتِصَاص ظَاهر لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَفِيه: إِشَارَة قَوِيَّة إِلَى اسْتِحْقَاقه للخلافة وَلَا سِيمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك كَانَ فِي آخر حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْوَقْت الَّذِي أَمرهم فِيهِ أَن لَا يؤمهم إلاَّ أَبُو بكر، وَقد ادّعى بَعضهم أَن الْبابُُ كِنَايَة عَن الْخلَافَة، وَالْأَمر بالسد كِنَايَة عَن طلبَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يطلبن أحد الْخلَافَة إلاَّ أَبَا بكر، فَإِنَّهُ لَا حرج عَلَيْهِ فِي طلبَهَا، وَإِلَى هَذَا مَال ابْن حبَان، فَقَالَ بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الْخلَافَة لَهُ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ حسم بقوله: سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد أطماع النَّاس كلهم عَن أَن يَكُونُوا خلفاء بعده، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل بستاناً وَجَاء آتٍ فدق الْبابُُ، فَقَالَ: يَا أنس}
إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبشره بالخلافة بعدِي، قَالَ فَقلت: يَا رَسُول الله { أعلمهُ؟ قَالَ: أعلمهُ، فَإِذا أَبُو بكر.
فَقلت: أبشر بِالْجنَّةِ وبالخلافة من بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ثمَّ جَاءَ آتٍ فَقَالَ: يَا أنس إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبالخلافة من بعد أبي بكر.
قلت: أعلمهُ؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: فَخرجت فَإِذا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فبشرته.
ثمَّ جَاءَ آتٍ فَقَالَ: يَا أنس}
إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبشره بالخلافة من بعد عمر، وَإنَّهُ مقتول، قَالَ: فَخرجت فَإِذا عُثْمَان، قَالَ: فَدخل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا إِنِّي وَالله مَا نسيت وَلَا تمنيت وَلَا مسست ذكري بيد بَايَعْتُك، قَالَ: هُوَ ذَاك، رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن.